“مرحبًا فتى البيض.. هل لديك مشكلة في تحديد من هو التالي، هذا قد يساعدك”، هذه العبارة كانت مكتوبة فوق رسمة جدارية في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، تجسد الفتى الأسترالي الذي أصبح أيقونة مواقع التواصل الاجتماعي بعدما ضرب السيناتور الأسترالي، فرايز أنينغ، ببيضة تعبيرًا عن احتجاجه ضد تصريحات الأخير العنصرية عقب حادثة استهداف مصلين في مسجد النور في مدينة كرايست تشيرتش النيوزيلندية.
حضر مسلسل “صراع العروش” أيضًا على جدران مدينة إدلب باستعارة الرسام لـ “العرش الحديدي” مضافًا إليه عبارة “لعبة الحرية.. ربيعنا هنا”.
ولم تغب الصورة الشهيرة التي خرجت من الثورة السودانية (الكنداكة السودانية) للشابة آلاء الصالح التي كانت تهتف بالمتظاهرين، عن جدران إدلب.
دُوّنت على لوحة “الكنداكة” عبارة “الحرية لم تعد تمثالًا بعد الآن، إنها كيان من لحم ودم”، بالتركيز على دور المرأة في ثورات الربيع العربي.
تلك اللوحات التي خُطت على جدران إدلب استُلهمت من فنان “الغرافيتي” الشهير والمجهول في الوقت ذاته، والمعروف باسم “بانكسي”، فكانت مشروعًا قائمًا بذاته.
مشروع “Syria Banksy”
قامت الثورة السورية لأسباب عديدة معروفة، من فقر وبطالة ومحسوبيات واحتكار للسلطة، ولكن الشرارة الأولى كانت من كلمة مخطوطة باللون الأحمر على جدران المحافظة الجنوبية لسوريا، درعا، ومن هنا البداية.
الجملة الأولى “إجاك الدور يا دكتور”، تلتها “يسقط النظام” ثم جمل مكتوبة ببساطة خط يد بعيدة المدى والتأثير.
فن “الغرافيتي” لم يكن دارجًا في سوريا قبيل الثورة السورية، على اعتباره واحدًا من الأدوات الفنية للتعبير عن الرأي.
في إدلب اليوم، حضر “الغرافيتي” بعمق الرسالة وجمال الخط والألوان، واتخذ من كل مناسبة عالمية رسالة في وجه النظام السوري.
فاروق نشار، المدير الإعلامي لمنظمة “كش ملك”، المسؤولة عن الرسومات، قال لعنب بلدي إن المشروع سمي بـ “Syria Banksy” تيمنًا بالرسالة التي يحملها أكثر رسامي “الغرافيتي” تأثيرًا بالعالم، والذي اشتهرت رسوماته بحمل رسائل نبيلة خلال تناوله لمواضيع سياسية، وثقافية وأخلاقية وإنسانية وغيرها.
وأضاف نشار أن المنظمة تهدف من خلال مشروعها إلى نقل صوت الشارع السوري، وإظهار قيم الحرية والعدالة والديمقراطية التي يسعى الشعب السوري لتحقيقها منذ انطلاقة الثورة، وذلك من خلال الرسم للفت أنظار العالم لما يحدث في سوريا من جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان.
مدير المشروع، حليم كاوا، قال إن “هناك مقولة شهيرة في سوريا وهي: الحيطان دفاتر المجانين.. نعم نحن مجانين بالحرية والكرامة والمعادلة”.
تمثل لوحة الصحفية الأمريكية، ماري كولفين، التي دخلت سوريا عام 2012 لنقل انتهاكات حقوق الإنسان في مدينة حمص أول نتاج المشروع، وكتبت على اللوحة الجدارية مقولة للصحفية “الكلمات على شفاه الجميع هنا.. لماذا تم التخلي عنا؟”.
“كش ملك”
تأسست المنظمة أواخر عام 2011 كـ “تنسيقية ثورية” في مدينة حلب، وتحولت بشكل تدريجي إلى منظمة مجتمع مدني في عام 2014.
ووفق مديرها الإعلامي، فاروق نشار، فإن المنظمة تعمل مع السوريين والسوريات لتحفيزهم على المشاركة الفاعلة في بناء المجتمع والانخراط في الشأن العام، كما تعمل من أجل إنشاء مساحات ثقافية واجتماعية تركز على الهوية الوطنية السورية والحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية.
تعمل المنظمة في مجالات التعليم وحماية الطفل وتمكين النساء في الداخل السوري وتحقيق المساواة بين الجنسين، ودعم اليافعين وتعزيز الفكر التطوعي من خلال مراكز في ريفي حلب الغربي والشمالي
ومن خلال برنامج “تعافي” تعمل على دعم الناجين من الاعتقال في سوريا وتشكيل شبكة تضامن للعمل على مناصرة قضية الاعتقال التعسفي، بحسب وصف نشار.
من هو بانكسي؟
بانكسي واحد من أشهر فناني “الغرافيتي” في العالم، لكنه رغم ذلك لا يزال مجهول الهوية.
عرف بانكسي باسمه من خلال توقيعه على لوحاته ولكن لم يعرف اسمه، ووفق موقع “بيوغرافي” فإن بانكسي ولد في بريستول في إنكلترا حوالي عام 1974.
لا تزال هوية بانكسي مجهولة على الرغم من محاولة التعرف عليه، ولكن الباحثين في شأنه تضاربوا بين اسمين شائعين وهما روبن بانكس وروبن جونينغهام، وربط باسم منطقة جونيجهام بعد انتقاله إليها عام 2000 حيث دلت رسوماته عليه.
بدأ الفنان مسيرته في الكتابة على الجدران في أوائل التسعينيات مع عصابة “الغرافيتي” التي يطلق عليها “DryBreadZ Crew” في بريستول، وعلى الرغم من عمله الحر (الرسم بطريقة حرة) إلا أنه استخدم “الاستنسل” (الورق المفرغ الذي يستخدم في الرسم) في بعض الأحيان، وأصبح عمله معروفًا على نطاق واسع حينها في جميع أنحاء بريستول ولندن، مع تطور أسلوبه وتوقيعه.
يتميز عمل فنان “الغرافيتي” الشهير بصوره المذهلة ودمجه لشعارات مع أعماله، وغالبًا ما يشتمل عمله على مواضيع سياسية ينتقد فيها بشكل ساخر الحروب والرأسمالية وصفات النفاق والجشع، كما ينتقد أفراد العائلة المالكة والشرطة التي لطالما طاردته على اعتبار عمله تخريبًا.
وتعتبر قطعته الفنية في الضفة الغربية لفلسطين واحدة من أكثر مواضيعه إثارةً للجدل والتي رسمها عام 2005.
شهرة بانكسي حولت أعماله في جميع أنحاء العالم من أعمال تخريبية إلى قطع فنية رفيعة المستوى، لدرجة ارتفاع أسعار الرسوم على الجدران، وعرف فن الشارع هذا باسم “تأثير بانكسي” وازداد الاهتمام بالفنان مع صدور فيلم وثائقي تحت عنوان “الخروج من محل بيع الهدايا” عام 2010، الفيلم الذي رشح لجائزة مهرجان ساندنس وجائزة الأوسكار.