الأعمال القتالية في درعا تقدّم دروسًا وفرصًا في سورية

ديسمبر 21, 2022

ألكسندر لانغلويس/ ترجمة أحمد عيشة

دراسات, مقالات

كشف تجدد الأعمال القتالية العدائية في محافظة درعا السورية عن وجود شقوقٍ في صفقات سابقة أبرمت مع جماعات المعارضة التي عادت بالقوة إلى الحكم الموالي للحكومة. وعلى الرغم من أن بشار الأسد فاز في الحرب، فإن استمرار وجود المعارضة في درعا يُثبت أن مراكز السلطة التقليدية في دمشق بالكاد ستمارس السيطرة المطلقة في مختلف أنحاء البلاد، في المستقبل المنظور، هذا إن كان ذلك قد حدث في أي وقت مضى. فضلًا عن ذلك فإن الاضطرابات طويلة الأمد في الجنوب تسلّط الضوء على الصدوع داخل المعسكر المؤيد للأسد، وخاصة بين إيران ودمشق من جانب، وروسيا من جانب آخر، الأمر الذي قد يشكل فرصة فريدة للدبلوماسية.

تجسّد أسس اتفاق المصالحة في تموز/ يوليو 2018، بين نظام الأسد وجماعات المعارضة في درعا، الذي توسطت فيه موسكو، المصالحَ المتضاربة بين الأطراف المؤيدة للأسد. وقد نصّ الاتفاق على أن تسلّم الجماعات المتمردة الأسلحة الثقيلة، بعد انتصار هجومي كبير بدأته القوات الموالية للحكومة في حزيران/ يونيو 2018. وإضافة إلى ذلك، تم تهجير الرافضين للصفقة قسرًا إلى الشمال، ومن ضمنهم مئات الأسر من مدينة درعا، وحوالي ستة آلاف شخص من القنيطرة المجاورة. ويُعدّ هذا الأمر -مثل كثير مما جرى قبله- معيارًا وقاعدة عند معاقل المتمرّدين، من دون أن ينتج عنه عداء داخل الكتلة الموالية للأسد.

هنا ينتهي الاتفاق. كانت الصفقة فريدة من نوعها، لأنها سمحت للمتمردين ببعض الحكم الذاتي على بعض مناطق درعا، عن طريق المجالس المحلية، شريطة أن تقدّم روسيا ضمانات السلامة للمقاتلين “تسوية وضعهم” مع الحكومة، من خلال قبول حكم الأسد، وألا تصادر جميع الأسلحة. والأكثر أهمية من ذلك أن الشرطة العسكرية التي تُشرف عليها روسيا -وليس القوات الموالية للحكومة- سوف تنتشر جنبًا إلى جنب مع القوات المحلية، لضمان الأمن. وبذلك سيظلّ المتمردون السابقون يسيطرون على أجزاء كبيرة من المحافظة، الأمر الذي يبعث قلق دمشق وحلفائها الإيرانيين، مثل حزب الله، الذين كانوا يتطلعون إلى توسيع نفوذهم في المناطق ذات الأهمية بالنسبة إلى إسرائيل والأردن. وتقدّم محافظة دير الزور مثالًا ممتازًا على جهود إيران في هذا الصدد، التي تعرقلها مثل هذه الصفقات في درعا.

واليوم، من غير المستغرب ألا يقبل كثيرٌ من المتمردين أبدًا محاولات الأسد تجاوز الاتفاق، وتأييد السيطرة المطلقة على درعا. وبدلًا من ذلك، استمر القتال المنخفض المستوى يوميًا منذ عام 2018، حيث شكلت الاغتيالات، والتفجيرات، ونيران الأسلحة الصغيرة بين الحين والآخر، بين الخصوم، المعيار الجديد. ومن المؤكد أن نتيجة هذه التسوية ليست فريدة من نوعها لدرعا، فثمة أعمال قتالية مماثلة في كثير من المناطق التي تستعيدها الحكومة السورية.

بلغت الأعمال القتالية درجة عالية في الأشهر الأخيرة، نتيجة لقرار مدن وبلدات عديدة في درعا مقاطعة الانتخابات الرئاسية، في أيار/ مايو. وأدّت أعمال القتال الطويلة الأجل والحرمان المتعمد للحكومة السورية لمحافظة درعا، التي يقطنها حوالي مليون شخص، دورًا في هذا المجال. ونتيجة مقاطعة الانتخابات، قطعت دمشق خطوط الإمداد عن مناطق متعددة في درعا، في 25 حزيران/ يونيو، وأغلقت المرافق العامة، ومنعت المواد الإنسانية مثل الغذاء والمعونة، والاتصالات إلى المدن التي لا تزال تحت سيطرة جماعات المعارضة. وفي مواجهة استمرار المقاومة، فرض الأسد حصارًا على المدينة في 29 تموز/ يوليو، بعد أعمال عدائية طفيفة في الأيام السابقة. كل ذلك أدى إلى أزمة إنسانية متفاقمة إلى حد كبير في منطقة تصارع، في ظل ظروف وموارد غير كافية للسوريين وعدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين.

ونتيجة للحصار، ازداد القتال العنيف في مناطق متعددة في درعا، وكان أكثره كثافة في منطقة درعا البلد التي يبلغ عدد سكانها نحو خمسين ألف نسمة، والتي تقاتل فيها جماعات متمردة مختلفة قوات مؤيدة للأسد، تتألف من ميليشيات تدعمها إيران والفرقة الرابعة المدرعة، المدعومة إلى حد كبير من إيران، بقيادة ماهر، شقيق الأسد. ورفض كثير من المتمردين صفقات وقف إطلاق النار الروسية الجديدة التي كانت تطلب منهم التخلي عن الأسلحة الصغيرة، وتفرض تهجير الذين يرفضون الصفقة إلى الشمال، إلى أن تم التوصل إلى وقف مماثل لإطلاق النار ينصّ على نقاط تفتيش إضافية موالية للحكومة، يوم الاثنين 6 أيلول/ سبتمبر. والمهم أن النظام رفض كثيرًا من الصفقات السابقة، من ضمنها صفقة 24 تموز/ يوليو مع المتمردين في درعا البلد. وفي هذه الحالة، عدّت دمشق أن تسليم الأسلحة غير كاف، وزادت من مطالبها، داعية إلى مزيد من نقاط التفتيش الأمنية التي تديرها قواتها العسكرية في المناطق التي كان يسيطر عليها المتمردون سابقًا. وبعد ذلك بمدة وجيزة، حاولت الفرقة الرابعة اقتحام المدينة.

وهذه الجهود الموالية للحكومة ملحوظة، حيث تتعاون الجماعات المدعومة من إيران مع الجهات الفاعلة السورية المتحالفة معها، لتحقيق قدر أعظم من النفوذ في درعا. وتتولى قيادة ذلك الفرقة الرابعة، التي أقامت علاقات واسعة النطاق مع إيران، في الوقت الذي ضمت فيه جماعات مسلحة شيعية، مثل لواء الإمام الحسين، وهو الفرع السوري لحركة حزب الله النجباء التابعة لحزب الله. ولهذه الجماعات مصالح عميقة في سحق بقايا التمرد الجنوبي لممارسة إرادتها، والاستفادة من أساليب الضغط أثناء مفاوضات وقف إطلاق النار، تمامًا كما فعلت في 24 تموز/ يوليو و5 أيلول/ سبتمبر.

ويشير هذا إلى أن كيانات ووحدات النظام المنحازة إلى إيران أفسدت المفاوضات عمدًا، من خلال قصف مناطق المعارضة وإثارة المجتمعات المحلية قصدًا، عقب المفاوضات مع زيادة الطلبات بانتظام في عملية التفاوض. ولقد أضرت هذا الثقة بين موسكو وزعماء المعارضة على أرض الواقع، ولا شك في أنها أحبطت المسؤولين الروس الذين قدّموا ضمانات بالأمان في الصفقة. والأسوأ من ذلك أنها كانت استراتيجية كلبية من جانب الجهات الفاعلة المؤيدة للأسد وإيران المصمّمة على منع أي صفقة لوقف إطلاق النار في المحافظة، أو الحصول على تنازلات قصوى. ومن المؤكد أن بعض المتمردين عملوا أيضًا كمخربين للصفقة، ولكن ذلك كان أقلّ كثيرًا من مستوى منافسيهم الموالين للحكومة.

كانت المحاولات الرامية إلى إفساد المفاوضات في درعا ذات أهمية خاصة، لأنها قد تصور اختلافًا عامًا في المصالح بين روسيا وإيران. كان المسؤولون السوريون المقربون من طهران، مثل علي أيوب، وزير الدفاع السوري، صريحين في هدفهم المتمثل في جعل درعا تركع أمام حكمهم. حتى إن أيوب هدد باقتحام درعا البلد، وهو ما دفع الجيش الروسي إلى طرده من المنطقة. وقد يتعلق موقف دمشق أيضًا باهتمامها بإعادة بناء العلاقات التجارية مع الأردن، التي أشار إليها الملك عبد الله أخيرًا باعتبارها مصلحة لكلتا الدولتين. إن تجدد القتال في درعا دفع الأردن إلى إلغاء إعادة فتح معبر جابر/ نصيب الحدودي المقرر، وهو ما أدى إلى عرقلة جميع حركة البضائع والأشخاص، بسبب المخاوف الأمنية المتصلة بالقتال ووجود الميليشيات الإيرانية، وهي خط أحمر لعمّان. وفي نهاية المطاف، لن تقنع الأعمال العدائية المستمرة مع المتمردين في المنطقة الأردن بأنه ينبغي عليه أن يفتح الحدود.

تعمل موسكو في ذلك الوقت على موازنة مصلحتها في دعم نظام الأسد، ومنع مزيد من التعديات الإيرانية في الجنوب، وهو ما يمكنه أن يضرّ بنفوذها، وأن يدعو إلى رد إسرائيلي قاسٍ يمكن أن يضر بالعلاقات الروسية الإسرائيلية. وفي نهاية المطاف، ينظر الروس إلى التوترات الإسرائيلية المتزايدة مع سورية على أنها ضارة بهدفهم المتمثل في إنهاء الحرب، وهي نتيجة حكيمة يمكن التوصل إليها. ومن المؤكد أن روسيا تقدر علاقاتها مع إسرائيل، ولا ترى أن التقدم الإيراني في جنوب سورية مفيد لتلك العلاقة أو لمصالحها في سورية. وأكثر من ذلك أن الروس يدركون قيمة الموازنة بين الأمن السوري والديناميات السياسية، وهو الأمر الذي تسعى إيران عمدًا لتعطيله، من خلال إخضاع أكثر لجنوب سورية لطموحاتها الجيوسياسية.

من المرجّح أن يتسبب هذا الاختلاف في إحداث صدع داخل المعسكر المؤيد للأسد. وقد زعمت مصادر روسية في آب/ أغسطس أن دمشق أرسلت مبعوثًا إلى واشنطن، لمناقشة استئناف التعاون بين النظام والولايات المتحدة، إذا قبلت بالأسد. ومن المفترض أن هذا ناتج عن خلافات بين المسؤولين الروس والإيرانيين، بخصوص الوضع في درعا، حيث يحاول النظام السوري تحقيق مزيد من المكاسب الجنوبية، من خلال توريط المسؤولين الروس والأميركيين ببعضهم البعض. وفي الأساس، يشير الأسد إلى استيائه من الإجراءات الروسية في الجنوب، بينما يستفيد من مصلحة الولايات المتحدة في الأمن الإسرائيلي والأردني. وعلى الرغم من أن المحاولة الدبلوماسية ميتة قبل ولادتها، فإن الطبيعة العلنية لهذه المحاولة/ الفقاعة تشكل إشارة من دمشق إلى موسكو، تتحدث عن ثقل الموقف، بالرغم من أن الأسد يدرك بكل تأكيد أن عليه أن يوازن بين العلاقات مع روسيا وإيران.

ومع ذلك، لا يلوح في الأفق تصدعٌ كبير، ويمكن أن يكون كثير من هذا الصدع مرتبطًا بروسيا. وبغض النظر عن ذلك، فقد أتاح سياق درعا الفرصة لمعسكر مناهضة الأسد لإجراء دبلوماسية حقيقية مع جهات فاعلة مثل روسيا، لتعزيز التقدم بخصوص ملف سورية. ونظرًا لاهتمام واشنطن بالتعاون القابل للتحقق مع موسكو على أساس المصلحة الذاتية، جنبًا إلى جنب مع الرغبة في التحوّل نحو آسيا، فإن إدارة جو بايدن قد تستخدم التوترات بين موسكو وطهران، لإشراك فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي وغيره من الجهات الفاعلة الرئيسة في سورية، لإحراز تقدّم في القضايا العملية مثل المفقودين، والأسلحة الكيمياوية، والدعم الكردي، أو حتى التحول السياسي الذي طال البحث عنه. وإلى أن يتم إدراك هذا، فإن القتال المتقطع في أماكن مثل درعا سوف يستمر، ومن المؤكد أنه سوف يظهر في محاور حضرية أخرى كانت مأوى للثورة، وذلك لأن عددًا كبيرًا من السوريين سوف يستمرون في رفض حكم الأسد.

(*) – الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي المركز

اسم المقالة الأصلي Renewed hostilities in Daraa offer lessons and opportunities in Syria. But will Washington pay attention?
الكاتب ألكسندر لانغلويس، Alexander Langlois
مكان النشر وتاريخه المجلس الأطلسي، Atlantic Council، 15 أيلول/ سبتمبر 2021
رابط المقالة https://bit.ly/3Euolqa
عدد الكلمات 1396
ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

المزيد
من المقالات