“انتصارات ومعارك تحرير، تقدم للجيش الحر، هزائم وتقهقر لقوات النظام..” هكذا كان حال الثورة أواخر العام الثاني من عمرها، العام الذي أبى الرحيل الا بتسطير انتصار جديد يضاف لسجله الحافل بالانتصارات، فالتنافس الشريف كان في أوجه بين فصائل الجيش الحر، أعمال بطولية وفتوحات بإمكانيات محدودة، وفارق كبير في موازين القوى بين ثوار متسلحين بالإيمان والعزيمة وعدالة القضية التي يحاربون من أجلها، وإصرار عل تحقيق النصر، بما توفر بين أيديهم من سلاح خفيف، وبين نظام مجرم قاتل مدعوم من قوى دولية وإقليمية، يملك كل صنوف الأسلحة من طيران ودبابات ومدفعية وسلاح كيماوي.
لم يكد يمضي أسبوع على تحرير كلية المشاة في الخامس عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2012، التي قادها العقيد الشهيد يوسف الجادر (أبو الفرات)، حتى أشعل أبطال لواء الفتح معركة عسكرية سريعة وخاطفة كانت ربما هي أسرع عملية تحرير خلال فترة الثورة.
كانت الوجهة اللواء \ 135\ احتياط قيادة عامة، الذي نقله النظام من منطقة الراموسة في حلب إلى منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية لتعزيز وجوده فيها بعد انتفاضة أهلنا الكرد عام 2004 ليتموضع على سفح جبل قيبار مقابل مدينة عفرين، موجهاً فوهات مدافعه باتجاه أهلنا الكرد فيها.
ظن قادته أنهم من خلال تنسيقهم مع وحدات حماية الشعب (ب ي د)، سيكونون بمنأى عن عيون الثوار وبنادقهم، ولكن عيون الصقور من فصائل الجيش الحر لم تغفل لحظة واحدة عن تحركات هذا اللواء، متحينين الفرصة المناسبة للانقضاض عليه.
كما هو معروف في العلم العسكري نجاح أي معركة، يعتمد على عوامل عديدة أهمها الاستطلاع، والإعداد والقيادة، والسرية، وهكذا كانت عملية تحرير اللواء من أسرع العمليات العسكرية وأكثرها سرية، فلم يسبق المعركة أي تمهيد أو مناوشات، سوى استطلاع سري جدا قام به قائد اللواء رضوان يحيى قرندل والقائد العسكري وقادة مجموعات الاقتحام، استمر لعدة أيام مستفيدين من المعلومات التي قدمها عنصران انشقا سابقاً عن اللواء، عن الملاك العددي والتسليح وانتشار نقاط الحراسة، مما سهل المهمة في وضع خطة المعركة، حيث كان عدد ضباط اللواء 13 ضابطاً، وثلاثمئة من صف الضباط والعناصر، وتسليحه سرية مدفعية 122مم مؤلفة من 3 مدافع، وسرية شيلكا رباعية عدد 3، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الأسلحة المتوسطة والخفيفة وذخائرها.
اجتمع المهاجمون الذين لم يتجاوز عددهم \160\ مقاتلاً عشية يوم المعركة في جامع الحمزة في تل رفعت، وفي لعبة ذكية شرحت لهم خطة اقتحام وهمية هدفها الهجوم على كتيبة القوات الخاصة المكلفة بحماية مطار منغ العسكري في قرية تل عجار، في حين كانت الخطة الحقيقية التي وضعت بعد استطلاع قادة مجموعات الاقتحام لمحاور الهجوم وطبيعة الأرض وكل الظروف المحيطة بالمنطقة، تقتضي تنفيذ الهجوم على اللواء من محورين رئيسيين هما:
المحور الأول من الجهة الجنوبية الشرقية، من قرية مريمين، بقيادة ليث من أسود منطقة مسكنة الرائد محمد عساف، الذي انشق من كلية المشاة في بداية حصارها وشارك في تحريرها، معززاً بقادة مجموعات من الأبطال الذين لا يشق لهم غبار هم، عبد الله عليطو (أبو حمدان)، الشهيد عبد الملك حدبة (إسلام)، عبد الله حدبة، الشهيد ناصر حج زكور، حج شكري العيسى، الشهيد عبد الله ملاح، الشهيد محمد كال حسن (أبو نورا المرندي)، فراس عليطو (العكيد).
المحور الثاني من الجهة الشمالية الشرقية، بقياد النقيب المهندس إسماعيل نداف، وإلى جانبه ثلة من الأبطال على رأس مجموعاتهم هم، الشهيد نورس درباس، الشهيد محمد حجازي (أبو فاروق منغ)، أبو جعفر الطيار ومجموعته، الشهيد الشيخ مصطفى الأحمد ومجموعته، الشهيد خالد قرندل (أبو الخير) الشهيد عادل قرندل(الشيشاني)، خالد حاج قدور، طالب الحقوق في سنة التخرج الشهيد أحمد أوسو (أبو عبدو الناتو)، الشهيد أبو عادل أناب.
كان يدير المعركة في غرفة العمليات الرائد أنس إبراهيم ومعه قائد اللواء رضوان قرندل، عبد المنعم قرندل، عبد الرحمن حياني (أبو مهدي) الأستاذ بكري قرندل، وجنود مجهولين دورهم لا يقل أهمية عن القادة الميدانيين هم الإداريون واللوجستيون الذي كان لهم دور كبير في تأمين كل مستلزمات المعركة، هم نور هلال (أبو بكر)، عبد الله الصن، هيثم بلاو. بالإضافة إلى الإعلاميين الذين يقفون وراء الكاميرات لتغطية مجريات المعركة، وهم الشهيد محمد سعيد ، الشهيد محمود عبد الرحمن شيبان، أسامة حدبة (خطاب)، محمد أمين حمدو (هكور)، شيار عدنان عمر.
لم يغفل قادة العملية عن احتمالية إرسال النظام تعزيزات ومؤازرات من مطار منغ إلى اللواء، فتم تكليف كتيبة المثنى بن حارثة بقيادة أسد هصور مشهود له بالكمين والإغارة لقب بالصياد هو الشهيد يوسف الدج أبو عمر، وإلى جانبه يوسف قرندل (أبو زيد)، أحمد حاج عمر (أبو هاني)، محمد حاج عمر (أبو حيدر)، بالإضافة لكتيبة الشهيد عمر إسماعيل من بلدة منغ بقيادة ماجد ديبو (أبو واجد منغ)، لاصطياد أي قوات تتحرك على هذا المحور.
التكتيك العسكري والسرية التامة للخطة أتيا أكلهما، بعد أن تسربت الخطة الوهمية لقوات النظام المتموضعة في كتيبة تل عجار فهرب ضباطها وعناصرها في جنح الظلام باتجاه المطار، خوفاً من هجوم الثوار عليهم، واطمأن قادة اللواء أنهم ليسوا المستهدفين بالهجوم.
انطلق الثوار على بركة الله بعد صلاة فجر يوم السبت الموافق 22 كانون الأول 2012، باتجاه محاور الهجوم مستفيدين من حالة الطقس الضبابي الماطر الذي أمن لهم غطاء جويا ربانيا يحميهم من طائرات النظام، وسارت مجريات المعركة كما هو مخطط لها.
كان لعنصر المفاجأة الدور الأهم في حسم المعركة التي استمرت أقل من ثلاث ساعات، حيث تم تطويق اللواء والالتفاف عليه من ثلاث جهات، وترك الجهة الغربية المطلة على مدينة عفرين حيث الباب الرئيسي، مفتوحةً لمن أراد الفرار، وكانت التعليمات عدم اللحاق بمن يهرب.
دارت رحى معركة لم تكن سهلة رغم هروب ضباط اللواء باتجاه قرية معبطلي ذات الأغلبية الكردية من أبناء الطائفة “العلوية”، وكان أول الهاربين كالعادة قائد اللواء العميد الركن محمد حمود، ضابط الأمن العقيد عصام الحسن، رئيس أركان اللواء العميد إبراهيم الأسعد، الذي يعرفه جيداً أهلنا في حمص من خلال دوره الإجرامي الذي مارسه بحقهم فيما بعد.
رغم استسلام عدد كبير من عناصر اللواء، إلا أنه كانت هناك مقاومة عنيفة وخاصة من نقاط الحراسة المتقدم (نقطة الكمين) في أعلى الجبل، الذين أمطروا المهاجمين برصاص رشاشاتهم، قبل التمكن من الالتفاف عليهم ومحاصرتهم والسيطرة على قمة الجبل، وبذلك أصبح كامل اللواء تحت مرمى نيران المهاجمين، بعد قتل أكثر من عشرين من عناصره، وأسر 28، بينهم قائد كتيبة الاستطلاع المقدم فادي الرفاعي من مدينة القصير بعد إصابته، ومن نافل القول أن كثيراً من هؤلاء المستسلمين رفضوا إطلاق النار على الثوار، وانضموا إلى صفوف الجيش الحر ومنهم من استشهد في معارك لاحقة ضد عصابات الأسد.
سيطر الثوار على كامل اللواء، وتمكنوا من إطفاء النار التي أشعلها قائد اللواء في مكتبه قبل هروبه، والحصول على بعض الوثائق المهمة بما يتعلق بعلاقته مع تنظيم (ب ي د)، ومحاضر تسلّم وتسليم لكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر للوحدات الكردية، أذكر بعضها، 7 قواذف (r b g)، 36 بندقية آلية كلاشنكوف، 33500 طلقة كلاشنكوف، وكثير من الحشوات والقنابل والذخائر المتنوعة.
بالإضافة إلى ذلك تم العثور في مكتبي قائد اللواء وضابط الأمن على تقارير كثيرة بحق المقدم فادي الرفاعي بأنه يتعاون مع الإرهابيين ويحرض الجنود وصف الضباط على الانشقاق، وكان هناك أمر بتحويله إلى المخابرات العسكرية واعتقاله، ليتبين أنه فعلاً كان ينسق مع عناصر من الجيش الحر، وله دور كبير في مساعدة العشرات من عناصر اللواء على الانشقاق، تم إسعافه إلى عيادة طبيب ثائر حر في قرية مريمين، تبرع بها لتكون نقطة طبية لإسعاف الجرحى والمصابين. هو الدكتور أحمد حاجي حسن.
مع نهاية المعركة وكعادة الضباع التي تبحث عما يخلفه الأسود وراءهم، هرعت قيادات الوحدات الكردية التي لم تتوقع أبداً هجوم الثوار على ثكنة عسكرية واقعة في مناطق سيطرتها، مسرعةً لتطالب بنصيبها من الغنائم، فجاء الرد حاسماً من قائد لواء الفتح، “لن تأخذوا أي طلقة إلا من فوهات البواريد”، مهدداً إياهم باقتحام مدينة عفرين إن لم يغادروا المكان مباشرةً.
وهكذا امتزجت أرض الزيتون بدماء الأبطال الذين استشهدوا على ثراها، وفاحت رائحة المسك من تلك الدماء الزكية الطاهرة، أبطال استرخصوا حياتهم دفاعاً عن أهلهم وقضيتهم، كان في مقدمتهم قائد محور الهجوم الأول الرائد محمد عساف، بالإضافة إلى: أسامة يحيى قرندل، حسين أحمد حراج، الإعلامي محمود عبد الرحمن شيبان، عبد المحسن يوسف، ستبقى دماؤهم منارةً للأجيال تنير الدرب نحو الحرية والكرامة.