يرى مديرو بعض المنظمات الدولية غير الحكومية، نساءً ورجالًا، أنّ الصراعات، بين الدول وخارج الدول، أصبحت أشدّ تعقيدًا، ويستعصي حلّها على الوسطاء كدول وأفراد ومبعوثين أمميين، بسبب التدخلات الإقليمية والدولية وانتشار الأسلحة وغيرها من العوامل المتعددة، الأمر الذي استدعى ويستدعي تدخل منظمات دولية غير حكومية وسيطة فطنة في تسهيل الحوارات بين الفاعلين، رجالًا ونساءً، من المجتمع المدني، وعقد مفاوضات “رفيعة المستوى”، بهدف بناء السلام. وقد أُطلق على هذا النشاط “دبلوماسية المسار الثاني”. أما دبلوماسية المسار الأول فتعني التفاوض من أجل اتفاقية رسمية (بين ممثلي حكومات، أو ممثلي حكومات وقوى معارضة)، وهناك مسارٌ يُدعى 1.5 (واحد ونصف)، يشمل ممثلين حكوميين يشاركون بصفة غير رسمية مع آخرين غير حكوميين. ويمثل المسار الثالث جمهور المواطنين والمواطنات (القاعدة الشعبية – قاعدة المسارات). ويطلق اسم دبلوماسية (القناة الخلفية)، عندما يُدمج مسار الـ 1.5 مع المسار الثاني[1].
أبرز اختراق اعتبره “مهندسو المسارات”، ما تم في اتفاقية أوسلو عام 1993، فقد بدأت المحادثات في إطار المسار الثاني، ثم انتقلت إلى المسار الأول[2]، واتفقَت خلاله منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل على مسائل مرحلية، وأجّلت القضايا الأساسية (القدس، حق العودة، المستوطنات الإسرائيلية، الحدود وغيرها) إلى اتفاقات مستقبلية، على الرغم من أن اتفاق أوسلو وضع شرطًا بإنهاء الاتفاق على تلك القضايا قبل مرور خمس سنوات عليه. لم ينجح مبدأ ياسر عرفات المتمثل بـ “خذ وطالب” فحسب، بل أسس لجملة تنازلات وخسارات وشروخٍ بين القوى الفلسطينية، ولم يعد بالإمكان العودة إلى ما قبل تلك الاتفاقية، وما زال الاحتلال الإسرائيلي يمارس أبشع الجرائم المتمثلة بالحصار وسياسة الاستيطان والتمييز العنصري “الأبارتايد” ضد الفلسطينيين/ات.
اختراقات عملية السلام السورية
أربعة مبعوثين دوليين تعاقبوا على مفاوضات السلام في سورية؛ عُيّن الأول كوفي عنان بتاريخ 24 شباط/ فبراير 2012، واستقال في 2 آب/ أغسطس 2012. أطلق عنان خطة من ستّ نقاط وهي: الالتزام بالتعاون مع المبعوث الأممي في عملية سياسية، وقف دائم للعنف المسلح، ضمان تقديم المساعدات الإنسانية، إطلاق سراح المحتجزين تعسفيًا وخاصة الفئات الضعيفة التي شاركت في أنشطة سياسية سلمية، ضمان حرية حركة الصحفيين، احترام حرية التجمع وحق التظاهر السلمي[3]. وذكر في أسباب استقالته أن الحكومة والمعارضة تعتمدان على عنف متصاعد، وأن الانقسامات داخل مجلس الأمن أصبحت عائقًا أمام الدبلوماسية[4].
ثم عُيّن الأخضر الإبراهيمي بتاريخ 17 آب/ أغسطس 2012، واستقال في 14 أيار/ مايو 2014، وبرر استقالته بقوله: “استقلتُ لأنني لم أكن أصل إلى أي مكان، وكانت هذه الطريقة الوحيدة لي للاعتراض على إهمال المجتمع الدولي والإقليمي للوضع في سورية”.[5] لقد كان رأيه واضحًا وصريحًا في مسألة الانتخابات الرئاسية التي جرت في نيسان/ أبريل 2014، وحذّر قبل حصولها بأنها “ستنسف عملية السلام”، واتهم النظام باللجوء إلى “مناورات تسويفية” لتعطيل المحادثات[6].
حدثت اختراقات متعددة في أثناء تعيين الأمم المتحدة ستيفان ديمستورا التي بدأت من تموز/ يوليو 2017 وانتهت بعد تنحيه عن منصبه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، وقد بدأ الالتفاف على الخطوات الرئيسية للمرحلة الحاكمة الانتقالية والمتمثلة في مرحلتين، بحسب بيان مجموعة العمل من أجل سورية (بيان جنيف) البند 9 – أ: الأولى هي إقامة هيئة حكم انتقالية لها كامل السلطات التنفيذية، “وعلى هذا الأساس، يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية…” وبحسب البند 9 -ج “بعد إقامة النظام الدستوري الجديد، من الضروري الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة وتعددية، وإجراؤها لشغل المؤسسات والهيئات الجديدة المنشأة…” ( بند 9 – د)[7]. وحول التغيير خلال المرحلة الانتقالية، تضمّن البند 10 – د، الالتزام بالمساءلة والمصالحة الوطنية، وإعداد مجموعة شاملة من أدوات العدالة الانتقالية[8]. أما قرار 2254، الداعم لبيان جنيف، فقد ورد في الفقرة الرابعة منه، على خطوات متسلسلة، وتحقيب زمني واضح، كما يلي: “يُعرب عن دعمه في هذا الصدد لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم في غضون فترة مستهدفة، مدتها ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد، ويُعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة، تجري عملًا بالدستور الجديد في غضون 18 شهرًا، تحت إشراف الأمم المتحدة…”.
خروقات القرارين السابقين تمت على مرحلتين: تمثلت الأولى بطرح جدول أعمال من أربع سلال في 3 آذار/ مارس 2017، وذلك عقب انتهاء جنيف 4،[9] تُعنى السلة الأولى بإنشاء حكم غير طائفي، والثانية متعلقة بالدستور، أما الثالثة فتتعلق بالانتخابات، والأخيرة بمكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية. وتم الاختراق الثاني، بتجاوز الانتقال السياسي وإنشاء هيئة حكم انتقالية، والمضيّ بتنفيذ أبرز مخرجات “مؤتمر الحوار الوطني السوري”، المعروف بمؤتمر سوتشي الذي عُقد في كانون الثاني/ يناير 2018، وهو تشكيل “اللجنة الدستورية” كعملية سياسية، كما ورد في إحاطة ديميستورا المقدمة إلى مجلس الأمن بتاريخ 27 حزيران/ يونيو 2018، (فقرة – اللجنة الدستورية، البند 7). وبذلك، تم التأسيس لاختراق وحرف مسار العملية السياسية.
وفي عهد المبعوث الرابع غير بيدرسون الذي عُين خلفًا لـ ديمستورا، وخلال إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن بتاريخ 16 كانون الأول/ ديسمبر 2020 – البند 6، انتقلنا من المساءلة والعدالة الانتقالية، كإحدى مهمات هيئة الحكم الانتقالي الواردة في (بيان جنيف 1)، إلى استخدامه مصطلح “العدالة التصالحية”، خلال استعراضه لعدد من القضايا التي قدّمها بعض أعضاء المجتمع المدني، من الثلث الأوسط المشارك في اللجنة الدستورية، وبعد يومين، نشر مكتب المبعوث الخاص توضيحًا، على حسابه في (تويتر) بتاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 2020، بأن خطأً فنيًا غير مقصود قد حصل، وأن المصطلح لم يتم استخدامه من قبلهم[10]، وذلك بعد بيان أصدره ستة منهم، يطالبون فيه بعدم استخدام مصطلحات لم ترد في مداخلاتهم[11]، ولا نستطيع الجزم بأن التوضيح الذي نشره مكتب المبعوث الأممي قد أُلحق مع الإحاطة كوثيقة من وثائق مجلس الأمن، أم لم يُلحق، فالتأسيس لاستخدام مصطلح “العدالة التصالحية” في المسار الدبلوماسي، يعني تنازلًا عن المطالبة بعدالة جنائية لمحاسبة مجرمي الحرب، والاكتفاء بخيار بديلٍ عنها، أي عدالة تصالحية، تعالج الضرر الواقع، وتعيد الضحية والجاني إلى وضعهما الأصلي[12]، قبل ارتكاب الجريمة أو الانتهاك. وصرح بيدرسون، عقب “الانتخابات الرئاسية” التي تمت في 1 أيار/ مايو 2021، بأنها “ليست جزءًا من العملية السياسية التي دعا إليها قرار مجلس الأمن 2254، ولا تشارك الأمم المتحدة فيها، ولا تفويض لديها للقيام بذلك”[13]. وبعد تسع سنوات من العمل الدبلوماسي الرسمي والمتمثل بتعيين أول مبعوث أممي، أفاد بيدرسون في إحاطته التي قدّمها إلى مجلس الأمن بتاريخ 26 أيار/ مايو 2021، بأن “تطوير مقاربة مبنية على الخطوة مقابل خطوة” يمكن أن يساعد العملية الدبلوماسية، حتى تتمكن الأطراف الدولية الرئيسية، والأطراف السورية أيضًا، من تجاوز انعدام الثقة “من خلال الاتفاق على مجموعة متكاملة من الخطوات المتبادلة التي يتعين اتخاذها، وتكون محددة بدقة وواقعية، مع التأكد من إمكانية التنفيذ والتحقق المتوازيين”[14].
باستثناء الاختراقات السلبية، أي التي لم تؤدّ إلى انتقال سياسي يُنهي احتكار السلطة والاستبداد وثقافة الإفلات من العقاب، فإن مسرح العبث في جنيف، المتمثل بخمس جولات للجنة الدستورية، وقبلها 9 جولات من المحادثات (8 جولات في جنيف والتاسعة في فيينا)، لم يقيّد النظام بأي التزام تجاه العملية السياسية، بل كان مفتتًا لتسلسل الانتقال السياسي، وغطاءً للإمعان في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
دور دبلوماسية المسار الثاني في الصراع السوري
عمل عدد من المراكز والمنظمات الدولية لتصميم عدد كبير من البرامج، من أجل الحوار والتفاوض بين السوريين/ات حول عدد من القضايا مثل الدستور وإعادة الإعمار والحوكمة وحقوق الملكية واللامركزية الإدارية وقضايا النوع الاجتماعي وغيرها من القضايا، بعض تلك المنظمات خصصت نشاطات لما قالت إنه “حوار بين الطوائف”،[15] لاعتقادها بأن “الحوارات بين الطوائف ستزوّد القادة من المنظمات السورية بالمهارات والأدوات التي يحتاجونها لدفع سورية نحو السلام”، وبعض المراكز أسمته “شواغل الأغلبية/ الأقلية”[16]، مثل مركز (كارتر) للسلام، الذي نشط أيضًا في تغيير مسار المحادثة السياسية حول سورية، بحيث يفهم صانعو السياسيات أثر الضرر التي تفعله العقوبات والعزلة، من أجل البدء في بناء نهج يستخدم العقوبات كأداة تحويلية، غير عقابية، من خلال تعديل تدريجي لها، وتهدف تلك الأنشطة إلى “حوار مستنير بين أصحاب المصلحة الرئيسيين في سورية، بما في ذلك المجتمع الدولي والحكومة السورية والمجتمع المدني، من خلال إنتاج المعرفة وتعزيز العلاقات، وتشجيع “الحكومة السورية”، على اتخاذ خطوات إيجابية[17].
بعض منظمات الحوار والوساطة والدبلوماسية، التي تركز على المسار الثاني، مثل “مجموعة الشيخ”، على سبيل المثال، شجعت الحوار السوري بين “الفاعلين السوريين”، “وجمعت بين مئات من المتنفذين السوريين من مختلف الخلفيات السياسية والعسكرية والمهنية ومن المجتمع المدني -ومنهم شخصيات من المعارضة، ومن “المستقلين”، ومن الموالين للحكومة- من خلال سلسلة من ورشات العمل التي أتاحت لهؤلاء الأطراف بناء علاقات فيما بينهم، وبناء ثقة متبادلة، وتعاونوا معًا في وضع تفاصيل عناصر عملية سياسية وتسوية مستدامة دعمًا للجهود الدولية والجهود التي تبذلها الأمم المتحدة”[18]، كما خصصت ورشات ضمّت أفرادًا ينتمون إلى طائفة بعينها.
تحظى مخرجات الحوار التي تدعمها وترعاها بعض تلك المراكز والمنظمات باهتمام أطراف دولية، وقد مهّدت تلك الورشات لمشاركة بعض السوريين، نساءً ورجالًا، ومنظماتهم في “غرفة دعم المجتمع المدني – CSSR” التي أُسست في كانون الثاني/ يناير 2016 على يد مكتب المبعوث الخاص إلى سورية، خلال عمل ستيفان ديمستورا، وشاركت في إنشائها كلٌّ من النروج والسويد، واختير معهد السلام السويسري SWISSPEACE للتنفيذ، بالتعاون مع المركز النرويجي لحل النزاعات NOREF[19]، وقد شارك في الغرفة، التي اعتُبرت دعمًا لجهود عملية الوساطة الرسمية ومساحةً للحوار بين 1029 من المدعوّين/ات، “719 شخصًا مشاركًا بشكل مباشر + 150 منظمة في الشبكات المشاركة + 160 جهة فاعلة من المجتمع المدني تمت التوصية بها للمشاركة في غرفة دعم المجتمع المدني و/أو طُلب منها أن تشارك في نشاطات الغرفة” المستقبلية من قبل فريق دعم الغرفة التابع لمكتب المبعوث الخاص، (يشمل الرقم 719 شبكات تمثل منظمات غير حكومية متعددة). وانخفض عدد المشاركين من 312 مشارك/ة في عام 2018 إلى 150 مشارك/ة في عام 2019، وذلك بعد أن أجرت رابطة الشبكات استطلاعًا ضمن منظماتها المشاركة، استبعدت فيه بعض المنظمات بسبب نقص فاعليتها وتأثيرها ومشاركتها واستدامتها، أو بسبب قيود في التمويل و/أو قيود على العمل المدني داخل سورية وفي دول الجوار[20].
المشاركون في غرفة المجتمع المدني، نساءً ورجالًا، ليسوا طرفًا رسميًا في العملية السياسية التي يقوم بتيسيرها المبعوث الخاص، لكن بعضهم انتقل إلى المسار الأول المتمثل في اللجنة الدستورية، ضمن الثلث الأوسط. ويرى سالفاتوري بيدولا، وهو من فريق مبعوث الأمم المتحدة الخاص والمسؤول عن منصة الحوار في الغرفة، أن الحوار في اليوم الأول من كل جولة من جولات المباحثات يكون صعبًا؛ فالمشاركون في البداية يرفضون التزحزح عن مواقفهم، في كثير من الأحيان، لكنهم يتخطون مثل هذه التباينات رغبةً في السلام، بحسب قوله.
لطالما اعتبر فريق مبعوث الأمم المتحدة أن منصة “غرفة دعم المجتمع المدني” مصدر اعتزاز لهم، كنهجٍ جديدٍ لسياسة الأمم المتحدة، باعتبارها دعت “لاعبين من المجتمع المدني بصورة رسمية، للمشاركة في عملية وساطة من بدايتها”[21]. في المقابل، تعرضت أعمال “غرفة دعم المجتمع المدني” للنقد من قبل السوريين/ات بشكل عام، والمنظمات المشاركة فيها بشكل خاص، فمثلًا، في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، أصدرت عشر منظمات بيانًا[22]، اعترضت فيه على نقاط مهمة، منها أن محتوى النقاشات التي دارت في الغرفة لم ينعكس بأي شكل من الأشكال في الإحاطات الدورية التي قدّمها المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا إلى مجلس الأمن، إضافة إلى تنامي شعور لدى تلك المنظمات بعدم الجدية في التعامل مع النقاشات التي تدور في الغرفة والمخرجات التي يتوصلون إليها، وأن اختيار موضوعات اجتماعات الغرفة يتم بطريقة غير منهجية وغير مدروسة، وأشار البيان أيضًا إلى أن العملية تفتقر إلى منهجية تتابع النقاشات السابقة للبناء عليها وتعميقها وتحديثها، وأن الدعوات لا تتم على أساس برنامج عمل واضح للاجتماعات، بل تحت عناوين عامة، متجاهلة الأثر السلبي لعدم وضع نقاط محددة تحت العناوين العريضة، والذي يُفرغ القضايا المهمة من محتواها عبر الاستمرار في نقاش العموميات، فيتم تكريس التعاطي مع تلك القضايا في إطار الشكل لا المضمون. وأضاف البيان أن وصول الدعوات للمنظمات قبل أيام قليلة من الاجتماع، ودون التشاور معهم حول عناوين وأطر للنقاشات، لا يسمح بالتحضير المسبق لإغناء نقاشات الغرفة. وطالبت المنظمات في بيانها، بعد اعتذارهم عن تلبية الدعوة للمشاركة في الاجتماعات بتاريخ 28 – 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، بتضمين مخرجات اجتماعات الغرفة في إحاطات المبعوث الخاص لمجلس الأمن، وعقد مؤتمر صحفي في ختام أعمال غرفة المجتمع المدني لنقل صورة واضحة عن مضمون عملهم إلى السوريين/ات، والتشاور المسبق بين المنظمات ومكتب المبعوث الخاص حول تحديد قضايا الاجتماعات وبرنامج العمل.
يوضح البيان السابق، على عدم ملكية العملية بالنسبة إلى المنظمات السورية المشاركة في الغرفة، والإطار والفحوى الشكلاني لها، بحيث تخدم عملية الوساطة التي يقوم بها المبعوث الخاص، في إحداث خروقات فيها. كما عبّر عنها سالفاتوري بيدولا، أحد أعضاء فريق المبعوث الأممي والمسؤول عن منصة الحوار في الغرفة، في تصلب المشاركين، نساءً ورجالًا، في مواقفهم في بداية الاجتماعات، ثم تخطيهم للتباينات المختلفة فيما بينهم. ومنذ تأسيس الغرفة في عام 2016، لم تُنشر مخرجات تلك الاجتماعات حتى بداية عام 2020[23]، باستثناء تقرير نشره المشاركون/ات خلال الجولة الثالثة من محادثات جنيف[24]. وفي ظل عدم اطلاعنا، كسوريين وسوريات، على أجندتها ومخرجات عملها طوال أربع سنوات، نتساءل كيف تم الترويج لها “كقصة نجاح”؟ وكيف أن المبعوث الخاص وفريقه يشاور “المجتمع المدني” لا بعض المنظمات، في عدد من القضايا ذات الصلة بالقضية السورية، في ظل فشل العملية السياسية الرسمية حتى الآن!
أثر الفراشة
ركز عالم الرياضيات والأرصاد إدوارد لورنز (1917- 2008) خلال بحثه عن وسيلة ونموذج للتنبؤ بالطقس، على استخدام تشبيه الفراشة، لشرح نظريته للجمهور غير العلمي، فلدى الفراشة القدرة على إحداث تغيرات صغيرة، لكنها لا تخلق إعصارًا، بل يمكنها أن تؤثر في تغيير مساره، أي أن رفرفة جناحها، غير المحسوسة، تُحدث تغييرات ضئيلة في الضغط الجوي، ومع الوقت تُحدث تغيرات هائلة في النظم المعقدة[25].
في واقع الحال، لم أجد أبلغ من مصطلح “أثر الفراشة” للتعبير عن الخروقات التي صبّت في مصلحة النظام السوري وقوّضت العملية السياسية الرسمية، فقد نجح المبعوث السابق ديمستورا في إحداث الاختراقات التي أدت في النهاية إلى حرف مسار تسلسل الحل السياسي المتمثل بهيئة حكم انتقالية، والاستعاضة عنها بجولات عبثية للجنة الدستورية، يُبدي أعضاؤها، نساءً ورجالًا، والمعارضة المنخرطة في المسار الدبلوماسي، تكيفًا ومرونة مع واقع اختراقات لا تتوقف، ساعين للترويج لها كحل واقعي وحيد، والحصول على براءة ذمة من المبعوث الأممي والمجتمع الدولي من تهمة تعطيل المسار، المتعثر أصلًا، وقذفه باتجاه النظام الحاكم الذي لم يُبدِ أيّ تنازل طفيف عن تأبيد سلطته، وكأن الأمر بحاجة إلى إثبات الثابت.
ويُقرّ بعض منظري دبلوماسية المسار الثاني (تفاعل رسمي لأشخاص غير رسميين)، من الذين يعدّون هذا المسار جسرًا للمسار الأول، خلال استعراض نقاط قوة وضعف هذا المسار، بأنه مسار غير فعال بالنسبة إلى الأنظمة الاستبدادية[26]، لكنه أسهم في تدافع بعض منظمات المجتمع المدني على التمثيل في هذا المسار، و/ أو احتكاره، والمنافسة على التمويل، وخلق بعض الدسائس في سبيلهما[27]. وأدى تفاقم الخلافات الشخصية، وانعدم الشفافية، إلى تقويض التنسيق بين بعض المنظمات، الأمر الذي انعكس على بعض القضايا المهمة[28].
[1] – Jennifer Staats, Johnny Walsh, and Rosarie Tucci, A Primer on Multi-track Diplomacy: How Does it Work?, usip.org, July 31, 2019, seen on: 07/06/2021, on: https://bit.ly/2QwyMVQ
[2] – المصدر السابق.
[3] – “نص – ترجمة غير رسمية لنص خطة سلام كوفي عنان لسوريا”، رويترز، 4 نيسان/ أبريل 2012، شوهد في 24/4/2021، في: https://reut.rs/3espK4k
[4] – “كوفي عنان يعلن استقالته من منصبه كمبعوث مشترك للأزمة السورية، أخبار الأمم المتحدة، 2 آب/ أغسطس 2012، شوهد في 24/4/2021، في: https://bit.ly/3eI6X5p
[5] – “الإبراهيمي: سوريا كالجرح الملتهب وهذا سبب استقالتي والأسد على علم بلائحة تحوي 29 ألف سجين”، CNN بالعربية، 9 حزيران/ يونيو 2014، شوهد في 25/4/2021، في: https://cnn.it/3gHkKvp
[6] – “الإبراهيمي: أي انتخابات رئاسية في سوريا ستنسف المفاوضات”، رويترز، DW، 13/3/2014، شوهد في 25/4/2021، في: https://bit.ly/3dNdWus
[7] – “رسالتان متطابقتان مؤرختان 5 تموز/ يوليو 2012 وموجهتان من الأمين العام إلى رئيس الجمعية العامة وإلى رئيس مجلس الأمن”، S/2012/522، الأمم المتحدة – الجمعية العامة – مجلس الأمن، 6 تموز/ يوليو 2012، صفحة 5، شوهد في 26/4/2021، في: https://bit.ly/32LLlPX
[8] – المصدر السابق، صفحة 6.
[9] – “جنيف 4 .. غلة من أربع سلال”، الجزيرة، 4/3/2017، شوهد في 27/4/2021، في: https://bit.ly/3gP49Wq
[10] – “توضيح من مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا”، Envoy For Syria UN Special، Twitter، 18/12/2020، شوهد في 30/4/2021، في: https://bit.ly/3aSfSQp
[11] – “بيان للرأي العام”، Facebook، 17/12/2020، شوهد في 30/4/2021، https://bit.ly/3xCNETC
[12] – “العدالة التصالحية – تقرير الأمين العام”، الأمم المتحدة – المجلس الاقتصادي والاجتماعي، 7 كانون الثاني/ يناير 2002، E/CN.15/2002/5، صفحة 3، شوهد في 6/6/2021، في: https://bit.ly/3vWaxQw
[13] – “الأمم المتحدة: الانتخابات الجارية في سوريا ليست جزءًا من العملية السياسية…”، أخبار الأمم المتحدة، 26 أيار/ مايو 2021، شوهد في 8/7/2021، في: https://bit.ly/3fZEPw7
[14] – “المبعوث الدولي لسوريا غير بيدرسون – إحاطة إلى مجلس الأمن حول سوريا 26 أيار/ مايو
2021″، غرفة دعم المجتمع المدني، شوهد في 8/6/2021، في: https://bit.ly/3z9cNWE
[15] – Search for Common Ground, Intercommunal Dialogue Initiative in Syria, sfcg.org, July 15, 2014, seen on: 07/06/2021, on: https://bit.ly/3bwjw2D
[16] – The Carter Center, Support For Peace in Syria, cartercenter.org, Seen on: 07/06/2021, on: https://bit.ly/3fjUZiB
[17] – المصدر السابق.
[18] – THE SHAIKH GROUP، مبادرة الحوار السوري – المسار الثاني، شوهد في 16/5/2021، في: https://bit.ly/3uRCf0v
[19] – كاترين أمان، “مدنيون سوريون يتباحثون في جنيف حول مستقبل بلادهم”، 6/9/2018، شوهد في 19/5/2021، في: https://bit.ly/33XCpHO
[20] – “أرقام هامة”، غرفة دعم المجتمع المدني، شوهد في 16/5/2021، في: https://bit.ly/3w9bvsr
[21] – كاترين أمان، مصدر سابق.
[22] -“بيان من منظمات سورية حول الدعوة لانعقاد غرفة المجتمع المدني في جنيف”، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، شوهد في 7/6/2021، في: https://bit.ly/3uTb58w
[23] – غرفة دعم المجتمع المدني، شوهد في 7/6/2021، في: https://bit.ly/2TIGLQZ
[24] – لمى قنوت، “المشاركة السياسية للمرأة السورية بين المتن والهامش”، اللوبي النسوي السوري، منصة سياسية نسوية، 2017، شوهد في 7/6/2021، في: https://bit.ly/3g8lw2w
[25] – Farnam Street، “تأثير الفراشة لا يُرى.. تأثير الفراشة لا يزول.. ولكن كيف؟” الجزيرة، 15/ 12/2015، شوهد في 7/6/2021، في: https://bit.ly/3gfELHI
[26] – Jeffrey Mapendere, Track One and a Half Diplomacy and the Complementarity of Tracks, (Culture of Peace Online Journal, Journal, 2(1): Carter Center), p. 68, seen on: 07/06/2021, on: https://bit.ly/3cI1lYH
[27] – لمى قنوت، “العدالة الانتقالية الحساسة للجندر في سورية”، اليوم التالي، منصة سياسية نسوية، صفحة 210، شوهد في 8/6/2021، في: https://bit.ly/3g8lw2w
[28] – المصدر السابق، صفحة 209- 210.