صبيحة 23 حزيران 2012، فوجئ أهالي “مساكن هنانو” بدخول الراحل عبد القادر الصالح مع رفاقه في “الجيش الحر” إلى حلب، وسيطرتهم على الحي وعددٍ من الأحياء الأخرى، ليخسر النظام نصف المدينة في غضون أيام. وفي 23 تشرين الثاني الماضي قلب النظام المعطيات، ودخلت قواته والميليشيات الرديفة ذات الحي، وسيطروا عليه في غضون يومين، واستكملوا السيطرة على نصف أحياء المعارضة خلال أيام.
عشرة أيام على اقتحام “الشرقية”، كانت كفيلة بإحداث تغيير كبير على خارطة السيطرة في المدينة، بعد مضي أربع سنوات على ثبات خطوط التماس بين الضفتين الشرقية والغربية، فألحقت قوات الأسد وحلفاؤها خسائر ميدانية ثقيلة في صفوف المعارضة، والتي بدت عاجزة أمام الضربات العسكرية لقوات الخصم، فتساقطت الأحياء واحدًا تلو الآخر، وأجبرت الحرب آلاف المواطنين على النزوح القسري إلى مناطق النظام.
هي “قيامة حلب”، كما وصفها مغردو “تويتر”، فالأهوال التي رآها محاصرو الشرقية لم يكن لأحد تصور وقوعها، بل كانت أسهم الآمال ترتفع مع كل طلقة تخرج من بنادق مقاتلي “الجنوب”، على أمل وأد الحصار ونسيان آلامه، فحدث العكس وحقق الأسد، المدعوم روسيًا وإيرانيًا، جزءًا من مراده بدخول “الشرقية”، ريثما يتسنى لمقاتليه ومرتزقة الأصدقاء الاستيلاء على كامل المنطقة، وبالتالي عودة حلب إلى أحضان نظامه، بعدما شقّت إحدى ضفتيها عصا الطاعة.
كيف خطط الأسد وحلفاؤه لاستعادة حلب الشرقية؟
بعض الميليشيات المشاركة في معركة حلب
استعان النظام السوري بميليشيات مسلحة، ذات صبغة طائفية بمعظمها، لمواجهة فصائل المعارضة في حلب، منذ العام الفائت، ونورد هنا أسماء 17 ميليشيا، معظمها تنتمي للطائفة الشيعية أتت من ست دول، عدا عن الميليشيات المحلية والمختلطة. الميليشيات الأجنبية:“أبو الفضل العباس” العراقية، “آل البيت” العراقية، “النجباء” العراقية، “سيد الشهداء” العراقية، “بدر” العراقية، “حزب الله” العراقية، “القدس” الفلسطينية، “فاطميون” الأفغانية، “زينبيون” الباكستانية، “حزب الله” اللبنانية، “باسيج” الإيرانية، “اللواء 65” (القبعات الخضر) الإيرانية. الميليشيات المحلية والمختلطة:“الدفاع الوطني” المحلية، “صقور الصحراء” المحلية، “الفهود” المحلية، “الباقر” السورية- العراقية، “نسور الزوبعة” (الحزب القومي السوري) مختلطة الجنسيات. خلال معارك الأيام الأخيرة، تحالفت قوات الأسد والميليشيات الرديفة مع وحدات “حماية الشعب” وقوات “أسايش” الكردية، وهما الذراعان العسكريان لحزب “الاتحاد الديمقراطي” المؤسس لـ “الإدارة الذاتية” شمال وشمال شرق سوريا. |
عامان ونصف من الزحف المتواصل في محيط حلب، لتصل قوات الأسد وحلفاؤها إلى نتائج اليوم، ابتداءً من السيطرة على منطقة الشيخ نجار الصناعية في المحور الشرقي للمدينة، حزيران 2014، تبعها تقدم بطيء نسبيًا باتجاه الشمال، لتستمر المحاولات بالتقدم من المحور الشرقي إلى الشمالي، بغية حصار حلب.
مطلع عام 2015، حققت قوات الأسد تقدمًا لافتًا بفتح طريق من الشيخ نجار إلى سيفات ومن ثم باشكوي، شمال المدينة، لتبدو الخطة واضحة آنذاك، بنية هذه القوات إحكام السيطرة على طريق الكاستيلو الحيوي شمالًا، والذي يصل مدينة حلب بريفها الغربي والشمالي، وصولًا إلى الحدود مع تركيا.
استمرت العمليات في هذا المحور نحو عام كامل، حتى تمكنت قوات الأسد من إحكام سيطرتها على بلدات حيلان ورتيان وحردتنين ومعرسة الخان، وصولًا إلى ماير، شباط 2016، وبالتالي فكت الحصار الجزئي المفروض على بلدتي نبل والزهراء المواليتين، مقابل سيطرة القوات الكردية على مدينة تل رفعت ومطار منغ العسكري وعدد من البلدات المحيطة، ما تسبب بقطع الطريق كليًا بين حلب وريفها الشمالي القريب من الشريط الحدودي مع تركيا.
شارفت خطة النظام وحلفائه الروس والإيرانيين في حصار الأحياء الشرقية لحلب، على النهاية، فبدأت مرحلة جديدة من المعارك تستهدف السيطرة على أرض الملاح المطلة على طريق الكاستيلو، وهو ما حدث فعليًا مطلع حزيران 2016، واستمرت العمليات إلى أن سيطرت فعليًا على أجزاء من الطريق منتصف الشهر ذاته، وأصبحت حلب محاصرة منذ ذلك الوقت.
في 28 حزيران دخل النظام حي بني زيد المتاخم لطريق الكاستيلو، في المحور الشمالي لحلب، وهي أول منطقة تسترجعها قوات الأسد منذ دخول المعارضة إلى المدينة عام 2012، لتستمر المعارك على ذات المحور حتى أواخر أيلول الفائت، حين أحكمت القوات قبضتها على بلدة حندرات ومعامل الشقيف، وبالتالي السيطرة المطلقة على الكاستيلو والمناطق المحيطة به.
المحور الجنوبي والجنوبي الشرقي لحلب، والذي بقي هادئًا منذ استعادة قوات الأسد سيطرتها على مدينة السفيرة ومحيطها في تشرين الأول 2013، عادت هذه القوات بدعم إيراني واسع لافتتاح معارك جديدة فيه، في تشرين الأول 2015، واستولت على مناطق المعارضة ابتداءً من بلدة الوضيحي المحاذية لحلب، وحتى بلدة الحاضر، إلى جانب القرى المحيطة.
كما توسعت هذه القوات في المحور الجنوبي الشرقي، لتفك الحصار الذي كان مفروضًا على مطار كويرس العسكري في تشرين الثاني 2015، وتتوسع في المنطقة باتجاه الشرق، وتصبح على بعد 11 كيلومترًا من مدينة الباب، من الجهة الجنوبية لها.
كل هذه النتائج التي حققتها قوات الأسد والميليشيات الرديفة، على مدار عامين ونصف العام، من المحاور الثلاثة لمدينة حلب، جعل الأحياء الشرقية في دائرة الاستهداف المباشر، من التضييق عليها شرقًا وجنوبًا، وحصارها الكامل بالسيطرة على معبرها الوحيد شمالًا.
معارك فاشلة أنهكت المعارضة والأهالي
في المقابل، لم تقف المعارضة مكتوفة الأيدي، فاجتهدت مرتين في فك الحصار عن الأحياء الشرقية، وأخفقت في كلتيهما، وهو ما انعكس سلبًا على الواقع الميداني، وساهم بشكل أو بآخر بإضعاف البنية العسكرية والتنظيمية للفصائل، التي باتت ممزقة منهكة معنويًا من آثار المعارك الخاسرة.
في 31 حزيران الماضي، أوعزت فصائل “جيش الفتح” للحاضنة الشعبية في حلب وريفها، أن أحرقوا الإطارات وانشروا الأدخنة في السماء، لمنع الطيران الحربي من عرقلة العملية، والتي تلخصت في فتح ثغرة من محور الراموسة جنوب حلب، تصل إلى حي الشيخ سعيد، وتفك الحصار المفروض على الأحياء الشرقية.
انتصارات مدوية، وانهيارات مستمرة لدفاعات الأسد، خسرت قواته خلالها الكليات العسكرية في منطقة الراموسة والحي بأكمله، والتلال الحاكمة من الجنوب وصولًا إلى مدرسة الحكمة ومشروع “1070 شقة” التابع لمنطقة الحمدانية، لتدخل أول قافلة مساعدات إلى المدينة من معبر الراموسة، في الأسبوع الأول من آب الماضي، بصعوبة بالغة جراء رصد الطريق ناريًا من قبل الطيران الحربي.
لكن أهازيج النصر لم تدم طويلًا، فاتضح خلال أسابيع قليلة أن هذا المحور لن يكون مفتاح حلب الشرقية، ولن تسمح قوات الأسد وروسيا وإيران باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية أو الأسلحة عن طريقه، فبدأت الضربات الجوية تحدث أثرًا بالغًا في صفوف فصائل “جيش الفتح” المرابطة، بالتزامن مع هجمات برية متلاحقة، نجحت في الرابع من أيلول الفائت بإغلاق الثغرة، وإعادة الكليات العسكرية وأجزاء واسعة من الراموسة لحاضنة النظام مجددًا، لتفشل العملية برمتها، باستثناء بعض التلال ومشروع “1070 شقة”، والذي حافظت عليه المعارضة آنذاك.
في 28 تشرين الأول الماضي، بدأ “جيش الفتح” بمؤازرة فصائل “فتح حلب” معركة جديدة من محور مغاير، بهدف فك الحصار أيضًا، وتشمل الخطة، التي اطلعت عليها عنب بلدي سابقًا، السيطرة على ضاحية “الأسد” وقرية منيان المحاذية، ثم التغلغل في مشروع “3000 شقة”، والسيطرة على حي الحمدانية وحلب الجديدة، بما فيها “الأكاديمية العسكرية”، وبذلك تكون المعارضة سيطرت على أجزاء من حلب الغربية، وفكت الحصار عن الأحياء الشرقية، من محور حي صلاح الدين.
لم تدم المعركة طويلًا، رغم إنجاز المعارضة المرحلة الأولى بنجاح، وسيطرتها على ضاحية “الأسد” وقرية منيان المجاورة، ما أعطى انطباعًا بإمكانية فرض الفصائل المقاتلة سيطرتها على كامل حلب، فيما لو سقطت الحمدانية وحلب الجديدة، و”الأكاديمية العسكرية” التي تعتبر الحصن المنيع لقوات الأسد في المدينة.
في 12 تشرين الثاني، استعادت قوات الأسد جميع ما خسرته في المعركتين سابقتي الذكر، وعاد الوضع الميداني إلى ما قبل 31 حزيران 2016، لتضيع جميع فرص فك الحصار عن المدينة من المحور الجنوبي، وتدخل الأحياء الشرقية مرحلة جديدة، أكثر عنفًا ومأساوية، بحسب المنظمات الإنسانية والحقوقية، الدولية والمحلية.
فشلت المعارضة في إنقاذ محاصري حلب، وارتكبت أخطاءً عسكرية أهمها انعدام التنسيق بين 15 فصيلًا شاركوا في المعركتين، وربما أكثرها تأثيرًا هو المضي في خطة المكاسب الخاطفة وانعدام الدفاع عنها، وهو ما تكرر في عدة فصول، وفق ما شرح لعنب بلدي أحد القادة الميدانيين في “جيش الفتح”، مبديًا أسفه لما آلت إليه الأمور “خسرنا 700 مقاتل من خيرة انغماسيينا خلال شهرين، وأنهكت الفصائل دون تحقيق أي إنجاز حقيقي”.
الواقع الميداني بعد سلخ القطاع الشمالي لحلب الشرقية
بعد فشل المعارضة في معركتها الأخيرة، بدأت قوات الأسد تصعيدًا عنيفًا على مدينة حلب، هو الأعنف من نوعه خلال العام الجاري، تسبب بمقتل ما لا يقل عن 600 مواطن بحسب “الدفاع المدني”، وتدمير المزيد من الأبنية والمنشآت، تزامنًا مع تحركات لقوات الأسد والميليشيات الرديفة من الجهة الشرقية، تمثلت بالسيطرة على تلة الزهور المطلة على حي مساكن هنانو، في 21 تشرين الثاني الماضي.
صبيحة 23 تشرين الثاني، دخلت القوات المهاجمة حي مساكن هنانو، وسيطرت على الحي بشكل كامل في 26 الشهر ذاته، وتمددت باتجاه الأحياء المحيطة، وفق تعاون بدا واضحًا مع “وحدات حماية الشعب” الكردية، والتي تسلّمت زمام الأمور في ستة أحياء انسحبت منها الفصائل، وفق اتفاق غير معلن، وهي: بعيدين، بستان الباشا، عين التل، الهلك، الشيخ فارس، الزيتونات.
بينما أتمت قوات الأسد والميليشيات الأجنبية والمحلية سيطرتها على أحياء: مساكن هنانو، الحيدرية، الصاخور، سليمان الحلبي، جبل بدرو، الإنذارات، عين التل، الأرض الحمرا، الشيخ خضر، وذلك حتى 28 تشرين الثاني، لتستمر في ضغطها العسكري وضرباتها المتتالية، مستفيدة من حالة الانهيار في صفوف المعارضة، وتسيطر، السبت 3 كانون الأول، على أحياء: طريق الباب، مساكن الشباب، الحلوانية، كرم الجزماتي، مع استمرار القتال، حتى ساعة إعداد الملف، في حي كرم الميسر.
ووفقًا لخارطة السيطرة، فإن قوات الأسد سيطرت على نحو 20 كيلومترًا مربعًا من الأحياء الشرقية لحلب، بينما بقي 20 كيلومترًا للمعارضة، ينحسر معظمها في الجنوب وعمق المدينة، مع إمكانية استمرار تقدم النظام باتجاه كرم الميسر وكرم الطراب، لتصبح قواته على مشارف أحياء القاطرجي والشعار والمرجة.
نجحت فصائل المعارضة في إحباط هجوم واسع على حي الشيخ سعيد من المحور الجنوبي، لتعاود قوات الأسد والميليشيات الهجوم من محور العزيزة وتلة الشرطة، بغية السيطرة على حي الشيخ لطفي، المتاخم لحي باب النيرب من المحور الجنوبي الشرقي، دون متغيرات في السيطرة الميدانية من هذا المحور.
“جيش حلب“.. المعارضة تبحث عن حلول
تقضي مبادرة المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، بتسهيل خروج مقاتلي جبهة “فتح الشام” من شرق مدينة حلب إلى الشمال، مقابل إيقاف القصف والأعمال القتالية، ما يسمح لقوافل المساعدات بالوصول إلى المحاصرين، ومنذ طرحها أعلنت روسيا استعدادها لإقناع النظام السوري بالمبادرة، شرط أن يخرج مقاتلو “فتح الشام”. |
برزت أولى المحاولات لتشكيل كيانٍ جامع في سوريا منذ العام 2014، حين أعلن أكثر من 90 فصيلًا معارضًا من خلال مبادرة “واعتصموا”، طرح ميثاق مجلس قيادة الثورة السورية، ليتولى قيادة العمل العسكري والثوري، إلا أن المبادرة فشلت في تحقيق هدفها حتى اليوم، وفق مراقبين.
وفي حلب شكّلت عدة فصائل أول كيان مشترك، متمثلًا بغرفة عمليات “فتح حلب” في نيسان 2015، بهدف السيطرة على أحياء حلب الغربية، التي تخضع حتى اليوم لسيطرة قوات الأسد، ثم انضمت فصائل أخرى للغرفة، ليصل العدد إلى حوالي 31 فصيلًا، أبرزهم حركة “نور الدين زنكي”، و”الجبهة الشامية”، وحركة “أحرار الشام”، و”جيش الإسلام”، و”فيلق الشام”، وكتائب “أبو عمارة”، ولواء “صقور الجبل”.
نفذت الفصائل ضمن الغرفة مئات العمليات، ضد قوات الأسد في المنطقة، وواجهت الأخيرة في محيط حلب، إلى أن ارتأت الفصائل تشكيل “مجلس قيادة حلب”، 14 تشرين الثاني الماضي، على أن يضم جميع الفصائل العسكرية العاملة في المدينة، في ظل خلافات بين بعض الفصائل تصدرت المشهد مع اشتداد المعارك قرب المدينة، بينما وجه الأهالي اتهاماتهم لتلك الفصائل بـ”التخاذل”.
بعد 15 يومًا فقط، وبالتحديد بداية كانون الأول الجاري برز إلى الساحة أحدث تشكيل تحت مسمى “جيش حلب”، في محاولة لانتشال المدينة المنكوبة مما هي فيه، وضم التشكيل كلًا من “الجبهة الشامية”، و”أحرار الشام”، “نور الدين زنكي”، إلى جانب نحو سبعة فصائل أخرى، برئاسة المهندس “أبو عبد الرحمن نور” من “الشامية”، وكانت باكورة أعماله إحباط هجوم قوات الأسد والميليشيات الرديفة على حي الشيخ سعيد، من المحور الجنوبي لحلب الشرقية، واستعادة بعض المناطق التي تقدمت إليها قوات الأسد في منطقة “السكن الشبابي” المجاورة.
عقب تشكيل “جيش حلب”، خرج وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مؤكدًا أن روسيا قبلت بمبادرة دي ميستورا، التي تقضي بخروج “المسلحين” من حلب، “رغم غموض الفكرة”، وفق تعبيره، معتبرًا أن إنشاء “جيش حلب محاولة لإعادة تسمية فتح الشام، لتجنيبها العقاب الذي تستحقه” على حد قوله.
لم يختلف خطاب روسيا بعد تشكيل “الجيش”، بل أكدت استمرار قواتها بهدف “تطهير” مدينة حلب من “التنظيمات الإرهابية”، بينما قدّر لافروف عدد المقاتلين شرق حلب بحوالي 7500 مقاتل، “1500 مسلح من جبهة النصرة، ونحو ستة آلاف تشمل مجموعات أخرى تخضع لسيطرة النصرة”.
عنب بلدي تحدثت إلى عضو المكتب السياسي في حركة “نور الدين زنكي”، ياسر إبراهيم اليوسف، واعتبر أن “جيش حلب يفترض أن يجري إسقاطه على كافة المناطق والجبهات، وصولًا إلى تشكيل جيش وطني حر يأتمر بأمر الشعب ويحميه، ولا يوجه سلاحه إلا للتصدي لأعدائه”، مؤكدًا أن “جيش حلب سيتوسع لاحقًا إلى ريفها وصولًا إلى جيش الشمال الوطني”.
ووصف اليوسف “الجيش” بأنه “سياجٌ منيعٌ للمدينة، وقيمة حقيقية مضافة للثورة في حلب”، موضحًا “الجيش يعني الثوار والبندقية الموحدة في المدينة والمستودع الواحد، يعني مركزية القرار”.
وردًا على لوم الأهالي والناشطين لفصائل المدينة، لم ينفِ اليوسف المسؤولية، التي قال إنها تقع على عاتق الجميع، “كلنا ملامٌ ومعذور في آن معًا”، معتبرًا أن ما حصل في حلب خلال الأسبوع الأخير لا يحتاج إلى التبرير، بل إلى العمل الإيجابي وتدارك ما يمكن تداركه، “فالمعركة ليست جيشًا مقابل جيش، بل جيوش وميليشيات وقوى عظمى اجتمعت لتركيع شعب، إلا أننا لن نساوم أبدًا وسنقاوم بما أوتينا من قوة رغم أننا نواجه إيران وروسيا”.
وحاولت عنب بلدي التواصل مع أكثر من قيادي عسكري في حلب، ومن ضمنهم قائد “جيش المجاهدين”، المقدم محمد جمعة بكور (أبو بكر)، للوقوف على رؤيتهم بخصوص الحلول الممكنة في الوقت الراهن، إلا أن وسطاء التواصل أكدوا انشغال القادة، في ظل الضغط الكبير الذي تعيشه المدينة حاليًا.
المساعدات مجمّدة.. مطالبات بتحويل الملف إلى الجمعية العامة
تحتل خطة الأمم المتحدة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى حلب الشرقية، حيزًا من الاهتمام الإعلامي الغربي، وسط تجاذبات سياسية واتهامات متبادلة حول المتسبب بعرقلة دخولها، وبينما يُظهر الوضع الميداني على الأرض في حلب، سعيًا من النظام السوري وحليفه الإيراني والروسي، للسيطرة على ما تبقى من أحياء حلب الشرقية، يعطي الخيار العسكري انطباعًا بأن دخول المساعدات شبه مستحيل حاليًا.
ينتظر مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، يان إيغلاند، حتى اليوم ضوءًا أخضرَ من روسيا والأسد، بعد موافقة فصائل المعارضة على خطة المنظمة الدولية لتوصيل المساعدات الإنسانية، وإجلاء المرضى لأقرب مشاف، منذ أسابيع، بينما ترى روسيا أنه لا ظروف مناسبة في الوقت الراهن، لإطلاق الخطة الأممية الإنسانية شرق حلب.
دخول المساعدات يتطلب تسريع الجهود ووضع حد للمعارك في حلب، وفق رؤية مشتركة، تلخصت خلال اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء 30 تشرين الثاني الماضي، إلا أن واشنطن تشكك بإمكانية فتح طرق آمنة لدخول المساعدات.
صباح الخميس 1 كانون الأول، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن تأخذ بعين الاعتبار العنف في مدينة حلب، مؤكدة أنها “من الصعب الاعتماد على تصريحات روسية بشأن وجود طرق آمنة لإيصال مساعدات إنسانية إلى حلب”.
وتزامنًا مع زحمة التصريحات بخصوص المساعدات، انتقدت منظمات دولية من شتى أنحاء العالم، تعامل مجلس الأمن الدولي مع الكارثة الإنسانية في حلب، وسط تحذير من أن سقوطها الوشيك “سيجعل منها رواندا أو سربرنيتشا أخرى”، وأطلقت 223 منظمة من 45 دولة أبرزها “هيومن رايتس ووتش”، و”سيف ذا تشيلدرن”، و”كير إنترناشيونال”، بيانًا إلى جانب 63 منظمة سورية.
واعتبر الدکتور سیمون آدمز، المدير التنفيذي لـ “المرکز العالمي لمسؤولية الحماية”، أن حلب على وشك التحول إلى رواندا أو سربرينيتشا أخرى، “فها نحن نشهد لحظة تراخٍ عالمي أخرى في مواجهة إبادة بشرية”، مضيفًا “في ظل الانسداد المخزي الذي وصل إليه مجلس الأمن، يتعين على الدال الأعضاء في الجمعية العامة أن تمارس سلطتها، وتدعو إلى دورة استثنائية طارئة، للمطالبة بالوقف الفوري للهجمات على المدنيين، ومساءلة مقترفي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية فى سوريا”.
وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، فإن الجمعية العامة تستطيع أن تتخذ قرارات عوضًا عن مجلس الأمن، في حال تبين أن المجلس عاجز عن الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، لكن تبقى صلاحيات الجمعية العامة محدودة، وقد استخدم الإجراء التي تُطالب به كندا إبان الأزمة الكورية عام 1950، وحرب الكونغو 1960، والاجتياح الروسي لأفغانستان 1980. |
بدوره دعا أحمد طارقجي، عضو الجمعية الطبية الأمريكية السورية، إلى التحرك في “مواجهة الانحطاط وعدم الاكتراث بالمعايير الأساسية وعما يجري في حلب”، في حين اعتبرت إدواردا همان، المنسقة ضمن برنامج بناء السلام في معهد “إيغارابي” في البرازيل، أن الوضع الحالي في حلب “اختبارمطلق للنظام الدولي، فلا يمكن أن يتردد المجتمع الدولي أمام عشرات الآلاف من عملیات الإجلاء القسرية العنيفة ضد السوريين”.
“هيومن رايتس ووتش”، التي انتهت مؤخرًا من دراسة، وثقت فيها “جرائم حرب” نفذتها قوات الأسد المدعومة روسيًا خلال شهري أيلول وتشرين الأول الماضيين، وقتل إثرها 440 مدنيًا بينهم 90 طفلًا، طالبت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتطبيق مبدأ “الاتحاد من أجل السلام” بشكل عاجل، من أجل “وقف مأزق مجلس الأمن ووقف الفطائع في حلب”.
دولٌ أخرى تحركت بخصوص حلب، من ضمنها كندا التي أطلقت مبادرة، استطاعت من خلالها الحصول على موافقة 73 دولة، لطلب عقد اجتماع طارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة.
اجتماعات ولقاءات دولية.. تهدئةٌ أم تفريغ؟
بعيدًا عن زحمة المعارك على الأرض، تستمر الاجتماعات واللقاءات الدولية التي تتحدث عن حلب، بينما يصوّت مجلس الأمن الدولي، الاثنين 5 كانون الأول، على مشروع القرار المصري النيوزيلندي الإسباني المشترك، والذي يقضي بوقف إطلاق النار في حلب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، بينما تجري اجتماعات في أنقرة، بين ممثلين عن وزارة الدفاع الروسية، وبعض فصائل المعارضة من مدينة حلب.
لا يشمل مشروع القرار الذي سيصوت عليه مجلس الأمن، المعارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” أو جبهة “فتح الشام”، ولا أي مجموعات يصنفها المجلس على أنها “إرهابية”. |
لم يصدر أو ترشح أي قرارات أو نتائج لتلك الاجتماعات حتى السبت 3 كانون الأول، وبينما تقول المعارضة إن روسيا تماطل بشكل كبير خلال الاجتماعات، يتوقع خبراء أن يتم العمل للتوصل إلى اتفاق يخفف حدة المعارك، ويسمح بخروج مجموعات من المقاتلين من حلب، تزامنًا مع اجتماع باريس لمجموعة “أصدقاء سوريا”، في العاشر من كانون الأول الجاري.
قضي بخروج المقاتلين إلى إدلب، ما يعزز إمكانية تفريغ حلب من المقاتلين، وخاصة أن روسيا اعتبرت في وقت سابق أن سيناريو داريا يُعتبر نموذجًا، ويمكن أن ينسحب على البلدات والمدن التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، ورغم ذلك يشكك خبراء بإمكانية حدوث ذلك في حلب، على غرار ما جرى في مدن وبلدات الغوطة الغربية في ريف دمشق.
عضو المكتب السياسي في “الزنكي”، ياسر اليوسف، اعتبر أن ما يدور في أنقرة، مشاورات تركية- روسية، تهدف للحد من العنف وإيصال المساعدات الطبية والإنسانية إلى حلب، مشيرًا إلى أنه “جرى تضخيم الموضوع إعلاميًا على أنه مفاوضات مباشرة مع المعارضة، إلا أنه ليس كذلك ، فمشاوراتنا مع الأتراك فقط، وللفصائل الثورية المسلحة دور مهم في تأمين القوافل المحتملة وتأمين خطوط الإمداد”.
وعن إمكانية تفريغ حلب من مقاتليها، رد اليوسف، أن “خطط النظام وشركائه الروس والإيرانيين، أصبحت واضحة ومكشوفة للجميع من خلال اعتمادهم سياسة الجوع أو الركوع، وصولًا إلى التهجير والتغيير الديموغرافي الذي نجحوا بتطبيقه في بعض المناطق جنوبًا، ولكن حلب بكتلتها الثورية في المدينة والريف وبعزيمة أبنائها، ستكسر جبروت الطغاة، وتظهر كيف ينتصر اللحم والدم على الحديد والنار”.
لا يرى اليوسف أي أفق أو إمكانية تنفيذ مبادرات حاليًا، “محكومون بالصمود والدفاع عن أنفسنا وأهلنا، فالثورة ليست شارعًا هنا أو حيًا هناك، بل هي إرادة التغيير التي تتنامى مع كل قطرة دم”، مؤكدًا في ختام حديثه “أنجزنا ما يمكن حتى اللحظة، ولا نعول على أي جهد دولي أو إقليمي في كسر الحصار”.
يرى البعض أن أحياء حلب الشرقية المتبقية، ستنال مصير حمص القديمة، حينما أفرغتها قوات الأسد وإيران من مقاتليها إلى ريف المحافظة الشمالي قبل عامين ونصف العام، لا سيما أن آلاف العوائل غادروا باتجاه “الغربية” قسرًا، ويجهّز آلاف آخرون أنفسهم للرحيل، هربًا من موت بات يتربص بهم من كل جانب، في حين يصرّ آخرون على أنها جولة خاسرة، وعثرات وقعت بها ثورة حلب، وستنهض مجددًا رغم كل المعطيات السوداوية.