لم ينقص الإبداع عند الفنان السوري في ظل الحرب والمآسي، بل على العكس شكل الألم والمعاناة “مادة حية” ودافعًا لتولد الإبداع، الألم السوري الذي توزع على العالم ولّد فنونًا سادت العالم، وتجلت هذه الصورة بشكل واضح في بلدان اللجوء وفي الداخل حيث الموت الذي يخيم طوال الليل والنهار.
يقول أسامة المحمد الملقب (رسام حوران) “الألم السوري يتوزع على العالم بأسره، وهو ما ولد الإبداع”، ويستدرك “لكن ما ينقصنا لحظات أمان”.
يروي المحمد أنّ كل ما عاشه في الحرب وكل ما رآه من مآس كانت تولد الأفكار لديه، تمامًا كما كان يستوحي أفكار رسوماته قبل الثورة من الفقر والبؤس الذي شاع في بلده، فالإبداع والموهبة برأيه ليس إلا “امتلاك القدرة على رؤية البعد الثالث”.
يضيف “دائمًا لدي الكثير من الأفكار، لكن الظروف لا تسمح لي، حارتي التي أسكنها الآن قُصفت بـ 25 برميلًا، ومنزلي الذي أسكنه هو الخامس، بعد أربع عمليات نزوح سابقًا”.
ويساهم غياب أبرز مقومات الحياة في منطقة المحمد في عدم استقرار حالته وتتالي رسوماته بشكل دوري، ومن الممكن أن يمر عليه شهر أو شهرين حتى يتمكن من رسم فكرة تولدت في رأسه، فلا مقومات الحياة اليومية متواجدة، ولا أقل شعور بالراحة والسكينة متوفرتين ليتمكن من إمساك ريشته والرسم، “يتضح لمن يرى رسوماتي أن هناك خطوطًا لست متمكنًا منها … هناك رجفة في يدي، والخوف واضح على خطوطي”.
زخم فني في أول الثورة تراجع مع اشتداد الحرب
منذ بداية الثورة اتجه الرسامون للتخطيط والرسم على اللافتات، وبالرغم من الحذر الشديد بسبب الملاحقات الأمنية إلا أن إقبال الرسامين في درعا على الرسم كان زخمًا.
روى الرسام المحمد والملقب بـ “رسام حوران” تجربته في بداية الثورة، عندما كان يعمد إلى تغيير أسلوب الرسم كي لا يتم التعرف عليه، لأنه كان معروفًا في المركز الثقافي من كثرة مشاركاته الفنية”.
وكان الرسامون في درعا يسعون للتواصل مع بعضهم ليشكلوا “مجموعة شباب درعا”، سعيًا منهم لتنسيق العمل على المستوى الجماعي، ولكن الظروف فيما بعد أعاقتهم كثيرًا، حيث كان القصف والتهجير والقتل، حتى شبكة الإنترنت التي كانت من الممكن أن تجمعهم، ولو افتراضيًا، لم تكن متوفرة في الكثير من الأحيان.
عتب على وسائل الإعلام
يعتب المحمد على وسائل الإعلام المحلية، ويعتبرها غير مهتمة بالفن، فمنذ بداية الثورة وحتى الآن لا يوجد وسائل إعلام ولا جهات داعمة للفن الثوري، توفر له المنصة التي تعرض الأعمال الفنية في المناطق المحررة، فعلى سبيل المثال “رسام حوران” أنتج أفلامًا كاريكاتيرية قصيرة جدًا، لكنها لم تر النور حتى اللحظة، لأنه بحاجة للدبلجة والمونتاج، على حد قوله.
وحاول رسامو درعا منذ بداية الثورة إنشاء مجلة محلية، لكن حالت الظروف دون ذلك، ولم يكن لديهم خيار عرض أعمالهم إلا على صفحات الإنترنت، وكانت ضعيفة بسبب ندرة توفر الإنترنت لديهم.
الرسم “ما بطعمي خبز”
كحال غيرهم من أصحاب الكفاءات والحرف الفنية والمهنية، ضاق الفنانون ذرعًا بالعوامل المادية، فالمردود المادي الذي يأتي من العمل الفني لا يكفي نفقات المعيشة للفنانين وغيرهم، ممن لا زالوا يعيشون داخل سوريا المحررة، إذ يضطر الرسامون حاليًا للعمل في مجالات عدة لكسب الرزق، فمثلًا “رسام حوران” يعمل مدرسًا للغة العربية في إحدى المدارس، لأنه يحمل شهادة أدب عربي، أما الرسم فكان هواية يمارسها.
وبالرغم من عدم تفرغه لممارسة فنه، إلا أنه لا يستطيع الإبتعاد عنه، يستدرك “قبل الثورة، لم يكن يمر علي يوم إلا وأرسم، ولم أنقطع بحياتي عن الرسم، حتى اللحظة لا يمكنني التوقف عن الرسم، فحصتي لمادة اللغة العربية في المدرسة، أخصص خمس دقائق منها للرسم دائمًا، كما أنني أقوم بتدريب الأطفال على الرسم بدروس خاصة بعد انتهاء الدوام المدرسي، وأدرك ما للرسم من تأثير نفسي رائع على هؤلاء الأطفال”.