المدرجات.. حكاية ثورة

مايو 12, 2023

عروة قنواتي

مقالات

لطالما كانت ملاعب وصالات ومدرجات سوريا في الزمن الماضي مسرحًا لصور القائد وأبنائه من درجة الوصاية العليا على الحكم، فكانت “المزرعة” بحد ذاتها، كما يحلو لأبناء الثورة إطلاق التسمية، وكان كل شيء يدور في فلك القائد وضمن حكمته بالمباريات والإنجازات ومنصات التتويج وحتى الحضور على المدرجات.

في كل الملاعب كانت عيون القائد وولديه على المتفرجين وعلى الحكام وعلى الكاميرات وعلى هتاف بالروح بالدم نفديك، والله سوريا و… حتى أصبح الهتاف عرفًا لا يمكن تجاوزه. فكم من مشهد لهتاف جماهيري ولصور ضباط حفظ النظام وهم يرفعون أيديهم بالولاء للقائد داخل الملعب وكأن المباراة أو النشاط الرياضي يقام في ثكنة عسكرية وليس في ملعب لكرة القدم تحتمل أحوالها ونتائجها الفوز والخسارة بالعرف الرياضي.

ليدخل آذار في العام 2011 وينقل الكثير من أبناء المدرجات والملاعب والصالات إلى ساحات الحرية في كل مكان، حيث الثمن الغالي كرمى لعيون الثورة ورفضًا للاستبداد والطغيان. لم تحتمل الرؤوس الأمنية في البلاد هذا المشهد، فبدأت تعتدي وتخفي وتضرب وتأسر وتعتقل وتلاحق أبناء الوسط الرياضي، فنيًا وإداريًا واعلاميًا وحتى جماهيريًا، فأفرغت الملاعب وحولتها إلى ثكنات للعسكر ومهابط للمروحيات ومرابض للمدفعية وأقبية للاعتقال والتصفية والتحقيق في دمشق وحلب وحمص وحماة ودرعا ودير الزور واللاذقية.

المدرجات تسأل عن أبنائها وأبطالها، وكيف لهذه الصور التي عبثت بتاريخ البلاد أن تتحول إلى آلة للذبح والتصفية والتهجير، وكيف لها أن تستمر في عمليات التغييب للشعب الطيب والصابر، كيف لها أن تجعل الصالات والملاعب مسارح للجريمة بل للجرائم.

آلاف الوثائق في ضمير الأحرار تتحدث بالصوت والصورة والأسماء عن الانتهاكات التي لحقت بالأسرة الرياضية، وبكل من خلع عباءة مؤسسة النظام الرياضية واتجه لصياغة عنوان جديد لسوريا التي تتسع للجميع، وليست سوريا التي أرادها النظام أن تكون دائما “سوريا الأسد”، آلاف الصور والمواد الصحفية كُتبت عن ضحايا الرياضة السورية الحرة، بين معتقلين وشهداء ومهجرين ومنكوبين، أمثال اللاعب الدولي جهاد قصاب، والمعتقلة الدكتورة رانيا العباسي، ولاعب كرة القدم المعتقل عامر حاج هاشم، وحكم كرة الطاولة الدولي سمير سويد، ولاعب كرة السلة سامح سرور، ورئيس اتحاد كرة القدم سابقًا الدكتور مروان عرفات، وكثير من الأسماء من مختلف الاختصاصات والألعاب والترتيب الإداري والإعلامي والرياضي.

سنوات الثورة السورية فضحت للعالم مكان ومسرح الجريمة، بالرغم من محاولات التغطية العمياء للإعلام العربي وإعلام النظام، وإظهار أن النشاط ما زال مستمرًا وأن اتحاد كرة القدم وغيره يتعاقدون مع خيرة المدربين في العالم العربي، وكان آخرهم التونسي نبيل معلول القادم لتدريب منتخب النظام الأول، أيضًا هذا المنتخب الذي أراد نظام بشار الأسد أن يفرض به الوحدة على السوريين بينما كانت طائراته ودباباته تقصف وتهجر المدنيين من عدة مدن وقرى في البلاد، وجلادوه يمارسون السادية والوحشية على المعتقلين في أقبية الظلم والاستبداد.

بدخولنا يوم الثورة، سنبقى مع أجيال قادمة نحفظ الصور والأسماء والوثائق، لأن ثورة الشعب لا يمكن إخمادها بسنوات عجاف، ولا بتآمر دولي ولا بقسوة القصف وإجرام الطائرات، لا بد للرياضة السورية الحرة أن تستقل يومًا ما وأن تبرز بالهوية السورية الحقيقية داخل البلاد بعيدًا عن الظلم والاستبداد والطغيان.

في ذكرى انطلاقة الثورة السورية.. كل عام ومبادئنا وحبنا للثورة بألف خير.

المصـــدر

المزيد
من المقالات