جاء الربيع العربي وارتداداته على المنطقة ليؤكد وحدة المصير والهم المشترك بين أبناء المنطقة، وأن لا نظامًا أو بلدًا عربيًا يمكنه تجاوز هبة الحرية التي بدت الشعوب في حاجة إلى تنسّم عبيرها، والتنعم بأريج ممارساتها في ظل هيمنة سابقة لأنظمة استبدادية ادعت الدفاع عن المقاومة والممانعة والشرف العربي في مواجه العدو الإسرائيلي، ولم تطلق طلقة واحدة صوب المحتل والمعتدي حتى عندما جاهر في عدائه واعتدائه!؟
منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظامه في شهر آذار مارس من العام 2011، حرص النظام الأسدي على النأي بنفسه وبنظامه عن ارتدادات زلزال الربيع العربي، بحكم كونها ثورات وانتفاضات شعبية ضد أنظمة عرفت بولائها للغرب والولايات المتحدة وممالأتها للكيان الإسرائيلي.
وما إن امتد الحراك الشعبي إلى جنوب سوريا المتاخم لأراضيها المحتلة في الجولان (مدينة درعا)، عندما عبّر شبان كتبوا عبارات الحرية والمطالبة بها على جدران مدارسهم، حتى تغير موقف النظام من التعامل مع الحراك الشعبي؛ معتمداً الحل الأمني في التعامل مع شعبه، ودعم قلة من المثقفين والإعلاميين المشككين بطبيعة الحراكات الشعبية وصدقيتها، والغاية منها، ومن ثم اتهام الحراك السوري، برمته، بكونه امتداداً لصعود موجة الإسلاميين إلى الحكم في العالم العربي في كل من تونس ومصر والمغرب وليبيا.
محاولات النظام السوري تحويل الأنظار عما يجري في بلاده من خلال الزج بالقوميين في مواجهة الإسلاميين، ووصم شعبه بالعمالة لحركة الإخوان المسلمين المحظورة في البلاد منذ عشرات السنين، ومن ثم إلى الحركة السلفية التي انتعشت في بلدان مجاورة، محاولات كتب لها الفشل وتم تكذيبها فوراً من قبل نشطاء الثورة وتياراتها ونخبها السياسية.
فالثورة السورية شُكّلت من فسيفساء لم تنجح يد الغدر الطائفي أن تخنقها أو تشوه ملامحها، في صورة تعبر عن مدى تعاضد مكونات الشعب السوري مع أفراده المنتمين إلى تيارات واتجاهات سياسية ودينية ومذهبية مختلفة، وقد تكون متباينة إلا أن ما يجمعها ويلف أواصر انخراط جميع أعضائها، هو تعبير هذه الثورة المباركة عن ألوان الطيف السوري المشارك في حراك الثورة، كل من موقعه وبحسب جهده، همهم نصرة الثورة، وشعارهم سورية للجميع، وهدفهم إسقاط نظام همه الوحيد إخافة مكونات الشعب السوري من بعضها، وهو الشعب الذي ما عرف الطائفية عبر تاريخه…