جدران مهدمة مليئة بالرسومات على جدرانِ مدنٍ في شمال غربي سورية. ليست رسومات عادية، بل تحمل رموزاً ودلالات تحاول لفت أنظار من يشاهد، نحو القضية السورية بمختلف زواياها، من قصف ومجازر واعتقالاتٍ وتهجير.
تلك الرسومات الجدارية التي تشد المارين، إذ عمل أصحابها على توثيق أوجه معاناتهم، وتطلعاتهم وآمالهم بـ “الحرية والنصر”، حتى أضحت جزءاً من ثقافة سكان شمال غربي سورية، كما وصفها رسامون في حديثهم لـ “السورية نت”.
لوحات ناطقة على أنقاض المنازل
عزيز أسمر، رسام سوري خمسيني، غادر مدينة بيروت التي عاش فيها، ليلتحق بركب الثورة السورية، ويعود لمسقط رأسه في بنش بريف إدلب، حيث كانت ريشته حاضرة في توثيق الانتهاكات والمعاناة على جدارن مدينته.
يقول عزيز:”وظّفنا الألوان في شرح مأساتنا وكشف إجرام الأسد بحق المدنيين، معبرين عن حقنا في العيش بحرية وعدالة، في دولة حولها نظام الأسد لمزرعة له ولحاشيته”، مشيراً خلال حديثه لـ”السورية.نت”، إلى أنه خصص جزءاً كبيراً من رسوماته لمناصرة قضايا العدالة والمساءلة وإيصال صوت القضية السورية.
وأوضح عزيز أن الرسامين في شمال غربي سورية، باتوا يختارون الأبنية المدمرة بفعل قصف قوات النظام وحلفائه كلوحات لرسوماتهم، التي “لفتت أنظار الأوساط المحلية والعالمية للقضية السورية”.
وعن سبب ذلك، يقول الرسام:”تعمدنا اختيار الجدران المدمرة لأنها تكشف إجرام الأسد، وهي شاهدة على المأساة والتدمير وتحكي لكل من يراها أنه كان في هذه البيوت عائلات إما قضت تحت الأنقاض أو رحلت عنها قسراً”.
وكذلك تقول الرسامة سلام حامض، من جسر الشغور غرب إدلب، إنها تفضل الرسم على جدران المنازل المدمرة، من أجل توثيق معاناة السوريين، وبهدف إزالة “القبح الذي سببتها قوات النظام وروسيا وإيران”، ولإظهار الجانب الثقافي والفكري للثائرين على النظام، عكس ماصدّر هذا النظام عنهم.
وأضافت سلام (30 عاماً) خلال حديثها لـ”السورية نت”، إنها أقبلت “على فن الجدرايات بقصد الاتصال مباشرة مع العالم الخارجي ولجذب الانتباه للقضية، دون حواجز أو قيود”، مشيرة أن هذا الفن “له قدرة كبيرة على إيصال رسائل جمالية وثقافية وقوية للعالم، ويلاقي تفاعلاً كبيراً لقربه من الناس”.
في حين يُعتبر فن الجداريات، بحسب الرسام أنيس حمدون، رسالة قوية للكشف عن الجرائم التي يرتكبها النظام، خاصة إذا كان على أنقاض الأبنية المدمرة، موضحاً أن “رسالتنا تسليط الضوء على الواقع السوري وما يعانيه الناس من ويلات الحرب والقصف”.
قصص حفرها الرسامون في الذاكرة
يقول الرسام أنيس لـ”السورية نت”، إن أكثر موقف أثر فيه هو مجزرة الكيماوي في خان شيخون بإدلب، عندما أخرج الأطباء جنيناً من بطن أمه التي تعرضت للاختناق وفشلت كل محاولات إنقاذه.
وأضاف: “قمت برسم جدارية لهذا المشهد، وكان لها صدى إعلامي دولي، كغيرها من الرسومات التي حاولت إيصال رسالة مهمة للإعلام والرأي العام في الخارج”.
وكذلك يقول الرسام عزيز أسمر: “تناولنا في رسوماتنا الاعتقال والتهجير، وقصف المشافي والمدارس والمنشآت الحيوية، والمعاناة المعيشية للسكان وارتفاع الأسعار، والعدالة والطفولة، وكذلك رسمنا عن القضايا الإنسانية العالمية ومظلوميات الشعوب، ليعرف العالم أننا لسنا إرهابيين كما يحاول النظام وحلفاؤه تصويرنا”.
ولفت عزيز إلى أنه رسم في الكثير من المناطق قبيل سيطرة قوات الأسد عليها، كالهبيط وحيش وسراقب ومعرة النعمان، متحدثاً عن “غصة” في قلبه بسبب استشهاد بعض الأطفال الذين كانوا يشاركونه في الرسم والتلوين.
وعن الأثر الذي تركته الرسومات الجدارية، يقول عزيز:”لمسنا تأثيراً واضحاً لرسوماتنا من خلال تداولها على أهم الشاشات والقنوات والصحف العالمية، في الولايات المتحدة واليابان والصين وإيطاليا والسويد وكولومبيا وفنلدا وبورما وسويسرا وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول، حتى أن تضامننا مع كولومبيا على سبيل المثال جعلهم يرفعون علم الثورة”.
ويختم عزيز: “نعلم أن طريقنا وعر وشاق ومليء بالخذلان، إلا أننا مستمرون فيه حتى نيل مطالبنا، وسنواصل رسالتنا في تسليط الضوء على الواقع السوري وما يعانيه الناس من ويلات الحرب والقصف والتهجير”.
“كي لا ننسى المعتقلين”
تقول الرسامة سلام الحامض، إنها ركزت في أعمالها الجدارية على أكثر القضايا ألماً وتأثيراً، وهي قضية المعتقلين القابعين في سجون الأسد منذ 10 أعوام، والذين أصبحوا منسيين في جميع المحادثات والاجتماعات الدولية التي تدور حول سورية.
وتتابع:”رأينا جميعاً صور قيصر التي أدمت القلوب، وسمعنا مع الأسف قصص العديد من المعتقلين الذين خرجوا من السجن، ورووا التعذيب والانتهاكات التي تعرضوا لها”.
وتختم سلام:”رسالتي للعالم أن ثورتنا ثورة فكر وثقافة، ونحن كفنانين سلاحنا الريشة التي نوثق بها الجرائم كي لا تصبح طي النسيان، ومن خلالها سنزرع الأمل ونزيل لون الحرب الكئيب، ونأمل بالنصر ونحلم بالسلام لأننا شعب يستحق أن يحيا بسلام”.