لم يُكتب للنص الذي كتبه المؤلف والمخرج السوري عمر بقبوق، أن يُعرض في بلده سوريا، إلا أن الظروف شاءت أن يكون عملًا مسرحيًا في لبنان، أبطاله ثلاثة أطفال لاجئين، عرضوا نموذجًا عن نظام حاكم مصغّر، يثور أحدهم عليه ويكمل البقية حياتهم بدون أي خلل، كإسقاط على واقع الثورة السورية.
اختار بقبوق أن يكون الفضاء المسرحي تحت عنوان “سرير طابقي”، باعتبار أن فكرة المسرحية العامة توجه الأنظار إلى من لا مكان لهم في العالم، وفق بقبوق. ويقول لعنب بلدي إنه كتب النص مطلع عام 2012، عندما كان طالبًا في المعهد المسرحي، محاولا الحديث عن أشياء دارت في داخله بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، وقبل بدء الثورة في سوريا.
تتحدث المسرحية التي عُرضت أربع مرات داخل مركز جمعية “بسمة وزيتونة” في شاتيلا، آخرها الخميس 10 تشرين الثاني الجاري، عن ثلاثة أطفال بأعمار مختلفة، يعيشون في مساحة ضيقة لا تتسع لهم، في ظل نظام صارم من الأهل الذين لا يظهرون في مشاهد العمل المسرحي، إلا أن تأثيره على الأطفال يبدو جليًا من خلال حوارهم، وخاصة بعد هروب أخيهم الأوسط، ما دعاهم إلى إخفاء الأمر عن أهلهم تخوفًا من رد فعلهم، وإتمام حياتهم بدون أي تغيير.
قدّمت فرقة ميّاس عروضًا مسرحية في دمشق، ولكنها هُمشت بسبب توجهها السياسي، وفق بقبوق، الذي يصفها بالفرقة الصغيرة، وإحدى أعمالها “فيس بوك سيرياليزم”، وهو توثيق لتاريخ الثورة السورية من خلال منشورات “فيس بوك”، عرضتها الفرقة في مقر تيار “بناء الدولة” في دمشق.العرض الرابع للفرقة كان بعنوان “ريتشارد الثالث- النسخة الثانية”، وعُرض عام 2014 بعد الانتخابات الرئاسية، وكان بمثابة نهاية عروض دمشق، بعد أن انتقد تصرفات معارضة الداخل، وفق بقبوق. |
بعد أن وصل بقبوق، إلى شاتيلا، وعايش أوضاع السوريين في مخيماتها، وكيف يعيشون داخل غرفٍ ضيقة هناك، حاول تطوير نص العمل وعدّله ليناسب البيئة في المخيم، ثم بدأ بتدريب الأطفال على تمثيله لمدة شهرين، والذين أضافوا تفاصيلهم ولمساتهم على النص، وفق تعبيره، لافتًا إلى أن الأطفال سيعرضون العمل المسرحي في بيروت نهاية تشرين الثاني الجاري.
الأخ الأوسط جسّد دوره الطفل مؤيد صالح محمد (11 عامًا)، وكان الطفلان حسين الحسن (13 عامًا)، وحسن الحاجي (10 أعوام) إخوته في العمل المسرحي، ويعبّر الحسن عن شعوره بالرضا في حديثه إلى عنب بلدي، ويقول “أحسست أني أصبحت ممثلًا كما أحلم”.
رغم أن حياة الأطفال تستمر، إلا أن المشهد يختل في الدقيقة السابعة، حين يهرب الأخ الأوسط، ويتسبب غيابه بفراغ في الفضاء المسرح، وفق وصف بقبوق، الذي شبّه غيابه بـ”التشوه الذي نراه عادة في المهاجع العسكرية والسجون”، ليتحول سير المسرحية إلى الحديث عما فعله والتفكير بالتمرد معه.
يعتمد العمل المسرحي الذي يستمر على مدار 22 دقيقة، على ثلاثة أنماط من حيث الأداء أو الشكل المسرحي، يشرحها المخرج، وأولها النمط الواقعي الذي يُجسّد الأطفال الثلاث يعيشون روتين الحياة اليومي، بينما يتحدث الأخوان الكبير والصغير عن تفاصيل هرب أخيهم بطريق “الشهادات”، والتي انتشرت في الآونة الأخيرة، كأن يجلس الشخص أمام الجمهور ويروي القصة مباشرة له.
النمط الثالث يتمثّل بـ”المونولوج” (الحوار الروائي) الأخير، الذي يرويه الطفل الهارب في نهاية المسرحية، ويتحدث بطريقة شعرية بعيدة عن الواقعية، على مدار ثلاث دقائق، ويقول جملًا غير مترابطة: “المكان.. كان إلي مكان وهلأ مالي مكان.. ما بدي إرجع وكون أضعف.. ما بدي أتحدد بمكان.. رح ضل أمشي وأمسح الأرض بخطواتي.. رح أرجع رح كمّل… لوين المكان؟.. بتمنى لو خلقت بغير مكان”.
يقول مخرج العمل، الذي يعمل كمساعد لمديرة المركز الثقافي التابع لـ “بسمة وزيتونة”، وهي جمعية تهتم باللاجئين في لبنان وتركيا مؤخرًا، إن “المونولوج” كُتب بشكل مستقل عن نص المسرحية، وحاول فيه أن يستعيد صور الأطفال السوريين الذين مثلوا الموت، كإيلان وعمران، لافتًا إلى أن حديث الطفل الأوسط “يحكي مونولوجًا عن الموت وعدمية الحياة”.
عمر بقبوق، من مواليد دمشق 1987، وأحد أعضاء فرقة “ميّاس” المسرحية، التي تأسست عام 2013 في سوريا، ويحمل المسرحي السوري شهادتي فلسفة ودراسات مسرحية، ويقول إنه خرج من سوريا عام 2015، بعد تردي وضعه الأمني ليعمل كممثل في لبنان، ويكون “سرير طابقي” العرض الأول الذي ترعاه الفرقة هناك.
في نهاية العمل المسرحي يبقى مصير الأخ الأوسط مجهولًا، رغم ظهوره مرددًا لـ”المونولوج” الأخير، بينما يترك مؤلف المسرحية النهاية مفتوحة أمام الجمهور، في مشهدٍ يُظهر قرب ولادة أخ جديد للأطفال.