جامعة الثورة.. تنظيمُ الكُلِّيَّات

نوفمبر 9, 2022

ورد فراتي

مقالات

بدايات عام 2012 أضافني “أحمد مصري” (أحد طلاب الهندسة المعمارية في السنة الرابعة من أبناء حلب) إلى مجموعة سرّية تضُمّ عدداً من الطلاب الثوريين في جامعة حلب باسم “جامعة الثورة” على موقع “فيسبوك”، كانت أسماء الحسابات في المجموعة وهميّة يشير بعضها إلى المنطقة التي ينتمي إليها صاحب الحساب: كأبي مصعب الإدلبي وسعد الحلبي وأبي عدي المشارقجي، فيما يشير بعضها الآخر إلى الكلّية التي يدرس فيها كـ محمد سنيناتي وأبو عمر IT، أما آخرون فقد اختاروا الدين معبّراً عنهم مثل: شعلة الإسلام، بينما كانت أسماء أخرى اختصارات غير مفهومة مثل: ysmsmb وايتي سيفن، أو أسماء تنقل حس صاحبها الكوميدي: كبكري الحج بكار وحسن البهلوس؛ ولأنّ شرط الانضمام إلى التنسيقيّة كان حساباً باسمٍ وهميّ فقد اخترتُ الاسم الذي سيعرفني به كلّ من قابلتُه بعدَها: “ورد فراتي”، تعلُّقاً بالاسم الذي كنتُ أحبه منذ الصغر “وَرْدْ” وانتماءً إلى “نهر الفرات” الذي يشكل جزءاً أساسياً من هويّة المنطقة الشرقية وأبنائها بالضرورة.

نظّم هؤلاء الشباب المظاهرة الأولى في ساحة الجامعة أواخر تشرين الأول عام 2011، كإعلانٍ رسميّ عن انطلاق تنسيقية جامعة الثورة، والتي كانت تقوم فكرتها على جمع أكبر عدد من الطلاب الجامعيين النّشِطين في الحراك الثوري ضمن صفوفها، بحيث يتمكن هؤلاء من الحشد لأي مظاهرة بسرعة وبقدر كبير من السرّية كلٌّ في محيطه وكلّيّته.

 

مظاهرة حاشدة في جامعة حلب

 

واقتصرت آليّات تنظيم حراك هذه التنسيقية في البداية على مجموعة مركزية تضم كل منتسبيها، قبل أن يتم إنشاء مجموعة جديدة سرّية على برنامج “فيسبوك” يُفتَرض أن تضُمّ مسؤولين عن كلّ كليات الجامعة، ليكونوا بمثابة ممثِّلين لها في إدارتها، وعلى ما يبدو فقد اختارني بعض طلاب كُلِّيتي -من السنة الرابعة- والموجودين في التنسيقية ممثّلاً عنها، فتمّت إضافتي إلى مجموعة “إدارة جامعة الثورة”.

في “مجموعة الإدارة” كانت المهمّة الأولى لكلٍّ منّا أنْ يوحّد حراك كليّتِه الثوري تحت مظلة التنسيقية، وهو ما كان صعباً في كلّيّات مثل العلوم والميكانيك والآداب لكثافة عدد الطلاب الذين لا ينتظرون تنسيقيّةً لتنظيم مظاهرة، خصوصاً أنّ كثيراً منهم يتوجّسون خيفةً من أيّ حالة تنظيميّة خشية تبعيّتها لأطراف سياسية، بدأ شخوصها بالظهور تلك الفترة مدّعين تمثيل حراك ثوري لا يعترف أكثر روّاده بهم.

كلية العمارة

تعتبر الهندسة المعمارية في سوريا من الكلّيات ذات العدد المحدود، ففضلاً عن شرط الحصول على مُعدّل مرتفع في امتحان شهادة الثانوي “البكالوريا” يصل إلى 92%، على الطالب أن يتجاوز امتحان قبول مخصّصٍ  يتمّ فيه اختبار قدرته على الرسم الهندسي والفني، فيتمّ قبول العدد الذي تستطيع الكلية استيعابه من تقاطع أعلى علامات المتقدمين في الامتحانين، وهو ما حصَر عدد طلاب الكلية عام 2011 بما يقارب 1100-1200 طالب، موزعين على خمس سنوات يتواصل طلابها بطريقة أكبر منها في كليات أخرى، بسبب “مادة التصميم” الأساسية ومشاريعها الأربعة في كل عام.

لذلك لم يكن صعباً تنظيم حراك الكلية الثوري خاصة وأن دفعتي قد وصلت إلى السنة الرابعة في العام الدراسي 2011-2012، وهو يعني أنّنا أكبر طلاب الكلية المواظبين على الدوام فيها بخلاف طلاب السنة الخامسة الذي يقتصر عامهم على مشروع التخرج.

فيسبوك

استَعمَل الحراك الثوري في سوريا عموماً عدداً من برامج التواصل الاجتماعي، كأدوات لتسهيل التنسيق والتواصل، وخاصة برنامج skype، فيما اعتُمِد على برامج مثل Facebook – YouTube كأدوات إعلام بديل عن الإعلام الرسمي، لنشر الأخبار ومقاطع الفيديو.

وهكذا عند اعتقال أي متظاهر أو ناشط كان يُجبَر -تحت التعذيب- على تسليم حسابه على “فيسبوك” مع كلمة السر، فإذا ادّعى المعتقل عدم امتلاكه حساباً يتمّ القفز مباشرة -من قبل “أجهزة الأمن”- إلى استنتاج أنّه يخفي أمراً خطيراً، فتُضاعَف جرعة التعذيب له حتى يعترف بما شاءت له يد “المحقق” أن يعترف، وهو ما دفعني في البداية لاستغراب اختيار التنسيقية برنامج “فيسبوك” كأداة تواصل، لكن وضمن الضوابط التي وضعتها “جامعة الثورة” يصبِح الاختيار منطقياً وآمناً بحق، فعلى كل منتسب إليها أن يبادر لإنشاء حساب باسم حركي على البرنامج، وأن يسجل الخروج من الحساب عند انتهاء موعد الاجتماع اليومي مساءاً، ويسجل الدخول بعدها إلى حسابه الشخصي “النّظيف”، والذي يمكن لأجهزة الأمن -في حال الاعتقال- أن تمشِّطه جِيئةً وذهاباً دون أن تجد أكثر من اهتماماتٍ تافهة لشابّ تافه هو “المواطن المثالي” في “دولة البعث”.

إضافة إلى ميزات المجموعات في البرنامج والتي استخدمناها في طرح قضايا مختلفة للنقاش أو التصويت، مما ساهم في مجاوزة دور التنسيقية لتنظيم الحراك، إلى دور تيسيري للحوار بين طلبة جامعيين متعطّشين لاستكشاف آراء ووجهات نظر جديدة، ونقاشها دون خوف من “عيون الأمن الساهرة”.

الوافدون الجدد

بدأ كلٌّ من أعضاء الإدارة في “جامعة الثورة” على مدى الشهور الثلاثة اللاحقة تنظيم الحراك في كليته، وصولاً إلى مرحلة إنشاء مجموعة خاصة لكل كلية مطلع شهر آذار من عام 2012، بنفس الضوابط التي أنشئت على أساسها المجموعة العامة، وسَمحَت لي انطلاقة الثورة منذ العام الدراسي السابق والشهور الأولى للعام الدراسي الحالي، من معرفة معظم طلاب الكلية النشطين في التظاهرات، فأُنشِئَت مجموعة (جامعة الثورة – كلية العمارة) بدايات آذار من عام 2012 كمجموعة سرّية تنظم حراك طلابها، وأُضِيف إليها نحوٌ من 60 طالباً، موزَّعين على دفعات السنة الثانية والثالثة والرابعة، ثم انضمّ إلى المجموعة “طلاب كلية الفنون الجميلة” الثوريون بحكم الجوار، وبدا أنّ العمارة والفنون ستكون أولى تنسيقيّات الكلّيات المنظّمة ضمن جامعة الثورة.

لكن وفي 29-2-2012 وقت الظهيرة انطلقت مظاهرة -حاشدة نسبياً- من ساحة كلية العمارة جنوباً باتجاه كلية الآداب، وانفضّت بسرعة قبل تمكن عناصر “حفظ النظام” من الوصول إليها، وسط ذهول ناشطي الكلية من مجموعتنا والذين لم يعرفوا عن المظاهرة قبل صرخة التكبير الأولى!!!

مظاهرة كلية الهندسة المعمارية في جامعة حلب

آنذاك كانت تَنشَط في جامعة حلب عددٌ من المجموعات التي تُنسّق وتنظّم المظاهرات فيها، لكنّ أيّاً منها عندما يريد التظاهر في كلية العمارة كان سيتواصل -لا شكّ- مع أحد طلاب الكلّيّة في مجموعتنا، وهو ما دفعنا لمباشرة التقصّي عن منسقي المظاهرة الغامضة!

لتنجح مساعينا بعدها بأيام في ترتيب اجتماع في الحديقة خلف كلّيّتنا مع 14 شاباً وفتاةً من طلاب “السنة الأولى”، والذين استطاعوا في فترة قصيرة بناء شبكة علاقات مكّنتهم من تنسيق “مظاهرة طيّارة” ناجِحة في الكلية التي كُنّا نتجنّب التّظاهر فيها لضِيْق ساحتها ومحدوديّة أعدادها وقرب إحدى نقاط تمركز عناصر “حفظ النظام” الدّائمة منها.

نَطَقَتْ باسم “المُستَجِدِّين” طالبةٌ من أبناء مدينة ديرالزور، لا زلتُ أتذكّر حتى الآن جرأتها وحماسها، إلّا أنّ أكثر من لفت انتباهي شابٌّ حموي من “طيبة الإمام” يبدو أكبر كثيراً من عمره، بطريقة لبسه وصمته الطويل وبُنيَته القويّة.

وهو من أضفناه إلى مجموعة الكلية الثورية باسمه الحركي الأول “عالجنة رايحين شهداء بالملايين”، قبل أن يغيّر اسمه لاحقاً إلى “أبو عروة الطيباني”، والذي سيصبح بعدها بفترة قصيرة أحد أنشط الفاعلين في الحراك الطلابي الثوري، وشريكَ سكني ورفيقَ ثورةٍ ما زلت أعتبر صحبته فيها واحدةً من أفضل حسناتها.

المصـــدر

المزيد
من المقالات