تختزل المرأة الحورانية الصورة المشرقة للمرأة في ظل الثورة السورية، فشاركت إلى جانب الرجل في الأعمال التطوعية والخدمية، وقد ساهمت فعليًا في المشافي ومراكز الدفاع المدني والجمعيات المدنية المتنوعة، وفي المحاور المتقدمة من المعارك ضد قوات الأسد.
وحول هذا الموضوع، حاورت عنب بلدي عددًا من النساء الفاعلات في درعا المحررة، إلى جانب مسؤولين في بعض القطاعات الخدمية في المحافظة.
الدفاع المدني في درعا
تعتبر مؤسسة الدفاع المدني في محافظة درعا رائدة في مجال العمل التطوعي، ورفدت مراكزها بمتطوعات من النساء، وهو ما يحدثنا عنه عبد الله السرحان، مدير الدفاع المدني في المحافظة، موضحًا وجود 24 متطوعة على مستوى المحافظة.
ويلفت السرحان إلى أن عمل النساء يختلف عن الرجال في المؤسسة، فهناك مهام خاصة لهن وفق اعتبارات “المجتمع المحافظ”، وهناك حالات تتطلب وجود النساء فقط في حالات إسعافية معينة، بينما عمل الرجال يتلخص بالتوجه إلى مناطق القصف وحالات التدخل السريع وإنقاذ العالقين.
وعن فرص تطوع النساء في الدفاع المدني، يقول السرحان “حاليًا لا يوجد شواغر لعمل المرأة في الدفاع المدني في درعا، لكن مستقبلًا سيكون هناك إعلان عن قبول متطوعات جدد، ضمن شروط ومعايير معينة للانضمام إلى كوادرنا”.
تطوعت الشابة عبير موسى في الدفاع المدني عقب إصابة زوجها، ووقوفها عاجزة عن إسعافه، فكان ذاك هو المحفز لدخولها هذا المضمار، وتقول “تشجعت بالانضمام إلى فريق الإسعاف في الدفاع المدني، وخضعت لدورات طبية وإسعافية وتعلمت كيفية التعامل مع المصابين والجرحى”.
لا تنكر عبير بعض المشاكل التي مرت بها عقب إعلان تطوعها، والصعوبات العائلية بالتوفيق بين العائلة والعمل، لكن تشجيع والدها وتحفيزه كان له الدور الكبير في استمرارها بعملها، موضحة عن عمل النساء في الفريق “المرأة يتركز نشاطها في الإسعاف والأمور الطبية، لكن للرجل أدوارًا مختلفة في الإنقاذ وانتشال المصابين والضحايا من تحت الأنقاض وإطفاء الحرائق”، وختمت قائلة “يجب أن تكون المرأة يدًا بيد مع الرجل في جميع مضامير العمل”.
المرأة ركزٌ أساسي في القطاع الطبي
وهنا تشابه درعا مثيلاتها من المحافظات السورية والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، والتي شهدت استنزافًا واضحًا للطاقات الطبية والصحية جراء عوامل الحرب والهجرة المرافقة، فدعمت المرأة استمرار القطاع الطبي في عمله رغم الظروف المحيطة.
وأوضح الدكتور عبد الرحمن المسالمة، مدير مشفى درعا البلد الميداني، أن وجود النساء في المشافي المدنية والميدانية ضروري جدًا، لأن قسم النسائية والأطفال والصيدليات والتمريض وغرف العمليات تحتاج إلى كادر نسائي من الخبرات، مضيفًا “لدينا في مشفى درعا البلد كادر نسائي مدرب بشكل جيد”.
وأشار المسالمة إلى أن الوضع الطبي في سوريا جديد على كل الكوادر الصحية، من ناحية العمليات والإصابات اليومية، كما أن غالبية الكوادر الصحية في بداية الثورة لم يكن لها خبرة في التعامل مع هذه الحالات، وتابع “استطاعت كوادر النساء أن تتدرب بشكل جيد على جميع الحالات، بما فيها الإسعاف الداخلي والخارجي والعلاج الفيزيائي والمخابر”.
وقدّم الطبيب المسالمة شرحًا بسيطًا عن دور المرأة في المشفى الذي يديره “لدينا سيدة تشرف على قسم المخبر الذي يعد الأول على مستوى المحافظة، ولدينا أربع ممرضات في قسم الإسعاف، إلى جانب وجود ممرضات في قسم العمليات، كما تشرف النساء بشكل كامل على قسم النسائية”.
وعن تأهيل الكوادر الطبية النسائية، أكد المسالمة أن المعاهد والكليات والمدارس الطبية هي الأفضل، لكن لضرورة غيابها خلال الحرب “قمنا بتأهيل الكوادر النسائية في المحافظة بأكثر من طريقة، فأرسلنا كوادر للتدريب في دول الجوار ليستفيدوا من الخبرات هناك ونقلها للفتيات هنا، ولدينا أيضًا نظام تعليم داخلي في المشفى يقيم دورات تأهيلية بشكل مستمر، ونقيم محاضرات أسبوعية للذكور والإناث في المشفى بشكل عام، وللأهالي أيضًا”.
فرح أبازيد، شابة ممرضة في مشفى درعا البلد الميداني، شددت بدورها على أهمية العنصر النسائي في الثورة السورية، ولا سيما في المجالات الطبية، موضحة صعوبة تحصيل الخبرات الكافية في التعامل مع إصابات الحرب غير المسبوقة، وقالت “الدورات التمريضية ليست كافية بسبب الافتقار للمادة النظرية، والمعلومات التي تعطيها المدارس وكليات التمريض العلمية”.
وبينما أبدت فرح أسفها على نقص الكوادر الطبية، حضت الأهالي على إفساح المجال أمام بناتهن لتعويض الاستنزاف الحاصل في شتى المجالات “وجب على المرأة أن تساعد الرجل وتقف إلى جانبه يدًا بيد في ظل الثورة السورية”.
منظمة “رؤى” لتمكين المرأة
وهي منظمة مدنية إنسانية غير ربحية، تعمل في الجنوب السوري وتهتم بشؤون المرأة السورية في كافة المجالات، وتعمل على تمكينها وتمكين مشاركتها لبناء الأسرة والمجتمع، بحسب ما أوضحت السيدة ملاك الرفاعي، مديرة العلاقات العامة في المنظمة.
تتمیز المنظمة بالعمل المؤسساتي، وتتألف من 13 مكتبًا يعنى بالخدمات والدعم النفسي والتعليم والصحة وشؤون الأسرة والخدمات والإعلام، وتهدف إلى الوصول لأكبر عدد ممكن من النساء ومساعدتهن في تخطي هذه المرحلة من الأحداث الجارية في المنطقة، والارتقاء بها إلى مستوى المشاركة والمبادرة في بناء المجتمع، والانتشار على قدر واسع في الجنوب السوري، بحسب الرفاعي.
بدأت المنظمة عملها بكيانها المؤسساتي نهاية العام 2015، ومقرها الرئيسي مدينة طفس، وتنشط في مناطق عديدة من محافظتي درعا والقنيطرة، ونفذت العديد من المشاريع التي تنوعت بين الصحية والاجتماعية والنفسية والتعليمية والإغاثية، وتفعيل الزيارات واللقاءات للنساء في المنطقة، بتوضيح فكرة الاندماج ومشاركتها في المجتمع.
اعتبرت السيدة الرفاعي أن منظمة “رؤى” مثّلت فرصة لإبراز مهارات المرأة ونشاطها، في ظل هيمنة الطابع الذكوري على معظم منظمات وجمعيات المحافظة، فلم تواجه “رؤى” أي إشكالية حقيقية منذ تأسيسها، باستثناء بعض العوائق المادية، فكانت هناك سهولة في الزيارات والمقابلات وتقديم المشاريع، وتابعت “تم استقبالنا في المجتمع بالتحفيز والثناء على هذه الخطوة، والترحيب من المجلس المحلي ومجلس المحافظة والمنظمات الشقيقة”.