يتطرق المخرج السوري الراحل حاتم علي، في فيلم “الليل الطويل” الذي أنتج في عام 2009، لموضوع إنساني حساس، بالنظر إلى الوقت الذي أبصر فيه النور، إذ يتناول العمل واقع أوضاع السجناء السياسيين في سوريا، في ظل حكم حزب “البعث”.
ويسلّط الفيلم الضوء على أربعة سجناء سياسيين، يُطلق سراح ثلاثة منهم، بينما يُحتفظ بالرابع في المعتقل.
ويصوّر العمل، الذي كتبه هيثم حقي، آلية المساومة التي يتبعها النظام قبل الإفراج عن المعتقل السياسي الذي أُزهقت أبهى سنوات حياته في أقبية السجون والمعتقلات، إذ يتطلب الإفراج في نهاية المطاف توقيع المعتقل على ورقة يتعهد من خلالها بالعمل مخبرًا للسلطة.
هذا ما رفضه “أبو نضال” الذي جسّد دوره الفنان الراحل خالد تاجا، فأُفرج عنه من دون شروط بعدما اُستنزفت سنوات حياته خلف القضبان، على خلاف معتقل آخر أصرّ ضابط المخابرات على توقيعه وتعهده بالتعامل مع السلطة، وللمفارقة فإن السلطة تطلب من المعتقل الذي أُفرج عنه التجسس على من يمتلكون نشاطًا سياسيًا، كالذي عُوقب بالسجن سنوات من أجله.
البطولة الحقيقية لـ”أبو نضال” تدفع أسرته لإعادة ترتيب مشهد حياتها في يوم خروجه من السجن، فبمجرد سماع الخبر أخلى نضال، الابن الأكبر، غرفة أبيه التي استوطنها بمباركة أمه الراحلة، لظن الأخيرة أن والده لن يبصر النور من جديد.
وفي الليلة الممتدة من لحظة مغادرة المعتقل، وبانتظار وصول الغائب، تُقام من جديد محاكمة لسلوكيات وتصرفات سلكها الأبناء على مدار السنوات الـ20 التي قضاها الأب خلف الأبواب الموصدة، فنرى كفاح (الابن الأصغر لـ”أبو نضال”)، الذي لعب دوره الممثل باسل خياط، متمسكًا بأفكار ومبادئ والده في وجه زواج أخته (أمل عرفة)، قبل سنوات طويلة، من ابن مسؤول رفيع المستوى وصديق سابق لـ”أبو نضال” ويخالفه في الأفكار السياسية (رفيق سبيعي).
هذا الزواج باركه الأخ الأكبر نضال (زهير عبد الكريم)، كزواج مصلحة استفاد منه ورفعه في عمله كمحامٍ إلى قضايا ذات مكاسب مادّية كبيرة، فبدا لهم، بعد نقاش حاد مع كفاح، أنهم بمثابة شركاء في خيانة المبادئ التي طمرت والدهم 20 عامًا في سجون أضاعت شبابه.
اللافت في الفيلم أن عددًا من ممثلي العمل تبنوا مع انطلاق الثورة السورية المبادئ نفسها التي حملوها في العمل، بدءًا من الفنان خالد تاجا، الذي لعب دور “أبو نضال”، وصولًا إلى زهير عبد الكريم، الذي لعب دور ابنه نضال، بالإضافة إلى رفيق سبيعي الذي جسّد شخصية المسؤول المتنفذ في السلطة.
تتسارع الأحداث كلها على مدار أكثر من 90 دقيقة، وتدور في ليلة واحدة يطلع صبحها بنهاية محزنة ومؤثرة، تعكس كيف يسرق النظام السياسي حياة المعتقلين ويستهلكها دون وجه حق.
شارك في بطولة الفيلم أيضًا حاتم علي وأنطوانيت نجيب وسليم صبري ورغد مخلوف ومحمد خاوندي وأحمد رافع، والموسيقى التي لعبت دورًا في إيضاح الرسالة التي تخلو من الكلام بتوقيع كنان أبو عفش.
حصل الفيلم على جوائز عديدة، منها الجائزة الكبرى من مهرجان “تاورمينا” كأفضل فيلم سينمائي دولي في عام 2009، والجائزة الكبرى لأفضل فيلم في مهرجان “نيودلهي” في العام نفسه، وجائزة “اتحاد النقاد السينمائيين العالمي ودعم الفيلم الآسيوي”، كما نال جائزة تقديرية من مهرجان “روتردام للسينما العربية” 2009.