القصف لا يهدأ، من المدفعية إلى الصواريخ الفراغية، 10 مراكز طبية تم تدميرها أو إخراجها من الخدمة، وأكثر من 150 ألف مواطن سوري تركوا أرضهم وتوجهوا شمالاً بحثاً عن ملجأ يقيهم قنابل روسيا وصواريخها.
الحملة العسكرية الحالية بدأت منذ 10 أيام تقريباً، في 26 من نيسان، في مناطق ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي وما زالت مستمرة باتجاه تصاعدي، فالصمت أثار شهية القاتل لمزيد من القتل، ولكن الصمت هذه المرة ليس من جانب الدول الكبرى وهيئات الأمم المتحدة فقط، بل طال أيضاً وسائل الإعلام العالمية، وبشكل مؤسف ومفاجئ طال وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحولت في السنوات السابقة للوحة إعلامية شعبية متمردة على التغطيات الرسمية ورائدة في كشف الكثير من المسكوت عنه.
تعودنا خلال سنين الثورة على تلاعب روسيا الماكر بقلب الحقائق ولعب دور المدلس بحرفية عالية مع تصريحات وزير خارجيتها لافروف الوقحة والمستفزة، وبالمقابل كان الناشطون السوريون يتصدون لتضليل روسيا وآلتها الإعلامية الرهيبة، ونجحوا في العديد من المحطات في إثبات تحايل موسكو بل وإحراجها في العديد من المواقف عبر مقاطع الفيديو التي حرصوا دوماً على التقاطها رغم المخاطر، كان عمل السوريين متكاملا مع ناشطين وصحفيين غربيين الذين كن لهم دوراً كبيراً وأساسياً في التصدي للدعاية الروسية.
وعرفت صفحات تويتر معارك حامية استعملت فيها روسيا جيشاً من المرتزقة الإلكترونيين، بينما على الطرف الآخر كان يتم مقارنة ومراجعة الفيديوهات مع الإمكانيات المذهلة التي تقدمها مواقع مثل غوغل إيرث وغيرها لأخذ صور الأقمار الصناعية ومقارنتها وعلى ذلك تابعنا جميعاً تحقيقات الناشط البريطاني إليوت هيغنز بما خص استخدام الأسد للقنابل العنقودية والأسلحة الكيماوية وكيف استطاع هيغينز من خلال مؤسسة “بيلينغ كات” التي يعتبر مؤسسها إثبات استهداف موسكو للمستشفيات في حلب بشكل ممنهج ومقصود مما أثار غضب الكرملين بحيث خصص كتائب إلكترونية كاملة للتصدي لـ “بيلينغ كات”.
المادة الأساسية للتحقيقات الصحفية والحقوقية التي أدانت موسكو ولاحقتها في أروقة الأمم المتحدة وعلى صفحات الإعلام كانت مقاطع الفيديو التي التقطها الناشطون السوريون، والتي خاطر الكثير منهم بحياتهم للحصول عليها بالإضافة لتعرضهم للملاحقة بشكل محموم من قبل النظام وروسيا.
إذاً ما الذي جرى الآن؟
يعتبر الصمت الدولي عما يجري في ريفي إدلب وحماة معتاداً، لا سيما أنها ليست المرة الأولى، فلطالما كان التجاهل بمثابة فترة سماحية دولية متفق عليها لتحقيق أهداف المعتدي بغض النظر عن الأسلوب والأثمان التي يدفعها الطرف الآخر، وهذا التجاهل يرافقه عادة إحجام عن إعطاء تصريحات أو مواقف لوسائل الإعلام.
ما يحدث من تجهل للحملة الحالية على إدلب وحماة لا يمكن رده فقط إلى الموقف الدولي، فقلة المواد الإعلامية القادمة من المناطق المنكوبة كان بارزاً، الصور والفيديوهات كانت قليلة بشكل لافت مقارنة بحجم الكارثة الانسانية إلى ما قبل أيام قليلة، حيث بدأ عدد أكبر من الصور والفيديوهات بالظهور بدءاً من اليوم الثالث من الشهر الحالي أي بعد 9 أيام على بدء الحملة.
التغطية الإعلامية لسوريا لطالما كانت نتاج تعاون ما بين نشطاء الداخل والشبكات الإعلامية الدولية، ولكن اليوم في إدلب يكاد يغيب هذا التعاون ومع غيابه تغيب مأساة أكثر من 150 ألف مهجر وعشرات الشهداء.
من المعروف أن وسائل الإعلام العالمية لا تملك مراسلين ضمن المناطق المحررة، وتتحمل الفصائل المسؤولية الكبيرة عن ذلك، لا سيما هيئة تحرير الشام ومن يرتبط بها، بسبب فشلهم في السابق في حماية الصحفيين والمراسلين مما أدى لخطف العديد منهم، وعلى ذلك غابت إدلب عن الإعلام الدولي بمعناها الإنساني وواقع الحياة اليومي في الفترة الماضية.
وحال الناشطين الإعلاميين السوريين ليس بأفضل، فهم ضحية كثير من المضايقات لا سيما بعد سيطرة جبهة تحرير الشام على معظم إدلب، وتوقف العمل الميداني منذ دخول مناطق الشمال المحرر ضمن مناطق خفض التصعيد، مما أدى لمغادرة كثير من الناشطين سوريا بحثاً عن عمل أو هرباً من المضايقات، كما أن اتجاه بعض الناشطين إلى الالتزام بالعمل مع مؤسسات إعلامية أو حقوقية حد كثيراً من حركتهم، ودفعهم للالتزام بسياسة المؤسسات وحصرية المواد لها، كل هذه العوامل أدت إلى قلة موارد التغطية المباشرة لما يجري في ادلب.
لا بواكي لإدلب اليوم، والمشردون من أرضهم يحملون ما يستطيعون حمله ويبدؤون رحلتهم نحو المجهول. ليس إلا شجرات الزيتون تظلهم، أما الأنين والأوجاع فقد أدمت قلوبهم حتى جفت مآقيهم بعد أن ارتوت أرضهم بدموعهم ودماء أحبتهم.