الفهرس
أولًا- مقدمة
ثانيًا- مناطق سيطرة النظام
ثالثًا- مناطق سيطرة “الجيش الوطني”
رابعًا- مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”
خامسًا- مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”
سادسًا- الأسباب والحلول
سابعًا- خاتمة
أولًا- مقدمة:
تعيش سورية أسوأ حالاتها منذ عصور، إذ يعيش شعبها في كل المناطق بلا استثناء بمستوى غير مسبوق من انعدام الأمن، بمختلف مسمياته وأصنافه، وفي مقدمته الأمن الغذائي والأمن الاقتصادي الذي وصل إلى حافة الانهيار، فضلًا عن الأمن الفكري الذي يعانيه الشعب السوري، ويتعرض من خلاله للترهيب لمنع أي تحرك قد يساعد في تغيير الواقع المرير، ولتحقيق أكبر عملية تزوير في التاريخ، من حيث طمس الحقائق والقفز من فوقها لفرض أمر واقع قديم جديد بالقوة على الشعب السوري، في محاولة لإعادة إنتاج نظام الأسد الفاقد للشرعية الشعبية والأخلاقية، ضاربين عرض الحائط بكل هذه الجرائم التي ارتكبها هذا النظام العصابة بحق الشعب السوري، النظام الذي لم يترك نوعًا من أنواع الجرائم إلا ارتكبها بحق السوريين، من قتل واعتقال وتهجير وتنكيل وقصف بكل أنواع الأسلحة، وعلى رأسها سلاح الطيران والسلاح الكيمياوي الذي تم استخدامه عشرات المرات على الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، بالإضافة إلى انتهاك أعراض السوريين في الشوارع والساحات والسجون، وبنظرة سريعة على واقع الحال في كل المناطق السورية، يتبين للمتابع أن ثمة لغزًا يثير شغف كثير من السوريين وغيرهم لمعرفة سببه، ويتمثل في تشابه واقع حال الشعب السوري، في مناطق سيطرة الأسد وعصاباته مع باقي المناطق الخارجة عن سيطرته التي يسيطر عليها الأكراد الانفصاليون، والأخرى التي يسيطر عليها “الجيش الوطني”، والمناطق التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، ولعل المفارقة العجيبة أن من يحكم هذه المناطق هم نفسهم من ثار على الأسد وعصاباته، ومن المفترض أن لا يقوم هؤلاء بالممارسات التي يقوم بها من ثاروا عليه، ومن المفترض أنهم أبناء الثورة السورية وأبناء هذا الشعب الذي بات يرزح تحت حكم هؤلاء الذين قلّدوا الأسد في ممارساته الإجرامية، فقتلوا واعتقلوا ونكّلوا بأحرار الثورة، ونهبوا قوت حاضنة الثورة ومصادر رزقهم، بل كانوا الذراع الطولى في يد الأسد وأسياده وحلفائه في تهجير قسم كبير من السوريين من مدنهم ومناطقهم وقراهم ومنازلهم، وللإجابة على هذا التساؤل المشروع وحلّ هذا اللغز، لا بدّ من دراسة الظروف الموضوعية التي تحيط في كل منطقة من هذه المناطق، في ظل وجود شرعيات مطعون في شرعيتها، ومن ثم يمكن أن نحدد السبب الحقيقي وراء تردي أوضاع الشعب السوري في جميع تلك المناطق، وسأعمل على طرح حلول لهذه المعضلة التي يواجهها الشعب السوري على مختلف مشاربه.
ثانيًا- مناطق سيطرة الأسد:
منذ انطلاق الثورة السورية، كان جُلّ اهتمام الأسد ومؤسسات الدولة الرسمية، وبخاصة العسكرية والأمنية، هو مواجهة المنتفضين من الشعب السوري بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، وكان الهاجس الأكبر لهذه المؤسسات حماية العاصمة ومراكز المدن في باقي المحافظات ومؤسسات الدولة فيها، وهذا احتاج إلى جهد كبير وإمكانات لوجستية ضخمة، كي تساعد هذه القوات في استمرارية تنفيذ مهماتها، ومن هنا، لم يكترث الأسد لحاضنته الشعبية ومن هم في مناطق سيطرته، فعمّ الفساد وازداد الفقر وكثرت الجرائم وانعدم الأمن والأمان وقلّت المواد التموينية وشحّت مياه الشرب وبدأ انقطاع الكهرباء فترات طويلة، وفُقدت كثير من الخدمات التي تُشعر المواطن بالأمان، وكان هذا كله نتيجة إصابات معظم المؤسسات الخدمية بالشلل الجزئي، وتحولت هذه المناطق إلى كانتونات معزولة، وزاد من هذا الوضع المزري تسلّط أجهزة الأمن وعناصر الجيش داخل المدن وحولها على المواطنين، بذريعة حفظ الأمن، فازدادت الجرائم الجنائية التي كان يرتكب معظمها هؤلاء العناصر، وانتشرت السرقات، وأخذ هؤلاء في ابتزاز السكان المحليين في دخولهم وخروجهم من تلك المناطق أو فرض “أتاوات” على أصحاب منازل الأحياء التي تقع تحت سيطرتهم، بذريعة حفظ أمن هؤلاء المساكين ومنع جهات أخرى من الاعتداء عليهم، وكان هذا كله نتيجة استخدام القيادة اللامركزية في قيادة عناصر الجيش والأمن، وأصبح قائد الحاجز في أحد الأحياء هو الحاكم بأمر الأسد دون حسيب أو رقيب، يسرق ويقتل ويعذب ويغتصب ويعتقل أي مواطن، بسبب أو بدون سبب؛ فتحولت هذه المناطق إلى سجون كبيرة مباح فيها كلّ شيء للجلادين، وتطورت الأمور بُعيد دخول الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الطائفية للمدن، وتحولت معاناة أبناء هذه المناطق إلى معاناة مضاعفة قاهرة، خاصة أنها تمس المعتقدات الدينية لسكان تلك المناطق، فبدأت تلك الميليشيات في ممارسة طقوسها الدينية في الشوارع والأسواق وحول الحُسينيات التي انتشرت بشكل كبير دون رقيب أو حسيب، بتواطؤ واضح وضوء أخضر من الأسد وأجهزته الأمنية، ضاربة عرض الحائط بالمعتقدات الدينية والانتماءات الطائفية والعرقية والاثنية لسكان تلك المناطق، وازداد الأمر سوءًا بُعيد تطبيق قرارات الأمم المتحدة، ومنها قانون قيصر الذي فرض حصارًا اقتصاديًا على النظام السوري، فازدادت معاناة المواطنين أضعافًا مضاعفة، وظهرت أزمات المواد الغذائية الأساسية، كالخبز والطحين والمحروقات والسكر والأرز وغيرها من المواد الضرورية واللازمة لاستمرار حياة المواطن السوري، وبهذه المعاناة وبتخطيط محكم من المحتلّ الإيراني، انتشرت المخدرات، وبدأنا نشاهد مراكز لترويج هذه الآفة الفتاكة في أحياء دمشق وأزقتها في ظاهرة غير مسبوقة، فضلًا عن انتشار الانحلال الأخلاقي بكل أشكاله، بذريعة تأمين الحد الأدنى من القوت اليومي للمواطن، هذا كلّه أدى إلى الفوضى العارمة المدروسة في تلك المناطق، وفقد المواطن السوري في تلك المناطق الشعور بالأمان، وأصبح يكافح من أجل البقاء حيًا، وبدأ يلهث وراء تأمين متطلبات أسرته بشكل يومي متجاهلًا مستقبله ومستقبل أطفاله المجهول. ونستطيع أن نقول بأن من أتحدث عنهم يشكلون أكثر من تسعين في المئة من السوريين الرازحين تحت حكم الأسد والميليشيات الإيرانية، أما القلة القليلة الباقية من هؤلاء، فمعظمهم من الأسرة الحاكمة وما حولها من تجّار ورجال دين ومسؤولين في الدولة وضباط أمن وجيش وعائلاتهم، ويومًا بعد يوم، تزداد معاناة هؤلاء المساكين الذين قبلوا أن يبقوا تحت سلطةٍ اعتقدوا أنها ستحقق لهم الأمن والأمان، لكنّ رهانهم كان خاسرًا في الوقت الذي لم يعد بإمكانهم التحرك أو القيام بوجه هذه العصابة المجرمة، نتيجة القبضة الأمنية الفولاذية، فقبلوا مرغمين بالأمر الواقع بانتظار أن يحدث ما يغير الحال ويقلب الطاولة على من أوصلهم إلى هذه الحالة المزرية.
ثالثًا- مناطق سيطرة الجيش الوطني:
بُعيدَ استقرار الخارطة الجغرافية للمناطق المحررة في منطقتين: الأولى تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، وتشمل مدينة إدلب وما حولها؛ والمنطقة الثانية يسيطر عليها “الجيش الوطني” وتضم مناطق شرق الفرات، وبعد توقف الأعمال القتالية على جبهات جيش الأسد؛ حاول المسؤولون عن هذا الجيش ترتيب صفوفه وتنظيمه، إلا أنهم فشلوا في ذلك، على الأقلّ أمنيًا، بسبب الاختراقات التي حدثت من خلالها عدد من العمليات الإرهابية، كالمفخخات والاغتيالات والاقتتال البيني بين الفصائل المنتمية إلى هذا الجيش، ومع ذلك تبقى تلك المناطق أفضل بكثير من مناطق سيطرة الأسد والميليشيات التابعة له.
وعلى الرغم من وجود كثير من المؤسسات الخيرية وتوفر المواد التموينية الأساسية، فإن الأمن الغذائي لتلك المناطق ما زال في حده الأدنى، في ظلّ الفساد المستشري في مؤسسات المعارضة الرسمية والذي أدى إلى مساهمة التجار في زيادة معاناة السوريين القابعين في تلك المناطق تحت حكم المعارضة، التي لم تستطع أن تقدّم نموذجًا مطورًا يمكن أن يُطمئن حاضنة الثورة، نموذج يمكن من خلاله طرح حلول سريعة وخطط استراتيجية ترفع المستوى المعيشة للمواطن في تلك المناطق، والتغلب على حالة الفقر والعوز الذي يمكن أن يكون له آثار أمنية واجتماعية خطيرة على حاضنة الثورة واستقرار تلك المناطق، وقد خلق ذلك تذمرًا كبيرًا في صفوف الشعب الثائر النازح إلى تلك المناطق، وأعتقد أن هذا هو الهدف المنشود الذي سعى له من سمح لمن المفترض أن يكونوا سندًا لأهلهم وحاضنتهم الثورية بالقيام بتلك الممارسات، ويبدو أن الهدف من ذلك كلّه دفع أبناء الشعب السوري الثائر إلى الترحم على سنين ما قبل الثورة، من حيث يدري أو لا يدري، وأعتقد أن هذه الممارسات لم تأتِ من فراغ؛ فتوقّف جبهات القتال مع ميليشيات الأسد، وإفقار عناصر الجيش الوطني وعائلاتهم، يؤكد إصرار المعارضة السورية بمؤسساتها الرسمية على تفريغ الثورة من شبابها ومقاتليها، ومن ثمّ تفكيك قوتها الحقيقية تمهيدًا لفرض حلول سياسية تخدم مصالحهم الخاصة ومصالح مشغليهم.
رابعًا- مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام:
منذ بداية الثورة وبناءً على خطّة محكمة، هندسها قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، حرص الأسد على منع وصول المتظاهرين السلميين إلى مراكز المدن، خاصة العاصمة دمشق، ونجح في ذلك إلا أن محافظتي الرقة وإدلب كانتا استثناءً لتلك الاستراتيجية، والسبب -كما اتضح لاحقًا من خلال الأحداث- هو تمكين “داعش” من السيطرة على مدينة الرقة وما حولها، وتمكين جبهة النصرة “هيئة تحرير الشام” من السيطرة على إدلب وما حولها، وإقامة التنظيمين إماراتهم الإسلامية في مراكز تلك المدن، وهذا حقق للأسد خدمة جليلة، وأكد ما ذهب إليه الأسد وحلفائه في نظرية محاربة الإرهاب، وبعد طرد “داعش” من الرقة ومعظم المناطق التي سيطرت عليها، بقيت هيئة تحرير الشام تسيطر على مدينة إدلب وما حولها بقوة السلاح، واضعة أبناء تلك المنطقة والمهجرين إليها من باقي المناطق السورية بالقوة والحديد والنار تحت سيطرتها، وتمارس عليهم أبشع أنواع الاستبداد تحت غطاء الدين والشريعة الإسلامية، ولا شك أن الإسلام براء من هؤلاء ومشغليهم كبراءة الذئب من دم يوسف، فسجونهم مليئة بالأحرار وبكل من يتفّوه ولو بكلمة تتناول ممارسات التنظيم، فضلًا عن الفساد الإداري والاقتصادي وممارسات مقصودة لبقاء الأمن الغذائي في أدنى درجاته، لكن الحق يقال إن التنظيم فرض سيطرته الأمنية بشكل عام على مناطق نفوذه التي لم تشهد نسبيًا حوادث أمنية، كالتي حدثت في باقي المناطق السورية، إلا أن عملية تكميم الأفواه والترهيب الممنهج والتعاون الاقتصادي الصريح والواضح مع ميليشيات الأسد يؤكد المهمة الموكلة لهذا التنظيم من مصنعيه ومشغليه، وتتركز حول محاربة فصائل الجيش الحر والقضاء عليها، وحصر الشعب الثائر في منطقة إدلب وممارسة الاضطهاد عليه لإركاعه وزرع اليأس في نفوس أبنائه، تمهيدًا لإعادته إلى حظيرة الأسد، ويمكن أن نقول بأن السوريين الذين هم في مناطق سيطرة تنظيم هيئة تحرير الشام كانوا يوجدون مبررًا للممارسات القمعية للهيئة عليهم، أثناء قتال الأخيرة على الجبهات، إلا أن تراجع الهيئة وتسليمها كثيرًا من المناطق للنظام جعل هذه الحجة في مهب الريح، وساعد كثيرًا في ظهور احتجاجات، وتجلى ذلك في التظاهرات والاحتجاجات التي اندلعت ضد فتح المعابر بين المناطق المحررة ومناطق ميليشيات الأسد، وعلى الرغم من المحاولات الإعلامية الحثيثة لإظهار التنظيم بمظهر الحرص على المصالح، كظهور الجولاني في بعض المناطق وتحدثه للناس هناك، فإن هذه الحيلة سرعان ما تكشفها اتصالات التنظيم العلنية مع الأمريكان وغيرهم، في الوقت الذي يقام الحد على كل من يتهم باتصاله مع أي جهة غربية كافرة، بحسب مصطلحات أمراء التنظيم وشرعييهم.
خامسًا- مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية:
لا تختلف مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” كثيرًا عن مثيلاتها من المناطق المحكومة بقوة السلاح؛ فواقع الحال في تلك المناطق يمتاز بالكثير من السلبيات سواء كانت هذه السلبيات خدمة لمصلحة قوة الأمر الواقع أو نتيجة الممارسات العنصرية لهذه القوة، على سكان تلك المناطق الذين ينتمون إلى المكون العربي، أو نتيجة توغل “داعش” في هذه المناطق وقيامها بعمليات انتقامية من تلك السلطات، وما يميز تلك المناطق توفر المواد الغذائية الأساسية لأغلب سكانها، لكن أغلب السكان المحليين لا يستطيعون شراء تلك المواد بسبب انعدام الموارد المادية وانتشار البطالة بنسب عالية، وعلى الرغم من ذلك نجد أن الأمن الغذائي ليس بالمستوى المطلوب، بالإضافة إلى عدم استقرار الأمن الاقتصادي، على الرغم من توفر الموارد الطبيعية بكثرة كالبترول والقمح، حيث إن عائدات هذه الموارد يسيطر عليها قادة “قوات سوريا الديمقراطية” ومشغلوهم، هذا كلّه أدى إلى تذمر أبناء تلك المناطق ورفع صوتهم بوجه سلطات الأمر الواقع والتي قوبلت بالاعتقالات التعسفية والتغييب القسري للناشطين، ولكلّ من يخالف سياسية سلطة الأمر الواقع هناك، وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة لسلطات “قوات سوريا الديمقراطية” لاستقطاب العشائر العربية المكون الرئيس لشعب تلك المناطق، فإنهم فشلوا في ذلك، نتيجة وجود عدد كبير من زعماء العشائر الذين انحازوا إلى الثورة والذين يعتبروا بيضة القبان في تلك المنطقة، والقليل من العشائر التي ما زالت تؤيد الأسد وقوات (قسد)، وبهذا تكون تلك المناطق تعيش في ظل حلول مؤقتة لا استقرار فيها، ويبدو أن هذا أيضًا متفق عليه، بين الأطراف الموجودة في تلك المنطقة ونظام الأسد وحلفائه، بانتظار حلول معلبة تضمن مصالح سلطات الأمر الواقع في تلك المناطق قد يكون أحدها عودة تلك المناطق إلى حضن الأسد.
سادسًا- الأسباب والحلول:
1. الأسباب:
من المعروف أن الدولة الفاشلة أو التي في طريقها للفشل دائمًا تستدعي الأجنبي لإعادة الشرعية لتلك الدولة والاعتراف بها دوليًا، من خلال إظهار السيطرة على نصف أراضي الدولة، وكسب تأييد نصف سكان تلك الدولة، وهذا ما فعله الأسد منذ بداية ثورة الشعب السوري عليه وعلى نظامه، فاستدعى الإيراني وحزب الله اللبناني على عجل، وعندما فشل في إعادة السيطرة على المناطق التي فقدها، استدعى القوات الروسية واستطاع إعادة السيطرة على كثير من المناطق المحررة، وبقيت منطقتان خارج إطار سيطرته، تكفلت قوات التحالف وعلى رأسهم القوات الأميركية، بواحدة منها، بحجة مكافحة إرهاب تنظيم “داعش”، وتكفلت تركيا في الأخرى لحماية حدودها من خطر التنظيمات الراديكالية وقوات سورية الديمقراطية، وبهذا تكون تلك الدول قد ساهمت من بشكل غير مباشر في إعطاء الصبغة الشرعية لنظام الأسد، وفي الوقت نفسه، هُيّئت الظروف المناسبة لسلطات الأمر الواقع ممن يشغلونهم من السوريين، لتنفيذ مخطط الضغط على الشعب الموجود في تلك المناطق، من خلال إفقاره وربطه بالسلة الغذائية، وصولًا إلى افتقاده للأمن بمختلف مسمياته، بالتوازي مع تفكيك الفصائل التي كانت تحارب الأسد طوال ثماني سنوات، وأعتقد أن هذا هو السبب الحقيقي للممارسات التي يقوم بها الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية، كسلطات غير شرعية في مناطق سيطرتها، بهدف إيصال الشعب السوري إلى مرحلة اليأس والقبول بأي حلّ يُفرض عليه، حتى لو لم يتحقق جزء كبير من الأهداف التي خرج من أجلها مكرهًا ومتغافلًا عن التضحيات الجسام التي قدّمها في سبيل تحقيق هذه الأهداف.
2. الحلول:
عند كتابة الدستور لأي دولة من دول العالم، يُعتمد بشكلٍ واضحٍ وصريح على مبدأ رئيسي يقول: “شرعية الدستور والحاكم يجب أن تُستمدّ من الشعب”، وبما أن الأسد فقدَ شرعيته في الحكم، على الرغم من استخدامه مختلف الوسائل المشروعة وغير مشروعة للبقاء في السلطة، ومنها الاستعانة بالأجنبي، لفرض سلطة أمر واقع في المناطق الخارجة عن سيطرته، ونجح في ذلك إلى حد كبير، وإذا أردنا أن نُفقد الأسد هذه الخاصية فلا بدّ من العمل أولًا على الوقوف في وجه سلطات الأمر الواقع التي فرضتها الدول الأجنبية بقوة السلاح، وذلك بتنظيم الحراك السلمي من تظاهرات ونشاطات تعكس الواقع الحقيقي للشعب السوري الثائر، وإيصال هذا الواقع إلى أصحاب القرار في العالم ومواطنيهم بكل السبل، والضغط على هذه القيادات بكل الطرق للتنحي وتسليم السلطة في تلك المناطق للوطنيين من أبناء الشعب السوري الثائر، وبالتالي سحب تمثيل سلطات الأمر الواقع للشعب الثائر، وبهذا نكون قد أفقدنا الأسدَ وحلفاءه ورقة غاية في الأهمية، وهي ورقة ننزع من خلالها شرعية التفاوض مع ممثلي الثورة، كما ينبغي العمل بكل الوسائل لوقف التفاوض والمشاركة في المؤتمرات والنشاطات التي فيها ممثلون للأسد، وبهذا نُفقد الأسد شرعيته التي استمدها من الشخصيات والأحزاب التي تسلّقت على الثورة السورية، وقامت بتحقيق مصالحها الخاصة والحزبية ومصالح مشغليها على حساب دماء الشعب السوري ومعاناته والتي تصبّ في بقاء الأسد ونظامه، أما الخطوة الثانية، وهي الأهم، فتستدعي منا -كسوريين بمختلف توجهاتنا وانتماءاتنا أينما كنّا، في الداخل بمناطق سيطرة الأسد أو خارجها وأيضًا خارج سورية- التواصل فيما بيننا، وتغليب المصلحة الوطنية على كل المصالح الحزبية والمناطقية والطائفية، ورفع شعار “الوطن فوق الجميع”، بُعيد ذلك؛ يمكن إعلان العصيان المدني في المناطق السورية كافة حتى تحقيق مطالب الشعب وتنحي بشار الأسد وزمرته الحاكمة، واتخاذ الإجراءات الدستورية لانتقال السلطة للنخب الوطنية من مختلف مشارب الشعب السوري لقيادة البلاد وإعادتها إلى الحياة الطبيعية، ولتتحقق بعد ذلك حرية التعبير والديمقراطية وبناء نظام سياسي يلبّي رغبات الشعب السوري ليقوده إلى الازدهار واللحاق بالحضارة في أسرع وقت ممكن.
سابعًا- خاتمة:
خلاصة القول إن محاولات السلطة مهما كانت قوية، ومهما كانت القوى المعارضة لهذه السلطة ضعيفة فلن تستطيع فرض نفسها كقوة أمر واقع من دون شرعية يمنحها الشعب لها، ولو اضطر الشعب إلى أن يقبل بهذه السلطة تحت ضغط التهديد والقمع، فإنّ هذا لن يستمر طويلًا، وإذا ما تحقق الاستقرار مؤقتًا، فلن يعطي شرعية لتلك السلطة، وبما أن الحرية والكرامة والعدل والديمقراطية لا يمكن أن تُنتزع من أي نظام دكتاتوري في العالم، فلا بدّ من العمل والتضحية وإيجاد السبل الكفيلة لتحقيق تطلعات الشعوب، وعلى رأسها الشعب السوري العظيم، وإزاحة سلطات الأمر الواقع التي تمارس الإرهاب المنظّم ضد مواطنيها في كلّ المناطق، ضاربة بعرض الحائط كلّ القوانين والأعراف الدولية، وأعتقد جازمًا أن الشعب السوري إن استطاع الانتصار على أعدائه ومشغليهم، وتحقيق الأهداف التي خرج منها أو جزء منها، فسيكون نموذجًا فريدًا من نوعه ومثالًا يحتذى به للشعوب المقهورة، لرفض سلطات الأمر الواقع التي تحكمه والتي على الأغلب كانت وستبقى مصدرًا رئيسيًا لإفقاره، كما هي سلطات الأمر الواقع في باقي البلدان المتخلفة التي تتسلط على شعوبها وتنهب ثروات البلاد، والأهم من ذلك تمنع تلك الشعوب من مواكبة التطور ومواكبة التقدم بمختلف المجالات ومن اللحاق بركب الحضارة والعيش بسلام.