جسر الشغور.. كسرت “النمر” ويحاول النظام إخضاعها

مايو 12, 2023

مقالات

في أسفل جبال الساحل من الجهة الشرقية، وعلى الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا، باللاذقية على ساحل المتوسط، تقع مدينة جسر الشغور التابعة إداريًا لمحافظة إدلب.

موقع المدينة الاستراتيجي قد يعتبر نقمة على سكانها، إذ حوّلها إلى هدف لهجمة جوية من الطيران السوري والروسي الحربي والمروحي، أسفرت عن مقتل المئات من السكان ونزوح الآلاف، بينما سويت الأبنية السكنية والبنى التحتية بالأرض.

سيطرت فصائل المعارضة على جسر الشغور في 25 من نيسان 2015، بمشاركة عدة تشكيلات عسكرية بينها “أحرار الشام” و”جبهة النصرة” و”جيش الإسلام”، و”أنصار الشام”، و”جبهة أنصار الدين”، إذ أطلقت عملية عسكرية حينها، حملت اسم “معركة النصر”، ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم لم تغادر طائرات النظام الحربية والطائرات الروسية أجواءها، في محاولة لإخضاعها، بعد فشل التقدم البري من جانب قوات الأسد باتجاهها لأكثر من مرة.

لم تكن السيطرة على جسر الشغور من جانب فصائل المعارضة كغيرها من الأحداث التي شهدتها إدلب، آنذاك، فقد مثلت ضربة كبيرة لقوات الأسد، كونها تتميز بموقع استراتيجي، وتعتبر من أبرز المدن التي تمكن الطرف المسيطر عليها من التحكم بمساحات واسعة من ريف حماة الغربي وإدلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي. إضافة إلى ذلك تعتبر المدينة مفتاح محافظة إدلب وبوابتها، التي تخضع لفصائل المعارضة، والقاعدة الرئيسية التي تنطلق منها التهديدات لمنطقة الساحل وللقاعدة الروسية في حميميم.

وعلى مدار السنوات الأربع الماضية حاولت قوات الأسد التقدم باتجاه المدينة، وكانت آخر محاولاتها في الحملة العسكرية الحالية، التي بدأت في شباط 2019، انطلاقًا من عدة محاور بينها قرية الكبانة الواقعة في ريف اللاذقية الشمالي، والتي فشلت في إحراز أي تقدم فيها وتعتبر الخط الدفاعي الأول والأبرز عن جسر الشغور.

بداية العسكرة في سوريا

شهدت جسر الشغور بداية عسكرة الثورة السورية، التي انطلقت في آذار عام 2011، حيث هاجمت تشكيلات مسلحة في الخامس من حزيران 2011 مفرزة للأمن العسكري في المدينة، وقتلت 120 عنصرًا في المفرزة، وذلك بعد أن نفذت المفرزة عمليات قتل بحق المتظاهرين في عدة مناطق سورية في الأشهر الأولى من الثورة.

حادثة مفرزة الأمن العسكري دفعت النظام السوري إلى عمل عسكري واسع النطاق في محافظة إدلب، وكان وزير الداخلية في حكومة النظام السوري، محمد إبراهيم الشعار، قد حذر بعد الحادثة بأن “الحكومة ستتصرف بحزم ووفق القانون”، مع الهجمات التي تطال القوات الأمنية، وقال الشعار للتلفزيون الرسمي، حينها، “لن نقف صامتين إزاء أي هجوم مسلح يستهدف أمن الوطن والمواطنين”.

إثر ذلك شهدت المدينة حالات نزوح إلى المناطق الأكثر أمانًا، خوفًا من الاعتقالات التعسفية من قبل الأفرع الأمنية، وعمليات القتل الميداني، التي نفذتها قوات الأسد ضد المتظاهرين المناهضين للنظام السوري في بداية الأحداث، وتكرر النزوح في السنوات الماضية، جراء القصف الجوي والصاروخي المستمر، الذي طال معظم أحيائها السكنية.

مدينة “منكوبة”

بلغ عدد سكان جسر الشغور نحو 50 ألف نسمة وفق إحصائية عام 2010، وسيطر عليها النظام السوري أواخر العام الأول للثورة، لتستعيدها المعارضة في نيسان 2015، ضمن معارك أفضت للسيطرة على المحافظة.

وبحسب مصادر أهلية تحدثت لعنب بلدي، فإن 50% من سكان “الجسر” نزحوا، بينما يفكر آخرون بالفرار أيضًا، تحت الضربات الروسية المتكررة، وكان مجلس مدينة جسر الشغور، قد أعلن في 12 من تموز 2019 المنطقة “منكوبة”.

وقال في بيان له إن الهجمة التي يشنها الطيران الروسي على المدينة أحدثت دمارًا هائلًا في الممتلكات العامة والخاصة، والبنية التحتية للمدينة، مضيفًا أن القصف الجوي استهدف المشفى الوحيد في المدينة ما أدى إلى خروجه عن الخدمة بشكل كامل، بينما شهدت المنطقة نزوح عدد كبير من المدنيين إلى المناطق الأكثر أمانًا.

وفي حديث لعنب بلدي قال رئيس المجلس المحلي لجسر الشغور، إسماعيل حسناوي، إن المدينة تعرضت للاستهداف بـ 20 غارة من الطيران الحربي التابع للنظام السوري وروسيا وعشرات الصواريخ، ما أدى إلى نزوح 35 ألف مدني إلى الريف الشمالي ومنطقة الجبل الوسطاني.

وأضاف حسناوي أن خمسة آلاف مدني بقوا حاليًا في المدينة، وهم بحاجة لكل شيء، وسط غياب المنظمات الإنسانية العاملة في منطقة جسر الشغور.

على نهر العاصي

جاءت تسمية مدينة جسر الشغور بهذا الاسم نسبة إلى أمرين هما: كلمة الجسر التي تشير إلى الجسر الحجري الذي يمتد من فوق نهر العاصي إلى هذه المدينة، والذي كان قديمًا هو الطريق الوحيد إلى القرية القديمة الشغور.

الشغور وهي تسمية تنسب إلى قرية شغور القديمة التي كانت تقع في الجهة الشمالية الغربية من المدينة الحالية، ووفق تقارير إعلامية فإن كلمة شغور أصلها ثغور قديمًا، وتدل على موقعها كمنطقة حدودية كانت تشكل مخاوف لدى سكان القرية من دخول الأعداء إليها، بينما تقول بعض الروايات إن أصل التسمية ينسب إلى القلعة الموجودة في المنطقة التي تعرف باسم قلعة الشغر الموجودة في الجهة الشمالية الغربية من المدينة.

كانت جسر الشغور من أولى المدن التي انتفضت ضد النظام السوري، في آذار 2011، وشهدت شوارعها وأحياؤها مظاهرات واسعة في شهر حزيران من العام المذكور، واجهتها الأفرع الأمنية بالرصاص والقتل.

وترتبط أهمية المدينة بالنسبة لفصائل المعارضة في الشمال السوري بكونها الخط الدفاعي الرئيسي عن محافظة إدلب، وبوابة الوصول إلى ريف اللاذقية الشمالي، إضافةً إلى امتلاكها موقعًا استراتيجيًا على طريق حلب- اللاذقية الدولي، الذي كانت روسيا وتركيا تنويان فتحه أمام حركة المدنيين والتجارة، بموجب اتفاق “سوتشي” الموقع في أيلول 2018.

وتمكّن سيطرة قوات الأسد وروسيا على المدينة، من إبعاد خطر يهدد الساحل السوري، والقواعد العسكرية الموجودة فيه، وعلى رأسها قاعدة حميميم، وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قد قال بعد شهرين من سيطرة فصائل المعارضة على المدينة إن قواته ستستعيدها، مضيفًا، “نحن نخوض حربًا وليست معركة بل عشرات المعارك، وفي الحرب كل شيء يتبدل ما عدا الإيمان بالمقاتل وإيمان المقاتل بحتمية الانتصار”.

بينما اعترف الأمين العام لـ “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، ضمنيًا، آنذاك، بخسارة الأسد لجسر الشغور وإدلب، وأسماها “انتكاسة” دون التلميح أو الوعيد باستعادة هذه المنطقة المحاذية لجبال اللاذقية.

وتسيطر على المدينة حاليًا “هيئة تحرير الشام” إلى جانب “الحزب الإسلامي التركستاني”، الذي تقطن عائلاته في بعض منازل “الجسر”، كونها على مقربة من الجبهات العسكرية التي يعمل بها في ريف إدلب الغربي وصولًا إلى الريف الشمالي للاذقية.

حين انكسر “النمر”

عند الحديث عن مدينة جسر الشغور لا بد من الإشارة إلى العميد في قوات الأسد، سهيل الحسن، الملقب بـ “النمر”، والذي تصدر اسمه في معارك السيطرة عليها من جانب فصائل المعارضة وعلى المشفى الوطني الموجود على أطرافها.

وكان الحسن المعروف بقربه من رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وروسيا قائدًا لمعركة استعادة مشفى جسر الشغور، وكان قد ظهر في تسجيل مصور، نيسان 2015، وهو يشكو من نقص الذخائر، الأمر الذي اضطره إلى سحب قواته من المنطقة.

وجعل النظام السوري من معركة استعادة مشفى جسر الشغور (شمال غرب) أولوية، في محاولة لرفع معنويات الشارع السوري بعد سلسلة الخسائر العسكرية، بينها خسارته لمدينة إدلب، في آذار 2015.

وكانت “الجسر” القريبة من الحدود التركية قد سقطت بيد فصائل المعارضة، وتحصن حوالي 150 عنصرًا من قوات الأسد في مشفى المدينة، الذي اقتحمه مقاتلو المعارضة و”جبهة النصرة”، في أيار 2015.

 

المصـــدر

المزيد
من المقالات