مقدمة:
من واجبات الدول الوطنية والمجتمع الدولي الرئيسة ضمان الحقوق الإنسانية كافة، وحمايتها من الانتهاك، وتشكل الصراعات المسلحة بين الجيوش النظامية أو بين الجيوش والميليشيات، أو بين الميليشيات في ما بينها، أكبر الأخطار على حقوق الإنسان، وفي الصراع الدموي الدائر في سورية منذ عقد من الزمن، بلغت درجات انتهاك حقوق الإنسان حدًا غير مسبوق في مستوى العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وقامت أطراف النزاع الأساسية بانتهاكات كثيرة جسيمة تصل إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كما تبين تقارير المنظمات الدولية والهيئات المختصة، وهذه الدراسة تنظر في ما وصلت إليه حال تدهور حقوق الإنسان، على مختلف الصعد، خلال سنوات الحرب العشر في سورية، معتمدة في ذلك بشكل رئيس على أحدث ما توفره المؤسسات الدولية والجهات الاختصاصية من بيانات عن الأوضاع السورية.
1-النزاعات المسلحة في القانون الدولي
تحاول القوانين الدولية الحديثة أن تحد -بقدر الإمكان- من آثار الصراعات الحربية على المدنيين والمنشآت المدنية، وثمة اليوم قانون عالمي معني بهذه القضية، يعرف باسم (القانون الدولي الإنساني) أو (قوانين الحرب) وغايته الرئيسة تقليص الخسائر المدنية في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة في النزاعات المسلحة والعنيفة، ومهمته ضبط الأعمال القتالية بين الأطراف المتقاتلة بشكل يحصر أهدافها في النطاق العسكري، ويحمي المدنيين والأعيان المدنية من التحول إلى ضحايا مستهدفة عمدًا أو غير متعمّدة للأعمال الحربية، ويُلزم هذا القانون المتحاربين بضمان سلامة الأسرى والجرحى، وعدم تعرضهم للعنف والتعذيب والتنكيل، وتأمين ما يحتاجون إليه من ضرورات معيشية وصحية، وبشأن هذا القانون تقول (هيومان رايتس ووتش) إنه “معني بأساليب وسبل إجراء العمليات العسكرية ومعاملة غير المقاتلين (أي المدنيين وأسرى الحرب والمقاتلين الجرحى، إلخ). ومن أهم سماته أنه ينطبق على جميع أطراف النزاعات المسلحة“([1]).
فماذا يقول القانون الدولي الإنساني؟
ذاك ما تجيبنا عنه منظمة العفو الدولية على صفحة (النزاعات المسلحة)[2]) من موقعها الإلكتروني، إذ تخبرنا أن هذا القانون لا يمنع الأطراف المتصارعين -سواء كانوا جيوشًا رسمية نظامية أم كانوا ميليشيات وجماعات مسلحة- من الاستهداف العمدي للمدنيين وحسب، بل يلزمهم كذلك بأن يفرقوا بين الأهداف المدنية والعسكرية، ويتحملون أيضًا مسؤولية حماية المدنيين، ويلزمهم بضمان سلامة هؤلاء المدنيين والمنشآت المدنية وأمانهم وعدم تعرضهم للأذى المقصود أو غير المقصود، وتقول المنظمة: “يجب على جميع أطراف النزاع اتخاذ التدابير اللازمة للحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين والأعيان المدنية (مثل المباني السكنية والمدارس والمستشفيات)، ويجب ألا تنفذ هجمات لا تستطيع التمييز بين المدنيين والمقاتلين، أو تتسبب في أضرار غير متناسبة للمدنيين”([3])، وتركز منظمة العفو على أن أي انتهاكات جسيمة لهذا القانون، سواء حدثت في الحرب أو في أوقات السلم، وارتكبت من دولة أو أي جهة أخرى، تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويحاكم ويحاسب فاعلوها، بموجب (القانون الجنائي الدولي) الذي يُلزم الدول بأن تقدم المشتبه باقترافهم مثل هذه الجرائم من مواطنيها إلى المحاكمة، ومما يدخل في عداد هذه الجرائم الإبادة الجماعية والقتل والتعذيب والعنف الجنسي أو الجنساني والاستعباد والتهجير القسري للسكان ونهب الأملاك أو تدميرها([4]).
2- حقوق الإنسان وحرياته في سورية قبل 2011
عن وضع حقوق الإنسان وحرياته في سورية قبل 2011، أصدرت منظمات دولية وسورية تقارير أو بيانات عامة أو خاصة في مناسبات عدة، منها مثلا تقرير لهيومان رايتس ووتش بعنوان(العقد الضائع) نُشر في 16 تموز/ يوليو 2010([5])، ويتحدث بالتفصيل عن وضع حقوق الإنسان في سورية ما بين عامي 2000 و2010، ويمكن أن نلخص فحوى هذا التقرير بما يأتي:
“حتى نهاية 2010، بقيت سورية دولة محكومة بنظام الحزب الواحد، وبقي حزب البعث وحده المهيمن على السلطة، واستمرت حالة الطوارئ المعلنة منذ استلام البعث للسلطة في 1963، فأعطت الأجهزة الأمنية صلاحيات الاعتقال من دون الرجوع إلى القضاء، وتجري المحاكمات السياسية فيها محاكم استثنائية مثل (محكمة أمن الدولة) التي أفرزتها حالة الطوارئ نفسها، وبقي التعذيب آلية معتمدة في التعامل مع المعتقلين، استمر قبول الاعترافات المنتزعة بالتعذيب من جهة المحاكم السورية، وبقيت السجون السورية محظورة على المراقبين المستقلين؛ ولم يتحقق أي إصلاح سياسي فعلي، فلم يكن هناك أي قانون للأحزاب، ولا حتى مشروع قانون لهذا الغرض، وبقي نشاط المجتمع المدني مقيدًا، واستمر رفض الحكومة لترخيص منظمات حقوق الإنسان، وبذلك بقيت هذه المنظمات والأحزاب غير المرخصة في وضع (التنظيمات غير القانونية) الذي يسمح للحكومة بحظر نشاطها واعتقال أعضائها بذريعة التنظيم غير القانوني، وواصلت السلطات أيضًا استخدام عقوبة المنع من السفر ضد كل من تراه الحكومة ضدها، من سياسيين أو إعلاميين أو ناشطين حقوقيين أو مدونين أو غيرهم، واستمرت (محكمة أمن الدولة) في محاكمة معارضي السلطات أو منتقديها في أغلب الأحيان، وبقي الإعلام ملحقًا بالسلطة وتابعًا لها، وخاضعًا لرقابتها الصارمة، ولم يكن يسمح بتوزيع أي صحيفة قبل تفحصها من طرف (المؤسسة العربية لتوزيع المطبوعات)، وأخضعت الإنترنت بدورها لمثل هذه الرقابة، وكانت مواقع جماهيرية عالمية مثل فيسبوك ويوتيوب ومدونات غوغل وما شابه ذلك محجوبة. وبقي الأكراد الذين يشكلون نحو 10% من السكان ممنوعين من تعلّم لغتهم في المدارس، ومن الاحتفال بأعيادهم الخاصة، ومن كثير من حقوقهم الأساسية الأخرى” ([6]).
إضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن ترتيب سورية في ميدان الحريات، وفقًا لمراسلين بلا حدود في 2008، كان 159 من أصل 173 دولة، وبذلك تراجع عن 2007 حين كان 154، وعن 2006 حين كان 153([7]).
3- نظرة عامة في الوضع الإنساني السوري الراهن
بلغ الوضع الإنسان في سورية بسبب النزاع مرحلة متدهورة مستفحلة على الصعد كافة، وفي هذا الشأن قدمت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة في الآونة الأخيرة تقريرًا عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة التي اقترفتها أطراف الصراع المختلفة في سورية، وفيه قال رئيس اللجنة باولو بينيرو إنّ “اعتقال السلطات التعسفي لخصوم سياسيين وصحافيين وناشطي حقوق الإنسان ومتظاهرين كان أحد الأسباب التي أججت الصراع”، وأضاف أن “مجموعات مسلحة ومنظمات إرهابية، مثل هيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة الإسلامية، بدأت بحرمان الناس من حرياتهم وانتهاك حقوقهم على أسس طائفية في كثير من الأحيان”([8])، وقد اعتمد التقرير على 2658 مقابلة قدمت فيها شهادات موثقة من معتقلين سابقين، واستخدمت فيها صور ملتقطة بوساطة الأقمار الصناعية لأكثر من مئة مركز اعتقال تديرها أطراف مختلفة([9])، ويؤكد التقرير أن هناك “عشرات الآلاف من المدنيين في سورية ما زالوا مفقودين بعد احتجازهم بشكل تعسفي، وأن آلافًا آخرين قد تعرضوا للتعذيب حتى الموت في أثناء احتجازهم”، وأن ما جرى شكل “صدمة نفسية في مستوى الوطن” كما وصفه باولو بينيرو([10]).
ووفقًا لبيانات الأمم المتحدة، بلغ عدد القتلى منذ بداية النزاع في 2011 أكثر من 387.000 قتيل، وشُرد أكثر من نصف السكان، وهناك 6.000.000 نازح سوري داخل البلاد، و5.500.000 لاجئ خارجها([11]).
وبدوره يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إنه وثق مقتل 389.000 شخص، بينهم 117.000 مدني، ومنهم 22.000 طفل 14.000 امرأة، ويضيف أن عدد المدنيين القتلى يصبح أكبر عند إضافة عشرات آلاف آخرين، ممن قُتلوا تحت التعذيب في معتقلات النظام السوري، وحزب العمال الكردستاني، وداعش. ويقول أيضًا إن قرابة 200.000 شخص ما يزال مصيرهم مجهولًا([12]).
ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، فإن 12.400.000 شخص داخل سورية يواجهون اليوم صعوبات في تأمين غذائهم اليومي، فيما تقول منظمة (أنقذوا الأطفال) (Save the Children) إن 60% من الأطفال في سورية باتوا يعانون الجوع، ووفقًا للأمم المتحدة، هناك الآن 13.400.000 سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وقد فقدت الليرة السورية 98% من قيمتها في السنوات العشر الماضية، وانحدر متوسط راتب الموظف الشهري في منطقة سيطرة الحكومة السورية إلى ما يعادل 20 دولارًا في القطاع العام و50 دولارًا في القطاع الخاص، فيما تعادل قيمة السلة الغذائية الشهرية لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص 136 دولارًا، بسعر السوق الفعلي الحالي([13]).
وإضافة إلى ما تقدم وفقًا لليونيسيف: “يعيش حوالى 80% من السوريين في فقر مدقع ويعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة”([14]).
4- ماذا تقول المؤشرات الدولية؟
في تقريرها السنوي 2021 الذي أصدرته منظمة (بيت الحرية أو Freedom House) عن مؤشر الحرية العالمي الذي تُقيّم فيه مستويات الحريات المدنية والسياسية بين بداية كانون الثاني/ يناير ونهاية كانون الأول/ ديسمبر 2020 في 210 دول، جاءت سورية في المرتبة الأولى بين هذه الدول، من حيث تدني مستوى الحرية فيها ([15]).
وحصلت سورية أيضًا على المرتبة 162 والأخيرة في مؤشر الحرية 2020 الذي تصدره مؤسسة (كاتو للأبحاث Cato Institute)، وقد حصلت فيه من أصل 10 نقاط على: 2,49 نقطة في الحريات الشخصية، و5,45 نقطة في الحريات الاقتصادية، و3,97 في الحريات الإنسانية، وبيّن تقرير المؤسسة أن سورية لم تشهد منذ سنوات أي تقدم في وضع الحريات فيها([16]).
أما في (تصنيفات حرية الصحافة العالمية) 2020، الصادر عن (مؤسسة مراسلون بلا حدود)، فجاءت سورية في المرتبة 174 بين 180 دولة، وحصلت على 72,57 نقطة، فيما جاءت النرويج أولًا بـ 7,84 نقطة، ومعدل النقاط العالي يدل على مدى سوء وضع الحريات([17]).
5- تورط جميع أطراف الصراع في الانتهاكات
في تقريرها عن سورية 2019، تفيد (منظمة العفو الدولية) باستمرار حدوث جرائم الحرب والانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان والتعديات الخطرة على كرامة الإنسان والخروقات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني من طرف جميع أطراف النزاع المسلح في سورية، وأن مقترفي هذه الجرائم ما زالوا يفلتون من الحساب، إذ يفيد التقرير بأن هجمات القوات الحكومية وحلفائها التي تحدث بشكل مباشر أو عشوائي، ما تزال تتسبب في خسائر كبيرة بين المدنيين والمنشآت المدنية، وأن هذه القوات تقيّد باستمرار وصول المعونات الإنسانية والصحية إلى المحتاجين المسالمين في المناطق التي تسيطر عليها، وتواصل القوى الأمنية الحكومية بدورها وبشكل تعسفي اعتقال المعارضين المدنيين والمقاتلين السابقين الذين أجروا عمليات مصالحة رسمية، وإضافة إلى ذلك فهي ما تزال تحتجز أعدادًا تقدر بعشرات الآلاف من المحامين والصحافيين والعاملين في مجال المساعدة الإنسانية والناشطين السلميين وسواهم من الأشخاص، وتعرِّض كثيرين منهم للتعذيب وغيره من أساليب سوء المعاملة، التي ربما تكون نتيجتها الوفاة([18]).
ويضيف التقرير آنف الذكر أن الإدارة الذاتية قامت هي الأخرى بعدد من الاعتقالات التعسفية في في الشمال السوري([19]).
إضافة إلى ذلك، وفقًا لرافينا شامداساني، الناطقة الرسمية باسم (مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان)، هناك تقارير تفيد بأن الجماعات المسلحة في إدلب ترتكب انتهاكات خطرة ضد المدنيين والناشطين الإنسانيين، وقد قالت شامداساني بشأن ذلك، في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020: “وردتنا تقارير مقلقة تفيد بالاستمرار في اعتقال المدنيين، منهم عاملون في المجال الإنساني، في إدلب الواقعة شمال غرب سورية، وتحديدًا في المناطق التي تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات المسلحة الأخرى. كما وردتنا تقارير مقلقة للغاية بشأن عمليات إعدام نفّذتها سلطات الأمر الواقع، عقب سلسلة من الاعتقالات وما يُزعَم أنّه محاكمات”([20]).
يمكن أيضًا قول كثير عن جرائم داعش، فمثلًا.. بعد هزيمة داعش، كُشفت عشرون مقبرة جماعية في المناطق التي كان التنظيم يسيطر عليها في سورية، ومنها مثلًا حفرة (الهوتة) التي كان التنظيم يلقي فيها الجثث([21])، ومن جرائم داعش أيضًا ارتكابه مجزرة السويداء في 25 تموز/ يوليو 2018 التي راح ضحيتها 250 شخصًا، أغلبهم من المدنيين وبينهم كثير من النساء والأطفال([22]).
كلام مماثل أيضًا يمكن قوله عن جرائم جبهة النصرة وانتهاكاتها التي ارتكب كثير منها بحق الأهالي والعاملين في المرافق الحيوية وضد الفصائل المعارضة الأخرى، ووثقتها المنظمات الحقوقية، ووفًقا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، على سبيل المثال، فقد اعتقلت (جبهة النصرة) في 2016 -وكان اسمها قد أصبح في حينها (جبهة فتح الشام)- 234 شخصًا، بينهم 16 طفلًا، وقتلت هي وداعش في العام ذاته 1510 مدنيًا([23]).
وقد شنت جماعات مسلحة مختلفة أخرى في مرات عدة، هجمات عشوائية ضد المناطق المزدحمة بالسكان في دمشق وريف دمشق وحمص وغيرها من المناطق السورية التي كانت تحت السيطرة الحكومية، وقد استخدمت فيها السيارات المفخخة وقذائف الهاون والصواريخ غير الموجهة، وتسببت في مقتل كثير من المدنيين([24]).
6- إدانات أممية متعددة
منذ بدايات الثورة حتى الآن، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة -وما زال يصدر- قرارات متواصلة تدين الانتهاكات الحادة والواسعة لحقوق الإنسان وحرياته في سورية، وقد شملت هذه الإدانات الأطراف المختلفة التي ترتكب تلك الانتهاكات، ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد “أدان مجلس الأمن الدولي انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق التي تجري في سورية، سواء من السلطات السورية أم من جماعات المعارضة المسلحة، لا سيما حوادث العنف الجنسي، فضلًا عن الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة ضد الأطفال، بما في ذلك تجنيدهم واستخدامهم في أتون العمليات العدائية بين الجانبين”([25]).
ومن الإدانات الأممية التي صدرت لهذه الانتهاكات:
في 2 كانون الأول/ ديسمبر 2011 أدان المجلس الأممي المذكور بأغلبية ساحقة سياسة قمع الاحتجاجات في سورية، واستمرار عمليات القتل في حمص وإدلب ودرعا([26])، وقد عارضت كل من روسيا والصين القرار، وقال المندوب الروسي إنه قرار (أحادي الجانب ومسيس) ويتجاهل الجرائم التي ارتكبها (المتمردون) وقد يؤدي إلى تصعيد الوضع بدلًا من تهدئته([27]).
وفي أول حزيران/ يونيو 2012 صوّت المجلس في دورته الاستثنائية الرابعة لمناقشة الأزمة السورية على قرار يدين عمليات الاغتيالات الجديدة في قرية الحولة قرب حمص([28]).
وفي جلسة طارئة عقدها في 29 أيار/ مايو 2013 أصدر المجلس إدانة شديدة للانتهاكات الخطرة التي قامت بها السلطات السورية وحلفاؤها في مدينة القصير([29]).
وفي 25 أيلول/ سبتمبر 2014، أقرّ المجلس مشروع قرار بإدانة انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، وأدان عدم تعاون المسؤولين السوريين مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة في سورية، معربًا عن ترحيبه بالتقارير الصادرة عن هذه اللجنة التي أظهرت انتهاكات للقانون الدولي([30]).
وفي 17 تموز/ يوليو 2020، وخلال اختتام دورته الـرابعة والأربعين، اعتمد المجلس قرارًا شديد الإدانة لجميع خروقات القانون الدولي وانتهاكاته الخطرة على المدنيين في سورية، وشدد القرار على وجوب محاسبة كل مرتكبي تلك الانتهاكات ومعاقبتهم([31]).
وهذا بالطبع لا يستنفد كل ما صدر من إدانات أممية ودولية للانتهاكات الضد إنسانية المتواصلة والمستفحلة منذ 2011 حتى اليوم في سورية.
7- الاعتداء على الكرامة الإنسانية
يقول العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في ديباجته إن الدول الأطراف في هذا العهد تقر بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه، ويضيف في مادته السابعة: “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة”([32]).
ويشمل التعذيب الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، ويعد من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني (قانون النزاع المسلح(([33]).
وقد أكد تقرير موضوعي أعدّته (لجنة التحقيق في الجمهوريّة العربيّة السوريّة) بعنوان: (خسرتُ كرامتي: العنف الجنسيّ والجنسانيّ في الجمهوريّة العربيّة السوريّة) استخدام كافة الأطراف في النزاع العنف الجنسيّ والجنسانيّ، وحمّلت اللجنة بشكل صريح مسؤوليّة هذه الانتهاكات لجميع القوى المتصارعة، وركّزت على استخدام العنف الجنسيّ والجنسانيّ سلاحًا من جهة الأطراف المتنازعة، حيث استخدم في السجون وفي خلال عمليّات الدهم والتفتيش وعند نقاط التفتيش، واستعمل أداة لتعذيب السجناء من الخصوم، وللترهيب وانتزاع الاعترافات، وقد وصفت مدلين ريس، أمين عام الرابطة النسائيّة الدوليّة للسلم والحريّة، “استخدام العنف الجنسيّ والجنسانيّ الممنهج والمؤسّسيّ ضدّ الشعب أنّه من الجرائم ضدّ الإنسانيّة”([34]).
وعدا عن العنف الجنسي، فقد اتبعت أساليب أخرى عدة مهينة للكرامة الإنسانية في التعامل مع الخصوم، منها على سبيل المثالإجبارهم على شرب المياه الملوثة وأكل الأطعمة الفاسدة([35]).
8- انتهاك حقوق الأطفال
أكدت الأمم المتحدة وسواها من المنظمات الإنسانية والحقوقية، في عدد من تقاريرها وتصريحاتها، أن حقوق الأطفال في سورية تتعرض لكثير من الانتهاكات الجسيمة.
فقد أشار المحامي إبراهيم القاسم، من مؤسّسي منظّمة (أورنامو Urnammu) للعدالة وحقوق الإنسان، إلى أنّ المنظّمة أعدّت تقريرًا يؤكد أنّ الأطفال في سورية يحتجزون ويعاملون المعاملة السيئة نفسها التي يتعرض لها الراشدون، وهذا ما يتسبب في كثير من الحالات في موت الأطفال، ونبه إلى أن المجموعات المسلّحة تحتجزهم في ظروف جسدية ونفسية شديدة السوء وتستخدمهم أوراق تفاوض، وأنهم يتهمون أيضًا بالإرهاب ويرغمون على إعطاء شهادات كاذبة، وأنهم يحاكمون من طرف محاكم استثنائية، كالمحاكم العسكريّة ومحاكم مكافحة الإرهاب التي لا تلتزم بالقوانين الدوليّة، وأضاف أنّ داعش يستعبد الأطفال جنسيًّا، ويجبر الفتيات على الزواج من عناصره، ويرغم الفتيات غير المسلمات على اعتناق الدين الإسلاميّ، وأنّ عددًا من الأطفال قد ولدوا في الاحتجاز ولا يعرفون إلا بيئة السجن([36]).
أما (الشبكة السورية لحقوق الإنسان)، فقد قالت في تقرير لها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، إن عدد القتلى من الأطفال السوريين بلغ 29017 طفلًا، وأن جميع أطراف الصراع في سورية انتهكوا حقوق الطفل، ولكن الحصة الكبرى من ذلك حدثت على يد النظام السوري، وأشارت إلى أن 3618 طفلًا ما زالوا قيد الاعتقال في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام، منذ آذار/ مارس 2011، وأن 1077 طفل ما زالوا محتجزين لدى جماعات مسلحة مختلفة، وأن ضربات قوات التحالف الدولي تسببت في مقتل 984 طفلًا، فيما تسببت جهات أخرى في مقتل 1194 طفلًا منذ آذار/ مارس 2011([37]).
وأفادت اليونيسف في 15 آذار/ مارس 2020 أن عدد الأطفال السوريين الذين لا يحصلون على تعليم داخل سورية وفي الدول المجاورة يبلغ نحو 2.800.000 طفل سوري، وأن 40% من المدارس لا يمكن استخدامها، نتيجة تعرضها للدمار أو الخراب أو بسبب استعمالها مأوى لإيواء النازحين أو بسبب شغلها لأغراض عسكرية([38])، وكانت اليونيسف قد أفادت في وقت سابق من أواسط 2016 أن 55% من المناطق السورية يعمل أطفالها ويتعرضون للتجنيد والاستغلال الجنسي والنشاط غير المشروع([39])، وأفادت وكالة رويترز في شباط/ فبراير 2021 أن سورية واحدة من أكثر أربع دول في العالم يُجنّد فيها الأطفال([40])؛ وبدوره أفاد القضاء الشرعي بدمشق أن زواج القاصرات ضوعف في خلال الأزمة أكثر من أربع مرات([41]).
9- استهداف المدنيين:
يحظر القانون الدولي الإنساني استهداف المدنيين أو إلحاق الأذى بهم، سواء كان ذلك بشكل متعمد، أم غير متعمد أم نتيجة الإهمال أم لعدم المبالاة، وهذا ملزم لكل من الجيوش النظامية والجماعات المسلحة في النزاعات الحربية، وعن هذا تقول هيومان رايتس ووتش: “مبدأ حصانة المدنيين يحظر الهجمات التي تستهدف المدنيين، وكذلك الهجمات التي تضر عشوائيًا بالمدنيين، أي الهجمات التي لا يميز فيها الطرف المُهاجم- أو لا يمكنه التمييز- بين الأهداف المدنية والعسكرية. والدول والجماعات المسلحة من غير الدول مسؤولة عن الهجمات التي ترتكب في خرق للقانون الإنساني الدولي”([42]).
وهذا ما لم تلتزم به أطراف الصراع في سورية، وخرقته إلى أبعد الحدود، وعن ذلك قالت لجنة التحقيق الأممية بشأن سوري،ة بناء على معطيات موثقة في 15 حزيران/ يونيو 2017، إن المدنيين ما زالوا يُستهدفون من معظم الأطراف المتحاربة التي تواصل انتهاكاتها لحقوقهم في مناطق مختلفة من سورية، إذ أسفرت الغارات الجوية التي هاجمت بنى تحتية مدنية عن وقوع أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين، وتسببت في تدمير الأسواق والمخابز والمدارس والجوامع، ونبهت اللجنة إلى أن الحصار الذي تفرضه القوات الحكومية على المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المعارضة يحرم المدنيين من إمكانية الحصول على الغذاء والطبابة وسوى ذلك من الضرورات الأساسية([43]).
وقالت اللجنة الأممية نفسها عن معارك حلب في 2016 إن “مستوى ما حصل في حلب غير مسبوق”([44])، وأشارت إلى أن الجرائم ارتُكبت من قوات حكومية وجماعات معارضة في المعركة الضارية للسيطرة على المدينة. وفي تحقيق في الأحداث التي حدثت بين تموز/ يوليو وكانون الأول/ ديسمبر في حلب 2016، قال المحققون “شكَّلت معركة السيطرة على مدينة حلب مرحلة من العنف الشديد، مع سقوط مدنيين من الطرفين ضحايا لجرائم حرب ارتكبها كل الأطراف”([45])، ووثق التقرير معاناة المدنيين العاجزين عن الحصول على الإمدادات الغذائية والطبية اللازمة، في أثناء تطويق القوات الموالية للحكومة أحياء حلب الشرقية، وعن ذلك قال رئيس اللجنة بينيرو “تشير عمليات القصف المتكررة للمستشفيات والمدارس والأسواق، من دون أي تحذير، بقوة إلى أن تطويق المدينة واستهداف البنى التحتية المدنية كان جزءًا من إستراتيجية دقيقة للإجبار على الاستسلام”([46]).
10- القمع والاعتقال والتعذيب:
بهذا الشأن، كشف تقرير أممي -كما تفيد أخبار الأمم المتحدة في 15 أيلول/ سبتمبر 2020- استمرار الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان التي تقترفها جميع القوى المتصارعة في كل أنحاء البلاد. وقال رئيس لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سورية باولو بينيرو: “طوال ما يقرب من عقد من الزمن، تم تجاهل جميع الدعوات لحماية النساء والرجال والفتيان والفتيات. ليس هناك أيادٍ نظيفة في هذا الصراع، ولكن الوضع الراهن لا يمكن أن يدوم”([47]). وركز التقرير على الانتهاكات التي تحدث بعيدًا من جبهات القتال، مثل الإخفاء القسري والاحتجاز التي تواصلت خلال النصف الأول من 2020، من جانب القوات الحكومية والجيش الوطني السوري وقوات سوريا الديمقراطية وجماعة تحرير الشام وأطراف أخرى في النزاع، وكانت تحدث إما بهدف ترهيب الخصوم وإما بغية الابتزاز والحصول على المال([48]).
أما الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد قالت بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب في 26 حزيران/ يونيو 2020: إن عدد الأشخاص الذين قُتلوا تحت التعذيب في سورية، منذ آذار/ مارس 2011 حتى حزيران/ يونيو 2020، قد بلغ 14.000 شخص، ويدخل في عدادهم كثير من النساء والأطفال، ونبهت الشبكة إلى استخدام التعذيب -بصورة أو بأخرى- من جانب الأطراف المتنازعة جميعها في سورية، لكنها حمّلت النظام المسؤولية الكبرى في ذلك([49]).
وعن التعذيب تقول شبكة الأورو- متوسطية للحقوق إن “التعذيب ممارسة مدانة عالميًا، وقد تم تضمين حظر التعذيب بشدّة في القانون الدولي العرفي والمعاهدات الدولية. ويحدد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب، أنه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا معاملته، أو معاقبته بشكل قاس، أو لاإنساني أو مهين. وعلاوة على ذلك أُدراج بوصفه إحدى الجرائم التي تشكل (انتهاكا خطيرًا) لاتفاقيات جنيف 1949 بشأن معاملة ضحايا الحرب. وكانت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي أنشئت في 1950، أول معاهدة تحظر التعذيب، وفي1984 ، أصبحت اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب أول صك دولي ملزم مخصص حصرًا لمكافحة التعذيب”([50]).
وتجدر الإشارة إلى أن سورية من الدول التي صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب منذ 19 آب/ أغسطس 2004([51])، وعلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية منذ21 نيسان/ أبريل 1969([52]).
11- تدهور وضع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
تقول موسوعة ويكيبيديا إن حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية معترف بها ومحمية في صكوك حقوق الإنسان الدولية والإقليمية، وتقع على عاتق الدول الموقعة على (العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) مسؤولية احترامها وحمايتها وإعمالها والسعي إلى الوفاء بها، ويتضمن ذلك الحق في التعليم، والحق في السكن، والحق في مستوى معيشي لائق، والحق في الصحة، وحقوق الضحايا، والحق في العلم والثقافة([53]).
وإذا ما نظرنا اليوم إلى الوضع المعيشي المتدهور، والبعيد جدًا من المستوى المعيشي اللائق الذي يقره العهد الدولي المذكور، فسنرى مدى التدهور الجسيم الذي وصلت إليه حقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية في سورية.
في 31 كانون الثاني/ يناير 2021، نشرت صحيفة (الوطن) الموالية، تقريرًا حمل عنوان (هكذا يحاول السوريون إدخال الفيل في ثقب الإبرة)، وكشفت فيه جوانب عدة من المعاناة المعيشية اليومية لأغلب المواطنين المقيمين داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام، بسبب الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية والانخفاض الحاد لدخل الفرد وقيمة الليرة السورية، وجاء في التقرير أن متوسط دخل الفرد 50.000 ليرة، والمطلوب للأسرة 650.000، وأن 70% من الناس باتوا يقتصرون على وجبة أو اثنتين كحد أقصى”([54]).
وما يزال التدهور المعيشي مستمرًا بوتيرة عالية في هذه المناطق، وقد ارتفعت معظم الأسعار، منذ بداية 2021 حتى هذه اللحظة، بنحو 50% أو أكثر، بسبب استمرار وتسارع انخفاض سعر الليرة أمام الدولار.
وما يتحدث عنه التقرير هو ما يحدث في مناطق لم تتعرض للدمار، ولا تشمل معاناتها التشرد أو النزوح أو دمار المسكن أو الإصابات الصحية الدائمة، كحال المناطق التي شهدت عنفًا حربيًا وتعرضت لدمار كبير في مختلف قطاعات بُناها التحية، فهنا المعاناة تضاعف أضعافًا. ولا ينطبق ما تقدم أيضًا على النازحين الذي نزحوا إلى مناطق آمنة، ومعاناتهم بدورهم أشد كثيرًا، فمثلًا إيجار المنزل وحده بات يكلف مبلغًا باهظًا وشديد الإرهاق لأغلب النازحين، فبأسعار تموز/ يوليو 2020 تراوح قيمة إيجار منزل في دمشق بين 150.000 و250.000 ليرة، وهي في حدود 100.000 ليرة في ضواحي دمشق، وفي ببيلا بريف دمشق إيجار منزل مساحته 75 مترًا لا تقل عن 55.000 ليرة، وإن لم يطلب صاحبه إيجار عام كامل مقدمًا، فهو غالبًا يطلب إيجار نصف سنة على الأقل([55]).
أما قطاعا التعليم والصحة فقد شهدا تدهورات كارثية، فـ 13.200.000 شخص يحتاجون إلى مساعدات صحية في سورية، وملايين منهم لا يمكنهم الحصول عليها، ونسبة المرافق الصحية العمومية العاملة بكامل طاقتها في سورية قرابة النصف فقط، وفق إفادات منظمة الصحة العالمية في آذار/ مارس عام 2019([56])، وهناك أكثر من 2.800.000 طفل سوري خارج المدارس في سورية وفي دول الجوار، و40% من المدارس في سورية لا يمكن استخدامها، وفقًا لما أعلنته اليونيسيف في آذار/ مارس 2020([57]).
أما عن حق السكن فيكفي لبيان مدى تدهوره ذكر أنه وفقًا لبيانات الأمم المتحدة الحديثة قد فقدَ نحو 12.000.000 سوري منازلهم وأصبحوا نازحين، وقد فر منهم إلى خارج سورية أكثر من 5.000.000 شخص معظمهم من النساء والأطفال([58]). وذكرت منظمة الصحة العالمية منذ عامين تقريبًا أن أكثر من 80% من السكان أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر([59])، وقد بلغت نسبة الفقر في وقتنا الراهن 90% ([60]).
12- تدني مستوى الحريات والحقوق المدنية
وفقًا لموسوعة ويكيبيديا: الحقوق المدنية والسياسية فئة من الحقوق التي تحمي حرية الفرد من انتهاكات الحكومات والمنظمات الاجتماعية والأفراد الآخرين، وتضمن مشاركته في الحياة المدنية للمجتمع والدولة من دون أي تمييز وقمع، وتضمن حياة الناس وسلامتهم الجسدية والعقلية، وحمايتهم من كافة أشكال التمييز، وهي أيضًا تضمن الحقوق الفردية مثل الخصوصية وحرية الفكر والكلام والدين والصحافة والتجمع والحركة، وتشمل أيضًا العدالة القانونية، وحرية تكوين الجمعيات، والحق في التجمع، والحق في الالتماس، والحق في الدفاع عن النفس، والحق في التصويت([61]).
وقد رأينا أعلاه أن سورية في 2020 احتلت أسوأ المراكز في مؤشرات الحرية الدولية، في تصنيف فريدوم هاوس للحرية حول العالم، وحلت في أسفل المراتب العالمية لمؤشر الحرية لمؤسسة (كاتو للأبحاث)، وجاءت في المرتبة 174 بين 180 دولة في (تصنيفات حرية الصحافة العالمية) لمؤسسة (مراسلون بلا حدود)([62]).
وعلى مدى سنوات الصراع كانت الانتهاكات الحقوقية الجسيمة -وما زالت- تحدث على نطاقات واسعة، وترتكبها الأطراف كافة، وكان وما يزال الاعتقال التعسفي والتعذيب بأشكاله الوحشية المختلفة، حتى القتل من دون محاكمة، سياسات متبعة وإجراءات مقبولة في مناطق سيطرة القوى المختلفة، وفي مناطق سيطرة النظام، لم يحدث فعليًا أي تغيير سياسي حقيقي، وما زالت الأساليب القديمة متبعة، وبحدة أكثر في المناطق التي يخشى فيها من نشاط المعارضين، وفيما ألغي العمل بقانون الطوارئ في 2011، حل محله القانون الخاص بجرائم الإرهاب ومحكمة قضايا الإرهاب، وصار ذلك ذريعة ووسيلة أكبر لانتهاكات وتجاوزات أخطر ضد كثير من المعارضين والناشطين الحقوقيين، بل حتى الناقدين، ولم يؤد تغيير الدستور في 2012 إلى تغييرات فعلية في القوانين وآلية عمل السلطة، فقد بقيت القوانين السابقة على حالها، وبقي حزب البعث مهيمنًا ومتميزًا، وبقي كثير من مواقع المسؤولية والإدارة حكرًا على البعثيين، ولم يؤدِّ إصدار قانون للأحزاب في 2011 إلى أي تنشيط حقيقي للحياة السياسية، وما يزال التعبير عن الرأي عرضة لخطر الملاحقة والعقاب، وما يزال الإعلام خاضعًا كليًا لسيطرة السلطة، والهامش المستقل الضيق فيه لا يختلف في تبعيته وولائه التامين عن الإعلام الرسمي، وما يزال القضاء بدوره فاقدًا في معظم الأحوال إلى الاستقلالية والنزاهة.. والفساد فيه مستشرٍ كباقي قطاعات الدولة، ما يعني فقدان العدالة، وأصبحت الدولة غائبة غالبًا إلا حين يتعلق الأمر بمصلحة النظام والسلطة، فعندها تتدخل بشكل تعسفي وجهوي حاد، أما الانتخابات والتصويت، فلم يطرأ أي تحسن على وضعيهما. وما يزالان يجريان بشكل مسرحي فاقد المضمون، وما يزال الحرمان من الحقوق المدنية والسياسية والحرمان من السفر يستخدمان عقوبات إضافية ضد المعتقلين السياسيين السابقين([63])، وما يزال العمال في القطاع العام مهددين بالطرد، بسبب مواقفهم أو آرائهم السياسية، عدا أنهم باتوا يعملون براتب يحتاجون إلى أكثر كثير من عشرة أضعافه لتأمين ضرورات الحياة الأولية، فالاستقالات النظامية ممنوعة إلا في حالة وجود (وساطة)، وجرم ترك العمل يعاقب عليه بالسجن بين 3 و5 سنوات وبغرامة مالية تعادل راتب العامل وتعويضاته لمدة عام كامل([64])، هذا مع العلم أن البلاد تعاني ضائقة حادة في فرص العمل.
خلاصة
يقدم ما تقدم صورة عن الانتهاكات كثيرة والجسيمة -كميًا وكيفيًا- التي تحدث على صعد مختلفة وترتكبها أطراف النزاع في سورية، وفقًا لتقارير وبيانات الهيئات الدولية والحقوقية المختصة التي يضاف إليها الإرهاب والعنف التكفيري اللذين تصاعدا بدورهما أيضًا بشكل جسيم، ممثلين في داعش والنصرة وسواهما من الحركات المتطرفة، ويضاف إليها التدهور الكارثي في ظروف المعيشة، وهذه أمور أصبح يعيشها جل السوريين في واقعهم اليومي الذي ما يزال يتدهور وبشكل متسارع يومًا بعد يوم.
وفي الوقت الذي كان يفترض فيه أن يجد المجتمع الدولي حلًا مناسبًا للأزمة السورية، لمنعها من الاستفحال والتوحش إلى هذا الحد، قامت القوى الدولية الفاعلة دوليًا وإقليميًا بعكس ذلك، وعملت بشكل شديد التأثير على تأجيج الصراع، ودفعه في المسارات التي تخدم مطامعها وبشكل يستهتر بكل القيم والاعتبارات الإنسانية، وبقي المجتمع الدولي مجتمعًا مع وقف التنفيذ، ولم تكن القوانين الدولية والمواثيق والعهود الحقوقية العالمية أكثر من حبر على ورق، ووقفت غير قادرة على حماية حقوق الإنسان السوري وإيقاف الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها، وعاجزة أيضًا عن معاقبة الجناة الذين يرتكبون تلك الفظائع وردعهم.
وبقدر ما تدل المعطيات على فداحة الكارثة الإنسانية في سورية، فهي في الوقت نفسه تعري بشكل صارخ مدى انهيار القيم والحقوق الإنسانية في العالم المعاصر الذي ما تزال تتحكم فيه المصالح المسعورة المتضخمة والمنفلتة، وفي هذه المعركة اللاإنسانية المحمومة.. ما يزال خلاص السوريين بعيدًا، وما يزال عليهم أن يدفعوا مزيدًا من الأثمان الباهظة. وأن يتحملوا -إن استطاعوا التحمل- هدر حقوقهم أكثر فأكثر، في حلبة صراع المصالح الهدامة المتعددة الأطراف والممتدة من داخل سورية إلى جوارها وإلى النطاق الدولي.
[1] – حماية المدنيين والجماعات المسلحة في الشرق الأوسط.. بحثًا عن أصوات محلية مسموعة، World Report 2010، Human Rights Watch
[2] – النزاعات المسلحة منظمة العفو الدولية.
[5] – العقد الضائع، هيومان رايتس ووتش، 16 تموز/ يوليو 2010.
[7] – لؤي اسماعيل، جادك الحجب إذا الحجب همى، موقع زمان الوصل، 27 تشرين الثاني 2008.
[8] – الحرب في سوريا ..الأمم المتحدة تقول إن عشرات الآلاف من السوريين ما زالوا مفقودين- BBC News عربي، 1 آذار 2021
[9] – مصير عشرات آلاف المعتقلين السوريين يمثل صدمة وطنية، موقع البوابة، 1 آذار 2021.
[10] – الحرب في سوريا ..الأمم المتحدة تقول إن عشرات الآلاف من السوريين ما زالوا مفقودين، مرجع سابق.
[11] – سوريا في 10 سنوات.. أرقام تكشف فظاعة القتل والانتهاكات، قناة الحرة،14 آذار/ مارس 2021.
[13] – عشر سنوات من النزاع السوري بالأرقام: مئات آلاف القتلى وخسائر مأساوية، فرانس 24، 15 آذار/ مارس 2021.
[14] – عقد من النزاع في سوريا – المعاناة مستمرة ومنظمات الإغاثة محبطة! – مهاجر نيوز، 19 آذار/ مارس 2021.
[15] – مؤشر الحرية 2021.. سوريا في ذيل القائمة، CNN Arabic، 9 آذار/ مارس 2021.
[16] – سوريا في مؤخرة الترتيب العالمي لمؤشر الحرية في عام 2020، تلفزيون سوريا، 18 كانون الأول/ ديسمبر 2020.
[17] – التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2020، مراسلون بلا حدود.
[18] – كل ما تحتاج معرفته بشأن حقوق الإنسان في سوريا، سوريا 2019، منظمة العفو الدولية.
[20] – مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إحاطة إعلامية بشأن سوريا- الانتهاكات والتجاوزات في إدلب، 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.
[21] – ″رايتس ووتش″ تحقق في حفرة حولها داعش لمقبرة جماعية في الرقة أخبار DW عربية، 4 أيار/ مايو 2000.
[22] – شهود من السويداء يروون تفاصيل المذبحة، أخبار سكاي نيوز عربية، 27 تموز/ يوليو 2018.
[23] – سلطان النجار، انتهاكات جبهة النصرة في تزايد وسوريون يوثقون جرائمهم، أخبار الآن، 9 آذار/ مارس 2017.
[24] – الهجمات العشوائية لجماعات المعارضة السورية، هيومان راتس ووتس HRW، 23 آذار/ مارس 2015.
[25] – مجلس الأمن يدين أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا المرصد السوري لحقوق الإنسان، 19 نيسان/ أبريل 2013.
[26] – قتلى في سوريا ومجلس حقوق الإنسان يدين دمشق ويدعو إلى حماية المدنيين، فرانس 24، 3 كانون الأول/ ديسمبر 2011.
[27] – صحيفة الشعب الصينية، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يتبنى قرارا يدين سوريا، 4 كانون الأول/ ديسمبر 2011
[28] – مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يعقد دورة استثنائية رابعة لمناقشة الأزمة السورية،1 حزيران/ يونيو 2012.
[29] – مجلس حقوق الإنسان يصدر قرارا يدين الوضع المتدهور في سوريا، أخبار الأمم المتحدة، 29 أيار/ مايو 2013.
[30] – مجلس حقوق الإنسان يدين الانتهاكات في سورية، العربي الجديد، 26 أيلول/ سبتمبر 2014.
[31] – مجلس حقوق الإنسان يدين الانتهاكات في سوريا، وكالة الأنباء السعودية، 17 تموز/ يوليو 2020.
[32] – العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية- جامعة منيسوتا، مكتبة حقوق الإنسان.
[33] – دليل توثيق إنتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في سوريا – المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ، كانون الأول/ ديسمبر 2014، نسخة الـ بي دي إف، ص 3، ص 23.
[34] – مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان: التقرير لم يَسْلَم أحدٌ في سوريا من العنف الجنسيّ أو الجنسانيّ، 28 آذار/ مارس 2018.
[35] – الحرب في سوريا.. الأمم المتحدة تقول أن عشرات الآلاف من السوريين ما زالوا مفقودين- BBC News عربي، 1 آذار/ مارس 2021
[36] – مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان: سوريا أهي أخطر مكان لسلامة الأطفال؟، 16 آذار/ مارس 2018.
[37] – شبكة حقوقية أكثر من 29 ألف طفل قُتلوا في سوريا منذ 2011، الخليج أونلاين،21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.
[38] – حوالي 5 ملايين طفل وُلدوا أثناء الحرب في سوريا ومليون طفل سوري وُلدوا لاجئين في دول الجوار- اليونيسف، 15 آذار/ مارس 2020.
[39] – أسامة مكية، دراسة: نسبة عمالة الأطفال في سوريا 50%، موقع الحل، 14 حزيران/ يونيو 2016.
[40] – سوريا ضمن أكثر الدول تجنيدًا للأطفال في العالم، موقع عنب بلدي، 12 شباط/ فبراير 2021.
[41] – سوريا.. تزايد نسبة زواج القاصرات خلال الأزمة 13 بالمئة-RT Arabic ، 18 آذار/ مارس 2019.
[42] – حماية المدنيين والجماعات المسلحة في الشرق الأوسط بحثًا عن أصوات محلية مسموعة، World Report 2010، Human Rights Watch
[43] – مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، محققو الأمم المتحدة المعنيون بحقوق الإنسان يستنكرون استهداف المدنيين في سوريا، 15 حزيران/ يونيو 2017.
[47] – سوريا.. تقرير جديد يكشف الافتقار إلى الأيادي النظيفة في البلاد في ظل استمرار الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان، أخبار الأمم المتحدة، 15 أيلول/ سبتمبر 2020.
[49] – تقرير حقوقي أكثر من 14 ألفا قتلوا تحت التعذيب في سوريا، شبكة الجزيرة، 26 حزيران/ يونيو 2020.
[50] – ضحايا التعذيب من سوريا، الأورو-متوسطية للحقوق، تموز/ يوليو 2016، نسخة الـ بي دي إف ص 6.
[51] – حالة التصديق حسب البلد أو حسب المعاهدة- سوريا، الأمم المتحدة- حقوق الإنسان.
[52] – مجلة كرينميل- العدد 9، 22 حزيران/ يونيو 2011.
[53] – Economic, social and cultural rights – Wikipedia
[54] – صحيفة موالية: الأسرة تحتاج لـ650.000 ليرة سورية لتعيش في سوريا، تلفزيون سوريا، 31 كانون الثاني/ يناير 2021.
[55] – إيجارات المنازل في دمشق ترتفع إلى مستويات غير مسبوقة.. ما الأسباب؟ موقع عنب بلدي، 12 تموز/ يوليو 2020.
[56] – المنظمة تدعم الصحة في سوريا بثماني طرق، منظمة الصحة العالمية، 14 آذار/ مارس 2019.
[57] – حوالي 5 ملايين طفل وُلدوا أثناء الحرب في سوريا ومليون طفل سوري وُلدوا لاجئين في دول الجوار- اليونيسف، 15 آذار/ مارس 2020.
[58] – الحرب في سوريا.. ماذا تحقق من أحلام السوريين ومتى ستنتهي الحرب؟- BBC News عربي،11 آذار/ مارس 2021.
[59] – المنظمة تدعم الصحة في سوريا بثماني طرق، منظمة الصحة العالمية، 14 آذار/ مارس 2019.
[60] – الحرب في سوريا ماذا تحقق من أحلام السوريين ومتى ستنتهي الحرب؟- مرجع سابق.
[61] – Civil and political rights – Wikipedia
[62] – يرجى مراجعة الفقرة (4) من هذه الدراسة.
[63] – نينار خليفة، معتقلون سوريون مجردون من حقوقهم المدنية والسياسية، موقع عنب بلدي، 10 آذار/ مارس 2019.
[64] – كل شيئ عن جرم ترك العمل في القانون السوري، نادي المحامي السوري.