السوري بين الأمل واليأس

نوفمبر 17, 2022

محمد جمال طحان

مقالات

انطلقت عملية نبع السلام فصحت نار الغيرة من مرقدها، واستيقظت مقولة سيادة الدولة السورية. لم يلتفت المجتمع الدولي، ولم ينتبه الموالون أن هناك تدخلاً أجنبياً سافراً في سوريا، إلا مع وصول القوات التركية إليها.

لا ندري كيف يمكن قبول اعتداء ورفض آخر، إلا إذا كانت البصائر في حالة غشيان، أو أن المصلحة الخاصة طفت لاتخاذ تلك المواقف المتناقضة.

أصبح من البدهي إدراك أن السلطة السوريّة تتلقى دعماً من حكومات وهيئات دولية مختلفة، ولا يقتصر ذلك على المحور الروسي- الإيراني – الصيني، فالدول تصفّي خلافاتها وتقوم بالتسويات على حساب الدم السوري وفي الأراضي السوريّة. ولكنني، مثل كلّ السوريين، أتساءل: كيف الطريق إلى وقف نزيف الحرب؟ وكيف نحصّن ما تبقّى من دماء ومن وطن؟

السلطة القائمة في سوريا أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها غير عابئة بمفردات الإنسان والوطن والمواطن والحريّة والحضارة، وهي مستمرّة في طغيانها حتى تتمكّن من بسط سلطتها الكاملة على أكبر بقعة ممكنة من الأرض السورية، وحتى تضمن الولاء الكامل من كل من تطوله يدها، وهي عازمة على إذابة المعارضين والمحايدين بالأسيد.

الائتلاف أثبت فشله، كما الحكومة المؤقتة، كما المعارضين الذين طافوا على السطح بغفلة صنعتها فوضى التقلّبات. كل جهة تسير كما يريد لها داعموها. وحين ألتقي الذين يتبعون تلك الهيئات، بشكل فردي، أجد أنّ معظمهم يتمتعون بحسّ وطنيّ عالٍ، وبرجاحة عقل وحكمة مناسبة لوضع الأمور في نصابها الصحيح، غير أن القرارات التي تصدر عن تلك الهيئات تدعو إلى التشاؤم وفقدان الأمل، وتسحب البساط من تحت أقدام الثوّار الذين شاركوا في الثورة لنيل الحرية والكرامة.

فصائل الجيش الحرّ متفرّقة متشرذمة وليست لديها القدرة على حسم المعركة لصالح الثورة، تماماً مثل السلطة التي لا نراها سوى عصابة تتمسّك بما بقي لديها من مساحة لبسط السيطرة.

وتأتي داعش وجبهة النصرة وأكوام العصابات المسلّحة وأوبة اللصوص، كلّ منها يعيث فساداً في سوريا حيث تصل يده.

وهكذا يستمرّ الصراع، وتستمرّ المأساة، ويستمرّ القتل والنهب والتشريد والهدم والتشويل والاعتقال.

من ينقذ السوري إذاً؟

وما أهميّة التمسّك بالهوّية السورية مادام مصير السوري مجهولاً وهو عرضة للوقوع ضحيّة لأيٍّ من عمليات التصفية الفكريّة والنفسيّة والجسدية تلك؟

ندرك، تماماً، أنه ماحكّ جلدك مثل ظفرك، ولكنك حين لا تكون قادراً على ذلك، تكون أمامك خيارات محدودة، تنتقي منها الأقلّ سوءا.

هناك خصائص عامّة يشترك فيها البشر جميعهم، كما أن هناك سمات تميّز مجتمعاً عن آخر، وعائلة عن أخرى، وفرداً عن آخرين. ما ينبغي التركيز عليه هو إلغاء التمايز الديني أو العرقي بين أفراد الشعب الواحد، والاستعاضة عنه بالتمايز الوطني. وهذا لا يعني انفصام الروابط. فمن اتحاد عائلي، إلى تجمع مديني، إلى قومي، إلى روابط دينية وجغرافية وسياسية وإنسانية.

وهكذا نجد ترابطاً بين الأديان والأقوام كلها، مما يدل على تكامل الإنسانية والإخاء الطبيعي بين الناس أجمعين.

المشتركات كثيرة بين البشر، والاختلافات لا تعني الخلاف. حقوق الإنسان المغيّبة هي محط الاهتمام لاستعادتها، لينعم الإنسان بحريته في وطن حرّ. بالنسبة لي لا أريد وطناً له سيّد.  السيادة للمواطن الذي يرفض التابعية.

يدرك العالم أن السوريين بعيدون عن التطرف بشكل عام. الغرب يعرف أننا لسنا متطرفين، لكنه يريد تسويق السلاح، لذلك يدعم أي نزعة تطرفية آتية من الخارج، وكثيرا ما يصنعها.

البسطاء فقط هم من يتورّط بالتطرف بحثاً عن خلاص. عن دولة إسلامية مزعومة تقيم العدل، وتعيد أمجاد الخلافة. مهمتنا الاشتغال على التوعية وعلى تبيين المشتركات بين العلماني والإسلامي والمسلم والمسيحي والعربي والكردي…إلخ.

لا أدري لماذا ننجرّ إلى ما تريده أوروبا وأميركا دائماً! لماذا علينا أن نلبس خوذة الغربي ونفكّر برأسه؟

جميل أن نغيّر تبعاً للتطوّر، لكنّ السيئ أن نغيّر تبعاً لما يريده الغرب. يدينون الإرهاب ويحتمون به. الإرهاب قيمة إيجابية تجاه العدو، من خلاله تدرأ الدولة عن نفسها مغبّة الغزو الخارجي وتحدّ من الأطماع في خيراتها. أليس امتلاك النووي هو قمّة الإرهاب؟

بينما العنف الذي لا يستند إلى شرعية قانونية هو المرفوض.

أعطت أوروبا للمثليين حقوقاً بالقانون، وشرّعت الزواج بينهم، بينما هي تحظر زواج الأخت؟ أليست الأولى أشدّ شرّاً من الثانية؟ تناقض عجيب باسم الانفتاح والتطور والحرية.

فهل أوروبا مثال يحتذى؟

إن مسألة الغالب والمغلوب نفسيّة أكثر منها ماديّة، وتقليد المهزوم للمنتصر صالحة فقط عند من يستكين إلى الهزيمة. أما من يعدّون الهزيمة جولة قابلة للتغيير، هم وحدهم من يستلهم السنن الحسنة، ويستغني عن الأوبئة التي تنتشر في المحيط.

فما الذي يريده المواطن السوري؟

إنّ أيّ مكوّن من تلك المكوّنات، على سوئها، تكون مقبولة لدى السوري إذا حفظت له حياته، وتمكّنت على التوالي، وبالحدّ الأدنى الممكن من: وقف القتل – وقف الاعتقال- تأمين الغذاء والدواء – إطلاق جميع الحريّات.

السوري الثائر يقدّر أيّ جهة قادرة على تأمين أكبر قدرٍ من تلك المتطلّبات، ويكون ممتنّاً لكل من يقدّم حلّاً يرفع الأذى عن السوريين.

ما قيمة الحكومة الوطنية، وما قيمة التمسّك بالهوّية، وما قيمة الوطن، إن لم نكن نتمتّع بالمواطنة؟

أن أكون سوريّاً لا تعني لي شيئاً ما لم أكن إنساناً، أوّلاً. أتمتّع بحقوق الإنسان.

ليس كلّ من يتزوّج أمّي أسمّيه عمّي، ولكنّني أسمّيه أبي كلّ من يتمكّن من نيل شرف الأبوّة، فيمنحني حقوقي ويطالبني بالقيام بواجباتي، ويكون قادراً على الاستجابة لمطالب الحرية والعدالة والمساواة.

كلّ حضارة تعاقبت على مرّ العصور هي أمّي، وكلّ مكان يعترف بحقوقي هو وطني، وكلّ متعدٍّ عليّ هو عدوّي ولو كان ابن أبي. الثورة بدأت والسفن خلف السوريين أحرقت.. والسلطة السابقة لن تعود.. ومخلفاتها ستزول.

نبي في الغار.. نبي في النار. نبي في بطن الحوت.. نبي في التابوت.. كلهم أنقذهم الله.

إسبانيا ومحاكم التفتيش.. فرنسا والإعدامات بالمقاصل.. روما والاحتراق.. كلها أعيد بناؤها وتعيش في رخاء.

آمنوا بالله.. وأعيدوا التفكير من جديد في ما يمكن أن نفعله لتعجيل النصر. وثّقوا كل ما ترون.. سيُحاسب كلّ معتدٍ آثم.. ومن يبقى سيعيش بكرامة وحرية وأمان وبلا أمن.

التاريخ، منذ بداية الخلق، لم يسجّل خلوداً لأي سلطة مهما طغت وتجبّرت، بل هي إلى زوال؛ وإلى ذلك الحين لابد لنا من اتخاذ مواقف مشرفة، مهما كانت الإمكانات ضئيلة، فلكل نفق نهاية، والعتمة يقتلها عود ثقاب.

المصـــدر

المزيد
من المقالات