شّكلت الأيام الأخيرة من شهر آذار عام 2017، كابوسًا لأهالي مدينة اللطامنة الذين يحفظون جدًا ثلاثة أيام على الأقل من الشهر، مرّت حاملة معها عشرات القتلى والإصابات باستهدافات كيماوية شنتها قوات النظام السوري على المدينة الثائرة ضد النظام حينها، ففي مثل هذا اليوم، قبل خمس سنوات، كانت اللطامنة تلملم جراحها، وتدفن قتلاها الذين ذهبوا دون دم.
وقع الهجوم الكيماوي الأول في 24 من آذار 2017، بقصف جوي من طائرة حربية خرجت من قاعدة الشعيرات الجوية جنوبي حمص، جنوبي اللطامنة.
واستخدم لتنفيذ المجرزة التي أسفرت عن إصابة ما لا يقل عن 16 شخصًا، قنبلة “M-4000” تحتوي على غاز السارين.
وفي اليوم نفسه، تعرضت اللطامنة لأكثر من 100 غارة جوية خلال 24 ساعة، إضافة إلى براميل تحوي غاز الكلور السام، في وقت كانت مناطق ريف حماة تشهد به معارك بين قوات المعارضة والنظام.
وقُتل نتيجة القصف بالكلور وقنابل “النابالم” و”الفوسفور” والطيران في ذلك اليوم نحو عشرة أشخاص معظمهم مدنيون، وفق ما نقلته حينها عنب بلدي عن الناشط، فياض الصطوف.
وقبل أن يستفيق أهالي المنطقة المدنيون من هول المجزرة، قصفت طائرة مروحية مشفى اللطامنة بأسطوانة تحتوي كلور، ما أسفر عن إصابة ما لا يقل عن 30 شخصًا، وخرجت حينها الطائرة من قاعدة حماة الجوية في الساعة الثالثة ظهرًا.
وبعد أقل من أسبوع، أقلعت طائرة من طراز “SU-22″ تابعة لـ”اللواء 50” للفرقة الجوية “22” التابعة لقوات النظام، من مطار الشعيرات، وقصفت جنوبي اللطامنة بقنبلة “M-4000” مزودة بغاز السارين، ما أسفر عن 60 قتيلًا وجريحًا على الأقل، في 30 من آذار 2017.
بعد الحادثة بثلاثة أعوام، أصدرت منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” تقريرًا لها، في 8 من نيسان 2020، حمّلت فيه النظام السوري المسؤولية عن ثلاث هجمات كيماوية، استهدفت مدينة اللطامنة في 24 و25 و30 من آذار 2017.
وجاء في التقرير أن طائرة عسكرية من طراز “SU-22″ تابعة لـ”اللواء 50” من الفرقة الجوية “22” في قوات النظام، أقلعت الساعة السادسة من صباح 24 من آذار 2017، من قاعدة “الشعيرات” الجوية جنوبي حمص.
وأوضحت المنظمة أن الطائرة قصفت جنوبي اللطامنة بقنبلة “M-4000” تحتوي على غاز السارين، ما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 16 شخصًا.
وفي 8 من نيسان 2020، أصدرت منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” تقريرًا حمّلت فيه النظام السوري المسؤولية عن تلك الهجمات.
وخلص التقرير إلى أن هذه الهجمات لم تكن لتنفذ لولا معرفة الجهات العليا للسلطات العسكرية السورية بالأمر، لكنه أكد أنه ليس سلطة قضائية، وأن الأمر يجب أن يناقَش في “مجلس الأمن”، وبين الدول الموقعة على اتفاقية “حظر الأسلحة الكيماوية”.
من جهته، اعتبر النظام السوري تقرير المنظمة “مضللًا ومزيفًا ومفبركًا”، إذ أكد مصدر مسؤول في الخارجية السورية، أن “تقرير المنظمة حول استخدام مواد سامة في بلدة اللطامنة عام 2017، اعتمد على مصادر أعدها وفبركها إرهابيون”، وفق ما نقلته الوكالة السورية للأنباء (سانا)، في 9 من نيسان 2020.
ويهدف التقرير، بحسب النظام، إلى تزوير الحقائق واتهام “الحكومة السورية”، مؤكدًا على إدانة ما جاء فيه، ونافيًا في الوقت نفسه استخدام الغازات السامة في بلدة اللطامنة أو أي قرية أخرى.
وأثار تقرير المنظمة ردود فعل دولية، إذ أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ضرورة أن يخضع الضالعون في الهجمات الكيماوية ضد المدنيين في سوريا للمحاسبة.
أما الخارجية الأمريكية فقالت في بيان لها بعد ساعات من صدور التقرير، إن تقرير منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” الأخير يُعتبر “دليلًا جديدًا ضمن مجموعة كبيرة ومتزايدة من الأدلة على أن نظام الأسد يشن هجمات بالسلاح الكيماوي ضد شعبه”.
في المقابل، رفضت موسكو نتائج التقرير، واعتبرته “غير جدير بالثقة”، وفق المكتب الصحفي لممثلية روسيا لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، التي اعتبرت “التقرير يستند إلى تحقيقات جرت عن بعد، دون زيارة أماكن الأحداث المفترضة، ويستند إلى إفادات ممثلي تنظيمات إرهابية في سوريا، وما تسمى منظمة الخوذ البيضاء الإرهابية”.
واستخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية ما لا يقل عن 222 مرة، منذ كانون الأول 2012 حتى 7 من نيسان 2020، بحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“.
وتسببت تلك الهجمات بمقتل ما لا يقل عن ألف و510 أشخاص، بينهم 205 أطفال، و260 امرأة.