“المسألة السورية ومرايا الجيوبوليتيكا الدولي”.. جحيم التدخل الروسي في سوريا

نوفمبر 9, 2022

فايز القنطار

مقالات

صدر كتاب “المسألة السورية ومرايا الجيوبوليتيكا الدولي” للكاتب والسياسي السوري جمال الشوفي، في العام الماضي، ويتناول المسألة السورية وتأثير الجيوبوليتيك الدولي في تطورها، حيث أصبحت نقطة تقاطع مصالح دولية معقدة. كما يعد الكتاب إضافة مهمة للمكتبة العربية في دراسة المسألة السورية المستمرة منذ أكثر من عقد. وتأخذ هذه الدراسة أهمية خاصة نظرا لقلة الدراسات التي تتناول الجيوبوليتيك وتأثيراته في التحديات التي تمخضت عن ثورات الربيع العربي.

جاء التدخل العسكري الروسي في سوريا ليقلب موازين القوى لمصلحة نظام الأسد الاستبدادي، ويوضح لنا هذا الكتاب الذي جاء في خمسة فصول موزعة على 262 صفحة، الخلفية الفلسفية التي تساعد على فهم الموقف الروسي في الوقوف ضد التغيير الديمقراطي، ليس في سوريا فقط، وإنما في كل مكان، لأنه يرى في التحول الديمقراطي خطرا حقيقيا على النموذج البوتيني الأوليغارشي.

جاءت ثورات الربيع العربي لوضع حد لنظم استبدادية متخلفة، أصبحت خارج العصر وعرقلت تطور مجتمعاتها. وشكلت، هذه الثورات، استمرارا لكفاح الشعوب العربية، ومحاولة لتجديد مشروع النهضة العربية الذي بدأ منذ القرن التاسع عشر.  وشكلت هذه الثورات، خاصة الثورة السورية، زلزالا قويا امتدت آثاره الى العالم، بما حمله من تهديد المنظومة العالمية، بقطبيها؛ القطب البوتيني الاوليغارشي أو القطب النيو ليبرالي والعولمة المتوحشة.

النظام العالمي وُضع اليوم على المحك، فكيف لنا أن نفهم الموقف الدولي الذي التزم الصمت أمام الإبادة الجماعية والعنف المنفلت والتهجير والتغيير الديمغرافي واستخدام السلاح  الكيماوي ضد المناطق المدنية؟

الفصل الأول: مخاض ثورة وصيرورة دامية

يبين الفصل الأول تفاصيل دفع ثورة السوريين السلمية الى العنف ومحاولة تحويلها من ثورة شعب يطالب بالحرية الى صراع مذهبي مقيت عبر تدخل الأذرع الإيرانية في قمع الثورة واستفزاز ردود فعل طائفية.

المنعطف الأصعب في هذه الثورة تَمثّل في التواطؤ الدولي والتزام الصمت أمام ما يحدث من قتل واغتصاب وتجويع وحصار للمدن والبلدات الخارجة عن سيطرة النظام، وتغيير ديموغرافي. حدث كل ذلك برعاية روسية وصمت دولي، حيث وقف العالم الغربي متفرجا، هذا إذا لم يشارك بشكل سلبي.

يشير المؤلف في هذا الفصل إلى تطور الحياة السياسية منذ تأسيس الجمهورية الأولى (1932 ـ 1963) التي قامت على أسس دستورية، والجمهورية الثانية (1963 حتى الآن) حيث غاب الدستور وغابت الحريات وأصبح المجتمع محكوما بمؤسسات أمنية بوليسية، تهيمن على جميع جوانب الحياة الاقتصادية والسيكولوجية الاجتماعية واتهام كل صاحب رأي بإضعاف و”وهن” نفسية الأمة.

استعادة الحياة السياسية المدنية وحرية الانتخاب والعقد الاجتماعي، بررت قيام الثورة الشعبية السلمية. أما الحرب التي اشتعلت على خلفية هذه الثورة الشعبية، أدت إلى نتائج كارثية وإلى تدخلات خارجية. إن عمق التجربة السورية وغزارة دمها تجعلنا أكثر تمسكا بدولة القانون والحريات ونظام الحكم البرلماني ونبذ العسكر والعسكرة والتطرف، وبناء الجمهورية الثالثة، أي دولة المواطنة.

النظام الأمني الدموي وحلفاء على شاكلته وأسلمة الثورة وتقويض المحتوى الوطني وافتقاد القرار الوطني… كل ذلك أفضى إلى تحوّل طموح بناء الدولة الوطنية إلى نزاع إقليمي دولي. فمنذ عام 2013 أصبحت الثورة السورية مسألة عالمية كبرى وصراع بالأدوات بين نظامي العولمة: قطب أميركي وقطب الجيوسياسية الروسية؛ صراع في سوريا وعلى حساب شعبها.

مرحلة التدخلات الجيوبوليتيكية الروسية (2015)

شكل التدخل الروسي كارثة حقيقية على سوريا وشعبها، وكارثة على أطفالها. فاليوم يوجد مليون طفل يتيم وقرابة 3 ملايين حرموا من التعليم، وأصبح 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، وقتل نحو 511 ألفا وهُجّر نحو 12 مليون (نصف الشعب) حتى عام 2018.

وبدل الانتصار للطفولة، استمتع بعض الفنانين والأدباء بما يجنون من منابر السلطات المتوحشة، وبلغت مواقف البعض درجة مروعة من الإسفاف والانحطاط؛ إنها الذات المتورمة التي لا ترى من الوجود سوى وهم صورتها عن نفسها، متجاهلة محيطها البشري. إنها ثورة حياة أرادوا قتلها بكل الوسائل.

الفصل الثاني: النظام العالمي الجديد وتغول العولمة

يرى المؤلف في هذا الفصل تراجع دور روسيا وتحوّلها إلى تابع وعدم قبولها بهذا الدور الثانوي في نظام العولمة، فهي تحاول الصعود على المسرح الدولي عبر تدخلها في سوريا وفرض شروطها العسكرية والسياسية في مواجهة الليبرالية؛ ليبرالية تزعم إرساء ثقافة الديمقراطية واحترام الحقوق الفردية والعامة، وحق الاعتقاد، وحرية التفكير والتعبير والنقد. وتعمل على ترسيخ مفهوم الدولة الوطنية، في سوق عالمية متعددة الجنسيات. ليبرالية تعمل على تشكل ثقافة عالمية واحدة، بعد أن تحول العالم الى قرية صغيرة بفضل ثورة التكنولوجيا والاتصالات وقوة الاعلام.

وضعت ثورات الربيع العربي، خاصة الثورة السورية، هذه الثقافة على المحك. حيث قدمت صفقة كيري- لافروف المتعلقة بسحب السلاح الكيماوي نموذجا صارخا لمجافاة الحقوق الإنسانية التي أرستها ثقافة الليبرالية. شكّلت هذه الصفقة سابقة خطيرة بصرف النظر عن استخدام الأسلحة المحرمة دوليا، وخروجا على النظام الدولي وشرعة حقوق الانسان.

ويتجه النظام العالمي اليوم إلى إعادة تقاسم النفوذ ورسم خطوط اللعبة الدولية، لنشهد عودة التنافس الجيوبوليتيكي في مسائل الربيع العربي.

واجه الطريق الى الجمهورية الثالثة وتحقيق الدولة الوطنية جملة معوقات، منها السلطة وتحالفاتها الإقليمية والدولية، ومسار المعارضة السياسية والعسكرية وخلافاتها الحادة.

الفصل الثالث: النظرية الرابعة في السياسة والجيوبوليتيك

يشكل هذا الفصل الجانب الأكثر أصالة وأهمية في هذا الكتاب حيث يتناول محاولة الغرب الخروج ثقافيا من هيمنة القوة المادية للعولمة بشكلها النيو ليبرالي. وكان المفكرون الروس الرافضون للعولمة وللدور الروسي الذيلي يسعون لبلورة النظرية السياسية الرابعة.

أهم ما يميز مفهوم الجغرافية السياسية التقليدية عن الجيوبوليتيك، أن الأولى تعمل بحدود الواقع الطبيعي للدولة، في حين  تبحث الثانية في أهداف الدولة وزحزحة الحدود وإعادة تقسيمها سياسيا.

الثورة السورية بدورها، أعادت العالم الى شكل جديد في العلاقات الدولية من خلال: توسع إيران وتدخل روسيا، ودفع أميركا إلى العودة مجدداً إلى المنطقة.

النظرية الرابعة وعودة الجيوبوليتيك

الروسي ألكسندر دوغين، منظر الجيوبوليتيكا والأب الروحي لبوتين، انتقد نظام القطبية الأحادية وتبنى خطابا مناهضا للهيمنة الأميركية. ارتبط دوغين بالأوراسية المتميزة عن أوروبا وآسيا، ويركز على استقلال روسيا الثقافي والجغرافي والسياسي وإقامة محيط حيوي، في نزعة نحو التوسع الروسي في موقف غير متعاون مع الغرب. وتقوم نظرية دوغين على:

  1. توازن الرعب.
  2. رفض الهيمنة الأميركية بما فيها الثقافة الليبرالية، فهي تشكل خطرا على الثقافة الروسية الأرثوذكسية.
  3. روسيا الدولة التي تشكل قلب الجزيرة الأوراسية، تواجه الجيوبوليتيكا الأطلسية بهدف إعادة إنتاج شروط جديدة للعلاقات الدولية في ظل عالم مزدوج القطبية.
  4. همجية الحروب الأميركية. فالروس أكثر قبولا من قبل الشعوب المعتدى عليها، ولكن أصبحوا بعد تدخلهم المباشر في الحرب السورية أكثر تفوقا في الهمجية.

يسعى الروس إلى إعادة تشكيل التحالفات السياسية والعسكرية والاقتصادية لفرض المحيط الحيوي الروسي عبر الذهاب المباشر إلى سوريا وتفريغ الداخل من خلال القتل والتهجير.

على هذا النحو أصبحت المسألة السورية تتجاوز حدود الثورة السورية، وتحولت إلى مسألة إقليمية دولية ومركز أحداث العالم وتكثيف صراعاته.

المسألة السورية والصعود الروسي

أرست القوة المفرطة الروسية قوانين إدارة المسألة السورية إقليميا ودوليا على حساب السوريين، بعد أن تحولت الثورة من وطنية الى مسألة إقليمية في عام 2013، ثم الى مسألة عالمية منذ عام 2015.

رفضت روسيا الاعتراف بوجود ثورة، وهي لا تتحدث إلا عن “إرهاب ومجموعات مسلحة خارجة على شرعية الحكومة” واستخدمت الفيتو أكثر من 12 مرة لعرقلة الحل السياسي. كما شرعنت تدخلها تحت ستار “دعوة رسمية” وتنفيذ اتفاقية دفاع مشترك، وهذا ما أعفاها من مسؤولية قوة الاحتلال وفق القانون الدولي. كما تعتبر النظام الأسدي نظاما “شرعيا”، متجاهلة وراثته للرئاسة بعد 30 سنة من حكم أبيه عبر استفتاءات شكلية معروفة نتائجها مسبقا، كما تتجاهل ثورة الشعب مصدر الشرعية، ونزوله إلى الشوارع مطالبا بالحريات الأساسية.

تدخلت روسيا عسكريا بقواتها الجوية لتقلب موازين القوى وتقدم العملية بأنها عملية تدريب لقواتها وتجريب لأسلحتها الجديدة، وحققت ارتفاعا كبيرا في مبيعات السلاح. كما عملت على إخراج المعارضة من المناطق التي تسيطر عليها الواحدة تلو الأخرى. وبعد انتصارها في حلب، قدمت نفسها كملتزمة بالقانون الدولي. إلا أن غزوها أوكرانيا نسف كل هذه المزاعم والأكاذيب.

استثمرت روسيا بالتراجع الأميركي من المنطقة وعدم رغبتها في انتصار الثورة السورية، كما استغلت الخلاف بين أميركا وتركيا في إرساء قواعد جديدة تحقق مصالحها. وباتت المسألة السورية مسألة تقاسم نفوذ مع تجاهل تام لحق السوريين بتقرير المصير، ومحاكمة مجرمي الحرب.

أتاح التدخل العسكري في سوريا لروسيا دخول المسرح الدولي كلاعب أساسي، في وقت ساعد التواطؤ الأميركي بإفساح المجال للتوغل الإيراني واستثماره كدور وظيفي تحت سقف المصالح الأميركية- الإسرائيلية. أدى هذا التدخل الى تسعير الصراع المذهبي وإجهاض الربيع العربي. وكانت الميليشيات الإيرانية تخوض المعارك في سوريا تحت غطاء جوي روسي، وفي العراق تولى الطيران الأميركي هذه المهمة. والدعوة الآن لتحجيم الدور الإيراني يبدو أشبه بلعبة في دماء أبناء المنطقة وشعوبها.

أصبحت المسألة السورية وطريقة حلها تشكل حجر الزاوية في توجيه دفة السياسة العالمية. كانت ثورات الربيع العربي تهدد كلا المنظومتين: العولمة والقوة البوتينية التي لا تمتلك إلا البطش العسكري. وأظهرت المواقف من الثورات انتكاساً في الفكر والسياسة والعودة إلى الهمجية، كما أظهرت عجز الثقافة العالمية؛ ثقافة التحرر والحداثة وثقافة الحقوق والمواطنة. ثورة كبرى بحجم الثورة السورية، لا يمكنها مواصلة دربها إلا عبر تمسكها بثوابتها.

الفصل الرابع ومأزق المعارضة

يتناول هذا الفصل دور المعارضة في بداية الثورة، حيث شكل الربيع العربي لحظة انعطاف في تاريخ الحضارة الإنسانية وفي تحول كبير في حاضر المنطقة العربية. هذا الزخم الثوري والحشود الشعبية الذي يتجه نحو الديمقراطية والمواطنة وحقوق الانسان، حمل المؤلف على طرح السؤال التالي: “هل استطاعت النخبة السورية الالتفاف حول فكرة التغيير حول مشروع وطني متكامل؟”.

بعد تشكل “الجبهة الوطنية التقدمية” عقب انقلاب حافظ الأسد، تعرضت أحزاب الجبهة للانشقاقات وتم تشكيل “التجمع الوطني الديمقراطي” في عام 1980 من القوى المناهضة لنظام الأسد. واستمر الحراك المناهض للدكتاتورية بالرغم من حملات القمع والاعتقال والتنكيل.

شكل إعلان دمشق في عام 2005 محطة أساسية في الكفاح من أجل التحول الديمقراطي السلمي التدريجي نحو الديمقراطية والمساواة، لكن النظام رد باعتقال الأمانة العامة لهذا الائتلاف “العلماني” المتمثل بإعلان دمشق.

في أيلول عام 2011 تم تشكيل المجلس الوطني من القوى المكونة لإعلان دمشق ومن الإخوان المسلمين، بهدف تحقيق أهداف الشعب السوري بإسقاط النظام. وقبل ذلك بعدة أشهر تم تشكيل هيئة التنسيق. وفي أواخر عام 2012 تم تشكيل الائتلاف بدخول مكونات جديدة لتجنب التفرد بالقرار الوطني وأصبح يحظى بتأييد عربي ودولي.

لم تتمكن المعارضة من تكوين جسم قيادي فاعل يؤثر في المواجهة بين الثورة السورية وأعدائها. فالمعارضة التقليدية كانت تطالها يد القمع والتنكيل ولم تتمكن من بناء إطار سياسي وعسكري موحد. كما وجدت المعارضة السورية نفسها في مأزق العسكرة دون أن تتخذ موقفا علميا نقديا، ووجدت نفسها أمام فوضى التحكم في مناطق الصراع والانجرار إلى آستانا.

كما أصيبت الأحزاب التي كانت تستند إلى النهج الماركسي أو القومي بالانقطاع عن الجذور الفكرية. وتحولت الى حركات “توتاليتارية” واتهمت ثورات الربيع العربي بالعمالة، وهي التي اغتالت جنين الدولة الوطنية وما زالت تحول دون إنتاجها لتصرف الأنظار عن طبيعتها الاستبدادية.

أخطر ما أصاب السوريين كان التشتت وعدم القدرة على التوحد وتركيز الطاقات، وما زال الانقسام حول الهوية الوطنية هو الأبرز.

تمضي الثورة السورية في مسار طويل يهدف إلى هدم الاستبداد وبناء الدولة الوطنية، دولة المواطنة واستعادة الدولة على أسس شرعية وإطلاق فضاء الحريات. لكن المعارضة ما زالت كتلا متشظية، حيث تكاثرت المنابر “الديمقراطية” المتعددة وأصابها الانزلاق لتحالفات غير منضبطة؛ تحالفات انفصالية ومنصات “موسكو” و”القاهرة”.

ولوحظ بروز البيروقراطية والاستئثار والتنافس الفاضح بين مكونات القوى السورية، الائتلاف وحكومته وعدم القدرة على إنتاج مفهوم الدولة المحايد تجاه كل الأطراف السياسية، يجهض مقومات العقد الاجتماعي لثورة الحرية والديموقراطية. هذه الأوضاع أدت الى تآكل شعبية المعارضة وخسارة رصيدها الدولي. وبعد أن نالت المعارضة اعترافا دوليا واسعا، تخلت معظم الدول عنها باستثناء ما يخدم مصالحها.

كما سقطت شعارات المقاومة والممانعة مع أول رصاصة أطلقت على المتظاهرين، واتضح أن روسيا ضالعة في العولمة والبلطجة، فالتبعية للنموذج الروسي لأنه عدو “الامبريالية” مسألة مضللة، إذ أن الحروب الروسية في الربع قرن الماضي خير دليل على نزوعها التوسعي الإمبريالي. والاستقواء بالقوة التركية في مواجهة إيران خطأ آخر، فهما يتقاسمان النفوذ.

بغية استعادة المبادرة، لا بد من مراجعة نقدية، فالنقد ثورة حتى لو لم يُنتج البديل. الثورة بحجمها وكلفتها الهائلة أكبر من كل هذا القصور السياسي لتصبح مسألة عالمية مفصلية.

الفصل الخامس: نحو عقد اجتماعي وطني

يجب التوجه نحو الواقع ومجرياته وعوامل تشكله الحديثة وضرورة رأب الصدع بين القوى الوطنية والنخب الثقافية في تكامل الرؤية حول مستقبل عقد اجتماعي وتحقيق دولة المواطنة عبر تأسيس الجمهورية الثالثة. خلقت الثورة السورية فوارق اجتماعية وأظهرت عجز أوروبا وثقافة الحريات، وعجز المنظمات المدنية والحقوقية. وعلى السوريين الآن التمسك بالقرارات الدولية وآخرها القرار 2254 الذي يشكل خطوة في اتجاه استعادة المشروع الوطني تدريجيا.

هزيمة الثورة أمام المحور الروسي تُعدّ هزيمة لمفاهيم الديمقراطية العالمية والهويات الوطنية، والغرب لن يسمح لروسيا بنصر سياسي دولي بهذا الحجم.

الثورة السورية التي اجتاحت كل النفوس وأطلقت الطاقات خارج بوتقة الرعب السوري، أضحت الآن عين الحدث العالمي وبؤرة توازنه.

خاتمة

تأتي أهمية هذا الكتاب في إلقاء الضوء على الأبعاد الفكرية والأيديولوجية التي يستند إليها الموقف الروسي والتي وجدت ترجمتها عبر التأكيد على حماية الثقافة الروسية الأرثوذكسية والتوسع في المحيط الحيوي، أي في دول الاتحاد السوفييتي السابق، عبر سلسلة من الحروب آخرها الحرب الأوكرانية لحماية هذه الهوية الثقافية. ما يذكرنا بسياسة التوسع الإسرائيلي بحجة حماية “أمن إسرائيل”.

ليس لدى روسيا مشروعا حضاريا ولا نموذجا يمكن أن تقدمه للعالم كبديل للنموذج الغربي التي تناصبه العداء. ومن خلال تعاطيها مع ثورات الربيع العربي وشراكتها الوحشية في قمع تطلعات الشعوب العربية، تثبت روسيا وقوفها إلى جانب الأنظمة الاستبدادية الفاسدة، وتعمل على مناهضة تطلعات الشعوب في الحرية والديمقراطية. كما أنها لم تتورع عن استخدام كافة صنوف الأسلحة ضد المناطق المدنية في سوريا واستهداف المدارس والأسواق والمشافي ومراكز الإسعاف في انتهاك صارخ للقانون الدولي، ومحاولة التغطية على استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في موقف لا يليق بدولة كبرى، تتحمل مسؤولية في تحقيق الاستقرار والسلم الدولي وتقدم نفسها على أنها مناهضة لسياسة “القطب الواحد وللهيمنة الإمبريالية”.

فهل تشكل الحرب الروسية على أوكرانيا بداية نهاية الطموحات القيصرية الروسية؟

الكتاب: “المسألة السورية ومرايا الجيوبوليتيكا الدولي”.
الكاتب: د. جمال الشوفي.
الناشر: ليفانت، الإسكندرية- 2021.

المصـــدر

المزيد
من المقالات