هانّي مجللي و باولو سيرجيو بينيرو، مسؤولان في لجنة التحقيق الدولية المستقلة في منظمة الأمم المتحدة حول سورية، يشرحان على منبر جريدة “اللوموند” لماذا يجب على المجموعة الدولية أن تلتزم بترحيل الأطفال المعتقلين في المعسكرات السورية.
منبر: في الوقت الذي نبدأ فيه سنتنا العاشرة من التحقيقات والتقارير حول الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المرتكبة في سورية، نبقى مستائين للغاية بشأن المصير المقرر لأطفال سورية. لم تعرف أكثرية هؤلاء الأطفال سوى الصراع ومآسيه، ولا تكفُّ قائمة ضحايا القصف والضربات الجوية من الأطفال عن الامتداد. شبَّ الأطفال ضمن هذا الوضع في حالة حصار، يواجهون الموت والجوع، وتجاهل أبسط احتياجاتهم الأساسية.
ملايين الأطفال يهزلون في معسكرات النازحين تعاني أوضاعًا تثير الاشمئزاز. أطفال اعتُقلوا بطريقة تعسفية، ضحايا تعذيب وعنف جنسي، يغذون حسد مهربين يزوجون الفتيات بالقوة، ويجندون الصبيان بوصفهم أطفالًا جنودًا. أكثر من نصف أطفال سورية محرومون من التربية الأولية، وآلاف منهم مسجونون، وأغلبهم معتقلون بين الراشدين.
في الوقت الذي نكتب فيه هذه السطور، عاش أطفال درعا البلد في جنوب سورية أشهرًا عدة من الحصار، بعضهم قُتل خلال القصف، وآخرون نزحوا بالقوة نحو شمال البلاد أو هربوا باتجاه الحدود الأردنية. في شمال غرب سورية، هناك 1.8 مليون طفل بأمسِّ الحاجة إلى المساعدة الإنسانية.
التجاهل الجليدي لـ “مصلحة الطفل العليا”
أطراف الصراع السوري، الذين يسعون وراء أهداف عسكرية وسياسية فقط، يبرهنون بكل سذاجة عن تجاهل جليدي لـ “مصلحة الطفل العليا”، كما نصَّت عليها الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل. والأكثر إثارة للدهشة أيضًا أن البلدان التي تسوء حالة مواطنيها القاصرين في سورية، والتي من واجبها مساعدة هؤلاء الأخيرين كي تضع حدًّا لعذاباتهم، ترفض أو تعوق هي الأخرى حماية حقوق الطفل.
حسب التقديرات، أكثر من أربعين ألف طفل معتقلون مع أمهاتهم، إن لم يكونوا أيتامًا، في معسكر الهول والمعسكرات الأخرى القريبة من الحدود العراقية في شمال شرق سورية. حوالي نصفهم هم من العراقيين، و7800 طفل ينتمون إلى 60 بلدًا. معظم هؤلاء الأطفال لم تتجاوز أعمارهم اثني عشر عامًا.
ليسوا متهمين بأي جريمة، ومع ذلك فهم معتقلون في شروط رهيبة، ومحرومون من حقوقهم في التربية، وفي اللعب، وكذلك من العناية الطبيّة المقبولة. ما إن يبلغوا سنّ المراهقة، حتى يواجه الصبيان خطر فصلهم عن أمهاتهم ونقلهم إلى مراكز الاعتقال. وهذه الأخيرة تضم أصلًا 500 صبيٍّ أجنبي، معتقلين بين الراشدين المتهمين بقتالهم لصالح الدولة الإسلامية، تحت خطر استمرار حلقة التلقين والتطرف والمعاملة غير الإنسانية.
آلام الأطفال الأبرياء
منذ شهر أيار/ مايو 2019، حوالي 5000 طفل سوري حرروا من المعسكرات، كي ينضموا إلى جماعات في شمال شرق البلاد، على إثر إبرام اتفاقات “رعاية” ذات علاقة مع القبائل المحلية. حوالي ألف طفل أجنبي حرروا كذلك وأعيدوا إلى بيوتهم. ومع ذلك، معظم الأطفال الأجانب يبقون محرومين من الحرية، ما دامت بلدانهم الأصلية ترفض ترحيلهم.
لنفحص عن كثب إذن الحجج الثلاث التي تثار بصورة عامة من قبل هذه البلدان ضد الترحيل. الحجة الأولى تنطلق من التردد في ترحيل الأطفال من دون أمهاتهم، نظرًا لأن هاتيك الأمهات لم يعدن موضع ترحيب في بلدانهن، بعد أن غادرنها كي يذهبن بإرادتهن إلى سورية، متجاهلات القوانين الوطنية، من أجل الانضمام إلى الدولة الإسلامية وممارساتها في القتل والإبادة الجماعية.
ووفق الحجة الثانية، يجب أن تعتبر هاتيك النسوة مسؤولات عن أفعالهن وجرائمهن المفترضة، وأفضل مكان لهذا الاعتبار هو أن يبقين في سورية، أي حيث يوجد الشهود والبراهين.
الحجة الثالثة تقوم على ما تسببه من خطر على الأمن القومي عودة هاتيك الأمهات، وكذلك أطفالهن، الذين يمكن أن يحملوا أيديولوجية العنف والتطرف.
ومع ذلك فحين توضع في الميزان آلام آلاف الأطفال الأبرياء، تتهاوى هذه الحجج كلها.
معاقبة الأطفال لا مبرر لها
معظم الأمهات قد ذهبن إلى سورية بإرادتهن الحرة، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى أطفالهن. معاقبة الأطفال بناء على الأفعال التي ارتكبها آباؤهم لا تبرير لها. وفضلًا عن ذلك، عدد لا بأس به من النساء اللواتي يقبعن في معسكر الهول لم يكن إلا طفلات حين وصولهن إلى سورية. بعضهن ضحايا الدولة الإسلامية، وخصوصًا النساء اللواتي يربين أطفالًا جاؤوا نتيجة الاغتصاب، بعد أن أخضعن للعبودية الجنسية.
في ما يتعلق بالمسؤولية الجنائية، وبعد ثلاث سنوات، لا يشير أي عنصر إلى تقدم الإجراءات القضائية على الصعيد المحلي، سواء أكنَّ يستفدن أو لا يستفدن من الدعم الدولي. على العكس، اعتبرت أمهات عدة جرى ترحيلهن مسؤولات على الصعيد الجنائي من قبل محاكم بلدانهن، التي حكمت بمسؤوليتهن عن جرائم تبدأ من المشاركة في منظمة إرهابية، وصولًا إلى خطف أطفال. ذلك يبرهن على أن بلدان الأصل قادرة بوضوح على إقرار العدل في مثل هذه الأوضاع.
أما بالنسبة إلى المخاطر الأمنية، فإن الوضع القائم يكشف عن أسوأ الحلول. ويؤلف معسكر الهول، وكذلك السجون التي تديرها ميليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” أرضًا خصبة للتطرف العنيف. ففي معسكر الهول، تُضرب الأمهات اللواتي يقاومن أيديولوجية الدولة الإسلامية بقسوة أو تحرق خيامهن وتُحَوَّلُ إلى رماد. فمنذ بداية السنة فقط، جرى تسجيل 69 قتيلًا، منهم أطفال، في المعسكر.
يجب أن تكون حماية الأطفال أولوية
صحيح أن كل البلدان لا تملك القدرة على ترحيل أو إعادة دمج مواطنيها. في بعض الحالات، تخشى الأمهات وأطفالهن بحق أن يُضطهَدن، فيكون ترحيلهم على هذا النحو مضادًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية. إذ من الواجب حماية هاتيك النساء وهؤلاء الأطفال، وفق القانون الدولي حول حقوق الإنسان، ووفق القانون الدولي الإنساني.
ومع ذلك، لا يمكن حماية هؤلاء الأطفال بالاحتفاظ بهم إلى ما لانهاية معتقلين. إذا كان الاعتقال غير شرعي، فلا بد من وضع حدٍّ له.
بعد عقد من الصراع، حان الوقت أن تصير حماية الأطفال أولوية. تجب الاستجابة إلى حاجاتهم الملحة، أي الأمن، والتربية، والعناية الصحية. فعلى أكتافهم، بعد كل شيء، إنما يعتمد مستقبل البلد في اليوم الذي ستخرس فيه الأسلحة.
__________
هانّي مجلّي (عضو لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول الجمهورية العربية السورية)، وبابلو سيرجيو بينيرو (رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول الجمهورية العربية السورية).
عنوان المادة: Dans le nord-ouest de la Syrie, 1,8 million d’enfants ont désespérément besoin d’aide humanitaire
الكاتب: – Paulo Sérgio Pinheiro – Hanny Megally
المترجم: بدر الدين عرودكي
مكان وتاريخ النشر: Le Monde, le 24 octobre 2021
رابط المقال: https://bit.ly/3bIKrb9
عدد الكلمات: 1385