اسم المقالة (بالفرنسية) | Syrie : les enjeux de la chute d’Alep |
الكاتب | كاترين غوسيه Catherine Gouëset |
مكان وتاريخ النشر | مجلّة L’Express الفرنسيّة الأسبوعيّة
28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 |
رابط المقالة | http://www.lexpress.fr/actualite/monde/proche-moyen-orient/syrie-les-enjeux-de-la-chute-d-alep_1854877.html |
المترجم | أنس عيسى |
الصورة: سوريون يهربون من حيّهم في مدينة حلب، بتاريخ 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2016. عبد الرحمن اسماعيل/رويترز.
خسر الثوار السوريّون ثلث الأحياء التي كانوا يسيطرون عليها في حلب في غضون بضع ساعات، تلكم هي أسباب وتداعيات هذا التحوّل الحاسم في النزاع السوري.
من بعد حصارها وتجويعها، سقطت أحياء حلب الثائرة تحت ثقل سطوة الأعداء في ظلّ عدم مبالاة بقيّة العالم، فخلال يومين خسر الثوار أحياء عديدة كانت تحت سيطرتهم، وهرب منها 10000 ساكن سواء باتّجاه قطاعات أخرى جهة الجنوب ما تزال تحت سيطرة المعارضة، أو باتّجاه الأحياء التي تسيطر عليها الميليشيا الكرديّة التابعة لحزب الاتّحاد الديمقراطي، حليف النظام السوري والذي يقاتل بتعاون لصيق مع النظام.
الصورة مأخوذة من موقع تويترن حساب Conflict News – @conflicts بتاريخ 28 تشرين الثاني/نوفمبر. مناطق النظام وحلفاؤه باللون الأحمر، جماعات المعارضة وأحرار الشام وجبهة فتح الشام بالأخضر الساطع، والقوّات الكرديّة باللون الأخضر الباهت. يشير الخط البرتقالي إلى ما كانت عليه الحدود قبل بدء الهجوم.
للوضع الإنساني اعتبارات كثيرة في هذا الانهيار، فالمدينة تتعرض للقصف العنيف منذ أشهر، كما نفدت، في منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر، آخر دفعة أغذية تمّ تسليمها قبل أن يُطبق الحصار الشامل على المدينة في شهر تموز/يوليو الماضي. أما الماء والكهرباء فهما غير متوفّرين منذ وقت طويل. وبخصوص ذلك أدلت سيّدة بشهادتها إلى قناة الجزيرة قائلة: “لا يوجد طحين، ولا يوجد خبز. لقد دُمّرت معظم الأفران، وأغلقت تلك التي لم تُدمّر بعد.” كما تمّ تدمير آخر مشفى منذ عشرات الأيّام.
السيطرة على “سورية المفيدة”
لقد بدا سقوط حلب حتميًّا، وعن هذا يشرح أخصائي العلوم السياسيّة زياد ماجد لمجلّة L’Express قائلاً: “إنّ روسيا وإيران، اللتين قَدِمتا لمساعدة نظامٍ كان يتداعى قبل سنة من الآن، على وشك أن تحققا هدفهما الذي وُضع في بداية العام، أي فرض السيطرة على أكبر خمس مدن في البلاد: دمشق وحمص وحماه واللاذقيّة وحلب، الأمر الذي يطلق عليه بعض المحللين اسم (سورية المفيدة)”. ثمّ تابع الباحث والأستاذ في الجامعة الأميركيّة في باريس: “إذا سقطت حلب، ستبقى إدلب المدينة المهمّة الوحيدة بين أيدي الثوار، ومن بعدها لن يشعر النظام بالقلق سياسيًّا أو عسكريًّا، سيكون بإمكانه استكمال القصف المنتظم على تلك المناطق بهدف جعل الحياة فيها مستحيلة.”
الخريطة: المناطق التي يسيطر عليها النظام باللون الأخضر، والثوار باللون البنفسجي الفاتح، والأكراد باللون الأصفر، والدولة الإسلاميّة باللون الرمادي.
لقد مثّل انتقال السيطرة على الأحياء الشرقية لعاصمة سورية الاقتصاديّة القديمة إلى أيدي المعارضة المسلّحة، في صيف عام 2012، نكسة كبيرة لنظام بشار الأسد. كما كان المركز الاقتصادي لسورية يمثّل واجهة ذات أهميّة للمعارضة، وذلك على الرغم من أنّ السكّان الذين ما زالوا يقطنون ذلك الجزء من المدينة والبالغ عددهم من 200.000 إلى 250.000 ساكن لا يمثّلون إلّا عُشر تعداد سكانها قبل الحرب. يفسّر ما سبق أسباب توظيف كلّ تلك الامكانيّات لاستردادها.
التفاوت في الامكانيات
يُظهر حجم الضغط على مدينة حلب التفاوت في الإمكانيّات المستخدمة من قِبل حامييّ الأسد من جهة، والمعارضة من جهة أخرى؛ فإلى جانب التدخّل العسكري الروسي المباشر، والذي بدأ في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر 2015، تدعو إيران عددًا، متزايدًا باستمرار، من جنود الميليشيّات الشيعيّة الأجنبيّة القادمة من لبنان والعراق وأفغانستان والمحاطة بالباسداران (جنود الحرس الثوري) الإيراني، كما لا يبخل هذان البلدان بتسليم الأسلحة. أمّا في المعسكر المقابل، فقد قاد إغلاق الحدود التركيّة والأردنيّة منذ أشهر عديدة إلى عدم استلام الثوار للأسلحة إلّا بكميّات قليلة جدًّا، في الوقت الذي اختارت فيه الدول الغربيّة أن تتغاضى عن سلوكيّات النظام وعرّابيه المشينة بغرض اهتمامها بمكافحة الدولة الإسلاميّة ليس إلّا.
تغيّر مسار تركيّا
لقد كان التدخّل المسلّح التركي في شمال سورية ـ والذي هدف إلى إيقاف تقدّم أكراد حزب الاتّحاد الديمقراطي ـ عاملًا مسرّعًا، أيضًا، لإضعاف الثوار، وفي هذا الصدد أضاف الصحفي المتخصّص وسيم نصر على قناة فرنسا 24: طلبت أنقرة من مقاتلي الجيش السوري الحر، والذين قامت بتسليحهم، القيام بذلك، ومنذ ذلك الوقت خفتت حماية أولئك المقاتلين لحلب، ومن ثم أضاف مستنتجًا: بالإضافة إلى ذلك فقد تغاضت موسكو والنظام عن ذلك الاقتحام التركي.
أمّا بالنسبة إلى المملكة العربيّة السعوديّة، فقد وقعت في شرك الحرب باهظة التكلفة والمدمّرة التي تخوضها في اليمن، وأخيرًا، لم تُبْدِ الأمم المتحدة والقوى الغربية إلّا احتجاجًا رخوًا على منع وصول المساعدات الإنسانيّة إلى وجهتها في المناطق المحاصرة، وعلى تدمير تلك المناطق، كما أنّ باراك أوباما كان قد أعطى الانطباع، منذ وقت طويل، بعدم اكتراثه بتلك الأزمة.
يشرح ذلك الإضعاف فشل هجوم الثوار المعاكس لكسر حصار مدينة حلب، في شهر آب/أغسطس وتشرين الثاني/نوفمبر، وهنا يضيف زياد ماجد: “إنّ نقص العتاد ومعرفة حقيقة أنه ليس بالإمكان معالجة جرحاهم قد ساهما، بالتأكيد، بتثبيط عزيمتهم.”
النتائج الإنسانيّة
قد تكون لسقوط حلب المحتمل نتائج إنسانيّة خطيرة، فما الذي سيحلّ بالسكان العالقين في ما تبقى من الأحياء الثائرة؟ وبهذا الخصوص يشرح زياد ماجد: “يُعتبر أولئك الذين رفضوا اتخاذ “الممرات الإنسانيّة”، والمعروضة من جانب النظام قبل عدّة أسابيع، الأشدّ حرمانًا. إضافة إلى أولئك الذين هُجّروا مرّات عديدة ولا يعرفون أين يذهبون.” ومن ثمّ يشير الباحث إلى: “ذهبت قلّة قليلة، من بين أولئك الذين هربوا منذ يومين، إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام.”
جرت العادة في المدن التي يستردّها النظام منذ عام 2015، على هرب السكان أو تعرّضهم للمطاردة، ذلك كان حال القصير في القلمون، على مقربة من الحدود اللبنانيّة، وفي داريا والمعضمية في ضواحي دمشق، أو في أحياء حمص التي استُردَّت من الثوار، حيث عمد النظام إلى نوعٍ من “التطهير الطائفي”.
الاستهزاء بالقانون الدولي
يعتقد جوليان تيرون، المدرس في قسم العلوم السياسية لجامعة سان ـ جيرمان، أنّ سقوط حلب يشكل أيضًا “كارثة من وجهة نظر القانون الدولي”. كما أنّه يشجب “الصمت المذهل للمجتمع الدولي في مواجهة العنف غير المسبوق الذي يمارسه النظام ضدّ مئات الآلاف من المدنيين، فبعد العجز أمام ما حصل في رواندا وسربرنيتسا، كان قد صدر الوعد بعدم السماح بتكرار فظائع كتلك. في النهاية، يحمل ترك روسيا تفعل ما يحلو لها دون قيد في حلب نذير شؤم للنزاعات القادمة.”
كما يلاحظ زياد ماجد أنّ سقوط حلب المستقبلي سيؤكّد على نقطة تحوّل أخرى، ويقول: “إنّ حقيقة كون سورية تحت احتلال أجنبي ـ بوجود مقاتلي الميليشيّات الأجنبيّة، إضافة إلى كون معظمها شيعيّة في ذلك البلد ذي الأغلبية السنيّة ـ تصبح واضحة بشكلٍ متزايد؛ فهم ليسوا هناك لقيادة عمليّات الهجوم العسكريّ فحسب، كما كان الحال قبل بضعة أشهر، وإنّما هم يتحكّمون بمواقع وبنقاط تفتيش. إنّهم يديرون كلّ شيء ويقرّرون كلّ شيء، حتّى أنّ الإعلام السوري نفسه يؤكّد على ذلك بحديثه عن “الجيش وحلفائه””.
وفي المقابل، يشكّل تخلّي المجتمع الدولي عن حلب منفعةً غير متوقّعة للقوى الأشد تطرّفًا، حيث يؤكّد جوليان تيرون ذلك بقوله: “تشكّل سلبيّة الغربيّين مصادر ادّخار للدولة الإسلاميّة وجبهة فتح الشام”، الأمر الذي سيزيد من عمق الهوّة الطائفية التي افتعلها النظام، وسيغذّي حوض الجماعات الجهاديّة.