ملخص: كُتب عدد كبير من الردود على نظريات المؤامرة التي تُبرّئ نظامَ الأسد من المسؤولية عن مجزرة الكيمياوي في دوما 2018، وستورد هذه المقالة بعضًا منها، كمراجع. وليست غاية هذه المقالة تكرار هذا العمل البوليسي؛ إنما هي إظهار عبثية هذه التأكيدات، وبالتحديد، من جهة الإجابات عن الأسئلة المطروحة: “من الكاسب؟”، و”ما سبب المعركة casus belli التي تثيرها هذه المؤامرات”.
في 7 نيسان/ أبريل 2018، شنّ نظام الأسد هجومًا كيمياويًا، إذ ألقى عبواتٍ من الكلور، على بلدة دوما المحاصرة، آخر منطقة متبقية من الغوطة الشرقية التي كانت تسيطر عليها المعارضة، وكانت قد تعرضت قبل ذلك لهجوم مكثف لمدة شهر من النظام، حيث استعاد النظام من خلاله بقية المنطقة.
في اليوم التالي للهجوم، استسلمت دوما. وأكمل النظام الآن استعادته لجميع المناطق الجنوبية والشرقية من أحياء الطبقة العاملة خارج دمشق، التي ظلّت في أيدي المعارضة أكثر من خمسة أعوام، كان الاستثناء الوحيد هو مخيم اليرموك الفلسطيني، الذي أعاد النظام السيطرة عليه في أيار/ مايو، لكن المعارضة كانت قد خسرت اليرموك بالفعل أمام تنظيم داعش (على الرغم من المقاومة الشرسة) في عام 2015.
وبحسب ما ورد؛ عُثر على (43) جثة، وقد تم تصويرها، في أحد المجمعات السكنية التي أُلقي عليها الكلور، حسب ما يُزعم؛ لكن النظام السوري وداعميه الروس لم يسمحوا لمفتشين من منظمة منع الأسلحة الكيمياوية (OPCW) بدخول المنطقة لإجراء عمليات تفتيش، إلا بعد أسبوعين من ذلك، بعدما دُفنِت تلك الجثث خلال تلك الفترة.
عندما سُمح للمفتشين أخيرًا بالدخول، عثر فريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على “أسطوانتين صناعيتين بلون أصفر مخصصتين للغاز المضغوط” (من المحتمل أنهما كانتا تحتويان على الكلور) في الطوابق العليا من مبنيين سكنيين، إضافة إلى الحفر الموجودة في السقف الذي تحطم بسببهما. كان أحدُ المباني سليمًا على ما يبدو؛ والمبنى الذي أطلقت فيه الأسطوانة حمولتها هو المكان الذي عُثر فيه على معظم الجثث الـثلاثة والأربعين.
صور من تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لبعثة تقصي الحقائق عن حادثة الاستخدام المزعوم لمواد كيمياوية سامة كسلاح في دوما
أصدرت منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية تقريرها الكامل، في آذار/ مارس 2019، وخلص التقرير إلى وجود “أسباب معقولة” للاعتقاد باستخدام الكلور، حيث إنه السبب الأكثر احتمالًا للوفيات؛ ومن المحتمل أن يكون مصدره من الأسطوانة الفارغة. وعلى الرغم من أن التقرير الموجز لمنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية لم يتضمن تحديد المسؤولية، فقد أشار ضمنيًا إلى أن الطريقة الأكثر احتمالية لوصول الكلور إلى المبنى كانت عبر الحفرة الموجودة في السقف أعلاه؛ وعلى الرغم من أن التقرير لم يذكر شيئًا عن الطائرات، فهذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة لاختراق السقف. وبما أن النظام هو الوحيد الذي يمتلك طائرات، فهذا يعني ضمنًا أن النظام هو المسؤول.
ومنذ ذلك الوقت، تعرضت منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية لحملة دعائية منسقة، بقيادة الدولة الروسية، حيث تدعي الحملة أن منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية مذنبةٌ بـ “التستر” على التفسيرات/ الاحتمالات البديلة، وأن الكلور إما أنه لم يُستخدم، وإما أنّ المعارضة هي من استخدمه، أو أن الثوار قاموا بزرع عبوات الكلور في المبنى، وقتلوا المدنيين أنفسهم، في مؤامرة معقدة، لاستجلاب التدخل الغربي ضد الأسد.
تستند الادعاءات حول “التستر” إلى شهادة اثنين من الموظفين السابقين في منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية: الأول إيان هندرسون الذي لم يكن جزءًا من فريق التحقيق في منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية، ولكنه ضابط اتصال بين الفريق ودمشق، حيث أرسل مذكرة إلى منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية في آذار/ مارس 2019، قبل إصدارها لتقريرها مباشرة، زاعمًا أن عبوات الكلور لا يمكن أن تكون قد أسقطت من المروحيات، بناءً على “تقرير هندسي”، قام بإعداده (تدعي منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية أنه أنجز التحقيقَ خارج نطاق عمله كموظف في منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية). بعد شهرين، انتشرت مسألة أن منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية لم تُدرج هذا في تقريرها لوسائل الإعلام العالمية، على أنه “فضيحة”.
تدعي منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية أنها لا تستطيع القيام بذلك (بصرف النظر عن تأخرها)، لأن تحميل مسؤولية ما حدث كان خارج نطاق اختصاصها. وهذا لأن روسيا منعت تحميل المسؤولية على تحقيقات منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية، ولم يذكر التقرير الطائرات المروحية.
الموظف الثاني هو أليكس (تبيّن لاحقًا أنه بريندان ويلان) الذي كان عضوًا في فريق منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية، بين نيسان/ أبريل وآب/ أغسطس 2018، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019. كان “أليكس” عضوًا في فريق جمع الأدلة، لكنه غادر قبل بدء التحليل الحقيقي. وادعى أن وجهة نظره البديلة للأحداث (لم يعتقد أن الأدلة أظهرت استخدام الكلور) قد قُمعَت، واعترض على بعض الصيغ الواردة في التقرير المؤقت. كان هناك تعديل طفيف على لغة التقرير النهائي، ويمكن القول إنه أخذ في الحسبان بعض الاعتراضات، لكنه لا يزال يرفضها بشكل عام، مع عدم توفر مزيد من الأدلة قبل استقالة أليكس.
بخلاف مجموعة المصادر الإعلامية المناصرة للمؤامرة (المؤامراتية) بقيادة الدولة الروسية، تناول الصحفي البريطاني اليميني بيتر هيتشنز قصةَ “التستر”، في صحيفة (Mail on Sunday) الوضيعة وعديمة القيمة والأهمية، وكذلك فعلت مجموعة من اليساريين المزعومين “المناهضين للإمبريالية”، في جماعة تسمى “Grayzone” (المعروفة أيضًا باسم “Red-Brown-Zone”)، ورجلُ ترامب اليميني المتطرف في قناة (فوكس نيوز) تاكر كارلسون، والصحفي روبرت فيسك الذي يتبناه (الجيش السوري) في صحيفة الإندبندنت، ويؤيدهم دعاة مؤيدون للأسد على المدى الطويل، مثل فانيسا بيلي الضيفة المنتظمة على عرش الأسد التي تكتب للموقع المؤامراتي (21st Century Wire).
لماذا ينبغي أن نصدّق اثنين من الموظفين السابقين الساخطين في منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية، بخصوص البحث الذي أجراه غالبية المهنيين في المنظمة؟ أما لماذا قررت هذه الأغلبية الانخراط جماعيًا في عملية التستر، فهذا محض تخمين.
بالنسبة إلى أولئك الذين يرغبون في فهم المزيد من خصوصيات وعموميات هذه الملحمة المستمرة، لا يمكنني إلا أن أوصي بشدة، بالاطلاع على المصادر التالية:
- – الحلقة 11 من مسلسل MayDay على قناة BBC – علبة/ قناع الغاز في السرير Canister on the bed: ما الذي حدث بالفعل في مذبحة دوما؟ http://bbc.in/2Mfx2he
- – سكوت لوكاس -إنكار الهجمات الكيمياوية في سورية ومهاجمة المفتشين- قضية دوما، https://bit.ly/3iKxhxn
- – بيلنغكات (Bellingcat) -تُلقي مراسلات منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية حول دوما غير المنشورة مزيدًا من الشكوك حول مزاعم تقرير”Doctored” – http://bit.ly/39Pqu1f
- – بيلنغكات (Bellingcat)، تسريبات منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية عن دوما، الجزء الأول: نحتاج إلى التحدث عن “أليكس” http://bit.ly/3o6PyFS
الآن، إذا كنتَ مهتمًا فعلًا بهذه القضية، وبمصير ضحايا مجازر الأسد (الكيمياوية وغيرها) على مدى عقدٍ من الزمن؛ فأنت بحاجة إلى الاستماع ومشاهدة وقراءة هذه المصادر، وخاصة الأول. ثم دوّن استنتاجاتك. إذا لم تفعل هذا أولًا، فإن اهتمامك الوحيد هو الترويج للمؤامرة.
بعض القراءات المفيدة الأخرى:
- – الحياة والموت في دوما. الجزء الأول: الرواية الروسية: http://bit.ly/3iAEFev
لإجراء تشريح ممتاز للدعاية التي أطلقها الصحفيون المتحالفون مع الدولة الروسية، وآخرون مثل روبرت فيسك الذي سُمح له بـ “مقابلة” الناس، أمام أعين مسؤولي نظام الأسد (الذي يعدّه فيسك نظامه)، قبل أن يُسمح لمنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية بمقابلتهم، علينا قراءة:
- – “البلهاء المفيدون”: كيف ساعد هؤلاء الأكاديميون البريطانيون روسيا في إنكار جرائم الحرب في الأمم المتحدة، جولة عامة جيدة بقلم كريس يورك https://tinyurl.com/yar7vyox
- – براين ويتاكر، وثائق مسربة لمنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية: ما تظهره حقًا حول تحقيق دوما، http://bit.ly/3qFm6sj
- – جيمس هاركين، ماذا حدث في دوما؟ البحث عن حقائق في ضباب حرب الدعاية في سورية، https://bit.ly/2KysSRc
- – نافيز أحمد، دعاية الدولة في سورية: من جرائم الحرب إلى خطوط الأنابيب، لندن: مبادرة جرائم الدولة الدولية، جامعة كوين ماري بلندن، 2018، https://tinyurl.com/y8a59rfq
هل ثمة سببٌ للحرب؟
ومع ذلك، في حين أن استنتاجي من كل هذه المواد هو أن تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية هو ملخص عادل لما حدث، فإنني أفضل أن أنظر إلى السياق العام، بدلًا من الهوس بعمل المخبرين.
بعد كل شيء، فإن قضية موجبات الحرب هي جوهر حجة المؤامرة؛ إذ يتساءل أولئك: لماذا يريد الأسد “المخاطرة باستجلاب التدخل الغربي”، من خلال شن هجوم كيمياوي، بينما كان ينتصر بالفعل في الغوطة الشرقية؟ أليس من مصلحة الثوار أن يشنّوا هجومًا “تمويهيًا”، ويلقوا اللوم على النظام، ومن ثم يستجلبون التدخل الغربي لإنقاذهم؟
لكن لماذا يكون هذا ضروريًا، إذا كانت الولايات المتحدة، كما يعتقد تحالف اليمين المتطرف/ اليسار البديل، تتلهف على الدوام لشنّ حرب على سورية وتنفذ “تغيير النظام”؟ بعد كل شيء، حتى لو تم إثبات أن منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية كانت مخطئة، وأن الأسد لم يشن بالفعل هجوم الكلور المحدد الذي أسفر عن مقتل 43 شخصًا، فلن يغير ذلك حقيقة أن نظامه قتل مئات الآلاف من الأشخاص، باستخدام كل نوع يمكن تصوّره من “أسلحة الدمار الشامل التقليدية”، طوال عقدٍ من الزمن.
بمعنى آخر: لماذا تحتاج الولايات المتحدة أو الثوار إلى اختلاق قصص عن الهجمات الكيمياوية؟ أليس لدى الولايات المتحدة بالفعل أدلّة سياسية كافية على قيام الأسد بتسوية مدن بأكملها مع الأرض وإلقاء البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية وقصف المدارس ومئات المشافي والأسواق وإطلاق الصواريخ الباليستية على المباني السكنية، طوال أعوام، وما إلى ذلك؟
لا؟ حسنًا، كل هذا سيئ، لكن الولايات المتحدة، لبعض الأسباب السلمية التي تحترم القانون، رسمت الخط الأحمر ضد الأسلحة الكيمياوية فقط، لا ضد كل بقية الأسلحة. ولذا فإن “الكذبة حول الأسلحة الكيمياوية تُلفَّق لمنح الولايات المتحدة ذريعة لقصف سورية”.
أوه؟ ماذا إذن عن الثلاثين ألف غارة أميركية على تنظيم داعش، والنصرة/ هيئة تحرير الشام، وأحرار الشام، وأحيانًا على إسلاميين آخرين أو حتى متمردين من التيار الرئيس، التي أسفرت عن مقتل ما بين (6250 -9600) مدني، وتسوية مدينة الرقة بالأرض؟ وفقًا لمركز مراقبة الحرب الجوية. أليس كل هذا “قصفًا من الولايات المتحدة على سورية؟”.
بالطبع، لم يكن أيّ من هذا -في أيّ وقت- يهمّ مصلحة الحركة الغربية “المناهضة للحرب”، بأي شكل من الأشكال، فضلًا عن تحالف اليمين المتطرف/ اليسار البديل، بالنسبة إليهم، يصبح عدوانًا أميركيًا خطيرًا في حالة واحدة فقط: إذا قصفت الولايات المتحدة بعض منشآت نظام الأسد، لبضع دقائق مرات عدة خلال ثمانية أعوام، ولم تقتل أحدًا، ولم تلحق أي ضرر بآلة الأسد الحربية.
لكن حسنًا، دعنا نأخذ الأمر على طريقتهم، قصف الأسد وحده هو الأمر السيئ، على عكس قصف سورية، فهو أمرٌ لا قيمة ولا عاقبة له. ولذلك، في هذه الحالة، إذا كان العملاء الأميركيون في وسائل الإعلام أو داخل منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية، أو في أي مكان، يبذلون جهدًا لتلفيق مؤامرة الأسلحة الكيمياوية التي دبّرها المتمردون، لمجرد أن الولايات المتحدة مستميتة جدًا لمهاجمة الأسد، ولكنها بطريقة ما لا تستطيع أبدًا العثور على عذر، بعد أن اختلقوا العذر، ألن تستغل الولايات المتحدة الفرصة لإلحاق بعض الضرر بآلة الأسد الحربية، بدلًا من ضرب ثلاثة مبانٍ خلال (45) دقيقة؟
سياق هجوم دوما
دعونا نلقي نظرة على سياق هجوم الأسد الكيمياوي المزعوم التمويهي على الغوطة، في نيسان/ أبريل 2018.
في آذار/ مارس 2018، أطلق نظام الأسد حملته الأخيرة لإخضاع منطقة الغوطة الشرقية التي تسكنها الطبقة العاملة ويسيطر عليها الثوار منذ مدة طويلة خارج دمشق، حيث أسفرت عن مقتل حوالي (1700) شخص خلال أربعة أسابيع، في واحدة من أكثر حلقات الصراع قسوة من القصف المرعب في الحرب. بعيدًا عن استخدام هذا الرعب، كذريعة لـ “شن حرب على سورية”، كما تعتقد التخيلات المحمومة أن الولايات المتحدة أرادت أن تفعل على الدوام، طوال هذا الشهر من المذبحة، كان صمت الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى يصمّ الآذان. خلال هذا الشهر، عقد كبار الجنرالات الأميركيين والروس مناقشات رفيعة المستوى مرتين، ويبدو أنهم لم يتطرقوا إلى موضوع الغوطة البتة. وورد أن المحادثات التي ركزت على سورية أظهرت “مصلحة متبادلة واضحة للحفاظ على خطوط الاتصال العسكرية”. وشدد جيمس ماتيس، وزير الدفاع، على أهمية التعاون مع روسيا، لكنه مع الأسف أشار إلى أن قضايا أخرى -مثل أوكرانيا وشبه جزيرة القرم- تشير إلى أن لدى الكرملين أفكارًا أخرى. أي إن دور الكرملين في الوقت الراهن في سحق الغوطة لم يكن يستحق الاهتمام.
في 29 آذار/ مارس، بعد أسابيع من قصف الأسد الرهيب للغوطة، قال الرئيس الأميركي ترامب: “إننا نوجّه الضربة القاضية لداعش، سنخرج من سورية قريبًا جدًا. دع الآخرين يهتمون بها الآن”: “الناس الآخرون” هم نظام الأسد. الغوطة؟! ربما لم يسمع ترامب بها من قبل. صحيح أن البنتاغون رفض فكرة الانسحاب السريع التي طرحها ترامب، ولكن ليس لأنهم اعتقدوا أن على الولايات المتحدة أن تفعل أي شيء حيال الأسد أو أهوال الغوطة، ولكن ببساطة “سنواصل دعم قوات سوريا الديمقراطية، بينما تواصل هي القتال ضد داعش”.
بحلول أوائل نيسان/ أبريل، كان الأسد قد انتصر بشكل كامل على منطقة الغوطة كلّها تقريبًا، لكن إحدى الميليشيات (جيش الإسلام) كانت صامدة في ضاحية دوما. هذا هو المكان الذي وقعت فيه مذبحة الأسد “المزعومة”بغاز الكلور. في اليوم التالي تمامًا، استسلمت دوما! ألا يبدو هذا إجابة معقولة لأولئك الذين يسألون: “ماذا ربح الأسد؟”. لقد حصل على نصر كامل فوري. على ما يبدو، بالنسبة إلى المؤمنين بالمؤامرة، فإن الثوار قد بذلوا كل جهدهم في إعداد عملية كاذبة، لإلقاء اللوم على الأسد والتدخل الغربي، لكنهم لم ينتظروا يومًا لهذا التدخل!
في مواجهة انتهاك فظ آخر لـ “الخط الأحمر” الأميركي ضد الأسلحة الكيمياوية فقط، على الرغم من هدية ترامب للأسد الجاحد باللامبالاة الشديدة بشهر المذابح وإعلان انسحاب الولايات المتحدة من سورية للأسد، قرر ترامب أنه بحاجة إلى شن ضربة تعبّر عن “المصداقية”. استهدفت الضربة (التي لم تصب أحدًا) ثلاثة مبان، يُزعم أنها مرتبطة بأبحاث الأسلحة الكيمياوية أو تخزينها، من دون أي تأثير على آلة الأسد الحربية. ثم توقفت فجأة؛ وأعلن ترامب أن “المهمة أنجزت” بعد (45) دقيقة!
حقًا، هل ساعدت الإمبريالية الأميركية، التي يُزعم أنها عازمة على ما يمكنها أن “تشن حربًا على سورية” لتنفيذ “تغيير النظام” ضد الأسد، الثوارَ في اختلاق هجوم كيمياوي كاذب، من أجل تنفيذ هذه المشكلة، بعد مجزرة الأسد التي استمرت شهرًا وحصدت (1700) روح؟
وبالعودة إلى السؤال: “لماذا يخاطر الأسد باستجلاب هجوم أميركي” وما إلى ذلك؟ ربما لأنه اعتقد أن الأسوأ سيكون ضربة خفيفة/ نقرًا حول المفاصل، وأن هناك ثمنًا معقولًا عليه دفعه، مقابل النصر السريع والإرهاب النفسي الناتج عن هجمات الأسلحة الكيمياوية. بعد كل شيء، كان لديه بالفعل تجربة مثل هذه الضربات الخفيفة قبل عام.
هجوم خان شيخون بغاز السارين عام 2017
بالطبع، لم يكن ما حدث في دوما الحادثَ الأول من نوعه. تعتقد مجموعة المؤامرة (المؤامرتيون) أن جميع هجمات الأسد الكيمياوية كانت “كاذبة/ مختلقة”؛ لاستجلاب هذا “التدخل الغربي” المراوغ، بدءًا من هجوم السارين الضخم على الغوطة الشرقية في عام 2013، الذي أسفر عن مقتل (1400) شخص، وأدى إلى عدم وجود أي ردٍّ تجاه الهجوم بغاز السارين على بلدة خان شيخون في شمال سورية في نيسان/ أبريل 2017. بينما وجد معهد السياسة العامة العالمي، ومقره برلين، أن نظام الأسد مسؤول عن 98 في المئة من أصل (336) هجومًا كيمياويًا في سورية، فهل كان كل هذا “دعاية كاذبة”، أدت إلى عدم التدخل الغربي؟
يجدر النظر في قضية خان شيخون، التي وقعت في نيسان/ أبريل 2017، أي قبل عام بالضبط من مذبحة دوما التي كنا نناقشها؛ حيث قررت منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية لاحقًا أن نظام الأسد هو من شنّ هجوم السارين هناك.
وبالنظر إلى حقيقة أن ردّة فعل الولايات المتحدة، بقصف قاعدة الشعيرات الجوية للأسد (الضربة الأميركية الأولى على الأسد بعد ما يقرب من (8000) غارة أميركية على سورية في تلك المرحلة، وكلها على القوات غير التابعة للأسد وعلى القوات المناهضة للأسد) نسأل: هل هذا يعني أن ما حدث كان عمليات “تمويهية”؟
بعيدًا عن مدى صحة ما حدث؛ دعونا نلقي نظرة على السياق، وحجج أسباب الحرب، مرة أخرى.
في الأسابيع التي سبقت مذبحة الأسد الكيمياوية في خان شيخون، أوضح ثلاثة قادة أميركيين بارزين موقف ترامب المؤيد للأسد. أعلنت نيكي هايلي (ممثلة ترامب في الأمم المتحدة) أن الولايات المتحدة “لم تعد” تركز على إزاحة الأسد “بالطريقة التي كانت عليها الإدارة السابقة”، واستخدم ريكس تيلرسون (وزير الخارجية) كلمات الأسد، معلنًا أن “وضع الرئيس الأسد على المدى الطويل سوف يقرره الشعب السوري”. وقال شون سبايسر (المتحدث باسم البيت الأبيض) علانية: “فيما يتعلق بالأسد، هناك واقع سياسي علينا قبوله”.
عندما يتلقى الأسد كل هذا التشجيع، فهذا يعني أن هناك إمكانًا لإضفاء الشرعية على كل شيء حتى السارين، لم يكن أمام الولايات المتحدة خيار سوى ضرب الأسد، من أجل “مصداقية” الإمبراطورية. تمت مقايضة التراجع الأميركي عن “خطها الأحمر” في عام 2013، بحمل الأسد على التخلص من كل غاز السارين. وصار بإمكانه استخدام كل أنواع الأسلحة المروعة الأخرى في الأعوام الأربعة التي تلت ذلك، ولم يكن بوسع الولايات المتحدة أن تهتم كثيرًا، ما دام نظام الأسد بعيدًا عن الأسلحة الكيمياوية. وبعدما تبيّن أن الأسد احتفظ ببعض الكميات من غاز السارين، وكان على استعداد لاستخدامه، اضطّرت الولايات المتحدة إلى توجيه ضربة من أجل دعم المصداقية، على الرغم من النيّات الواضحة جدًا لنظام ترامب المعلنة قبل أيام فقط.
للتخفيف من حدّة الضربة، حذّر ترامب بوتين، فحذّر بدوره الأسدَ، فتمكن بذلك من نقل الطائرات من القاعدة في الوقت المناسب. وبحسب الروس، فقد أُصيبت ستّ طائرات حربية منسّقة. بحلول اليوم التالي، كانت القاعدة جاهزة للاستخدام من جديد لقصف السوريين، وتعرضت خان شيخون للقصف مرة أخرى، لكن ليس بغاز السارين هذه المرة.
أم أجل هذا حقًا لفّق المتمردون هجومًا “خلّبيًا/ تمويهيًا”؟ ومن المفترض أن الولايات المتحدة تملقت منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية، وضغطت عليها لإصدار تقرير لاحق يلوم الأسد زورًا، وردًا على ذلك، شنّت الولايات المتحدة ضربة صغيرة واخزة لم تستمر آثارها، إن وجدت، أكثر من يوم واحد؟ لا تستسخفوا الأمور، ولا تستخفّوا بعقولنا.
إذا كنتَ تريد أن ترى تدخلًا دمويًا للولايات المتحدة، فما عليك إلا أن تنظر إلى تلك المنطقة قبل أسابيع قليلة. من أي وجهة نظر إنسانية، نجد أن المقارنة بين القصف الأميركي لمسجدٍ في ريف حلب (الخاضع لسيطرة المعارضة) في آذار/ مارس 2017 الذي أدى إلى مقتل 57 مُصليًّا، وبين الضربة الأميركية على قاعدة الشعيرات الجوية بعد أسابيع قليلة، التي لم تسفر عن مقتل أحد، تُظهر مدى بساطة الحدث الثاني. لم يصدر نظام ترامب أي اعتذار عن مذبحة المسجد (زاعمًا أن “إرهابيين” من هيئة تحرير الشام ضد الأسد ربما كانوا يستخدمونه)، وقد رحّب بها أصدقاء ترامب الروس. في هذه الأثناء، كان عدد المدنيين الذين قُتلوا في القصف الأميركي للمناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في العراق وسورية، في الأشهر الستة الأولى لولاية ترامب، أعلى من عدد القتلى في أعوام أوباما الثمانية، ومع ذلك سيخبرك أصحاب نظرية المؤامرة أن الولايات المتحدة كانت تدعم داعش، و/ أو هيئة تحرير الشام و/ أو المتمردون ضد الأسد!!
وأوضحت المتابعة كذلك أن هذه الضربة كانت مرة واحدة. وشدّد تيلرسون على أن الضربة كانت تتعلق بالكامل بغاز السارين، وقال: “لن أحاول -بأي حال من الأحوال- استقراء ذلك بأنه تغيير في سياستنا أو موقفنا بخصوص أنشطتنا العسكرية في سورية اليوم”. وشدد ترامب على أنه إنما شن الضربة، لأن الأسد استخدم أسلحة كيمياوية، “وافق على عدم استخدامها في ظل إدارة أوباما، لكنه انتهك ذلك”. وشدد ماتيس (وزير الدفاع) على أن “سياستنا العسكرية في سورية لم تتغير. لا تزال أولويتنا هزيمة داعش”.
وصرّح ماكماستر (مستشار الأمن القومي) بأن ليس لديه أي قلق من استخدام القاعدة الجوية (مطار الشعيرات) مرة أخرى في اليوم التالي؛ لأن “الإضرار بقدرات الأسد العسكرية لم يكن هدف الضربة”، وبأن هدف الولايات المتحدة (بعيدًا عن تغيير النظام الذي يقول ماكماستر ببساطة إنه متروك للروس) إنما هو منحصرٌ بهزيمة داعش، مع وجود رغبة أيضًا في “تغيير كبير في طبيعة نظام الأسد وسلوكه بصورة خاصة”. (ملاحظة: ليس تغييرًا في طبيعة النظام، بل تغيير نظام الأسد تحديدًا!).
كيف وصل الكلور إلى هناك؟
بينما أعتقدُ أن ما قدّمته كافٍ لإثبات السخافة المتأصلة في فكرة أن ما حدث في دُوما أو خان شيخون كان مؤامرات، من جهة نظر السياق وحجة سبب الحرب، هناك طرق أخرى لإثبات استحالة حجة المؤامرة.
على وجه الخصوص، بالعودة إلى دوما، إذا لم تُسقط عبوات الكلور التي وُجدت في الجزء العلوي من المباني من السماء، فكيف وصلت إلى هناك؟ أفضل ما رأيته في هذه القضية هو ذلك الذي صاغه لويس برويكت [الماركسي جدًا]، في هذه المقالة حول قضية دوما. لدرجة أنني سأقتبس جزءًا كبيرًا منها هنا، وهناك جانب آخر يجب على المشككين التفكير فيه:
- – قد يكون الحصول على خزانات الكلور أمرًا سهلًا نسبيًا، لكن كيف يمكن لجيش الإسلام أن يجهز ويبني العدّة اللازمة لتحميلها ثم إسقاطها من المروحيات؟ إذا كنت ستلفق تهمة للأسد، فمن الأفضل أن تكون في وضع يسمح لك بتقليد السلاح الذي كان يستخدمه لمدة خمسة أعوام على الأقل. هل يجادل هندرسون وأليكس في أن صور أسطوانتي الكلور المسلحتين اللتين شوهدتا في تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية تم إعدادهما من خلال برنامج (فوتوشوب)؟ إذا لم يكن كذلك، كيف تصنع العدّة اللازمة من الصفر/ الخربشة؟ هل صنعها جيش الإسلام في ورشة ميكانيكية؟ بصفتي شخصًا حاصلًا على دبلوم المدرسة الليلية في الخراطة وآلات الطحن من أيام الصناعة الاستعمارية، يمكنني أن أخبرك أن هذه ليست مهمة سهلة مع وجود القصف المستمر وانقطاع التيار الكهربائي.
- – كان على جيش الإسلام استخدام مثقاب هوائي أو مطرقة ثقيلة لخلق ثقوب كبيرة في الأسقف الخرسانية، أو إيجاد شقق متصدعة وذات شقوق مسبقة في أسقفها. إذا كانت ثمة حفرة فعلًا في الشقة، فما سبب الركام على الأرض تحتها؟ وماذا عن الاهتمام الذي قد تجذبه هذه الأدوات أثناء الاختراق الثقيل للأسقف الخرسانية؟ سيكون المضرب كافيًا لإيقاظ الموتى. علاوة على ذلك، ما الذي سيفعله جيرانهم معهم، وهم ينقلون خزانات الكلور التي تزن (300) رطل إلى المبنى ويصعدون بها السلالم؟ الدوي الثقيل لصوتها. أي شخص يكتشفها سوف يستنتج أنهم يبيّتون نية سيئة، خاصة أن من غير المحتمل أن تضمّ مباني دوما السكنية حمامات سباحة على السطح، وهي تحتاج إلى التعقيم.
- – للتأكد من أن الأربعين إلى الخمسين شخصًا الذين سيصبحون أضاحي/ أضحيات في هذه العملية غير المتوقعة المزيفة، كان على جيش الإسلام منعهم هؤلاء الناس من الفرار من الطوابق السفلية، حيث لجؤوا. لكن ماذا لو حاولوا الفرار في الدقيقة التي تم اكتشاف غاز الكلور فيها؟ لو هرب أحدٌ أفلا تُوجّه أصابع الاتهام إلى جيش الإسلام؟ ألن يفقد جيش الإسلام حينذاك كلّ دعمه على الفور؟
ملحوظة على جيش الإسلام
نقطة أخرى حول هذه الميليشيا. على عكس أجزاء أخرى من الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها الجماعات المتمردة الأكثر تقليدية، فإن جيش الإسلام، الجماعة المسيطرة على دوما، يتمتع بسمعة سيئة بشكل خاص بين المتمردين والمعارضين الآخرين، بسبب إدارته لنظام استبدادي للغاية. على سبيل المثال، يُعتقد على نطاق واسع أنه مسؤول عن اختفاء نشطاء دوما الأربعة الثوريين منذ أواخر عام 2013.
ومع ذلك، انضم الآلاف من السكان المحليين إلى صفوف هذه الميليشيا ببساطة، من أجل الدفاع عن السكان المحليين ضد عودة نظام الأسد الأكثر قمعية وإجرامًا. لا علاقة لذلك بجيش الإسلام على هذا النحو؛ كما أوضح أحد الناشطين المدنيين في دوما، وهو معادٍ لجيش الإسلام: “كل الشباب ينضمون إلى جيش الإسلام. هذا ليس بسبب الإيمان الأيديولوجي أو لأنهم يحبون (علوش)، إنما لأنهم بحاجة إلى القتال وعدم الانتظار والاكتفاء بالمراقبة”. بل على العكس من ذلك، إن الرغبة في استمرار بعض أشكال التقاليد والمؤسسات الثورية الشعبية التي أُنشئت في الفترة 2002-2003 في ظروف سيئة للغاية، وكانت في كثير من الأحيان في حالة صراع مع نظام جيش الإسلام نفسه، هي ما جعل الناس يقاتلون.
وكما قال فراس عبد الله، الناشط الثوري (الذي بقي هناك طوال فترة الحصار) بعد فراره من دخول قوات الأسد: “الدكتاتورية واحدة، لكنها متعددة الألوان”. بعبارة أخرى: تغذى الحكم القمعي لجيش الإسلام على وجه التحديد، من خلال أعوام من الحصار والقصف والتجويع الأسديين. لكن العلاقة تذهب إلى أبعد من ذلك: الأسد هو الذي أطلق سراح زهران علوش، مؤسس جيش الإسلام، إضافة إلى نحو ألف شخص من الجهاديين الآخرين، من زنزانته في منتصف عام 2011، في الوقت الذي كان يعتقل فيه ويسجن الآلاف من الناشطين الديمقراطيين، من ضمن ذلك من دوما. احتل أشخاص مثل علوش فراغ القيادة الذي خلقته اعتقالات الأسد الجماعية.
ومع ذلك، فهذه تحديدًا أصول التيارات الإسلامية المتشددة مثل جيش الإسلام -في الجهاد العراقي ضد الاحتلال الأميركي- التي تجعل أي صلة بين الغرب وجيش الإسلام، كما تشير إليه نظريات المؤامرة الموالية للأسد، غير مرجّحة بطبيعتها. وبالفعل، صنف جون كيري، وزير الدفاع الأميركي [وزير الخارجية]، جيش الإسلام (وأحرار الشام) على أنهم جماعات “إرهابية”. في حين أن الولايات المتحدة قامت بتسليح طفيف لمجموعات متمردة “تم التأكد منها” في عهد أوباما (لم يكن ذلك للوقوف ضد الأسد ولكن من أجل استمالتهم سياسيًا) لم توجه أي أسلحة أميركية في اتجاه جيش الإسلام. إذا أراد المؤامراتيون الادعاء بأنهم فعلوا ذلك، فالأمر متروك لهم للعثور على الوثائق التي تثبت ادعائهم؛ ولكنهم لن يفعلوا ولن يجدوا. مهما كانت المساعدة المحدودة التي جاءت عبر الحدود الجنوبية الأردنية في عهد أوباما، فقد ذهبت إلى الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر، التي لم يكن جيش الإسلام عضوًا فيها، وبكل الأحوال تم إبعاده جغرافيًا عنها. على أي حال، أوقف ترامب عام 2017 جميع المساعدات العسكرية لجميع المتمردين، بل إنه قطع جميع المساعدات عن المجالس الديمقراطية والمجتمع المدني في مناطق المعارضة. لذلك، قبل عام 2018 بوقت طويل، كانت القيادة الأميركية تنظر صراحة إلى جميع المتمردين على أنهم أعداء، وليس فقط جيش الإسلام.
علاوة على ذلك، نجح هذا في كلا الاتجاهين: الفكرة القائلة بأن جيش الإسلام سيحاول استجلاب تدخل غربي يتعارض مع قناعة هذه الجماعة. في أعقاب هجوم الأسد الكيمياوي الأكثر فتكًا على الغوطة الشرقية في عام 2013، ردّ جيش الإسلام على تهديد أوباما المزعوم بضرب الأسد بهذا البيان:
“ما يهمنا هو السؤال: مَن ستستهدف أميركا بضربتها؟ ولماذا تختار هذا الوقت بالذات؟ لقد استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيمياوية عشرات المرات والولايات المتحدة لم تحرك ساكنًا. هل أتتهم صحوة ضمير فجأة أم أنهم يشعرون أن الجهاديين على وشك تحقيق نصر نهائي يسمح لهم بالسيطرة على البلاد؟ وقد دفع هذا الولايات المتحدة إلى التحرك في ربع الساعة الأخيرة لتوجيه الضربة النهائية لهذا النظام المترنح حتى تتمكن من تقديم نفسها كلاعب رئيس ومن فرض طاقمها الذي كانت تعدّه منذ شهور لحكم سورية”.
لا، لم يقم جيش الإسلام المناهض للغرب بسحب عبوات الكلور الضخمة على العديد من السلالم وفتح الفجوات في السقف من أجل استجلاب التدخل الأميركي الذي كانوا يعارضونه ثم استسلموا للأسد في اليوم التالي على أي حال. السيناريو برمته هلوسات.
“الجدل” المتعلق بـ (الخوذ البيضاء)، باختصار
أضع الجدل بين علامتي اقتباس لأنه مجرد “جدل” لجناح متشدد بشكل خاص من الجناح اليساري/ اليميني المتطرف. ما أعنيه، حقًا، أن بإمكان المرء أن يتوقع من أنصار الأسد والمؤامراتيين تشويه سمعة التشكيلات العسكرية للمعارضة السورية وحتى القادة السياسيين والمدنيين، لكن هوسهم بالمستجيبين الأوائل المتطوعين، الذين عرّضوا أنفسهم لخطر شديد (وقد مات كثير منهم أثناء القتال) لإنقاذ المدنيين من تحت أنقاض المباني المدمرة، وإنقاذ آلاف الأرواح، هو ظاهرة غريبة بشكل خاص.
إن عرض الأكاديميين البيض و”الصحفيين” وأصحاب البروباغندا الذين يعيشون في الغرب، حيث يعرّف كثيرون أنفسهم على أنهم “يساريون”، بينما يشتمون ويبصقون على ذلك الشعب الأسمر الذي يموت على الجبهات، لهو مشهدٌ فاحش وسوقي ومبتذل لدرجة أنه ينبغي أن يكون مهزومًا من تلقاء نفسه. ومع ذلك، فإننا نعيش في هذه الحقبة المناهضة للتضامن، حيث غالبًا ما يكون المصطلح “معاداة الإمبريالية اليساري” أكثر من مجرد وسام شرف في “بازار” الأفكار والصورة، نرى الآلاف من الأتباع يصطفون للانضمام إلى هذا الفجور. أيها الرفاق، إنكم تسعون للظهور ولو كان على خازوق.
إن “الجدل” حول الخوذ البيضاء ليس موضوع هذا المقال، فما علاقته، إن وجدت، بجدل الهجمات الكيمياوية؟ لا شيء بالضرورة، باستثناء أن هذين هدفين رخيصين لمجموعة المؤامراتيين. ومع ذلك، فإن أحد الروابط التي يحاولون القيام بها هو التأكيد على أن الخوذ البيضاء كانوا مخبرين رئيسين في “تدبير” هذه الهجمات “المزيفة”.
أحد الادعاءات هو أن الخوذ البيضاء هم الذين صوّروا لقطات دوما الأولية للقتلى في الهجوم الكيمياوي. ومع ذلك، فقد نشر الشريط في الأصل مركز إعلامي معارض آخر، وقد وضح ذلك نافيز أحمد، في مقال قيم يتناول قدرًا كبيرًا من هذه الدعاية، إذ قال إن منظمة الخوذ البيضاء “لم تكن موجودة حتى في مكان الحادث في أعقاب ذلك مباشرة” (ص 31). ويردّ على سؤال سكوت ريتر، المحقق السابق للأمم المتحدة بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية، حيث انتقد ريتر تقييم منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية بأن غاز السارين قد استخدم في هجوم خان شيخون، بدعوى الاعتماد على “لا شيء سوى الخوذ البيضاء”، للحصول على عينات (ص 39)، لأن النظام منع منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية من الوصول إلى الموقع. ويوضح نافيز أحمد: تم الحصول على عينات من مصادر أخرى، أحدها النظام، أثبتت منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية بواسطتها استخدام غاز السارين.
بخلاف التوصية بكثير من الردود للرد على الدعاية المعادية للخوذ البيضاء (جرب هذا وهذا وهذا، وخاصة السلسلة الأولى، سلسلة BBC الكاملة)، ستكون نقطتي الأخيرة مرة أخرى من تلك المسألة: “ما الغرض من كل هذا على أي حال؟”. سواء كان الادعاء أن الخوذ البيضاء مجرد ممثلين لا ينقذون أي شخص، أو أنهم ينقذون الناس، لكنهم يستخدمون لقطات من نشاطهم لخلق دعاية ضد النظام (وكأن قصف المواقع المدنية التي ينقذ منها الخوذ البيضاء هؤلاء الأشخاص ليس جريمة حرب؟!) -حقًا، لماذا يكون هذا ضروريًا!
يمكن لأي شخص لديه عيون وآذان وعقل من مشاهدة مقاطع فيديو استمرت عقودًا كاملة أو قراءة آلاف الروايات من قبل الصحفيين وناشطي حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية والناشطين المدنيين السوريين واللاجئين والمنظمات الدولية وما إلى ذلك ليعرف أن نظام الأسد يرتكب جرائم جسيمة ضد الإنسانية يوميًا، وهو مسؤول عن أكثر من 90 في المئة، من جميع عمليات القتل وجرائم الحرب في ذلك البلد.
على سبيل المثال، وفقًا لتقرير لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في عام 2017:
تواصل القوات الحكومية والموالية لها مهاجمة الأهداف المدنية ومن ضمن ذلك المشافي والمدارس ومحطات المياه. إن هجوم القوات الجوية السورية على مجمع مدارس في حاس (إدلب)، الذي يرقى إلى مستوى جرائم الحرب، هو تذكير مؤلم بأنه بدلًا من أن تكون المدارس ملاذات للأطفال، تُقصَف بلا رحمة وتُسرق حياة الأطفال منها بلا إحساس. تواصل القوات الحكومية والقوات الموالية لها استخدام الأسلحة المحظورة، ومن ضمن ذلك الذخائر العنقودية والأسلحة الحارقة وعبوات الكلور في المناطق المأهولة بالمدنيين، وهذا يدل على تجاهلها التام للحياة المدنية والقانون الدولي”.
أو كما قالت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بخصوص الحرب في سورية، فإن النظام مذنب بارتكاب جريمة “الإبادة”. وبعبارة أخرى، فإن “دعاية” الخوذات البيضاء ضد النظام ستكون غير ضرورية تمامًا؛ وتجعل من الدعاية المعادية لهم طائشة بقدر ما هي خبيثة.
الآراء الواردة في المقالة لا تعبّر بالضرورة عن موقف المركز من القضايا المطروحة
اسم المقالة الأصلية | Assad’s 2018 chemical massacre in Douma: Why conspiracy claims make no sense |
الكاتب* | ميخائيل كاراديتش،Michael Karadjis |
مكان النشر وتاريحه | SYRIAN REVOLUTION COMMENTARY AND ANALYSIS،موقع المؤلف وورد برس، 2 كانون الثاني/ يناير 2021 |
رابط المقالة | http://bit.ly/3pakl68 |
عدد الكلمات | 4598 |
ترجمة | وحدة الترجمة/ أحمد عيشة |
ميخائيل كاراديتش: (1958 -) يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة أستراليا الوطنية (2010)، يدرس حاليًا في جامعة سيدني/ أستراليا. مناصر للثورة السورية، ومهتم بالموضوع السوري.