كان عام 2018 ثقيلًا على الناشطين الإعلاميين والعاملين في الحراك السلمي في الشمال السوري “المحرر”، إذ شهد مقتل واعتقال العشرات منهم على يد مختلف أطراف النزاع في المنطقة، كان أبرزهم الناشط السلمي رائد الفارس وصديقه الناشط حمود جنيد، اللذين اغتيلا على يد ملثمين في وسط كفرنبل، تشرين الثاني الماضي.
لا يزال أثر اغتيال رائد وحمود حتى اليوم، إذ كانا من الشخصيات البارزة في حراك مدينة كفرنبل السلمي منذ مطلع أحداث الثورة السورية في عام 2011، وحل خبر اغتيالهما كصدمة ألقت بتبعاتها على عموم الحالة السلمية للثورة في إدلب، وسط تساؤلات عن مصير الحراك السلمي في كفرنبل في الأيام المقبلة بشكل خاص وإدلب بشكل عام، سواء بتراجعه عما كان سابقًا او استمراره دون أي تأثر.
وعلى مدار السنوات الماضية، التي سبقت اغتيال الفارس، تمكن إلى جانب العشرات من الناشطين في كفرنبل من جعلها من أهم المدن المهتمة بشؤون الثورة والمتميزة بحراكها المدني، والذي اختص بلوحات ولافتات تعبيرية اهتمت بها أشهر المعارض، لكونها تعبر عن حالة سلمية تهدف إلى التعبير عن آراء السوريين.
الحراك يتراجع
بعد أقل من شهر من اغتيال رائد وحمود توارى رسام لافتات كفرنبل أحمد جلل عن الأنظار، بعد محاولة عناصر “الحسبة” التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” اعتقاله، عقب تهديدات تعرض لها قبل أشهر من اغتيال الناشطين.
ينشط جلل في رسمه للوحات مدينة كفرنبل منذ بداية الحراك الثوري في سوريا، وقد شارك مع مجموعة من أبناء مدينته، من بينهم رائد وحمود بصياغة وإنتاج أفكار اللوحات واللافتات التي ترفع في المظاهرات السلمية.
يرى جلل في حديث لعنب بلدي أن “الحراك السلمي في كفرنبل تراجع في السنوات الأخيرة بسبب اتجاه الثورة بشكل عام للعسكرة”.
ويقول، “لم يعد يؤمن الأهالي بفعالية الحراك السلمي، فانحصرت المظاهرات ضمن فئة قليلة من الناشطين في كفرنبل حتى توقفت بشكل كامل منذ حوالي سنتين بسبب تخوين الأهالي لهؤلاء الناشطين واتهامهم بأنهم عملاء وعبيد دولار”.
وجاءت اتهامات الأهالي بعد تأثرهم “بالدعايات والشائعات التي أطلقتها القاعدة ومخلفاتها بهدف شيطنة أي فكر مغاير لفكرهم”، بحسب جلل.
في الأشهر الأربعة الماضية عادت المظاهرات إلى المناطق “المحررة” ترحيبًا بالحماية التركية بعد الشائعات التي أطلقها النظام السوري حول شن عملية عسكرية على إدلب وريفها.
لكن وبحسب جلل، فإن الفرق بين المظاهرات السابقة والأخيرة في الثورة هو أن الأولى “حركتها النخوة والرجولة”، أما الثانية فكانت بسبب الخوف من اجتياح النظام للمنطقة والدليل أنها توقفت بمجرد الحصول على الحماية التركية، وزوال محركها وهو الخوف.
ويوضح، “بعد اغتيال رائد وحمود خرجت وقفات غضب حضرتها الدائرة الضيقة من الأصدقاء والأقارب، وبعض الناشطين من خارج كفرنبل”، مشيرًا “المشاركة في آخر مظاهرة بكفرنبل ضعيفة جدًا من قبل الأهالي ومخجلة بعد رحيل رائد ابن كفرنبل وأهم شخصية في الشمال السوري”.
كيف يمكن تجديد الحراك السلمي؟
تعتبر مدينة كفرنبل، إلى جانب سراقب ومعرة النعمان، من المدن التي تصدرت مشهد المظاهرات في إدلب، رغم العراقيل التي كانت تضعها “تحرير الشام” التي تسيطر عليها بشكل كامل.
وبعد اغتيال رائد وحمود ظهرت لافتات قليلة في المدينة، ولم تخرج المظاهرات على النحو الذي كانت عليه سابقًا.
ومن وجهة نظر جلل، “مات الحراك السلمي بموت الشباب، ولن يعود مرة أخرى لأن معظم الأشخاص الذين لديهم النخوة وحس المبادرة والقدرة على التغيير هم الذين خرجوا في 2011 وحاليًا هم بين شهيد ومعتقل ومهجر (…) لن يعود إلا بظهور جيل جديد يحمل نفس الأفكار والقدرة على التغيير”.
وعن حراكه الخاص يقول، “في الوقت الحالي عملي منحصر بفضح القتلة والتشهير بالنصرة عن طريق حسابي في فيس بوك، لأنه لا يوجد في الوقت الحالي متظاهر يجرؤ على حمل رسوماتي”.
راديو “فريش” يستمر
لم يقتصر الحراك السلمي في كفرنبل على الخروج بالمظاهرات ورفع اللافتات المناهضة للنظام السوري وتنظيم “القاعدة”، بل ارتبط براديو “فريش” الذي أسسه رائد الفارس وكان مديرًا له، وأحد الأسباب التي تعرض من أجلها للتهديدات بالقتل.
وكانت “جبهة النصرة” (المنحلة في هيئة تحرير الشام) أقدمت على اعتقال الفارس مرتين، إحداهما في عام 2014 مع المصور حمود جنيد على حاجز في معرة النعمان، والأخرى مع الناشط هادي العبد الله في عام 2016 من مقر الراديو في كفرنبل.
في حديث سابق إلى عنب بلدي، قال الفارس، “الضغط من النصرة ليس طبيعيًا، لذلك اضطررنا للتوقف”، مشيرًا إلى أن عمل الفتيات في راديو “فريش” وتشغيل “الموسيقا” هو من ذرائع “النصرة” لإغلاق الراديو.
ويقول المدير التنفيذي الحالي للراديو، محمود الرسلان، إن العمل في المؤسسة بقي مستمرًا بعد استشهاد رائد وتوقف الدعم من قبل المنظمات لستة أشهر.
ويضيف، “لا شك كانت هناك بعض الوعكات النفسية بسبب خسارتنا لرائد، لأنه كان أخًا وسندًا ومرجعًا إداريًا، لكن بتكاتف الفريق كروح واحدة استطعنا تجاوز هذه المحنة والمشي قدمًا لاستمرار تلك الفكرة التي كان دائمًا يقول عنها الشهيد رائد بأن راديو فريش فكرة والفكرة لا تموت”.
وعن توقف الدعم على معظم المشاريع من قبل المؤسسات والمنظمات الغربية في الداخل والخارج، والذي كان المتضرر الأكبر منه الوسائل الإعلامية المعارضة، يوضح عبد الوارث البكور رئيس مجلس الإدارة في منظمة “RUB” (اتحاد المكاتب الثورية) أن الدعم من قبل المنظمات عاد لمشروع واحد هو راديو “فريش” لمدة ثلاثة أشهر.
ويقول لعنب بلدي “عملنا بشكل تطوعي لفترة قاربت ستة أشهر منذ مطلع حزيران 2018، وكان سبب ذلك قرار ترامب بتوقف الدعم عن الشمال المحرر، إذ توقف الدعم على مشاريع عديدة منها مزايا وحملة عيش دفا ومركز التدريب والمركز الطبي وبعض المشاريع الصغيرة”.