“أنا السنوات الضائعة من عمر طل الملوحي، أنا نضال مشعل تمّو، وصرخة القاشوش (…) أنا حلم مي سكاف في سوريا العظيمة”.
بهذه الكلمات التي خطها على ظهر روايته “حارس الرئيس” الصادرة في 15 من كانون الأول الحالي، يعرّف الكاتب السوري الشاب محمد عبد الستار إبراهيم، بنفسه، ملخصًا موضوعه وقصة روايته، التي أرادها أن تكون جزءًا من التأريخ المستمر لوقائع وأحداث الثورة السورية.
ويقول إبراهيم في حديث إلى عنب بلدي، “منذ بداية الثورة وأنا أفكر بكتابة رواية موضوعها الثورة، لإيماني بغنى هذه المرحلة من التاريخ والحاضر السوري، بالقصص والأحداث التي تستحق أن تُسجّل”، لافتًا إلى قدرتها على إثراء أي عمل أدبي يتناولها، ولكن الزاوية لدى إبراهيم لم تكن قد اكتملت بعد.
وفي عام 2018، وأمام تقدم قوات النظام مدعومة بحليفها الروسي، واستعادتها مناطق كانت فقدتها لسنوات، وجد إبراهيم نفسه أمام مسؤولية فكرية ككاتب شاب يسعى لتعرية النصر المزعوم الذي يدعيه ويروّج له النظام، فكانت “حارس الرئيس” سردًا لما جرى ويجري في سوريا، وهي موجهة للقارئ العربي أولًا كون القارئ السوري جزءًا من الأحداث المذكورة.
تبدأ أحداث الرواية من إحدى قرى مدينة جبلة السورية في عام 1980، وبطلها رجل تدرّج في السلك الأمني، حتى أضحى حارسًا للرئيس، ليقع فيما بعد في حيرة بين قناعاته الشخصية، وعقله الذي يفند له الأكاذيب.
وعن الصعوبات التي واجهته خلال كتابته “حارس الرئيس”، يبيّن إبراهيم أن العمل الأدبي يحتاج إلى مساحة زمنية، وحيّز حر من المكان يتيح الخصوصية لعملية الخلق الأدبية، وللوصول إلى ذلك داوم على الجلوس في مقهى جامعي في فترة المساء بشكل يومي، بالإضافة إلى إجراء مقابلات وجمع معلومات من شخصيات ستتغذى عليها فصول الرواية، التي تبلغ 20 فصلًا على امتداد 295 صفحة من القطع المتوسط، تتكون منها الرواية.
بدأ محمد مشوار الكتابة في وقت مبكر من حياته، مفتتحًا شغفه بكتابة مذكراته الشخصية، ثم كتابة قصة خيالية في عام 2006، تحت عنوان “الأصدقاء الثلاثة”، وكان عمره حينها 16 عامًا، وله مؤلفات أخرى أيضًا هي رواية “أسرار الدولة العليا” في عام 2017، ورواية “قصة حب في قلب معركة” في عام 2018.
واضطر إبراهيم لنشر جميع أعماله على نفقته الخاصة، متعثرًا بعقبة الظروف المادية، فنشر قصة “الأصدقاء الثلاثة” في عام 2015، أي بعد تسع سنوات من كتابته لها.
ويرى أن أبرز العقبات التي تعترض طريق الكاتب، لا سيما في بداياته، هي غياب دور نشر تتبنى وترعى المواهب الشابة، وهامشية الدور الذي تلعبه وزارة الثقافة، التي يفترض أن تكون الجهة الداعمة للكتاب، والمروّجة لأعمالهم الأدبية.
يقول محمد، “الكثير من دور النشر تتعامل مع النص الأدبي كمحتوى تجاري، وسلعة متفاوتة القيمة، لا كمنتج ثقافي، للأسف الشديد”.
عاش محمد طفولة موزعة على بلدين، إذ عاش في مدينة عامودا بمحافظة الحسكة حتى عام 2004، ثم غادر برفقة أسرته إلى الأردن، لسوء الأوضاع المادّية، وهناك عكف على العمل ومساعدة والده في تأمين قوت الأسرة، منقطعًا بذلك عن دراسته، بعد اقترابه من بلوغ المرحلة الجامعية في حياته الدراسية.
التحق منذ عام 2016 بدورات صحفية، بالإضافة إلى عمله بمختلف المهن اليدوية، بما يتيح له الاستثمار في شغفه الأدبي الذي عبّر عن نفسه في وقت مبكر من حياة الشاب، الذي شكّل مع مجموعة من أصدقائه ما عُرف باسم “تنسيقية الثورة السورية في الأردن”.
تجلّى نشاط هذه “التنسيقية” في البداية بوقفات احتجاجية واعتصامات أمام مبنى السفارة السورية في عمّان، ثم اعتصامات مماثلة أمام السفارة الإيرانية والروسية، ممهدة الطريق بذلك للانخراط في العمل الإغاثي، إذ عمل محمد متطوعًا في العمل الإغاثي لمدّة خمس سنوات، لمساعدة السوريين الهاربين من قصف قوات النظام باتجاه الحدود الأردنية.
ومثّلت هذه التجربة العملية لإبراهيم احتكاكًا مباشرًا بواقع الثورة السورية، خاصة بعد دخول متطوعي “التنسيقية” إلى مخيم “الزعتري” في الأردن منذ تأسيسه في عام 2012، ومساعدة اللاجئين عبر جمع التبرعات، وتنظيم الدروس التعليمية.
وأسهم اقتراب إبراهيم من الناس وسماع قصصهم في بلورة الحس الأدبي لديه، والقدرة على تمييز ومفاضلة ما يجب روايته أولًا، لإيصاله إلى أكبر شريحة ممكنة من القراء، ومقاومة رغبة وسعي النظام لكتم الحقيقة.