تصعيد وتوتر حاد شهده حي الشيخ مقصود في مدينة حلب بين وحدات حماية الشعب الكردية وفصائل الجيش الحر منذ مطلع أيلول الماضي، على خلفية فتح الوحدات لمعبر مع مناطق سيطرة الأسد في المدينة، تطور إلى اشتباكات بين الجانبين ومظاهرات تطالب بطرد الوحدات من المنطقة.
تهديد الكاستيلو
وكانت غرفة عمليات «فتح حلب» أصدرت بيانًا في الثامن من أيلول، حذرت فيه أي فصيل من فتح معبر مع النظام دون موافقة الغرفة، لكن وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، وهي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، رفضت القرار ما أسفر عن اشتباكاتٍ بين الجانبين.
واستهدفت قوات الحماية طريق الكاستيلو، الجمعة 25 أيلول، بقذائف الهاون والرشاشات الثقيلة والقناصة، وأوقعت إصابات بعددٍ من السيارات المدنية، وكذلك سيارة إسعاف ما أدى إلى إصابة سائقها، كما قتلت امرأة وأصيب ثلاثة آخرون بينهم طفل، السبت 26 أيلول، مع احتراق سيارة شاحنة على طريق الكاستيلو، فيما اعتُبر استهدافًا واضحًا للمدنيين من قبل الوحدات الكردية.
ويعتبر طريق الكاستيلو الشريان الذي يربط أحياء حلب المحررة بالريف الشمالي، وهو دائم الازدحام بالمدنيين، خصوصًا مع ارتفاع وتيرة قصف النظام للأحياء الواقعة تحت سيطرة الجيش الحر، وأدى استهدافه الأخير وبشكل متكرر إلى إغلاقه عدة مرات، إلى أن قامت فصائل الجيش الحر ببناء ساتر ترابي على طول الطريق حمايةً لأرواح المدنيين.
وزادت وحدات الحماية من التصعيد بمحاصرتها لمجموعات من كتائب الجيش الحر تابعة للواء أحرار سوريا داخل حي الشيخ مقصود لمدة ثلاثة أيام، إلى أن أجبرتهم الأحد 27 أيلول على الانسحاب لتسيطر بذلك على الحي بالكامل.
ردود أفعال غاضبة
توالت ردود الأفعال المستنكرة، وخرجت عدة مظاهرات في أحياء المدينة تندد بممارسات وحدات الحماية الشعبية خلال الأيام الأخيرة، كما أصدر المجلس المحلي لمدينة حلب في 28 أيلول بيانًا يُحمّل فيه حركة المجتمع الديمقراطي وزر كل ما يحدث نتيجة إصرارهم على مشروعهم «الانعزالي عن الثورة والانفصالي عن الوطن»، وكذلك إصرارهم على فتح معبر مع النظام بمعزل عن قرار المدينة والقوى الفاعلة فيها، داعيًا إياهم «للتعقل وتغليب مصلحة الوطن».
وفي اليوم ذاته، أصدرت وحدات الحماية بيانًا استنكرت فيه «الحصار الخانق والقصف العشوائي على المدنيين العزّل في الحي من قبل مرتزقة جبهة النصرة وأحرار الشام ولواء السلطان مراد وحركة نور الدين زنكي»، على حد تعبيرها، مؤكدةً أنها في خندق واحد مع الجيش الحر في قتاله ضد النظام وداعش.
وعزت سبب خروج الجبهة الشامية من الحي لطلب رسمي من قيادة الجبهة، وأنها بدورها سدّت نقاط انسحابهم في الحي أمام النظام.
اتفاق وخروقات
حملت التطورات المتسارعة قادة غرفة عمليات «فتح حلب» على التوجه إلى حي الشيخ مقصود لإبرام اتفاق ملزم مع وحدات الحماية، الثلاثاء 29 أيلول، ونصّت بنود الاتفاق على 6 نقاط أساسية، أولها تعهد الـ PYD بعدم فتح أي معبر مع النظام، وتعزيز نقاط الثوار من غرفة العمليات في الحي لمراقبة الأوضاع، ورفع ساتر ترابي على طريق الكاستيلو لحماية المدنيين، كما تعهدت الغرفة بتأمين طريق آمن للمدنيين الأكراد، وتسوية أوضاع المعتقلين من الطرفين، ووضع لجنة شرعية لحل موضوع مدينة عفرين والمعابر معها.
إلا أن خرقًا للاتفاق صدر عن وحدات الحماية الشعبية في اليوم التالي، بفتح معبر مع النظام وإدخال «عناصر وعملاء» من النظام والمدنيين، وكذلك قنص الوحدات لمدنيين اثنين على طريق الكاستيلو، وفق ما أكده الرائد ياسر عبد الرحيم، القائد العسكري لغرفة عمليات فتح حلب، في حوار مسجلر تناقله ناشطون على موقع اليوتيوب.
وأعلن الرائد في التسجيلات الصوتية أن الحل الوحيد للوحدات الكردية وكل من يدعمهم من مُدّعي الثورة من الفصائل «هو الحل العسكري أو إلقاء السلاح»، مشيرًا إلى أنه لم يبق أمامهم سوى اقتحام الشيخ مقصود وتطهيره من الوحدات الكردية، وداعيًا إلى محاسبة من قنص المدنيين وإحالتهم إلى محاكم شرعية.
الوحدات تلقي المسؤولية على «جبهة النصرة»
الاتهامات بخرق الوحدات الكردية للاتفاق، أدت إلى إصدار الوحدات بيانًا، الأربعاء 30 أيلول، أكدت فيه أنها جزء من ثورة الشعب السوري ومن الجيش الحر، واتهمت جبهة النصرة بافتعال حرب لخدمة النظام وداعش.
كما نفت قيام عناصرها بقنص أي مدني على طريق الكاستيلو، وأن من يقوم بالقنص هم عناصر تعتقد أنهم يتبعون لجبهة النصرة وعملاء للنظام، بحسب البيان، معلنةً قبولها بلجنة تحقيق محايدة وبمجلس القضاء الأعلى لمحاسبة من ارتكب جرمًا بحق المدنيين والعسكريين على طريق الكاستيلو أو حي الشيخ مقصود.
وأصدرت الجبهة الشامية في اليوم ذاته بيانًا دعت فيه فصائل الثورة السورية كافة إلى عدم حرف «بوصلة الثورة”، وإلى “تغليب مصلحة الشعب السوري والثورة». ورفضت الجبهة في بيانها اتهامات الـ YPG لفصائل ثورية وصفتها بأنها «تعمل معها في خندق واحد ضد النظام وداعش»، مؤكدةً أنها ضد استهداف المدنيين.
«فتح حلب» تبدأ القصف
بدورها، بدأت غرفة عمليات فتح حلب، الخميس 1 تشرين الثاني، بقصف مواقع للأحزاب الكردية على أطراف الكاستيلو في حي الشيخ مقصود بصواريخ الكاتيوشا، موثقةً بتسجيل مصور يظهر فيه الرائد ياسر وهو يشرف على عملية القصف «انتقامًا لشهداء الكاستيلو وردًا على المجازر التي يقوم بها حزب الـ PKK الإرهابي»، على حد تعبيره. (PKK هو حزب العمال الكردستاني، وتعتبر YPG رديفًا له في سوريا).
وترافقت العمليات مع بيان جديد لغرفة العمليات، «تهيب فيه بالمواطنين عدم الدخول عبر معبر الشيخ مقصود، ومعلنةً أن «كل شخص يدخل المعبر سيخضع للتحقيق والتثبت من وضعه الأمني»، كما اتهمت في بيانها التنظيم بـ «إدخال الميليشيات الأجنبية والشبيحة وقوات النظام باتجاه مناطق الثوار بحجة المعبر الإنساني».
كيف يرى الحلبيون القضية؟
في استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي مع بعض الناشطين والسياسيين حول التصعيد العسكري مع الأحزاب الكردية في حي الشيخ مقصود، نوّهت النسبة المعارضة للتصعيد إلى أن هذه الأحزاب لا يقتصر وجودها على حي الشيخ مقصود، وإنما تسيطر على قرى ومساحات شاسعة في الريف الشمالي، وبتماس مباشر مع القرى المحررة في ذات الريف، ويكفي لمقاتلي حلب، الجبهات التي يقاتلون عليها وليس بإمكانهم فتح مواجهات جديدة تستنزفهم كما يحصل على جبهات النظام وداعش.
في حين أشار آخرون إلى أن مشكلة المعبر كان يمكن للفصائل ضبطها لو أنها فتحت معابر بديلة في بستان القصر وغيرها، استجابة لكثير من المبادرات التي طرحت حينها وباءت بالفشل، وافترض هؤلاء أنه حتى مع دخول الشبيحة وعناصر النظام عبر معبر الشيخ مقصود فبالإمكان تسوية معبر بين المناطق المحررة وحي الشيخ مقصود لضبط الوضع بدلًا من تصعيد عسكري ليس وقته على الإطلاق.
وأما عن النسبة المؤيدة للتصعيد، فهي ترى أن وضع حد سريع وجذري لهذه الأحزاب الآن هو غاية في الأهمية على اعتبارهم يشكلون خطرًا كبيرًا كما النظام وداعش، وخاصة أنهم لم يلتزموا لا باتفاق ولا بالهدنة.
«لن نقف متفرجين على الشبيحة يدخلون حي الشيخ مقصود ثم نندم» تقول الغالبية، فيما اكتفى آخرون بالقول إنه لا بد لهؤلاء من «فركة أذن»، ولكن دون الدخول في حروب طويلة الأمد.
وسيطر الجيش الحر على معظم الأحياء الشرقية من المدينة في رمضان 2012، لكنه واجه بعد ذلك معارك واسعة ضد قوات الأسد والميليشيات المساندة له إضافة إلى تنظيم «داعش» الذي يحاول حصار المدينة من خلال مواجهات في الريف الشمالي للمحافظة.
حي الشيخ مقصود
تقطنه أغلبية كردية، ويشرف على طرق إستراتيجية بمدينة حلب أبرزها طريق الكاستيلو ودوار الجندول الشريان الرئيسي لأحياء المعارضة.
أغلق الحي من قبل عناصر الوحدات الكردية منذ بداية الثورة، بإقامة حواجز على مداخل الحي من الأشرفية وطلعة العوارض، والسكك الحديدية، وشارع الصالات.
مطلع 2013 شهدت المنطقة تنسيقًا بين المقاتلين الأكراد وفصائل الثورة السورية، ليعلن عن تحريره وانسحاب عناصر الأسد منه نهاية آذار من العام ذاته.