مع توسع رقعة الاحتجاجات في مدينة حلب وازدياد نشاط الثوار فيها على كافة الأصعدة الاجتماعية والثقافية والإنسانية والخدمية، ظهرت عدة منظمات وجمعيات خيرية ومبادرات أطلقها الثوار كرد فعل على واقع معين فرضته الظروف، حينها، لسد احتياجات معينة للمجتمع. وكانت مبادرة «بلد» من أولى النشاطات المدنية التي انطلقت في حلب والتي تسعى لتتحول إلى منظمة مدنية فاعلة في سوريا.
مبادرة «بلد»، أطلقها مجموعة من الشباب في تموز 2012 لتحقيق أهداف أساسية قادرة على سد الفراغ عند سقوط النظام، ومن أهم هذه الأهداف: العمل على حماية الأحياء من مستغلي الفوضى الناجمة عن الثورة والمساعدة على استمرار أداء الخدمات الأساسية، للسكان والمشاركة مع الجمعيات والمبادرات الأخرى في أعمال الإغاثة بكل أنواعها وحماية المنشآت الحيوية، لا سيما تلك التي تهتم بمصادر الطاقة والقوت اليومي للمواطنين، والتوسط والمصالحة بين العائلات والعشائر المتخاصمة لا سيما في الريف.
وبسبب نشاطهم المدني، قام النظام باعتقال كافة أعضاء المبادرة لمدة عشرة أيام منذ عدة أشهر، ليخرج معظمهم بعد الإفراج عنهم إلى ريف حلب أو إلى الأحياء المحررة أو تركيا، ويتوقف نشاطهم لفترة إلى أن عقد بتاريخ 7 شباط الجاري مؤتمر تأسيسي لمنظمة «بلد» بحضور 38 عضوًا وتم ترشيح سبعة أعضاء منهم لمجلس الإدارة وفق انتخابات «حرة ونزيهة» ثم تم انتخاب رئيس للمنظمة ونائب رئيس وأمين سر، وتمت مناقشة الخطط المستقبلية للمنظمة والرؤى المعتمدة لديها لتوسع عملها والرقي بها. ووضعت أولويات للعمل تتمثل في وضع خطط لمشاريع تشغيلية وتأمين فرص عمل للنازحين في المخيمات أو في الداخل السوري وإنشاء مراكز تأهيل وتدريب مهني في حلب المحررة.
وتسعى المنظمة حاليًا للحصول على ترخيص لها في أماكن وجودها (عنتاب – حلب المحررة) لتمارس عملها وفق استراتيجية ورؤى مستقبلية أوسع من ذي قبل، لتكون من أكبر منظمات المجتمع الدولي التي تمثل سوريا وتغطي المجالات التي لم يتم تغطيتها إلى الآن من المنظمات السورية الأخرى.
يذكر أن أسلوب عمل هذه المبادرة الأساسي اتخذ شكل الحياد «الظاهري» من الاشتباكات بين الجيش الحر وجيش النظام لتلبية متطلبات المجتمع الخدمية عن طريق التواسط بين مدينة حلب التابعة للنظام وبين كتائب الجيش الحر المقاتلة. وأثمرت جهودها بتوقيع كلا الطرفين على وثيقة تحوي البنود الأساسية التي قامت عليها المبادرة، إذ استطاعت خلال الأشهر الأربع الأولى لانطلاقتها تحقيق عدة إنجازات، منها استرجاع عدة سيارات إسعاف وسيارات هلال أحمر كانت قد سيطرت عليها كتائب من الجيش الحر، وإنجاز عدة إصلاحات في شبكة المياه والكهرباء المتضررة نتيجة القصف، في نقاط الاشتباكات بعد عقد اتفاق هدنة مع الطرفين ريثما يتم التصليح. وقد أصيب الأستاذ عبد القادر حمد، أحد أعضاء المبادرة في إحدى عمليات الإصلاح هذه وأدى ذلك إلى إصابته بالشلل، وهو إلى الآن في طور العلاج.
وتمكنت المبادرة من تأمين إدخال الوقود إلى مدينة حلب عندما قطع طريق حمص-حلب بعد سيطرة الجيش الحر عليه، بعد أن تكفلت بإدخال صهاريج المازوت إلى المدينة حتى لا يتوقف عمل المخابز والمشافي، وذلك بالاتفاق مع النظام وكتائب الحر على أن يتم الأمر مقابل إدخال صهاريج المازوت أيضًا إلى الريف، وكانت العديد من هذه الخدمات تتم بالتعاون مع عدة منظمات مثل الهلال الأحمر والصليب الأحمر، وتمكنت المبادرة من تأمين 24 صهريج مازوت.
وعندما بدأت حركة النزوح في حلب من الأحياء الشرقية إلى الأحياء الغربية، بدأت المبادرة بتنفيذ مشاريع هدفها تنمية الموارد البشرية وتأمين فرص عمل للنازحين في المدارس، فعلى سبيل المثال، تم تنفيذ مشروع «كبس المخلل» في إحدى المدارس، بحيث اشترك جميع النازحين به. وتم البدء بمشروع ورشة خياطة في مدرسة أخرى وتأمين ماكينات خياطة لها وتسليمها لأحد النازحين كما نفذوا مشروع «حوسة حلب» الذي أطلقته قبل عيد الأضحى حيث قاموا بتنظيف عدة مدارس وشوارع بالتعاون مع مكتب الشؤون الإجتماعية في مجلس محافظة حلب المحررة. وكان مشروع «أضحيتي» آخر مشروع للمبادرة، حيث تم ذبح 435 أضحية والإشراف على توزيعها.