“مهندس الحرية”.. كفرنبل رائد الفارس

مايو 12, 2023

نبيل محمد

مقالات

ليست جريمة اغتيال الناشط المدني السوري رائد الفارس مع صديقه الناشط حمود جنيد في 23 من تشرين الثاني 2018، بحاجة إلى لجان تحقيق ولا استقصاء للبحث عن الفاعلين، أو معرفة أعداء رائد الذين سيترصدون له على أحد الطرقات الفرعية في بلدته كفرنبل ويغتالونه، فكل سكان المدينة وكل معارف وأصدقاء رائد، وربما كل من سمع به وعرف نشاطاته سيعرف القتلة، وهو ما قدمه فيلم تسجيلي بعنوان “مهندس الحرية”، بثته قناة “الآن” مؤخرًا، تناول نشاط رائد خلال سنوات الثورة السورية، ومن ثم اغتياله، كنشاطه في محاولة تحسين ظروف الحياة، وتشكيل وعي جمعي جديد، وتغيير السائد في بلدة صغيرة كبلدته، ونشاطه المدني في التنمية والتثقيف، إلى نشاطه في مجال تمكين النساء، وصولًا إلى الإعلام الذي استطاع من خلاله التعريف بكفرنبل بطريقة لم يعرِّف بها أحد قبله مدينَته، سواء باللافتات الشهيرة في عمر الثورة السورية، أو براديو “فريش”، الذي كان فريدًا بطريقة خطابه، وبإصراره على الاستمرار بالبث من داخل كفرنبل، ورفضه العروض للانتقال إلى تركيا.
أعداء تلك المنظومة التي حاول رائد بناءها كثر، وهم ببساطة أي كيان عسكري يحكم بلدة سورية بسلاحه، يواجه رجلًا يحاول تحرير بلدته من الانصياع لسلطة الذقون الطويلة، والرايات السوداء، ويحاول أن يدلّ الجموع على درب ثالث، لا يرون من خلاله الخلاص بالعودة إلى ماضي الاستبداد في ظل حكم الأسد، ولا يأملون بقطاع الطرق باسم الجهاد. لذا فسيكون أعداء رائد كل أولئك بالتأكيد.

تقدم المادة الوثائقية التي أخرجها الصحفي أنمار السيد سيرة نضال رائد على لسان مجموعة من أصدقائه والعاملين معه، الذين يتحدثون عن تحديات عاشها رائد طوال فترة نضاله، تحديات كانت تمس حياته، وصلت إلى ذروتها بإهدار دمه بتهديد مباشر من قبل منتمين لـ”جبهة النصرة”، ومن ثم تنفيذ التهديد واغتياله.

يحاول الفيلم الذهاب إلى معمل تلك اللافتات واللوحات الكاريكاتيرية التي اشتهرت في كفرنبل، فيلتقي رسامها أحمد جلل (صديق رائد)، وإلى غرف التنسيق للنشاط الإعلامي والمدني الذي كان يديره وينسقه رائد، وإلى استديو راديو “فريش”، من خلال ما توفر من فيديوهات واكبت هذه المرحلة وهي ليست بكثيرة، إضافة إلى شهادات أصدقاء رائد، التي كانت كفيلة باستذكار حالة ثورية تبدو اليوم جزءًا من تاريخ مرحلة انطوت، بينما تحاول أصوات أصدقاء رائد، وتلك الأصوات التي رصدتها كاميرا الفيلم لمجموعة من ناشطي المجتمع المدني وناشطي الإعلام أن تقول إن “المشوار مستمر” وإن “روح الثورة مستمرة” وإن “اغتيال الأشخاص لا يوقف الثورة، لأن الثورة لا يمكن اغتيالها” كما قال رائد الفارس.

كفرنبل اليوم تحت سيطرة النظام السوري، بعد تدميرها بالكامل، وقصف بيوتها بما فيها مقرات ومكاتب النشاط المدني فيها، ومبنى إذاعة راديو “فريش”. دخلها النظام مدمّرة كما أرادها، وسهلت “النصرة” عليه اغتيال ناشطيها وتدمير صورة المقاومة المميزة التي اشتهرت فيها، وجعلتها واحدة من أشهر المدن السورية، إن لم تكن أشهرها في فترة من الفترات، شهرة صنعها النضال المدني السلمي الذي خطط له رائد ورفاقه، ومُسحَ بمشيئة الإرهاب بصوره المتعددة في سوريا، الإرهاب الذي شعر أن الخلاص من أصوات كصوت رائد ضرورة تاريخية لاستمراره.

ضعف وهشاشة عانتهما المادة الوثائقية في محاولتها للاستعاضة عن النواقص، فالمشاهد التمثيلية التي من المفترض أنها جاءت لتدعم الحقيقة، لم تكن موفقة فيما قدمته، بتكلّف ممثليها، وتكرارها، وتقديمها شخصية رائد بهيئة غير مشابهة، شخصية تحاول تقديم وجهة نظرها فترتجل حوارات خطابية تكاد تكون هزيلة. حاولت تلك المشاهد إضفاء شكل السينما التسجيلية على الفيلم، ومنعه من الانسياق ليكون مجرد تقرير تلفزيوني تحاول المادة الهروب من التصنيف تحته على ما يبدو، وفي الوقت ذاته لعب صوت المقدم ونص “الفويس أوفر” الإذاعي المباشر المرافق للمادة دورًا بإبقائها في خانة التقارير التلفزيونية المباشرة.

 

المصـــدر

المزيد
من المقالات