إيقاف اجتياح داعش – نهروان الشام

نوفمبر 9, 2022

ورد فراتي

مقالات

ركز تنظيم داعش جهوده بعد احتلاله محافظة دير الزور أواسط العام 2014 على السيطرة على الفرقة 17 في محافظة الرقة، والتي كان الثوار قد أطبقوا حصارهم على قوات النظام التي تحصنت فيها خلال تحرير محافظة الرقة مع انتهاء الربع الأول من العام 2013، ليكمل التنظيم حصارها بعد سيطرته على الرقة وطرد الفصائل الأخرى منها مطلع العام 2014، وليطلق معركة السيطرة على الفرقة المحصنة عسكرياً في النصف الثاني من يوليو\تموز عام 2014 متمكناً بعد يومين من المعارك الشرسة من إحكام سيطرته عليها، لتصبح بذلك “الرقة” أول محافظة سورية خارجة بالكامل عن سيطرة النظام، وخاضعة بالكامل لسيطرة تنظيم داعش.

شكلت الانتصارات المتتالية التي حققها تنظيم داعش على جبهات متعددة دفعاً معنوياً كبيراً لجنوده، بدءاً من سيطرته على الرقة وشرقي حلب بدايات العام 2014، ثم سيطرته على الموصل في العراق يونيو\حزيران من العام نفسه وإعلان “الخلافة”، ثم سيطرته على المناطق المحررة التي تمثل غالبية محافظة دير الزور شرقي سوريا في الشهر نفسه، وسيطرته بعدها على الفرقة 17 في الرقة، في الوقت الذي كانت فيه فصائل الثورة منهكة بسبب المعارك المتتالية التي كانت ما تزال تخوضها ضد قوات النظام شرقي حلب، ليبدأ التنظيم اجتياحه لريف حلب الشمالي ضمن المعركة التي أطلق عليها اسم “غزوة الثأر للعفيفات”، فيما تنادت تشكيلات الجيش الحر لتشكيل غرفة عمليات “نهروان الشام” لصد الاجتياح الذي تمكن التنظيم في أيامه الأولى أواسط أغسطس\آب من السيطرة على مساحات واسعة شمالي حلب بينها بلدات أخترين وتركمان بارح.

“العفيفات” لتجنيد المحليين

كان الاسم الذي أطلقته داعش على معركتها ضد الثوار هو “الثأر للعفيفات”، استثماراً في إشاعة أصدرها التنظيم نفسه سابقاً تدعي اعتداء مقاتلي الجيش الحر على بعض نساء عناصر داعش الأجانب (المهاجرين) أثناء تحرير ريف حلب الشمالي منهم، وتبرز أهمية هذا الاسم بالنسبة لداعش في كونه قد خسر خلال النصف الأول من العام 2014 عدداً لا يستهان به من نخبته القتالية المؤمنة بمشروعه في معارك احتلال دير الزور ضد أبنائها، حيث تشير تقديرات محلية إلى مقتل 1000–1500 مقاتل من التنظيم أثناء المعركة التي امتدت نصف عام تقريباً، وهو ما أبرز الحاجة إلى تعويض هذا العدد خاصة مع تعدد الجبهات التي يقاتل عليها التنظيم.

ويمكن القول إن التنظيم لم يجد مشكلة كبيرة في تجنيد المقاتلين المحليين من أبناء المناطق التي سيطر عليها -الذين اعتزلوا المعارك بينه وبين فصائل الثوار سابقاً- عندما تكون الوجهة جبهات ضد قوات النظام أو الميليشيات الإيرانية في سوريا، أو ضد قوات الحكومة العراقية التي غلب على تشكيلها البعد الطائفي الموالي لإيران في العراق، وكذلك كان الأمر -مع إقبال أقل- في التوجه إلى الجبهات ضد وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، لكن مشكلته الحقيقية كانت في تجنيد المحليين لمواجهة فصائل الثوار شمالي حلب، خاصة وأن هؤلاء المحليين كانوا يدخلون التنظيم ضمن نظام “بيعة مخصصة” يشترطون فيه لأنفسهم أن لا يقاتلوا إلا قوات النظام، وهو الأمر الذي سمح به التنظيم بدايات سيطرته على مناطق الشرق السوري ضماناً لترميم كتلته العددية، وتجنباً لحالات صدام مع المجتمع المحلي بعد ثورة الشعيطات في أغسطس \ آب عام 2014.

لذلك كان وجود سبب أو مبرر مقبول محلياً لمهاجمة فصائل الثوار في حلب أمراً مهماً بالنسبة للتنظيم، وهو ما وفرته له هذه الإشاعة التي ركز “شرعيوه” على تكرارها، وإن لم تنجح كثيراً في تجنيد كتلة عددية كبيرة تضمن له التفوق في المعركة.

وهو ما تنبه له القائمون على غرفة عمليات نهروان الشام فبادروا إلى تشكيل لجنة شرعية دعت التنظيم علناً إلى التحاكم حول إشاعته، الأمر الذي رفضه التنظيم بالطبع لكن كان له دور كبير في إفقاد خطاب التنظيم للمجتمعات المحلية التي سيطر عليها أهميته، كما كان للجنة الشرعية حضور بارز في الرد على “دعاية” التنظيم ضمن المعركة، والتي كان يبثها عبر أجهزة اتصاله (توكي ووكي) للمقاتلين من الطرفين، حيث أصبحت هذه الأجهزة مساحة للمناظرات بين لجنة الغرفة وشرعيي التنظيم.

أما في ميدان المواجهة فقد تمكنت فصائل “نهروان الشام” من إيقاف تقدم التنظيم وبناء خط رباط جديد أمامه، وحصر المعركة ضمن عدد من القرى التي باتوا يتبادلون السيطرة عليها مع مجموعات التنظيم فيما يشبه حالة استعصاء على الطرفين.

جبهة جديدة “عين العرب”

إلى الشمال الشرقي من ميدان المعركة كانت قوات تنظيم داعش قد أطبقت حصارها على منطقة عين العرب \ كوباني على الحدود السورية التركية، والتي تحصنت فيها مجموعات من وحدات حماية الشعب الكردية إضافة إلى فصائل من الجيش الحر التي انسحبت من المناطق في محيطها، ليبدأ التنظيم مع تعسر تقدمه في ريف حلب الشمالي بالتحرك للسيطرة على آخر الجيوب ضمن مناطق سيطرته شمالي الرقة.

ترافق تحرك داعش باتجاه المدينة مع الإعلان عن تشكيل “التحالف الدولي لقتال تنظيم الدولة” بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والذي بدأ فور تشكله تنفيذ غارات جوية مساندة للقوات المحاصرة في “عين العرب” موقعاً خسائر فادحة في صفوف داعش، دون أن تتمكن الغارات أو المدافعون المحاصرون من إيقاف تقدم التنظيم الذي سيطر على أجزاء واسعة من المدينة، وعلى مدار شهر ونصف تقريباً قامت الغارات الجوية بتدمير المدينة فوق رؤوس قوات التنظيم التي حافظت على مواقعها مستمرة بالتقدم بوتيرة أبطأ، لكن على حساب فاعليتها على جبهات ريف حلب الشمالي التي دخلت حالة برود مع الاستنزاف الكبير الذي عاناه التنظيم في عين العرب مانعاً إياه من توفير زخم كاف في مواجهة فصائل نهروان الشام.

جاءت أخيراً النجدة للقوات المحاصرة نهاية أكتوبر \ تشرين الأول مع دخول قوات البشمركة الكردية\العراقية إلى المدينة عبر الحدود التركية، إضافة إلى قوات متواضعة الأعداد من فصائل الجيش الحر شمالي سوريا بقيادة العقيد عبد الجبار العكيدي، والذي صرح لاحقاً بأن عدد القوات كان من المفترض أن يصل 1350 اتفقت عليها كبرى فصائل الشمال، لكن هذه الفصائل تراجعت بعد إعلان العقيد عن تحركهم، تحت ضغط الرأي المحلي الذي كان يجد دخول عين العرب في وقت تقاتل فيه فصائل حلب على جبهتين شرقاً وشمالاً أمراً مرفوضاً، ليقتصر العدد على 35 مقاتلاً فقط من منسوبي فيلق الشام.

تمكنت القوات التي دخلت إلى المدينة مع الغطاء الناري الكثيف من قوات التحالف الدولي من هزيمة تنظيم داعش الذي انسحب أخيراً أواخر ديسمبر \ كانون الأول، بعد فشل معركتيه واستنزاف قواته فيهما، محافظاً على وجود قوات تثبت خط الجبهة الجديد ضد فصائل الجيش الحر في ريف حلب الشمالي، والتي خاضت معركتها ضده دون إسناد جوي يوفر لها الأفضلية كما هو الحال في عين العرب.

لكن هذه لم تكن نهاية حملات داعش المحمومة على الشمال الحلبي، والذي سيعاود مهاجمته بشراسة عام 2015 في ظروف مختلفة تماماً.

المصـــدر

المزيد
من المقالات