أولًا- مقدمة
ثانيًا- المآلات التي وصلت إليها الثورة السورية
ثالثًا- الحلول:
- الحراك الشعبي السلمي
- مقاومة الاحتلالات
رابعًا- خاتمة
أولًا- مقدمة:
يسعى السوريون جاهدين، على مختلف مشاربهم، للخروج من عنق الزجاجة التي وضعهم فيها الأسد وعصاباته ومشغلوه وعصابات المعارضة ومشغلوها؛ فالوضع كارثي على مختلف الأصعدة، خاصة الأوضاع المعيشية التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ سورية الحديث، من حيث الارتفاع الشديد لمستوى خط الفقر، والازدياد الكبير في مستوى البطالة، والانحدار الشديد في مستوى تعليم الأطفال، خاصة في المناطق التي تسمى “محررة”، فضلًا عن الأوضاع الأمنية المزرية لمختلف مناطق سيطرة سلطات الأمر الواقع، بالإضافة إلى نزوح وهجرة السوريين إلى داخل وخارج سورية، طمعًا في تحقيق الأمن والأمان لهم ولعائلاتهم، وهناك معضلات أخرى يصعب حصرها تتفاقم يومًا بعد يوم تجعل السوري في كل مكان قلقًا على مستقبله ومستقبل أبنائه، يردد بينه وبين نفسه أسئلة مشروعة: هل يمكن أن نعود إلى بلادنا وبيوتنا؟ وهل يمكن أن تعود سورية إلى ما كانت عليه قبيل اندلاع الثورة؟ وما هي الطرق والآليات التي تمكنّنا من ذلك؟ وهل هذا سيحدث في المستقبل القريب؟ كل هذه الأسئلة المشروعة تجول في خاطر ووجدان كل السوريين، وفي كل المناطق، بدرجات متفاوتة لكنها متقاربة جِدًّا بين منطقة وأخرى، وفي هذه الدراسة، سأستعرض الواقع الميداني لكل المناطق، من الناحية الأمنية والعسكرية والمعيشية، وواقع التحالفات السياسية بين مختلف الأطراف الفاعلة في الملف السوري، ومن ثم سأضع الحلول بحسب رؤيتي على مختلف الأصعدة الشعبية والعسكرية.
ثانيًا- المآلات التي وصلت إليها الثورة السورية:
تعتبر الجمهورية العربية السورية حَالِيًّا من أكثر مناطق العالم سوءًا، من حيث ارتفاع نسبة الفقر والجريمة والبطالة التي أدت بدورها إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأمني، بالإضافة إلى تصدّرها ذيل قائمة دول العالم، من حيث معدّل دخل الفرد، ولعلّ حرب العشر سنوات المنصرمة كان لها الأثر الكبير على سورية والسوريين في مختلف المناطق التي سيطر عليها الأسد وأعداؤه، كسلطات أمر واقع، فمنذ عشرة أشهر، لم تشهد خطوط التماس بين تلك المناطق تغيّرًا جديدًا، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا، ووفقًا للخريطة التي يُصدرها مركز جسور للدراسات شهريًا، فإنّ نسب سيطرة القوى على الأرض هي على النحو الآتي:
• – حافظت فصائل المعارضة على نسبة سيطرتها التي تم تسجيلها في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 عند (10.98%).
• – حافظ النظام السوري على نسبة سيطرته التي تم تسجيلها في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، عند (63.38%).
• – حافظت “قوات سوريا الديمقراطية” على نسبة سيطرتها التي كانت قد سجّلتها منذ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، عند (25.64%).
• – بطبيعة الحال لم يعد لتنظيم “داعش” أيّ سيطرة عسكرية على الأرض السورية، منذ شباط/ فبراير 2019 (1).
ولمعرفة واقع تلك المناطق، سأبحث في الظروف المحيطة بها:
يسيطر نظام الأسد مع حلفائه المحتل الروسي والإيراني بشكل كامل على محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص ودمشق وريفها وحماة وحلب، أما محافظات درعا والسويداء والقنيطرة والحسكة ودير الزور والرقة، فيسيطر عليها جُزْئِيًّا، بينما تسيطر قوات المعارضة المتمثلة بالجيش الوطني والمدعومة من تركيا على ثلاث مناطق: الأولى في إدلب التي تقع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام؛ والثانية منطقة ما يسمى “درع الفرات وغصن الزيتون” الواقعة شمال وشمال شرق مدينة حلب، وتضم بلدات إعزاز والباب وجرابلس وعفرين، ومنطقة “نبع السلام”، وتضم 68 بلدة وقرية من أهمّها رأس العين، تل أبيض، سلوك، مبروكة والمناجير، أما المنطقة الثالثة فهي تضم جزءًا كبيرًا من محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، ويسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية/ قسد” وتدعمها قوات التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، تشترك جميع تلك المناطق في كثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية؛ فالمواطن السوري الرازح تحت حكم نظام الأسد وحلفائه يتعرض لكثير من الضغوط الأمنية، خوفًا من عودته للتظاهر، وهذه المرة ليس من أجل الحرية أو الكرامة إنما من أجل تأمين لقمة العيش لأطفاله، فضلًا عن التغلغل الإيراني في قلب المدن السورية ومؤسسات الدولة خاصة العسكرية والأمنية، وظهور كثير من المؤسسات الإغاثية التابعة للميليشيات الإيرانية، في محاولة لشراء الذمم وفرض التشيع بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى، بالإضافة إلى الأعمال الاستفزازية التي يقوم بها أتباع إيران في شوارع المدن السورية، وخاصة العاصمة دمشق وما حولها، من حيث ممارستهم لطقوسهم الدينية البعيدة كل البعد عن طقوس أبناء تلك المدن على مختلف مشاربهم، فثورة الجياع والخوف من المستقبل على الأبواب، ولا تحتاج إلا إلى من يطلق شرارتها الأولى، وأعتقد أنها آتية لا محالة، إن استمر الوضع على ما هو عليه في الأيام والأسابيع والأشهر القليلة القادمة، أما مناطق سيطرة المعارضة، فالأمرُ لا يختلف كثيرًا عن مناطق سيطرة الأسد، حيث القمع والخطف وتكميم الأفواه والاعتقالات التي تمارس جميعها تحت غطاء الدين، وحدث ولا حرج، فضلًا عن الفساد المستشري، الأمر الذي فرض سياسة التجويع التي تمارسها سلطات الأمر الواقع في تلك المناطق، لتمكين سيطرتها على الشارع، ومنعه من التحرك للمطالبة بأبسط حقوقه المشروعة التي اقتُلع بسببها من أرضه وقد قدّم مليون شهيد وآلاف المعتقلين والمغيبين في سجون الأسد، وأعتقد أن هذه السياسة التي ترافقها كثيرٌ من التنازلات السياسية للمعارضة، والارتماء في أحضان أعداء الشعب السوري وثورته، لن تصمد كثيرًا، فحجم الإساءة إلى حاضنة الثورة كبير وكبير جدًّا، ولهذا لن يصمت من انتفض على بشار الأسد ومخابراته وجيشه، أمام من يقف سَدًّا لمنعه من تحقيق تطلعاته المشروعة المتمثلة في الحرية والديمقراطية والأمن والأمان، وبالحديث عن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية يمكن أن نقول إن هذه المنطقة هي الأقل سوءًا من باقي المناطق، من النواحي الاقتصادية والأمنية والمعيشية، إلا أن القبضة الأمنية لسلطات الأمر الواقع هناك لا تقل سوءًا عن باقي المناطق السورية الأخرى، وهذا ما ساعد في انطلاق كثير من التظاهرات والتحركات التي قادتها العشائر العربية هناك، وما حدث في منبج أخيرًا خير دليل على ذلك.
أما الدول الفاعلة في الملف السوري، كالولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران وتركيا، فما زالت تعقد الاجتماعات وتكثف الاتصالات، وكلٌّ يلهث وراء تحقيق مصالحه الوطنية، في ظل غياب تام للسوريين من الأطراف كافة، سواء الأسد أو معارضته الذين أصبحوا عبارة عن دُمًى تحركها الدول المشغلة لهم، وفق مصالح تلك الدول بعيدًا عن تحقيق أي إنجاز أو أي مطلب من مطالب الشعب السوري، بل يمكن أن أقول إن حلفاء الأسد حققوا الكثير له ولنظامه، وأهمّ ما حققه هؤلاء ابتلاع أغلب المناطق المحررة من خلال اتفاقات “أستانا وسوتشي” المُذلتين، التي كانت نتائجها أيضًا تهجير سكان تلك المناطق إلى الشريط الحدودي مع تركيا في منطقة ضيقة جُغْرَافِيًّا يكتظ فيها حوالي خمسة ملايين سوري، وإذا أردنا إلقاء الضوء على دور الدول الفاعلة في القضية السورية، فسنجد الولايات المتحدة الأميركية تعمل على الملف بطريقة إدارة الأزمة من بعيد، وتتقصد تبريد ملف المنطقة، وتكتفي برعايتها لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، في شمال شرق سورية وحماية حقول النفط والغاز في تلك المناطق، ولا يوجد دليل واضح على طرحها لأي حل حاليًا أو في المستقبل المنظور، أما روسيا فبعد نجاحها عسكريًا في مساعدة الأسد وميليشياته باستعادة أجزاء كبيرة من المناطق التي خسرتها في بداية الثورة، من خلال رعايتها لمؤتمرات “أستانا وسوتشي”، ونجاحها سِيَاسِيًّا بحماية الأسد في المحافل الدولية، من خلال استخدام حق النقض “الفيتو” 16 مرة في مجلس الأمن الدولي، لمنع صدور قرارات بخصوص سورية من بينها ستة قرارات ذات علاقة باستخدام السلاح الكيمياوي (2)، ولم تكتف روسيا في ذلك، بل ما زالت تعمل جاهدة -بكل إمكانياتها- لإعادة تعويم الأسد وإنتاج نظامه من جديد، عبر استخدم كثير من الأوراق السياسية التي تمتلكها، لكنها لم تنجح على الأقل حتى الآن، أما الجانب الإيراني، وهو أكبر المستفيدين من الثورة السورية، فخططه تُنفذ بشكل رتيب على مختلف الأصعدة، فتغلغلهم في مؤسستي الجيش والأمن السوري بات واضحًا، وأصبح كثير من قادة هاتين المؤسستين مرتبطًا بقيادة الحرس الثوري الإيراني مناصفة مع ارتباطهم وولائهم للمحتل الروسي، وأصبح قسم من الميليشيات الإيرانية من ضمن ملاك الجيش والأمن السوري، بعد إعطائهم الجنسيات السورية، فضلًا عن التغلغل الديني ومحاولاتهم الحثيثة في فرض التشيع على الشعب السوري، بالترهيب تارة من خلال الضغوطات الأمنية، وبالترغيب تارة أخرى من خلال نشر كثير من الجمعيات الخيرية في مناطق سيطرتهم التي تتركز في محافظات دمشق وريفها ودرعا ودير الزور وحلب واللاذقية، ولعل ظهور الحُسينيات وتحويل كثير من الجوامع إلى حُسينيات بشكل كبير، في تلك المحافظات، خيرُ دليل على ذلك، أما الطرف التركي الذي يرعى المعارضة ويدعمُها فهمّه الأول هو تحقيق مصالحه الوطنية، وعلى وجه الخصوص أمنه القومي المهدد من قبل “قوات سوريا الديمقراطية”، ويتم تسخير قوات المعارضة العسكرية لهذا الهدف، لمنع وصول الأكراد الانفصاليين إلى حدوده الجنوبية، وهذا ما جعله ينخرط في مؤتمرات “أستانا وسوتشي” مع الروس والإيرانيين.
ثالثًا- الحلول:
من خلال ما سبق، نستنتج أن الأسد حقق كثيرًا من المكاسب، بفضل الدعم المطلق من قبل حلفائه الروس والإيرانيين وميليشياتهم، وصمت المجتمع الدولي عن الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين، وخاصة استخدامه السلاح الكيمياوي ضد الآمنين من الأطفال والنساء والشيوخ، بينما نجد أن الثورة السورية قد خسرت كثيرًا من نقاط القوة التي كانت تمتلكها قبيل عام 2014، ولم يعد يخفى على أحد أن ممثلي الثورة السياسيين والعسكريين باتوا مسلوبي الإرادة دُمًى تُحرّكها أيدي الدول الفاعلة في الملف السوري، ولهذا لا بدّ من طرح حلّ بعيد عن هؤلاء ومشغليهم، يمكن من خلاله إعادة الثورة السورية إلى الطريق الصحيح، وأعتقد جازمًا أن العمل على مبدأ “الفوضى الخلاقة”، وتنفيذها وفق خطط مدروسة، يمكن أن يُخرج الثورة وحاضنتها من النفق المظلم الذي وُضِعت فيه، ومن هنا يجب التركيز على خلق فوضى متحكم فيها، تخلط الأوراق على كلّ المستويات وفي كل المجالات، على مساحة الوطن السوري، في مناطق سلطات الأمر الواقع كافة، ومن ثم إعادة ترتيب تلك المناطق وفق منظور وطني جامع لكل السوريين، يمكن من خلاله التخلّص من سلطة المرتزقة ومشغليهم، وفرض أمر واقع جديد على المجتمع الدولي، يحمل فكر سورية الوطن الحر المستقل، ولهذا علينا أن نعيد للثورة أقوى سلاحين تم تجريدها منهما، وهما سلاح المقاومة وإعادة إظهار القوة العسكرية كذراع قوية للثورة، وسلاح التحركات الشعبية الفاعلة والتظاهرات في كل المناطق، ابتداء من مناطق سيطرة الأسد وانتهاء بمناطق سيطرة المعارضة، ولهذا لا بدّ من العمل على كلا المحورين بالتوازي، ووضع آليات فاعلة يمكن أن تحقق نجاح ذلك المسعى، وسأفصّل ذلك بما يلي:
1- الحراك الشعبي السلمي:
نتيجة الوضع المعيشي والأمني غير المسبوق للشعب السوري في كل المناطق دون استثناء، لا بدّ من العمل على تحريك الشارع ضد سلطات الأمر الواقع على مساحة القطر، وللقيام بهذه الخطوة التي باتت معالمها تظهر تباعًا يومًا بعد يوم، لا بدّ من إيجاد طرق لإعادة بناء جسور الثقة بين مكونات الشعب السوري على مختلف مشاربهم، وإقناعهم بأنهم الخاسر الأكبر من بقاء السلطات التي تحكمهم، وإبلاغهم بكل الطرق بأن معاناتهم ستزداد إذا لم يتحركوا، وسيكون مستقبل أبنائهم وأحفادهم عُرضة للمجهول، فمن استمرأ القتل والإجرام لن يحكم بالديمقراطية ولن يعيد الكرامة لشعبه، بل سيحكمه بيد من حديد أكثر شراسة وقوة من اليد التي حكمته طوال خمسة عقود، وأعتقد جازمًا أن الإعلام هو العامل الرئيسي في ذلك، ويجب أن يقوم بمهامه الوطنية والأخلاقية في هذه المسألة، وهنا لا أقصد الإعلام الرسمي للأسد، ولا إعلام مؤسسات المعارضة الغائب الأكبر عن الثورة منذ بدايتها، ولهذا على وسائل الإعلام المحسوبة على الثورة إيجاد طرق وآليات حقيقية لمخاطبة جميع فئات الشعب السوري، في مختلف المناطق، كل باللغة التي يفهمها والطريقة التي يمكن أن يتجاوب من خلالها، وفق خطط منهجية تزرع الروح الثورية والحس الوطني بين هؤلاء، ولا شك في أن العلاقات الاجتماعية بين مكونات الشعب السوري يمكن أن تقوم بدور فاعل ومؤثر؛ فأغلب الشرائح الاجتماعية في مناطق سيطرة الأسد لا تؤيد الأسد، بل تنتظر من يحركها لتخرج من تحت الممارسات القمعية والظروف الاقتصادية القاهرة التي ترزح تحتها مجبرة مكرهة، وبالتأكيد لدى كثير من تلك الشرائح ارتباطات عائلية أو مصلحية أو ثقافية مع إخوتهم في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، وتحفيز أبناء تلك الطبقات على التواصل مع بعضها سيساعد كثيرًا في تحريك الجمر من تحت الرماد، خاصة إذا كانت هناك تطمينات متبادلة بين تلك الأطراف، نتيجة وعيهم بما سيحدث لهم إن بقوا صامتين، ولهذا يجب زرع فكرة جوهرية في أذهان هؤلاء تقول بأن فاتورة الانتفاضة على سلطات الأمر الواقع الآن هي أقلّ بكثير من فاتورة الصمت عن تلك السلطات على المدى المتوسط والبعيد، وبهذا يمكن الحديث عن مد جسور التواصل بين مكونات الشعب السوري في مختلف المناطق، وأعتقد أن الإعلام والعلاقات الاجتماعية مرتكزان رئيسان لتحقيق هذا الهدف.
2- مقاومة الاحتلالات:
تعدّ المقاومة -وفق القوانين الدولية والشرائع السماوية- حقًّا مشروعًا سنّته تلك القوانين والشرائع للشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال الأجنبي، فكيف إذا كان من يحتل أراضي تلك الشعوب -كالحالة السورية- عددًا من الاحتلالات، والطامة الكبرى أن يكون من بين تلك الاحتلالات من يطمع في تفتيت النسيج الاجتماعي لهذا الشعب، ويسعى لإحداث التغيير الديموغرافي في المنطقة، الأمر الذي يمكن أن يغير التركيبة السكانية في المنطقة لصالح مشروع طائفي مقيت، ولهذا لا بد من العمل على إيجاد الطرق والأساليب العملية لمقاومة تلك الاحتلالات، خاصة الاحتلال الإيراني والروسي، فأجدادنا دحروا المستعمر الفرنسي عن سورية، من خلال المقاومة الشعبية التي استطاعت أن تُجبر المستعمر على الرحيل ليتم الإعلان عن سورية الحرة المستقلة، وهذا ما يجب التفكير به والتخطيط له وفق قاعدة “ما أُخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة”، فمقاومة المحتل الروسي والإيراني وتفكيك قواعدهم العسكرية في سورية ستضعف الأسد وعصاباته، والجميع يعرف أن بقاء الأسد وجيشه ومخابراته مرهون بوجود الميليشيات الإيرانية التي قدمت الكثير للأسد منذ بداية الثورة، فضلًا عن الغطاء الجوي الذي وفّره المحتل الروسي للأسد وجيشه وللميليشيات الإيرانية، ولولا تلك القوات لسقط الأسد وانهار جيشه ومؤسسته الأمنية، ولانهارت دولته المزعومة.
كلنا يعرف أن الشعب السوري جرّب المفاوضات المجردة من عناصر القوة الميدانية، وتلاعب به من مثّله وباع دماءه ومعاناته في بازارات النخاسة السياسية، وأعتقد جازمًا بأن المفاوضات السياسية التي لا تستند إلى ذراع قوة مسلحة لا يمكن أن تحقق أهدافها، وهذا ما سعى إليه الثوار الأوائل في الثورة، عندما حققوا كثيرًا من الانتصارات الميدانية، استدعت تدخل المجتمع الدولي والاتصال بهم في محاولة لسلبهم هذه القوة، وفعلًا نجحوا في ذلك بمساعدة القيادة السياسية للثورة وما سمّي زورًا وبهتانًا “أصدقاء الشعب السوري”، ولهذا يمكن تحقيق أهداف الثورة، من خلال رصّ الصفوف وإعادة ترتيب أنفسنا والابتعاد عن الأمراض التي أصابت الثورة، مثل الفصائلية والمناطقية والحزبية وأخطرها أسلمة الثورة وسيطرة الإسلام السياسي على قرارها، الأمر الذي سهّل على الأسد ومشغليه إطلاق صفة “الإرهاب” على الثورة، ويمكن التحرّك في ذلك على الأراضي السورية كافة، وفق خطط عسكرية متقنة وموضوعة من أصحاب الخبرات العسكرية والميدانية، بسريّة تامة، من دون ارتباط بأي جهة غير سورية. وما يحدث الآن في حوران مثال على تلك المقاومة التي يمكن أن تكون نموذجًا يُحتذى في باقي المحافظات السورية؛ فالشباب الثائر موجود على كل تراب سورية وفي كل مكان في المدن والمناطق والقرى، وهم بانتظار من يوجّههم ويأخذ بيدهم ليعيدوا الثورة العظيمة إلى سيرتها الأولى، وليعيدوها إلى أصحابها الحقيقيين وإلى أبناء سورية الوطنيين الأحرار الذين ضحّوا بكل ما يملكون، من أجل إسقاط نظام القتل والإجرام القابع على صدور السوريين، ومن أجل تحقيق حرية الشعب وكرامته ودولته المدنية الديمقراطية التي حلم بها معظم شهداء الثورة الذين لم يبخلوا وقدّموا أغلى ما يملكون من أجل تحقيق هذا الهدف الأسمى الذي سيسير على طريق تحقيقه، ولو بعد حين، شباب سورية الوطنيون المؤمنون بسورية الوطن الواحد الموحد بشعبه على مختلف مشاربه.
رابعًا- خاتمة:
بناء على ما تقدّم؛ يمكن أن نختم هذه الدراسة بضرورة التأكيد على العمل الدؤوب والحرص على زرع الأمل وإعادة الثقة في نفوس السوريين، وخاصة الشباب منهم، فسورية لن يحررها من الاستعمار والإجرام والدكتاتورية والجهل ومدّعي الإسلام إلا أبناؤها المخلصون لشعبهم ولوطنهم. وأعتقد أن العمل على حثّ الشعب السوري المكلوم في كل المناطق على عدم اليأس وعلى أخذ زمام المبادرة والانتفاض على من قتلهم وشردهم وانتهك حرماتهم وغيّب أبناءهم في غياهب سجونه، وعلى من باعهم وباع قضيتهم ودماء أبنائهم ومعاناة معتقليهم ومعتقلاتهم بحفنة من الدولارات، ليس من أجل هؤلاء فقط بل من أجل مستقبل أبنائهم وأحفادهم ومستقبل سورية التي يجب أن نعمل ونضحّي ونبذل كلّ الجهود، فسورية وشعبها تستحق منا أن نقوم بكل ما يلزمهم لنرى شمس الحرية تشرق من جبل قاسيون، ولن تشرق تلك الشمس حتى يتم طرد المحتلين والغزاة من على تراب بلدنا، وطردهم يتعلق -كما أسلفنا- بأمرَين: أولهما الانتفاضة الشعبية في كل المناطق التي تقع تحت سلطات الأمر الواقع، وتنظيف بيتنا الداخلي؛ وثانيهما إيجاد السبل لإحداث نقلة نوعية في مسيرة الثورة، وقلب الطاولة على جميع من تاجر بالدم السوري ومن تآمر عليه ومن قتله ونكّل به ومن احتلّ أرضه؛ فالمسألة ليست صعبة -بحسب اعتقادي- والتحرّك بهذا الاتجاه يحتاج إلى أصحاب رؤى وفكر وطني سياسي وعسكري، كما يحتاج إلى من يستطيع التخطيط لمثل هذه الأعمال، من أصحاب الكفاءة في التخطيط الاستراتيجي وعلماء اجتماع ونفس واقتصاديين. ومن خلال دراسة واقع الشعب السوري بالكامل، وإيجاد الطرق المناسبة لتحريكه لينفض عنه الرماد الذي غطى الجمر الذي سيحرق جلاديه ويرميهم في مزبلة التاريخ؛ يمكن أن نعيد الثورة إلى طريقها الصحيح، والفوضى الخلاقة هي البوابة الرئيسية لتحقيق ما نصبو إليه كسوريين.
الهوامش:
(1)- جسور للدراسات، خريطة النفوذ العسكرية في سورية، https://bit.ly/3AxI4mZ
(2)- الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الاستخدام التعسفي للفيتو 16 مرة من قبل روسيا والصين https://bit.ly/3jTb5nh