“يحملان أغصان الزيتون بيد، وعلب حليب الأطفال بالأخرى، سارا بين مئات الكبار والصغار الذين توجهوا نحو درعا البلد”، ينقل الناشط الإعلامي عبد الرحمن الأحمد مشهد الطفلين حمزة الخطيب وتامر الشرعي في مظاهرة فك الحصار عن درعا البلد قبيل اعتقالهما، في 29 من نيسان 2011.
“بعد حصار قوات النظام لدرعا البلد خرجنا من قرى الريف الشرقي مشيًا على الأقدام، للوصول إلى مدينة درعا التي تبعد نحو 30 كيلومترًا عن بلدة الجيزة شرقي درعا”، تابع عبد الرحمن (30 عامًا)، اسم حركي، من سكان بلدة الجيزة بريف درعا الشرقي، وأحد المشاركين في المظاهرة حديثه لعنب بلدي.
وأضاف الشاب، “كنا نردد (سلمية سلمية) ونحمل الحليب وأغصان الزيتون وأطباق (المنسف) على رؤوسنا”، مؤكدًا سلمية المظاهرة ورغبة الأهالي بالتعبير عن تضامنهم ودعمهم الكامل لدرعا البلد.
ورغم التحذيرات التي تلقاها الأهالي من قبل”البعثيين” بالريف الشرقي، لم يكن الكمين الذي نصبه النظام قرب المساكن العسكرية في بلدة صيدا شرقي درعا متوقعًا بالنسبة لهم، قال عبد الرحمن.
11 عامًا على اغتيال الطفولة
بعد أسابيع من اعتقالهما، تسلّمت عائلة الطفلين حمزة الخطيب وتامر الشرعي جثتيهما، وبدت عليهما آثار التعذيب بمختلف الطرق التي لم تكن معروفة في سوريا آنذاك.
في 27 من أيار، تسلّمت عائلة الطفل حمزة الخطيب جثمانه، وعليها آثار الكدمات وضربات الرصاص وأعقاب السجائر التي أطفأها عناصر النظام بجسده.
“كما شيّع أبناء بلدة الجيزة جثمان الطفل تامر الشرعي، في 9 من حزيران، وعلى جسده مختلف آثار التعذيب التي تظهر وحشية النظام”، أضاف عبد الرحمن.
المحامي تامر الجهماني، قال لعنب بلدي، عبر مكالمة هاتفية من مكان إقامته في اسكتلندا، “دماء حمزة الخطيب وتامر الشرعي ألهبت القلوب، والحناجر، والعقول، وأكّدت لآلاف الشباب السوريين حينها استحالة التعايش مع هذه العصابة”، وفق تعبيره.
“تركت صور الطفلين والمقاطع المصورة التي وثقت آثار التعذيب على جثتيهما أثرًا لا يمحى في ذاكرة السوريين”، يصف الجهماني تحول الطفلين إلى رمزين من رموز الثورة السورية.
وأضاف الجهماني أن لتاريخ اعتقال الطفلين ذكريات مؤلمة، فهو اليوم الأخير من الحصار قبل اقتحام قوات النظام درعا البلد.
“كنا محاصرين في درعا وعصابات الأسد تتقدم نحونا وتعتقل العشرات وتقتل من يقاوم”، يستذكر المحامي تفاصيل اقتحام النظام لدرعا البلد بعد أيام من بدء الحصار.
ولم تكن مجزرة صيدا الوحيدة يومها، إذ نفذ النظام العديد من المجازر بحق كل من حاول التقدم نحو درعا البلد.
“نقلت عبر وكالة (رويترز) تفاصيل الاقتحام والمجزرة، لتعتقلني قوات النظام وأكون آخر المعتقلين في ذلك اليوم الدامي”، قال الجهماني.
محاولة طمس الحقيقة
في كانون الأول 2020، قتل مجهولون إبراهيم الجهماني، الذي يعتبر شاهدًا على تعذيب الطفلين حمزة وتامر في المعتقل.
جاء ذلك بعد أن اغتال النظام شقيقه أوس واعتقل أختيه وأمه، اللواتي قُتلن جميعًا تحت التعذيب بسبب إدلاء إبراهيم بشهادته للعديد من الوكالات العالمية بعد خروجه من المعتقل، وفق ما قاله المحامي تامر الجهماني عن الشاب إبراهيم.
“كان إبراهيم، ابن أخي، قد اعتقل أيضًا في ذات اليوم الذي اعتقلت فيه، وبعد أيام من التعذيب علمت بوجود أطفال معتقلين معنا في مهاجع أخرى من فرع التحقيق التابع للمخابرات الجوية، وكان أحدهما مصابًا بطلق ناري في فخذه”، قال الجهماني، مؤكدًا، “كانا حمزة الخطيب وتامر الشرعي”.
سمع إبراهيم صراخ الطفلين، وبعد أسابيع خرج من المعتقل ليكون الشاهد الأول على جريمة مقتل الطفلين تامر وحمزة، بحسب الجهماني.
وأكّد المحامي أن مقتل إبراهيم لا يعني موت الحقيقة، إذ إنه أدلى بشهادته علنًا أمام الإعلام وسمع الجميع شهادته.