حلب وشبح السقوط أواسط العام 2014

نوفمبر 9, 2022

ورد فراتي

مقالات

بدايات العام 2014 تمكن ثوار الشمال السوري من طرد تنظيم داعش من المناطق المحررة التي كانت تضم آنذاك معظم محافظتي حلب وإدلب إضافة إلى جل ريف حماة الشمالي وأجزاء من ريف اللاذقية، بينما سيطر التنظيم على محافظة الرقة متخذاً من المنطقة الممتدة بين ريفي حلب الشمالي والشرقي منطقة فصل على شكل خط مواجهة طويل بينه وبين فصائل الثوار، وهو الخط الذي شهد حالة من البرود منذ نهايات فبراير \ شباط عام 2014 بعد انسحاب تنظيم داعش من مدينة اعزاز وعدد من البلدات في ريفها على الحدود السورية التركية شمالي حلب متجهاً شرقاً، ليرمي بثقله في معركة احتلال محافظة دير الزور شرقي سوريا والتي كانت فصائلها قد طردته منها مطلع العام نفسه.

تزامن انسحاب تنظيم داعش من أجزاء ريف حلب الشمالي التي كانت ما تزال تحت يده مع تشكيل الغرفة المشتركة لأهل الشام، والتي ضمت كبرى تشكيلات حلب آنذاك (جيش المجاهدين – الجبهة الإسلامية – جبهة النصرة)، حيث جاء تشكيل غرفة العمليات العسكرية بغية التصدي لأرتال قوات النظام والميليشيات الإيرانية التي كانت تتقدم شرقي حلب مستغلة انقسام المساحة الخارجة عن سيطرتها بين الفصائل وتنظيم داعش، فمنذ تمكن قوات النظام من السيطرة على السفيرة جنوبي حلب في نوفمبر \ تشرين الثاني عام 2013، وهي تضع نصب عينيها استعادة أحياء مدينة حلب المحررة، حيث تمكنت سريعاً من الوصول إلى مشارف المدينة الصناعية “الشيخ نجار” شمال شرقي المدينة، والتي كانت تعني سيطرتها عليها امتلاكها قاعدة انطلاق متقدمة على آخر طرق إمداد الفصائل إلى الأحياء المحررة في مدينة حلب.

مرفق 1 - بيان تشكيل الغرفة المشتركة لأهل الشام (1).jpg

احتدمت المعارك في منطقة الشيخ نجار ومحيطها بين تشكيلات غرفة أهل الشام وبين قوات النظام، وبات واضحاً أن هناك نوعاً من التنسيق بين النظام وتنظيم داعش، حيث كانت أرتال النظام تتقدم في شريط ضيق على طول الخط الفاصل بين مناطق انتشار التنظيم وبين المناطق المحررة دون أي احتكاك مع مجموعات التنظيم قليلة الأعداد بعد انتقال معظمها إلى الشرق للمشاركة في معركة احتلال دير الزور، بل دون أن تقوم بتحصين نقاطها من جهة مناطق انتشار التنظيم، صارفة جهودها إلى المعارك الشرسة التي كانت تخوضها ضد فصائل حلب وريفها على الجهة الأخرى، حيث امتدت المعارك على مدار أربعة شهور استبسلت فيها الفصائل متمكنة إلى حد بعيد من إيقاف تقدم قوات النظام، ليأتي الحل بالنسبة للأخير من التنظيم مرة أخرى بانسحابه من عدد من القرى المحيطة بالمدينة الصناعية، الموجودة على شكل تلال حولها، لتدخلها قوات النظام وتنطلق منها تحت غطاء ناري كثيف من سلاحي المدفعية والطيران للسيطرة على المدينة الصناعية في الشيخ نجار مطلع يوليو \ تموز عام 2014، مقتربة كثيراً من إطباق الحصار على الأحياء المحررة من مدينة حلب.

مرفق 2 - خريطة توضح شكل الخط الذي تقدمت فيه قوات النظام في محيط حلب – شباط 2014_0.PNG

(خريطة توضح شكل الخط الذي تقدمت فيه قوات النظام في محيط حلب – شباط 2014)

 

مع سيطرة قوات النظام على المدينة الصناعية في الشيخ نجار خيم شبح السقوط على مدينة حلب، وهو ربما ما دفع جبهة النصرة لمغادرتها، فأعلنت انسحابها من الهيئة الشرعية في حلب التي كانت أحد التشكيلات المؤسسة لها، وأفرغت معظم مقراتها في المدينة مبقية على مجموعات قليلة حمل معظمها طابعاً أمنياً، إضافة إلى قاطع خدمي عرف باسم “الإدارة الإسلامية للخدمات”، وخرجت أرتالها العسكرية باتجاه محافظة إدلب التي تحولت إلى معقلها الرئيسي، حيث عملت فيها على إعادة هيكلة نفسها واستعادة قوتها ونفوذها اللذين تضررا كثيراً منذ الإعلان عن تشكيل تنظيم داعش في أبريل \ نيسان عام 2014، وتمكن الأخير من الاستئثار بجل موارد النصرة وكتلتها العددية شمال سوريا.

بينما اندمجت معظم مجموعات حركة أحرار الشام في حلب وريفها مع لواء التوحيد ضمن تشكيل واحد باسم (الجبهة الإسلامية في حلب وريفها) منهية بذلك مسيرة “التوحيد” كتشكيل مستقل، أما جيش المجاهدين فقد كانت كتائب نور الدين الزنكي قد انفصلت عنه معلنة نفسها كحركة مستقلة مطلع مايو \ أيار عام 2014 بعد تلقيها تمويلاً كبيراً من غرفة العمليات الدولية “موم”، ومتبادلة الاتهامات مع باقي تشكيلات غرفة أهل الشام حول التقاعس في مواجهة تقدم قوات النظام شرقي حلب.

أما تنظيم داعش فقد تمكن من إحكام سيطرته على المنطقة المحررة من محافظة دير الزور في يوليو \ تموز عام 2014، بعد معارك ضارية امتدت نصف عام تقريباً، وانتهت بانسحاب فصائل المحافظة الفراتية باتجاه الجنوب السوري عبر البادية، لتصبح المنطقة من محافظتي نينوى والأنبار العراقيتين شرقاً مروراً بمحافظتي دير الزور والرقة السوريتين وحتى ريف حلب الشمالي غرباً تحت سيطرة التنظيم، فضلاً عن سيطرته على أجزاء من محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا التي بقي معظمها تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي “الكردي” PYD.

اجتياح الشمال السوري

كانت فصائل الشمال السوري قد أضاعت فرصة ذهبية لاستعادة ريف حلب الشرقي من تنظيم داعش أثناء خوض الأخير معركة احتلال دير الزور في النصف الأول من العام 2014، حيث كان التنظيم قد أفرغ المنطقة من معظم مجموعاته التي زج بها في معركة دير الزور، معوضاً عن ذلك بإفساح المجال أمام قوات النظام للتقدم في محيط مدينة حلب، التي شكلت ضغطاً كافياً على فصائل حلب، جعلها تكتفي بالمناوشات مع مجموعات التنظيم في الخط الفاصل بينهما شمالي حلب.

وما إن تمكن التنظيم من احتلال دير الزور حتى بدأ اجتياح ريف حلب الشمالي أواسط أغسطس \ آب عام 2014، ضمن ما سماها “غزوة الثأر للعفيفات” بعد ادعائه تعرض عدد من نساء المهاجرين المبايعين له للاعتداء من قبل فصائل الثوار في ريف حلب الشمالي مطلع العام عندما انطلقت معركة تحرير الشمال السوري منه.

وتمكن التنظيم خلال الأيام الأولى للمعركة من السيطرة على عدد من القرى والبلدات الاستراتيجية كان أبرزها (تركمان بارح – أخترين)، ليصبح الطريق أمامه مفتوحاً إلى بلدة مارع ومدينة اعزاز، وذلك بالتزامن مع حشود عسكرية للنظام تنوي إطباق الحصار على مدينة حلب، والتقدم ضمن ريف حلب الشمالي للوصول إلى بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين شمالي مدينة حلب، واللتين تحولتا إلى قاعدة عسكرية كبرى لقوات النظام منذ تمكن فصائل الريف الحلبي من حصارهما مطلع العام 2013.

ولتصبح محافظة حلب كلها مهددة بالخروج من أيدي الفصائل الثورية التي أعلنت عن تشكيل “غرفة عمليات نهروان الشام” لصد اجتياح داعش، فيما أعيد بناء خط رباط جديد شرق وشمال شرقي حلب لإيقاف تقدم قوات النظام..

المصـــدر

المزيد
من المقالات