شاعر ومقاتل حمل شعره من داريا إلى إدلب

مايو 12, 2023

مقالات

“صحيحٌ أنّ شعري لا يقتلُ من مسافة صفر، لكنه سلاحٌ فعال، إذ يؤرخ الهزيمة، ويحفظ النصر، ويجرحهم كما يجرحهم الرصاص”، بهذه الكلمات يختصر بشير أبو النور، وصف أشعار ينشرها عبر صفحته في “فيس بوك”، محاولًا فيها تسليط الضوء على أبرز المحطات في الثورة عامة، وداريا خاصة.

بشير، قائد ميداني في “الجيش الحر”، من مواليد داريا 1991، درس اللغة العربية في المرحلة الجامعية في معهد شام العالي، لكنه سرعان ما تركها في السنة الأولى بعدما اندلعت الثورة، فكان من أوائل من شارك في حراكها الثوري السلمي.

اعتقل بشير بدايات الثورة على خلفية نشاطاته الثورية، وبعدما أفرجَ عنه انتسبَ إلى الحراك المسلح، وكان أحد مؤسّسي الجيش الحر في داريا.

“عدتُ إلى كتابة الشعر مع بداية المرحلة الجامعية، بعد سنةٍ من تركها”، يقول بشير عن بداية مشواره مع الشعر، ويضيف “كان الاهتمام بالشعر يستهويني منذ الصغر، كتبتُ أول قصيدة عندما كنت في السادس الابتدائي، وشاركت بعدة مسابقات مدرسية حينها، لكني لم أتمكن من ممارسة هوايتي كفاية أو استثمارها كما يجب، حتى اندلعت الثورة ودخلت عامها الأول”.

كلمات الحصار

شارك بشير بموهبته الشعرية في العديد من الفعاليات الثقافية داخل داريا، خلال فترة الحصار التي عاشته المدينة، كان آخرها في حفل تكريم حفظة القرآن الكريم في 7 أيار 2016، حين ألقى قصيدة بارك فيها لرفاقه، وتناول فيها “أخلاقهم النبيلة” كما سمّاها، وعددُهم ثلاثة عشر حافظًا، في قصيدة نالت إعجاب الكثيرين، وصف فيها أحد مدرسيه المشاركين في الحفل، واسمه ماهر خولاني بالقول “ولماهر ماذا أقول بوصفه، شهمٌ وأستاذي عظيم الشأن، من كان يسهر ليله متحضرًا، ليضيء فجرًا في دجى الأذهان، هو زاهد متواضع هو مخلص، فظهوره وخفاؤه سيان، لو كان يدري أن سأكتب اسمه، بقصيدتي لرأيته ينهاني”، وقد انتشر التسجيل الخاص بهذه القصيدة على شبكات التواصل بكثرة بعد أن تداوله ناشطون.

وحول قصيدته في حفل التكريم، يقول بشير “قلة المراجعة، أنستني كثيرًا مما حفظته من القرآن، وإن لم يتيسر لك أن تكون حافظًا خلال الثورة، فلا أقلّ من الثناء على الحفظة المثابرين”.

بعضُ ما يكتبه بشير كان يلقيه خلال الفعاليات التي كانت تُجرى في المدينة، وبعضها كان يكتبه على صفحته في “فيس بوك”.

وكأي حسابٍ ثوريّ نشط وفاعل، يستخدمه صاحبه كمنصّة لتصدير أفكاره الثورية، تعرض حسابُ بشير للإغلاق والتهكير من قبل قراصنة النظام عدة مرات، الأمر الذي لم يؤثر عليه لكونه يحتفظ بأرشيف ورقيّ خاصٍّ بأشعاره، ولم يُثنه كذلك عن المواصلة بهوايته المحببة، والمشاركة بالمعركة عبر أشعاره.

جمع بشير الكثير من المتابعين، من داخل داريا وخارجها، وعُرفَ عنه أنّه يتفاعل لحظيًا مع أي حدث ثوري بالشعر، فكان أصدقاؤه يطالبونه بالتعليق على الأحداث الثورية المُلفتة بأبيات من الشعر. كتب بشير عن رفاقه الشهداء، وعن الصامدين، وعن قيم الثورة، وأخلاقيات الحصار.

شحذٌ للعزائم وتهكّم بجنود النظام

عندما توصلت لجنة التفاوض مع النظام إلى تسوية تقضي بإخراج الأهالي، كتب بشير “يا جنود البعث هيا، وادخلوها خائفين. واسمعوا فيها دويًا، وصراخًا وأنين، ما هزمنا ما انتصرتم، قد خرجنا فاتحين. حتى لو هاجرنا يومًا، فالعزائم لا تلين”.

المتابعون من مختلف المناطق والمدن، تفاعلوا إيجابًا مع ما كتبه، وأكدّوا على ما وصفوه همّة ثوار داريا وعزيمتهم.

عندما خرجَ بشير من داريا، في 26 آب الماضي، أخرج الشاعرَ الذي يسكنه معه، فخلال ركوبه في الباص الموصل لإدلب، وجّه رسالته إلى الثوار وإلى جنود النظام، فكتب “وما من عودة الأحرار بدٌّ، إذا اشتاقت أكفّهمُ النصال، وليس عدوّنا حتمًا بباقٍ، وإن تعلوا حصونهمُ الجبال”.

وفي إدلب لم يتوقف عن ممارسة هوايته كشاعر، حيث شارك في عدة مهرجانات قامت بها الفعاليات الإعلامية والمدنية في مقر لواء “شهداء الإسلام” في باب سقا.

وفي 16 أيلول الماضي (رابع أيام عيد الأضحى)، ألقى بشير قصيدة في مقر اللواء بعنوان “حكاية ثورة”، تحدث فيها عن أبرز محطاتها، وتناول فيها بطولات بعض المدن ومنها داريا، والظروف التي عاشتها في ظل الحصار، مشيدًا بصمود المقاتلين، وحاثًا إياهم على الإعداد للرجوع إلى داريا “فاتحين”، ولو بعد حين، وكان مطلع القصيدة “حكايتنا لقد بدأت مع الأطفال في درعا، وكان الشعب ذا رأيين، وكان الرأيُ ذا وجهين، فبعضٌ منهم فَزِعَ، وبعض منهم فَزَعَ، وقسم ثالث يرقب! وآخر ظنها صرعى، وكان الطفل في درعا، كما الأطفال في بلدي، يظن بأن ريشته، ستكسر شوكة الأسد؟ بكل براءة ثُرنا. ودارت بيننا الأيام”.

الحالة الدموية التي عاشتها الثورة السورية أبرزت قناعة مفادها أن الأسلحة الفعالة في الحروب محصورةٌ في الرصاص والقذائف والنار فقط، لكن لكثيرين آخرين رأيٌ مناقض، بشيرُ أحد هؤلاء.

المصـــدر

المزيد
من المقالات