مقدمة:
شهدت العديد من دول الربيع العربي تبدلات وتحولات سمحت للثورات المضادة بأن تتصدر المشهد العام في بعض البلدان وتنشر أفكارها ومبادئها، وأن تنقلب على غالبية التحركات الشعبية التي رفعت شعارات وأهداف سامية وقدمت تضحيات ثمينة لتحقيقها؛ فأعادت العجلة للوراء، وخلقت الكثير من التشويش حول جدوى الثورات وقدرتها على التغيير.
وفي محاولةٍ لفهم هذه التغيرات السريعة حاول العديد من المفكرين دراسة سلوك المجتمعات بعد الثورات وتفسيرها؛ فرأى البعض أنه يمكن للمجتمعات أن تتبنى أفكاراً جديدة وتتمسك بها مثل الحريات ثم تتمرد عليها لاحقاً، وهو ما كان قد فسّره غوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير” معتبراً أن لدى الجماهير الشعبية طبقتَين من الأفكار؛ طبقة راسخة مستقرة كالتي نشأت عليها دينياً أو اجتماعياً أو سياسياً، وهي ما وجدت عليها آباءها، وطبقة جديدة هشّة تطفو فوقها، وفيها الأفكار الجديدة التي يبشّر بها روّاد التغيير[1].
ويرى هؤلاء أن الثورات – وهي أحداث خاطفة- لن تغيّر وعي المجتمعات وترسخ الأفكار الجديدة، لأنها لحظات وعي مؤقت، وأن على قادة التغيير أو الفعل الثوري السعي للحفاظ على تلك الطبقة الهشّة من الأفكار الجديدة، والعمل على تعميقها وغرسها في الوعي الجماهيري لتتحول إلى أفكار راسخة عميقة، للوصول إلى جيل تكون أفكاره الراسخة مزيجاً بين الأفكار القديمة والجديدة، وبالتالي تكون قابليته للتغيير أسهل وأسرع[2].
وقد شهدت الثورة الفرنسية حالة مشابهة يمكن توصيفها بالرِّدّة الملكية؛ حين شهدت العديدَ من الموجات المتعاقبة التي حاربت أفكار الثورة، إلا أن موجات ارتدادية عادت وانفجرت مرة أخرى في سعي منها لنشر فكرة الديمقراطية في إطار الدولة الوطنية، وقد استمرت هذه الموجات والموجات الارتدادية فترة طويلة حتى استقر النظام الديمقراطي؛ بعد أن اتضح في النهاية أنّ الديمقراطية لا تنبع مباشرة من الثورة، بل من عملية إصلاح تقود إليها الثورة[3].
وبالعودة إلى واقع الثورة السورية التي طرأت عليها الكثير من النكسات، وتراجعت جغرافياً وسياسياً تتعالى بعض الأصوات التي تنعي الثورة وتعلن انتهاءها، وتطالب أصحابها بالقبول بأي حل مطروح يعيد الهدوء إلى هذه الساحة المشتعلة مهما كان الثمن، وبالالتفات إلى حياتهم الشخصية بعد أن فشلت محاولتهم الأولى في التغيير، بينما تردُّ أصوات أخرى بأن الثورة السورية لم ولن تنتهي حتى لو خسرت أو تقلصت جغرافياً، وأن التغيير الفكري والاجتماعي الذي حققته لا يمكن التفريط به؛ لأنه نتاج تضحيات هائلة قدمها الشعب السوري بكافة أطيافه، وأنه سيكون قادراً مستقبلاً على تحقيق التغيير إن تعلم من أخطائه وتوافرت الشروط المناسبة له.
وبين هاتين الروايتين تحاول هذه الورقة الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، وهي:
- هل تشكل الحالة السورية[4] الحالية قضية يمكن استثمارها وتعزيزها في نفوس السوريين؟
- كيف نجح الفلسطينيون في تحويل حالتهم إلى “قضية” وفي الحفاظ عليها ونقلها الى أبنائهم؟ ما هي الوسائل والأدوات المستخدمة وكيف تطورت؟ وكيف يمكن الاستفادة من تجربتهم؟
- ما هي العوائق التي تقف في وجه تحويل الحالة السورية إلى قضية يحملها السوريون بكافة أطيافهم وانتماءاتهم؟
قامت هذه الورقة على المنهج الوصفي التحليلي، واعتمدت على مقابلات مع عدد من الخبراء السوريين والفلسطينيين من أكاديميين وباحثين وناشطين[5]، بالإضافة إلى عدد من الأوراق والدراسات والمقالات والتحليلات التي وردت في السياق نفسه.
وقد سعت الورقة في قسمها الأول لتوصيف الحالة السورية، وذلك بتوضيح الفرق بين مفهومي “المشكلة” و”القضية” ومدلولاتهما، وتسليط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين التجربة السورية والتجربة الفلسطينية كحالة تصلح للدراسة لتجربة نجحت في الحشد الداخلي والخارجي.
وقدّم القسم الثاني من الورقة استعراضاً للتجربة الفلسطينية، وذلك بتسليط الضوء على ملامح تشكّل العمل المجتمعي أو ما يُعرف باسم العمل الشعبي التعبوي[6] تاريخياً، والذي ركّز على فكرة إبقاء القضية الفلسطينية حيّة في عقول وقلوب أبنائها، وعلى الأدوات والمنهجيات التي استخدمت في ميدان العمل الشعبي الفلسطيني، بالإضافة إلى التحديات التي واجهته، والدروس المستفادة التي يمكن استخلاصها من هذه التجربة.
وحاول القسم الثالث الإجابة عن سؤال: “هل تحولت الحالة السورية إلى قضية في نفوس أبنائها؟” وتحديد بعض العوائق التي أثرت في هذه العملية، ثم تقديم مجموعة من التوصيات التي يمكن للسوريين الاستفادة منها في الحفاظ على مكاسب الثورة، وفي تعميق التغيرات الفكرية والاجتماعية التي حدثت خلال هذه السنوات، والتي تمكّنهم من تحويل مبادئ الثورة إلى قضية راسخة في وجدان الشعب السوري.
أولاً: توصيف الحالة السورية بين المشكلة والقضية:
رغم مضي 9 سنوات على اندلاع “الثورة السورية ” إلا أن المشهد السوري العام يزداد تعقيداً وضبابيةً، يصعب معه توصيف التغيرات التي طرأت عليه أو الاتفاق على تسمية موحدة له؛ فثمّة مَن يرى أن الحالة السورية لا تزال ثورة شعب يطالب بحقوقه ضد نظام مستبد حرمه منها وقيّده ودمّر المدن فوق رأسه عندما طالبَ بها، ويرى فريق آخر من السوريين الأوضاع بأنها حركة تمرّد مسلحة مدعومة من جهات خارجية ضد نظام “حكم شرعي مقاوم”، كما توجد مجموعات أخرى تعتبر أن الثورة خرجت عن مسارها وتحولت إلى شكل من أشكال الحرب الأهلية أو الطائفية، أو تحولت إلى ساحة لمشاريع عابرة للحدود أو مضمار لتصفية صراعات إقليمية، وتحولَ أفرادها إلى أدوات يخوضون حرباً بالوكالة.
إلا أن جميع السوريون متفقون على أن المشهد السوري الحالي قد تبدَّل عن المشهد في البدايات، والذي كان أكثر وضوحاً وتوافقاً بين شرائح واسعة من السوريين، ولاسيما مع التدخلات الخارجية التي غيّرت المشهد الميداني على الأرض. إلا أن السؤال الذي ما زال قائماً:
- هل انتهت المشكلة/ الأزمة / الثورة في سوريا وعادت الأمور إلى نقطة البداية مع عودة أغلب المناطق إلى سيطرة نظام الأسد؟
- هل تخلّى السوريون عن مطالبهم في الحرية والكرامة والعدالة؟ أم أنها لا تزال حاضرة في قلوبهم؟
- أين تقع الحالة السورية في نفوس أبنائها الذين آمنوا بها ودفعوا من أجلها الكثير من التضحيات؟
- كيف يمكن المحافظة على ما تم تحقيقه في السنوات الماضية من تغيير فكري ومجتمعي وتحويله إلى قضية راسخة في النفوس؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات لابد بداية من توضيح بعض المفاهيم.
مفهوم المشكلة، القضية والعلاقة بينهما:
القَضِيَّةُ (في اللغة): الحُكْم، والقَضِيَّةُ مسألةٌ يُتنازَعُ فيها وتُعرَضُ على القاضي أو القُضاة للبحثِ والفَصْل. والقَضِيَّةُ (في المنطق): قولٌ مكوَّنٌ من موضوع ومحمول يحتمل الصِّدقَ والكذبَ لذاته، ويَصِحُّ أَن يكونَ موضوعًا للبرهنة، والجمع: قضايا[7].
وأمّا اصطلاحاً: فيصعب إيجاد تعريف واضح يحدد مواصفات الفكرة أو المشكلة التي يمكن أن تتحول إلى قضية بأبعادها الشعبي والسياسي والاجتماعي، ولكن يمكن أن نلاحظ محاولات لتحديد ملامح بعض المشاكل التي تصلح أن تصبح قضايا في ذهن الشعوب؛ فعلى سبيل المثال: يعتبر د. أحمد برقاوي خلال تحديده الفرق بين المشكلة والقضية أن “القضية”: هي مشكلة تطورت في ذاتها تحمل بُعداً يرتبط بالوجود الإنساني ومعنى الوجود والمصير، فاستقرت في الذات بوصفها همّاً كلّياً، ويمكن لهذه القضية أن تأخذ بُعداً قومياً أو بُعداً أكبر من ذلك (عربياً أو إسلامياً كالقضية الفلسطينية)، بينما تعني “المشكلة” وجود سؤال يحتمل عدة إجابات، وبالتالي لو اعتبرنا ما يحدث في فلسطين مشكلة فهذا يعني إلغاء مفهوم التحرير ونشوء مفهوم الحل الذي اقتضى الاستسلام لفكرة استحالة التحرير[8].
وقد فرّق د. ثامر الخزرجي بين أربعة مصطلحات تبدو متشابهة، ورتبها بشكل متدرج ابتداءً من ” المشكلة” التي تعبر عن حدث طبيعي أو تصرُّف بشري له آثار غير مرضية، والذي قد يتطور ليشكل ” مشكلة عامة” بحيث تمتد آثاره إلى المجتمع أو المستوى العام ولا يمكن لأحد غير الحكومة حلُّه، وتتصف المشكلة العامة بأنها تغيّر أوضاعاً أو ظروفاً معينة في المجتمع، بحيث يكون هذا التغيير غير مرغوب وغير مقبول ويتعارض مع المقاييس والقيم الاجتماعية، يتفق عليه مجموعة كبيرة من المواطنين الراغبين بتصحيح الوضع ويستعدون لبذل الجهد في تحقيق ذلك[9].
وقد رأى د. الخزرجي أن المشكلة العامة يمكن أن تتطور لقضية إذا تشعبت هذه المشكلة وارتبطت مع مجموعة أخرى من المشاكل العامة، بحيث تصبح ” قضية” تشغل الرأي العام والمسؤولين الحكوميين، إلا أنها قد تتعقد إلى ” قضية عامة” تندرج ضمنها مجموعة من القضايا المترابطة التي تتألف من مجموعات ومستويات رأسية وأفقية من المشاكل العامة المتداخلة والمعقدة، التي يعتمد كل منها على الاخر ويرتبط بها.
بينما رأى أحد الخبراء الذين التقيناهم أن القضية من وجهة نظره: مشكلة كبيرة تطال شعباً من الشعوب أو جزءاً كبيراً منه، وتتصف بصفتين أساسيتين: الأولى أنها تترسخ في الوعي الجمعي لدى أنصارها والحاملين لها، وتخلق حالة انتماء وإجماع بحيث لا يمكن التأثير عليها أو تغييرها، والثانية أنه لا يوجد لها حل في الأفق القريب، أو أنها قضية لا تزال تبحث عن حل، مشيراً إلى أنه يمكن تحويل بعض المشاكل إلى قضايا رأي عام أو قضايا مجتمعية تتبناها الأجيال، وذلك بناءً على شروط تتعلق بأصل المشكلة وجذورها وأصولها وما تفرع عنها من تغييرات وتداعيات، بالإضافة إلى المدة الزمنية التي مرت على هذه المشكلة ومدى تمكُّنها من التحوُّل إلى قضية مغروسة في العقل الجمعي[10].
ومما سبق يمكن أن نلخص أهم مواصفات المشكلة التي يمكن أن تتحول إلى قضية بأنها:
- مشكلة تحمل بُعداً يرتبط بالوجود الإنساني.
- لها بُعد قوميّ أو أكبر من ذلك، عربي أو إسلامي.
- غيّرت أوضاعاً أو ظروفاً معينة في المجتمع، وتحتاج إلى تصحيح.
- تطورت هذه المشكلة وارتبطت مع مجموعة أخرى من المشاكل العامة، حتى أصبحت ” قضية” تشغل الرأي العام.
- ترسخت في الوعي الجمعي لدى أنصارها والحاملين لها، وخلقت حالة انتماء.
- ليس لها حل في الأفق القريب، أو أنها مشكلة لا تزال تبحث عن حل، وهو حل وحيد ينبع من مطالب الشعب الكاملة، لا من تصورات جزئية منتقصة[11].
وبالعودة إلى الحالة السورية فالبعد الإنساني فيها يبدو حاضراً بشكل كبير؛ فقد كانت أهم مطالب الشعب في بداية الثورة السورية المطالبة بالحقوق الأساسية التي تُعد من أهم مبادئ حقوق الإنسان المتوافق عليها دولياً، كما أن تطور مراحل الثورة والحل الأمني الذي قابلها به نظام الأسد أنتج واقعاً مأساوياً ألقى بظلاله على ملايين السوريين الذين تفرقوا بين معتقلين ونازحين داخلياً ولاجئين خارجياً ومهجَّرين قسرياً ومفقودين، فلم تنحصر المعاناة الإنسانية بفئة محددة أو قومية معينة، بل طالت المعاناة شريحة واسعة من أطياف الشعب السوري على اختلاف قومياته وانتماءاته العرقية والفكرية، جمعَهم رفضُهم لممارسات النظام القمعية والإجرامية.
ومع أن الثورة السورية لمّا تصل لمطالبها بعدُ في إسقاط النظام أو تحقيق الحرية والكرامة، إلا أنها حققت الكثير من المكتسبات والتغييرات على مختلف الأصعدة؛ فقد كسرت حاجز الخوف والصمت، وفضحت نظام الأسد داخلياً وإقليمياً ودولياً، ونشرت جرائمه في المحافل الدولية، كما أكدت وبالأدلة خطورة مشروع الهلال الشيعي الإيراني، وعرّت خطابه الممانع وأدواته، خاصة العسكرية كحزب الله والميليشيات التابعة لإيران، وأكدت ضرورة التحرك لإحداث تغيير لضمان مستقبل الأجيال القادمة وحمايتها من أن تتعرض لمصير أسلافها من الاعتقال أو التعذيب أو التهجير أو القتل والإبادة[12].
كما أن هذه التغييرات التي جاءت بها الثورة السورية لم تكن كلها ذات أبعاد سياسية؛ بل أدت إلى تغيرات مجتمعية جعلت من المجتمع السوري الجديد أكثر استقلالية وتحرراً عن المجتمع العبودي القديم، وهذا لا يقتصر على الملايين الذين غادروا سورية لاجئين أو نازحين ومشرّدين، ولكنه انعكس أيضاً على العديد من أولئك الأفراد الذين خاب أملهم بالنظام ممن دُمرت أسس حياتهم الطبيعية[13].
ومن جهة أخرى أنتجت حالة الثورة مجتمعاً نشأت فيه مؤسسات وأحزاب ونقابات وجمعيات مدنية حرّة على مختلف أشكالها حُرم منها السوريون لنصف قرن، وتمكنوا من استعادة تواصلهم المقطوع فيما بينهم، والتعرف على ذاتهم ومناقبهم ونقائصهم أيضاً، وتطوير وعي أكثر موضوعيةً وعقلانية بوجودهم الجمعي، والاعتراف باختلافاتهم واستيعابها وتمثلها والاحتفاء بها، واكتشاف إرادتهم الحرة وقدراتهم في البحث والتنظيم والمبادرة والعلاقات الدولية[14].
وعلى الرغم من الانتكاسات الميدانية التي تعرضت لها الثورة خلال الأعوام الماضية فالثورة لا تزال حاضرة في نفوس الملايين من السوريين وعقولهم، دفعوا من أجلها دماءهم وأموالهم، وتعرضوا للتشريد والقتل والاعتقال واللجوء والتهجير القسري، ولا تزال مطالبهم حاضرة يعبرون عنها كلما سنحت الفرصة في الساحات وعلى المنابر الإعلامية وبشتى الوسائل والأدوات في المناطق المحررة، بل وفي بعض مناطق النظام[15].
أما من الناحية السياسية فلا تبدو ملامح أي حل سياسي في الأفق مع دخول الثورة عامها التاسع، خاصة مع التدخل الروسي الذي حسم المعادلة العسكرية لصالح نظام الأسد، ومع الموقف الدولي الهزيل الذي عجز عن الدفع بالعملية السياسية المتوافق عليها أممياً وفق بيان جنيف 1 والقرار الأممي 2254؛ فجميع المسارات تبدو معطَّلة رغم تفاقم معاناة السوريين داخل سوريا وخارجها[16].
ومما سبق يمكن القول: إن الحالة السورية – مع اختلاف توصيفاتها بين أفرادها- تحمل مقومات تسمح لها بأن تتحول إلى “قضية” في وجدان السوريين، إلا أنها لمّا تصل إلى هذه المرحلة بعدُ، وهو ما سنوضحه بشكل مفصل في فقرات لاحقة.
وفي محاولة للاقتراب من مفهوم القضية بشكل أعمق كان لابد من تقديم حالة محسوسة يمكن القياس عليها، ومتابعة أوجه التشابه والاختلاف فيما بينها وبين الحالة السورية، من أجل معرفة الوسائل التي استخدمها أصحاب هذه القضية للوصول إلى حالة من النجاح يتوافق عليها أغلب المتابعين.
وتصلح التجربة الفلسطينية[17] أن تكون حالة يمكن التركيز عليها في الدراسة؛ وذلك لنجاحها في الحشد والترويج لقضيتها وإبقائها حية في الأذهان رغم تقادم الأزمان وتغير الظروف، بالإضافة إلى وجود العديد من التقاطعات والتشابهات بينها وبين الحالة السورية على الرغم من اختلاف شكل الصراع وأسبابه.
ويمكن تلخيص ملامح التشابه والاختلاف بين الحالة السورية والحالة الفلسطينية بما يلي:
ملامح الاختلاف[18] | ||
الحالة الفلسطينية | الحالة السورية | |
1- | نضال تحرري ضد استعمار استحلالي غريب[19] | نضال تحرري شعبي ضد نظام استبدادي شمولي |
2- | استعمار استيطاني خارجي رسم ملامح القضية منذ بداياتها | دخلت القوات العسكرية الأجنبية لاحقاً على خط الصراع بين الشعب والنظام السوري |
3- | تملك مشروعية ووضوحاً | طالها الكثير من التشويش |
4- | صراع على الوطن | صراع داخل الوطن |
5- | الخلاف على الوجود[20] | الخلاف على نظام الحكم و العقد الاجتماعي[21] |
6- | القضية هي التي شكلت شخصية الفلسطيني وهويته[22] | الهوية كانت المنطلق للصراع[23] |
7- | حققت إجماعاً على المطالب بين عموم الفلسطينيين في الداخل والخارج | لم تحقق حالة من الإجماع بين عموم السوريين |
8- | الهوية القانونية (الأوراق الثبوتية) غائبة[24] | الهوية القانونية حاضرة[25] |
9- | حصلت على دعم الحكومات العربية المستمر لوقت طويل[26] | حصلت على دعم مؤقت من الحكومات العربية |
10- | البُعد الإنساني والإسلامي للقضية الفلسطينية | البُعد الإنساني لتداعيات الصراع السوري |
11- | قضية مستمرة منذ عقود | صراع فتيّ |
ومع نقاط الاختلاف الواضحة هذه بين الحالة السورية والحالة الفلسطينية إلا أن التجربتَين تتقاطعان في عدة نقاط، وهي[27]:
- التطلّع إلى الحرية لدى كلا الشعبَين، والرغبة في العيش كبقية الشعوب وتقرير مصيرها بنفسها، والخروج من حالة الاستعباد والنظام القمعي والشمولي، وبناء الدولة التي تحفظ للإنسان حقوقه وكرامته وتحفظه من التعدّي عليه.
- يمكن توصيف نضال الشعبين السوري والفلسطيني بأنه شكل من أشكال التمرد على القهر، رغم الفارق بين الاحتلال والنظام الشمولي ” الاحتلال الداخلي”[28]؛ فهما يشتركان بأنهما يرتكزان على قهر الإنسان.
- التضحيات الكبيرة التي قدمها كلا الشعبين في سبيل قضيته، والتي تنبع من إيمان عميق ورغبة مخلصة في التحرر والانعتاق.
- التشابه في الأدوات التي استخدمتها السلطة في كلا الحالتين – سواء كانت سلطة استبدادية أم استعمارية –من قتل وقصف واعتقال وتهجير.
- حالة اللجوء والتشرد، والتي كانت الصورة الأوضح والأبرز في المشهد السوري[29].
- دور العامل الخارجي في تثبيت شكل الصراع، والذي تجلى وفق محورين، هما:
- دعم الأطراف المتنازعة مادياً وسياسياً بغض النظر عن صاحب الحق أو الذي وقع عليه الظلم.
- تثبيت الوضع الراهن وفق مصالح الدول الخارجية[30].
- حالة التِّيه السياسي الممتدة لفترة طويلة وما خلّفته من حالة انقسام حادّ اجتماعياً وسياسياً.
- التأييد الشعبي العربي والإسلامي لحقوق ومطالب الشعبَين مع التفاوت في هذا التأييد؛ وذلك لخصوصية الحالة الفلسطينية، ولوجود مناصرين وأصدقاء وأحزاب وهيئات تدعم هذه الحقوق.
وبالتالي: يمكن للتجربة الفلسطينية أن تكون محلاً للدراسة؛ نظراً لنجاحها فيما يظهر في الحشد والتعبئة الشعبية، والحفاظ على القضية حاضرة في أذهان أصحابها لعقود من الزمن، إضافةً إلى تشابهها مع الحالة السورية من حيث عدالة المطالب حقوقياً وإنسانياً، والرغبة في رفع الظلم وعودة الحقوق لشريحة واسعة من المتضررين.
ثانياً: التجربة الفلسطينية، من المشكلة إلى القضية: دراسة حالة
بدأت ملامح النكبة الفلسطينية بالظهور مع إعلان وعد بلفور في تشرين الثاني 1917، والذي تعهدت فيه بريطانيا بإنشاء “وطن قومي لليهود في أرض فلسطين”، وبدأت بتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين مستغلة سيطرتها على الأرض كسلطة انتداب[31]، وقد قُوبلت محاولات التوطين بالرفض الشعبي الذي تطور لاحقاً وأدى إلى ظهور مجموعة من الثورات الشعبية وحركات التحرر الوطنية[32].
في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 181 بتقسيم أرض فلسطين التاريخية إلى دولة عربية بنسبة 45%، وأخرى يهودية بنسبة 54%، و1% منطقة دولية متمثلة في القدس؛ إلا أن الكيان الصهيوني أعلن في 14 أيار 1948عن قيام دولته على أرض فلسطين، وتمكّن من هزيمة الجيوش العربية، واستولى على نحو 77% من فلسطين، وشرد بالقوة ما يزيد عن 800 ألف فلسطيني، أي 86% من إجمالي سكان هذه المساحة آنذاك، ودمّر 478 قرية فلسطينية – 82% – من القرى الموجودة في المنطقة المحتلة، وارتكب 34 مجزرة[33].
ويمكن تقسيم مراحل تطور التحرك الفلسطيني الشعبي الهادف إلى تعزيز القضية في أذهان الشعب الفلسطيني إلى عدة مراحل[34]، هي:
فترة الترقب والبذار:
أدت حالة التهجير الفلسطيني بعد عام 48[35] وانتقال العديد من العائلات الفلسطينية إلى المخيمات داخل فلسطين وخارجها إلى نشوء حالة من الصدمة والانكسار واليأس؛ إذ حاول فيها الفلسطينيون ترتيب أمورهم والاستقرار بشكل مؤقت مترقبين عودتهم القريبة إلى بيوتهم، دون أن يبادروا إلى أي فعل عسكري أو سياسي أو تنظيمي، واستغرقت هذه الفترة ما بين 15 -20 عاماً أيقن الفلسطينيون عندها أنه لا حل سياسي أمامهم يعيد إليهم حقوقهم، وأن عليهم التأقلم مع الوضع الجديد وإعادة النظر في الظروف الجديدة[36].
وقد ساهمت ظروف التهجير بتجمع مجموعات كبيرة من الفلسطينيين في رقع جغرافية محددة دون أن تتسبب بتشتتهم، مما كان عاملاً دافعاً إلى زيادة التلاحم فيما بينهم؛ فقد جمعت بينهم المأساة وحالة الانكسار والحزن والأمل بالعودة، ورفض الاندماج مع المجتمعات الجديدة – العربية – التي استقبلتهم على اعتبار أن إقامتهم مؤقتة[37]، وهو ما دفعهم إلى تحويل المخيم إلى نموذج مصغر عن الوطن قاموا فيه باستحضار معالم بلادهم في أماكن إقامتهم الجديدة.
وقد ساهمت هذه الحالة الوجدانية المتصاعدة بالتأثير الكبير غير المباشر في نفوس الأطفال، التي تشربت محبة الوطن والتعلق به من خلال حديث الآباء والأجداد وذكرياتهم فيه؛ فاستطاع الأهل بشكل مقصود أو غير مقصود إشعال رابط عاطفي ربط هذا الجيل بأرضه ووطنه، وغرس في وجدانه الانتماء له والإحساس بالمسؤولية تجاهه.
وفي تلك الفترة تنبه الفلسطينيون إلى التفوق العلمي والمادي لعدوهم وللأطراف التي تدعمه، وأدركوا ضرورة تدراك هذا التفوق؛ فاتجهت الكثير العائلات الفلسطينية إلى الاهتمام بتعليم أولادها واعتباره الوسيلة الأهم لتغيير واقعهم، واسترداد أرضهم، وامتلاك الأدوات التي تمكّنهم من ذلك.
فترة الانطلاق:
ومع بداية الستينيات ظهر في المخيمات جيل من الشباب كانوا قد عاصروا النكبة في طفولتهم، وشهدوا ما حدث لآبائهم من ظلم وتهجير، وعايشوا في السنوات اللاحقة مشاعر الحزن والحنين للوطن، فبدأت هذه الشريحة من الشباب – خاصة الشباب الجامعي- بالتفكير في طرق جديدة للاحتجاج وللتعبير عن رفضها للواقع الذي فرض عليها، فبدأ النشاط الطلابي بالنمو والتوسع والانتشار.
واتسم الحراك الشبابي والطلابي في تلك الأثناء بإيمانه أنه قادر على فعل شيء ما، وليس عاجزاً رغم انسداد الأفق، بل يملك الأمل لإحداث أي تغيير، على عكس جيل الآباء الذين سيطرت عليهم مشاعر الهزيمة، وأن عليه أن يقاوم الواقع المفروض عليه بكافة الأدوات المتاحة، وأن يبتكر أدوات جيدة تساعده في استعادة حقوقه؛ ومن هنا بدأت فكرة المقاومة الشعبية والمقاومة المسلحة تتبلور في العقل الفلسطيني.
وفي الوقت نفسه ومع بداية الستينات بدأ العمل الشعبي على الأرض بالنضوج، وأفرز العمل الميداني المباشر على الأرض قيادات طلابية استلمت زمام الحراك الشعبي، والتحمت مع قضايا المجتمع، وبدأت بترتيب المشهد النضالي بشكل أكثر تنظيمياً، وقد تحول العديد من قيادات الحركات الطلابية إلى قيادات سياسية لاحقاً بعد أن اكتسبت الخبرة في الميدان.
مرحلة التدافع والانتقال إلى العمل المؤسساتي:
مع إحياء فكرة الدور الشعبي المقاوم الذي حمل لواءه الحراك الطلابي الجامعي بدأت الجهود تتجه نحو تنظيم هذا الحراك ومأسسته، وإنشاء الهيئات والجمعيات والمكاتب المتخصصة التي تتركز مهمتها في التعبئة الشعبية للقضية بين الفلسطينيين، والتي أثمرت لاحقاً إطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) عام 1987، ثم انتفاضة الأقصى عام 2000[38].
وظهرت مكاتب العمل الشعبي ضمن أغلب المؤسسات الفلسطينية على اختلاف اختصاصاتها، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الفنية أو النقابية والدينية أو حتى الرياضية، والتي اعتبرت أن مهمة الحفاظ على القضية الفلسطينية حيّة في الذهن الفلسطيني هو واجبها، وأن عليها أن تسعى لذلك ضمن مجال عملها.
وقد قام على هذه المكاتب كوادر متخصصة مفرغة تعيش من أجل القضية، ساهموا في وضع خطط التعبئة الشعبية، وعملوا على تهيئة وإعداد الكوادر العاملة في هذا المجال، واستطاعت هذه العقول التي تشربت بالإيمان بقضيتها توظيف العديد من الأدوات واستخدام الكثير من الأفكار الإبداعية التي لم تغرس القضية الفلسطينية في وعي الفلسطيني فحسب، وإنما في وعي الشعوب العربية التي استضافت هذه المخيمات على أراضيها.
2-1 منهجية العمل الشعبي:
اعتمد العمل الشعبي الذي أدارته المنظمات الفلسطينية على منهجية واضحة استخدمت مجموعة من الاستراتيجيات العامة، رسمت فيها خطاً واضحاً لمسيرة العمل التي تطورت زمنياً مع اكتساب الخبرة والتعلم من الأخطاء، ومنها:
- إحياء مفهوم المقاومة بكافة أشكاله كحق شرعي للفلسطينيين: استطاع الفلسطينيون إحياء مفهوم شرعية المقاومة كحق لرد الظلم في نفوس جميع الفلسطينيين وعقولهم في الداخل والخارج بكافة أشكال هذه المقاومة، سواء كانت بالحجر أو بالسلاح أو بمسيرات العودة أو بالمقاطعة أو بالانتفاضات، وأصبحت هذه الفكرة المادة الأساسية التي يرضعها الفلسطيني منذ نعومة أظفاره ويفتخر بها، ويتفاخر بالانتساب إليها والدفاع عنها، وهو ما انعكس على عموم المجتمع بتقدير وتعظيم للمقاومين؛ فحينما يسقط في البلدة شهيد تخرج البلدة عن بكرة أبيها في جنازته ومؤازرة أهله، وتحتفل البلدة بأكملها بخروج المعتقل احتفالات أشبه بالأعراس تمتد لعدة أيام.
- إحياء مفهوم حق العودة:
استطاع العمل الشعبي الفلسطيني غرس مفهوم العودة في نفوس الفلسطينيين رغم أن معظمهم وُلدوا وتربوا خارج فلسطين بعيداً عن أرضها؛ فقد حرص القائمون على العمل الشعبي على الوصول إلى حالة متقدمة من الوعي جعلت من حق العودة حقاً تاريخياً للفلسطينيين ناتجاً عن وجودهم في فلسطين منذ الأزل، وهو أرسخ في جذوره وأقدم من جذور البريطانيين في بريطانيا، وأقدم من وجود الأمريكان في أمريكا، كما أنه حق شرعي وقانوني ثابت، غير قابل للتصرف، ولا ينقضي بمرور الزمن، ولا يخضع للمفاوضة أو التنازل، ولا يسقط أو يعدل أو يتغيّر مفهومه في أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع، حتى لو وقعت على ذلك جهات تمثل الفلسطينيين أو تدّعي أنها تمثلهم[39].
وقد نتج عن ذلك حالة ارتباط واضح بين الفلسطيني وأرضه، لم يشوّشه حصوله على جنسية دولة جديدة، بل على العكس دفع ذلك العديد من العائلات الفلسطينية إلى العودة إلى فلسطين بعد حصولها على جنسيات أخرى والاستقرار فيها للدلالة على تمسكها بهذا الحق وارتباطها به.
- التركيز على الثوابت وعلى الأمور الجامعة: ركز العمل الشعبي على ما يجمع الفلسطينيين، وتجنب الدخول في التجاذبات والانقسامات السياسية؛ فركز على قضايا القدس والمسجد الأقصى وحق العودة واللاجئين والانتهاكات التي يقوم بها العدو، وكل ذلك من الأمور التي لا يمكن أن يختلف فيها أحد.
وقد حرص الفلسطينيون على تشبيك جهود كافة الفرق العاملة -لاسيما في الشتات- في الشأن الشعبي[40]، وإقامة فعاليات دورية تجمع الجميع كالمؤتمرات، وهو أمر لم يكن سهلاً؛ نظراً للاختلافات السياسية والداخلية الموجودة، واحتاج إلى بذل الجهود الكبيرة من أجل جمع غالبية الأطراف على طاولة العمل الشعبي.
- صناعة الرمزيات: استطاع الفلسطينيون ترميز العديد من الأشياء، وربطها بشكل مباشر مع القضية وجعلها تعبر بشكل مباشر عن الهوية الفلسطينية، كالمفتاح وخريطة فلسطين والمسجد الأقصى وقبة الصخرة والكوفية والثوب الفلسطيني و”حنظلة”[41]، كما ركزوا بشكل كبير على ترميز الشهداء وقادة المقاومة.
- ترسيخ الهوية والاعتزاز بها: كانت الهوية الفلسطينية حاضرة بشكل كبير في العمل الشعبي وفي المنظمات التي تقوده، بل كان يتم تجاهل المنظمات والمؤسسات المدنية التي لا تُظهر هويتها بشكل واضح ومقاطعتها، وقد استطاعت المنظمات الفلسطينية إحياء الهوية من خلال برامجها التي ركزت على إعادة إحياء العديد من المناسبات والمحطات الهامة في مسيرة النضال بشكل دوري، واستذكار التضحيات واستنهاض الهمم.
كما استثمرت منظمات العمل الشعبي التراث الشعبي وربطته بالقضية، سواء على نطاق الطعام أو الفن أو اللباس؛ فأقامت العديد من المشاريع التي ركزت على الاهتمام باللهجات المحكية الفرعية، وإحياء العادات الفلسطينية وأنماط الرقص الشعبي والأطعمة الشعبية التقليدية ومشاريع التطريز، والتي أعادت إحياء أنماط التطريز التي تشتهر بها كل مدينة والثوب التقليدي الفلسطيني.
وتمكنت بعض هذه المؤسسات لاحقاً من تحويل بعض مفردات التراث إلى مشاريع تجارية وماركات ترتبط بالقضية وتعززها.
- تعزيز الرابطة العاطفية: ركز العمل الشعبي على إعادة الربط العاطفي بالوطن والقضية، وذلك من خلال التركيز على ثلاثة أنماط من المشاعر الرئيسية، وهي: (حب الوطن، وبثّ الأمل بالقدرة على التغيير، والتركيز على إحياء روح التحدي ورفض الاستسلام) من خلال استخدام الفنون والتركيز على الجانب المشرق البطولي الذي خلقته المعاناة، وقد تم استثمار البُعد الديني للقضية وتوظيفه بشكل كبير، فتمت الاستفادة من المواسم الدينية داخلياً وخارجياً، وركزت المؤسسة الدينية الفلسطينية على خطب الجمعة من أجل شحن الروح الوطنية؛ فاحتوت خُطَب الجمعة على جرعة سياسية عالية قاربت في بعض الأحيان أن تكون بيانات سياسية وطنية.
كما أقيمت العديد من المشاريع التي استهدفت مختلف الأعمار، والتي كانت تهدف إلى تعزيز الرابط العاطفي حتى عند الأطفال، مثل مشروع “حصالة الأقصى”[42].
- صناعة الكوادر في ميادين التجربة: مع بدايات تشكل الحراك الطلابي الفلسطيني أفرزت الأحداث الميدانية على الأرض كوادر مجتمعية تقدمت لتساعد في تنظيم الحدث بمبادرة ذاتية، ومع تطور هذا الحراك ونضوج العمل الشعبي برزت بعض الشخصيات والأسماء نتيجة الالتحام بالحدث. وقد ساهمت الحالة المؤسساتية في تعزيز هذه القيادات المجتمعية ودعمها وتدريبها وتزويدها ببعض الخبرات المكتسبة، كما أفسح العمل الميداني لهم المجال لتحقيق الخبرة الحقيقية، لتدخل هذه الكوادر مجدداً في دائرة قيادة العمل الشعبي التعبوي أو العمل السياسي.
واتسمت كوادر العمل الشعبي التعبوي بأنهم من أصحاب الهمّ الحقيقي والانتماء الواضح للقضية، اندفعوا للعمل انطلاقاً من إحساسهم الذاتي بالمسؤولية، ثم تفرغوا لإدارة هذا العمل؛ فلم تكن كوادر مستأجرة، ولم تتعامل مع عملها وكأنه وظيفة تجني من خلالها راتباً، بل بذلت كامل جهدها ووقتها لهذا العمل، وتفننت في ابتكار أدوات جديدة مكّنتها من تسويق قضيتها على أفضل وجه.
- التركيز على كافة فئات المجتمع: ركز العمل الشعبي دوره على تعبئة كافة شرائح المجتمع، خاصة الفئات التي تستطيع التأثير كالنساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والرياضيين والفنانين والمبدعين، وقد تخصصت العديد من المراكز بشرائح محددة ووجهت مشاريعها لها وخاصة النساء، إذ كان هناك الكثير من الاهتمام بتعزيز دور المرأة وانتمائها للقضية، وتشير الكثير من الوثائق المحفوظة إلى أن النساء شاركن بشكل واضح في حمل القضية والدفاع عنها وغرسها في نفوس أبنائهن[43].
كما انفتح العمل الشعبي في دول الشتات على الشعوب الأخرى، خاصة غير العربية من الغربيين، وعمل على التعريف بقضيته وتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة، وإطلاع الجمهور على واقع الحال، والتوعية بإجرام العدو، والحشد النفسي والشعبي للقضية، ولاسيما في أوقات الأزمات.
- ضبط الرواية حول القضية: استطاع الفلسطينيون صياغة قضيتهم بمصطلحات واضحة راسخة في الذهن، لا تحتمل التأويل، والحفاظ عليها من أي تعديل أو تغيير، وقد استطاعت المؤسسات الإعلامية بعد تطور أدائها إنتاج سلسلة من الأدلة الإعلامية للصحفيين والمؤسسات الإعلامية لضبط الرواية الإعلامية في الإعلام التقليدي والإعلام البديل، واعتماد مجموعة محددات للخطاب الإعلامي المتعلق بالقضية الفلسطينية، يمكن أن يساعد الإعلاميين والصحفيين والمؤسسات الإعلامية العاملة والمهتمة بالشأن الفلسطيني في تغطية جوانب القضية الفلسطينية بشكل أفضل[44].
- مواكبة الحدث الميداني: استطاع الفلسطينيون صناعة حالة استنفار ذاتية خلال الأحداث الساخنة، وذلك من خلال توظيف الطاقات والجهود لدعم الداخل الفلسطيني وتعزيز ثباته، كلٌّ في مجاله، فعلى سبيل المثال ومع أي عدوان إسرائيلي على الداخل تبارت جميع الأطراف الفلسطينية في دعم الداخل المتضرر وإدانة العدوان، كما كثفت مكاتب العمل الشعبي من نشاطاتها التعبوية من أجل التعريف بالتطورات الحاصلة بالمظاهرات والاعتصامات والمؤتمرات الصحفية، وقامت المؤسسات الفنية بإنتاج الأعمال الإنشادية الوطنية التي تخلّد الحدث، وترفع الروح المعنوية، وتساعد على التعبئة الجماهيرية[45].
- صناعة الحدث الفلسطيني عالمياً: لم ينتظر الفلسطينيون التحرك العربي أو الإسلامي أو العالمي لدعم قضيتهم، بل ساهموا بأنفسهم في تهيئة الظروف المواتية لدعمها وتحريكها؛ فعلى سبيل المثال كانت بعض مكاتب العمل الشعبي الفلسطيني في سوريا والمعنية بالعمل الدعوي، توزع نشرات دورية أسبوعية عن الوضع الفلسطيني وخاصة خلال الأحداث العسكرية كالحرب على غزة، وتضم هذه النشرات آخر التحديثات الميدانية الأسبوعية، بالإضافة إلى بعض من قصص البطولة والفداء التي جرت في هذه الفترة[46].
كما وسع الفلسطينيون دائرة الحراك من أجل القضية ليشمل الهيئات العالمية العربية والإسلامية، فالعديد من المؤتمرات الصحفية أو الأحداث العالمية لنصرة القضية الفلسطينية والتي جرت في السنوات الماضية، كانت بترتيب وتنظيم وتحضير من قبل ناشطين فلسطينيين من وراء الكواليس، وإنما ساعدوا الآخرين على إظهار مواقفهم ودعمهم، وشجعوا فيها العديد من الهيئات العالمية على إعلان دعمها ومناصرتها والتفاعل مع القضية الفلسطينية دون أن يظهروا في الصورة.
ولم يكن الهدف من هذه الأنشطة ترميز الأجسام الفلسطينية بل كان الهدف هو ترميز القضية وتسليط الضوء عليها وإظهار التعاطف والتأييد العالمي لها، وفق استراتيجية واضحة تتركز حول ضرورة إظهار تحرك الأمة دعماً للقضية الفلسطينية[47].
- التأثير في الديبلوماسية الشعبية: لم يتقصد العمل الشعبي التأثير على الشعوب في بلاد الشتات بل حاول استهداف العديد من المؤثرين والمفكرين وصناع القرار وقادة المجتمعات المدنية وأنصار حقوق الإنسان، واستطاع الفلسطينيون تكوين شبكة علاقات عامة واسعة سمحت لهم بتوسيع دائرة نشاطهم وزيادة عدد المتعاطفين معهم من الجنسيات الأخرى[48].
2-2-أدوات العمل الشعبي:
استطاعت الكوادر الفلسطينية التي استلمت العمل الشعبي انطلاقاً من إيمانها العميق بقضيتها التنويع في الأدوات، وابتكار وسائل جديدة تتناسب ومتغيرات العصر، وقدمت أشكالا متجددة من النضال الشعبي السلمي؛ فاعتمد على العديد من الأدوات وركز عليها خلال مسيرته[49]، ومن أهمها:
2-2-1- التوثيق:
يمكن عدّ التوثيق المكتوب -وهو النمط السائد في ذلك الوقت – الأداة الأبرز التي حفظت الهوية الفلسطينية وحمتها من التشويه والنسيان، وأبقت شعلة القضية متقدة في النفوس، وقد قامت عليه مجموعة من المؤسسات التخصصية ومراكز الأبحاث الفلسطينية، وشمل التوثيق العديد من المجالات، أهمها:
- توثيق الحدث: ويشمل توثيق أهم المحطات التاريخية والسياسية والمعارك والاتفاقيات والقرارات والقوانين والتشريعات وأنماط الحراك الشعبي الداخلي والخارجي والانتفاضات والانتهاكات، مع جمع شهادات حية عن بعض الأحداث الماضية[50].
- التوثيق العام: والذي ركز على حفظ وتجميع المعلومات العامة التي تتعلق بفلسطين تاريخياً وجغرافياً، وأعداد السكان وطوائفهم وأعراقهم ومذاهبهم، وما يتعلق بالزراعة والتجارة والمياه والرياضة، بالإضافة إلى تجميع الوثائق التاريخية وأرشفتها[51].
- توثيق التراث: كان لتوثيق التراث الأثر الكبير في إحياء الانتماء والربط العاطفي، سواء كان هذا التراث مادياً كأنماط العمارة والمواقع الأثرية التراثية الثقافية والطبيعية، وكل ما يتعلق بمدينة القدس وأحيائها التاريخية ومساجدها وأسواقها والتكايا، أو كان تراثاً غير مادي[52] كالفلكلور والأزياء الشعبية والأطعمة والأمثال الشعبية والأغاني والمواويل والزجل، والصناعات التقليدية واللهجات والتطورات التي طرأت عليها.
- توثيق انتهاكات العدو: كتتبع تاريخ الاستيطان ونشوء المستوطنات والحواجز وجدار الفصل، وعمليات الاعتقال التعسفية، وأوضاع المعتقلين والشهداء، ومتابعة الوضع الداخلي الإسرائيلي وتغيراته.
- توثيق بعض الفجوات التاريخية التي غابت عن التدوين بشكل تفصيلي، كاستحضار بعض التفاصيل الغائبة عبر شهادات الأحياء، أو توثيق أسماء شهداء أو معتقلين أو شخصيات نضالية لم يتطرق إليها الإعلام بهدف تخليد ذكراهم والتوعية بقصصهم.
- توثيق أوضاع الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، ومتابعة أحوالهم وحقوقهم، والانتهاكات التي تتم بحقهم من قبل بعض الأطراف.
- مشروع التوثيق الشفوي: يُعد هذا المشروع من أهم مشاريع التوثيق على المستوى الشعبي، وقد ركز مشروع التوثيق الشفوي بشكله العام على تسجيل شهادات جيل النكبة المتقدم في العمر، ثم انتقل لتسجيل شهادات الأجيال المتعاقبة حتى الجيل الرابع، وصولاً إلى شهادات الأطفال في المخيمات[53].
2-2-2- الكتابة والتدوين الأدبي[54]:
كان الأدب الأداة الأكثر تأثيراً والأكثر انتشاراً من سنوات النكبة وحتى تسعينيات القرن المنصرم، فقد ساهمت الكتابات الأدبية بأشكالها المتنوعة من شعر ونثر وقصة ورواية ومذكرات شخصية[55] في توثيق الحالة النفسية والوجدانية للفلسطيني خلال الأحداث وما بعدها، وتعميق الارتباط العاطفي بالوطن، من خلال تجسيد مشاعر الحزن والفقد واليأس والأمل والنضال والثورة، خاصة وأن الإنتاج الأدبي بكافة أشكاله ارتبط بالقضية والهوية الفلسطينية، وأعاد صياغتها في العقل والوجدان الفلسطيني والعربي، بل والعالمي.
وقد نقلت نصوص الأدب الفلسطيني جانبي المأساة والبطولة، ورسخت بقوة مشاعر حب الوطن والتضحية والفداء من أجله، وعكست صورة الأحداث بحرارة وحيوية مظهرة البُعد الإنساني الغائب للنكبة الفلسطينية وما لحقها، وحالة الاغتراب المادي والمعنوي الذي لحق بالروح الفلسطينية في الشتات، وأصلت لمفهوم المقاومة بكونها الوسيلة الأهم مواجهة المحتل واستعادة الحقوق.
2-2-3- المناهج المدرسية:
ساهم التعليم بشكل كبير في دعم وترسيخ القضية الفلسطينية، لاسيما وأن المناهج الفلسطينية تمحورت حول تعزيز القضية الفلسطينية ومركزيتها وعدالتها، وكشف زيف الاحتلال وروايته، وقد تم استثمار الجانب التعليمي في مختلف مراحله حتى الجامعية، حيث فرضت الجامعات الفلسطينية على طلابها من مختلف الاختصاصات حضور مساق حول القضية والنجاح به كشرط من شروط التخرج[56].
ومن الجدير بالذكر أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة في المناهج التعليمية العربية حتى فترة قريبة، وذلك انطلاقاً من تبني الدول العربية لها من منطلق قومي / إسلامي، وقد ضمت الكتب العديد من النصوص الأدبية والشعرية والقصص التي تتحدث عن قصص البطولة والتضحيات الفلسطينية، والتي كتبت بأقلام فلسطينية أدبية استطاعت نقل الوجع والمعاناة وتخليدها أدبياً، وهو ما ساهم في تعميق وغرس هذه القضية في أذهان الشعوب العربية.
2-2-4- الفن الشعبي:
استغل الفلسطينيون على المستوى الداخلي الإعلام الشعبي بشكل واسع وفعال لغرس القضية الفلسطينية؛ فمنذ الأيام الأولى للنكبة انتشرت بعض الأشعار والزجل الشعبي التي كان يحاول فيها الفلسطيني التعبير عن حزنه واشتياقه للوطن، وتطور الأمر مع تطور أشكال الحراك، وبرزت الحاجة للتعبير عن معاني المقاومة والصمود.
وبدأت الفرق الفلسطينية الغنائية بالتشكل وبدأت بإحياء الأغاني الترائية القديمة، وإنشاد بعض القصائد التي ألفها الشعراء الفلسطينيون القدامى والتي خلدت أحداثاً تاريخية[57]، ثم تطور دورها وصولاً إلى قيامها بإنتاج أعمال غنائية كاملة من التأليف للتلحين للإنشاد وثقت فيها بعض الأحداث وسير الشهداء، وجسدت حياة الإنسان الفلسطيني وتطلعاته وآماله، وقد أصبحت هذه الأغاني والأناشيد حاضرة في الاحتفالات والأعراس والمناسبات الثورية، وانتشر هذا الإنتاج الفني الثوري مع إصدار تلك الفرق لأشرطة الكاسيت في الوسط العربي إلى جانب الوسط الفلسطيني، وأثرت فيهما بشكل كبير[58].
وقد ساهمت الحالة المؤسساتية في دعم الكثير من الموهوبين من شعراء ومطربين وملحّنين، وتوجيه مواهبهم لخدمة القضية[59]، سواء في الداخل أو في الخارج، حيث ساهمت بعض المؤسسات بإنشاء فرق فلسطينية لإحياء الأفراح، تم تدريبها وتزويدها بالمعازف المطلوبة، فاستطاعت هذه الفرق أن تكسب قُوتها وأن تحيي الأفراح في الوقت نفسه.
وقد تطورت الأغنية الفلسطينية وباتت تواكب نمط الغناء الشائع بشكل استطاعت معه اجتذاب الأجيال الجديدة؛ إلا أنها حافظت في مضمونها على جوهر القضية وقدسية الكفاح ضد المحتل، واستطاعت إحياء بعض الأغاني التراثية القديمة بقالب معاصر.
2-2-5- الإعلام الفلسطيني:
داخلياً استثمر الفلسطينيون الأدوات الإعلامية المتاحة في ذلك الوقت في نقل صوتهم والتعبير عن قضيتهم؛ فقد استطاعت الصحافة التي كانت ناشطة في وقت سابق[60] التعافي بعد عقد على النكبة، وبدأت الصحف “الفصائلية” بالصدور داخل في فلسطين وخارجها، وقد تم إحصاء أكثر من 230 صحيفة صدرت من ستينات القرن العشرين وحتى منتصف التسعينات باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، على شكل صحف ودوريات من داخل فلسطين وخارجها كان الحدث الفلسطيني محورها الأساسي، خاطبت معظم الشرائح حتى الأطفال الذين خصصت لهم مجلات خاصة[61].
كما نشطت العديد من الإذاعات المحلية التي كانت تبث من داخل وخارج فلسطين[62]، كما تم إطلاق أول قناة تلفزيونية محلية “تلفزيون فلسطين” في نفس العام، ثم تطورت المنظومة الإعلامية وأنتجت قرابة 10 قنوات فضائية تبث من داخل فلسطين، وعدد من القنوات الفضائية غير الحكومية، إضافةً إلى نحو 12 تلفزيون محلي، وأكثر من 55 إذاعة تبث في كل فلسطين، و20 وكالة أنباء محلية، و150 صحيفة ومجلة مطبوعة.
كما أنشئت قرابة 5 قنوات فضائية أخرى تبث من خارج فلسطين، منها فضائية القدس التي تأسست عام 2008 وتوقفت عام 2019، وقناة فلسطين اليوم، وقناة فلسطيني، والكوفية وغيرها.
وعلى مستوى الإعلام الموجه للخارج أبرز التفوق الإعلامي الصهيوني تحديات كبيرة أمام الفلسطينيين، خاصة مع قيامه بترويج روايته في العالم، وتشويه القضية الفلسطينية من خلال المعلومات المضللة[63]، عبر العديد من الأفلام السينمائية التي حاولت التركيز على الوجه الإنساني لـ” إسرائيل”، في حين كان الإنتاج السينمائي الفلسطيني متواضعاً جداً، واقتصر على الجمهور العربي لضعف الإمكانيات وضعف التمويل، إلا أنه وعلى الرغم من ضعف الإمكانيات تمكن الفلسطينيون في الخارج من إصدار قرابة 10 صحف مطبوعة في الفترة من منتصف ستينات القرن العشرين وحتى منتصف التسعينات باللغتين الإنكليزية والفرنسية، والعديد من الصحف الإلكترونية الناطقة بالعديد من اللغات[64].
كما أن ضعف الإنتاج الفني الفلسطيني على صعيد الأفلام والمسلسلات لم يشغل الفلسطينيين عن الدخول في هذا المجال؛ فقامت العديد من الشخصيات الفلسطينية بدراسة الإعلام والتخصص في بعض جوانبه، وتمكنت من العمل في المحطات الإعلامية العربية وحتى الأجنبية، وتميز العديد منهم خلال عملهم فيها، وقد استطاعوا عبر إيمانهم المطلق بقضيتهم التأثير في تلك الوسائل، ودفع العديد من الشبكات العربية لدعم مشاريع وصفحات إعلامية فلسطينية[65].
2-2-6- الإعلام الجديد:
خلفت ساحات الإعلام الجديد بكافة أشكاله المرئية والمكتوبة والمسموعة ساحة جديدة للنضال من أجل القضية الفلسطينية، وأخذ الفلسطينيون على عاتقهم مهمة نشر الرواية الفلسطينية بألسنتهم وعيونهم إلى العالم كله دون حواجز، وفقاً للإمكانية المتاحة بين أيادي الجميع، خاصة الشباب، فتفعّلت صفحات يشرف عليها نشطاء فلسطينيون بلغات عديدة تشرح للعالم ما الذي يحدث في فلسطين بالتحديد، بعيداً عن الرواية الإسرائيلية، مما كان له الأثر الكبير في تشكيل وعي جديد وردة فعل لدى مستخدمي هذا الفضاء المفتوح.
وبدأ هذا النشاط الرقمي الجديد يقلق السلطات الإسرائيلية التي بدأت حملات اعتقال لبعض الناشطين الفلسطينيين على خلفية منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وفيسبوك خصوصاً، حيث حاولت لاحقاً محاصرة النشاط الفلسطيني على فيسبوك بطرق عديدة، وهو ما دفع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني مجدداً لمواجهة هذه الضغوطات بتأسيس مجموعة من ائتلاف الحقوق الرقمية الفلسطينية لحماية المحتوى الفلسطيني المنشور عبر الفضاء الإلكتروني، والحفاظ على حقوق رقمية أخرى في مجالات متعددة[66].
ومن جهة أخرى أتاحت الطفرة الرقمية وما رافقها من تجهيزات وبرامج الفرصة للعديد من المهتمين -خاصة من فئة الشباب- الدخول إلى مجال الإعلام غير الرسمي، والاستفادة من هذه الأدوات في دعم القضية وخدمتها؛ فقد ساعد انتشار برامج صناعة الفيديو والصور الشباب على امتلاك الأدوات الازمة للتعبير عن قضيتهم بشتى الوسائل[67]، فنشط الإنتاج الفني المرئي بشكل كبير، وبدأت تحتضنه العديد من المؤسسات الفلسطينية وتشجّع عليه، وتقيم له المسابقات وتوزّع الجوائز[68].
كما عمل فلسطينيو الشتات أيضاً على استخدام ثورة الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي بطريقة إبداعية، سواء من خلال إعادة إحياء بعض الصور القديمة وتلوينها[69]، أو من خلال الضغط على بعض وسائل التواصل احتجاجاً على حذفها للمحتوى الفلسطيني[70]، أو إطلاق مبادرات تساعد فلسطينيي الشتات على التعرف على بلداتهم الأصلية ومنازلهم حالياً كمبادرة “كنا ولا زلنا”[71].
2-2-7- تفعيل دور الشتات في غرس القضية ونقلها للعالم:
اختلفت الأدوات التي استخدمت لترسيخ القضية في نفوس الشعب الفلسطيني باختلاف بيئات الشتات الفلسطيني[72]، واختلاف أماكن توزعه وفق الآتي:
- أدوات الشتات الفلسطيني في دول الجوار الفلسطيني (المخيمات الفلسطينية في دول الطوق)[73]: حافظَ الشتات الفلسطيني في المخيمات التي أقيمت في دول عربية كسوريا ولبنان والأردن على هويته حاضرة بشكل واضح، وحوّل هذه المخيمات إلى نموذج مصغر للبيئة الفلسطينية مانعاً الذوبان في المجتمعات الجديدة، فسمَّوا الشوارع والمدارس والدكاكين بأسماء أماكن أو شهداء فلسطينيين، وسمى الكثير منهم أولاده بأسماء مناطق أو نباتات فلسطينية، وحرصوا على إظهار الهوية الفلسطينية، حتى في المقابر التي كانت تحمل شواهدها[74] اسم القرية الفلسطينية التي ينتمي إليها المتوفى، وقد امتلأت جدران أزقة المخيمات بصور الشخصيات الفلسطينية المؤثرة، إضافة لصور المسجد الأقصى وبعض معالم القدس والعديد من العبارات الثورية التي تؤكد الانتماء للقضية والارتباط بالوطن.
كما ظهرت ضمن المخيمات “الدواوين الفلسطينية”، وهي أشبه بتجمعات مدنية القصد منها تعزيز الروابط العائلية أو المناطقية، وتقديم الدعم والمساعدة المطلوبة لأفرادها، وقد نشطت بعض الدواوين[75] وبدأت تقوم بفعاليات اجتماعية مستفيدة من أبناء العائلة الموهوبين، وهو ما جعل التجربة بيئة مناسبة لبروز بعض القيادات المجتمعية بشكل تلقائي، وبقيت هذه الدواوين فاعلة وناشطة في تفعيل المجتمع الأهلي في تلك الفترة، ولا يزال بعضها حاضراً حتى الآن.
وقد ضمت المخيمات الفلسطينية مكاتب لمعظم التيارات الفلسطينية العسكرية والسياسية، قام عليها متخصصون بالعمل الشعبي تولوا مهام التنظيم والتثقيف والتعبئة الشعبية، وإحياء المناسبات الوطنية الفلسطينية، ومواكبة الأحداث الساخنة في الداخل الفلسطيني وخاصة الانتفاضتين، إلا أن هذا الحراك الشعبي كان محصوراً ضمن المخيم وممنوعاً من التوسع خارجه.
- أدوات الشتات الفلسطيني في بقية الدول العربية: لم يستطع الشتات الفلسطيني في الدول العربية إقامة مؤسساته أو ممارسة أنشطته[76]، نظراً للقيود التي فرضتها تلك الدول على هذا النشاط، فقد كان العمل الشعبي متاحاً ومحدداً بمجتمعات المخيمات فقط، وقد اقتصر دور الشتات الفلسطيني في الدول العربية وخاصة في دول الخليج على جمع التبرعات، ودعم بعض المشاريع في الداخل مع حرصهم على تعميق ارتباطهم وارتباط أبنائهم بالقضية [77].
- الشتات الفلسطيني في الدول غير العربية: استطاع الشتات الفلسطيني الذي انتشر في الدول غير العربية الاستفادة بشكل كبير من الظروف التي وفرتها تلك الدول وخاصة العلمية والأكاديمية، وعمل على تطوير خبراته ومعارفه، كما تأثر بتجربة العمل المدني المتقدمة في تلك الدول ومن هامش الحريات المتوفر.
وقد واجه هذا الشتات تحديان كبيران؛ تجلى الأول بالتخوف من ذوبان الهوية في المجتمعات المضيفة خاصة مع الاختلافات الثقافية والفكرية واللغوية فيها، والتحدي الثاني هو دور اللوبيات الصهيونية وما قامت به من قلب للحقائق وتشويهها عن القضية الفلسطينية، فاضطر الفلسطينيون لمواجهة هذا التضليل الإعلامي بالأدوات والوسائل نفسها من أجل التعريف بقضيتهم وتصحيح المفاهيم.
وقد أقام الفلسطينيون في تلك الدول مجموعة كبيرة من المنظمات والمؤسسات الفلسطينية[78]، تخصص كل منها في جانب معين، فقامت هذه المؤسسات بالعديد من الأنشطة كالمؤتمرات والمظاهرات والوقفات الاحتجاجية ردًّا على الجرائم الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ونقلت المطالب السياسيّة الفلسطينية، خاصةً المتعلِّقة بحقّ العودة، وعملت بشكل مستمر على إحياء الذكرى السنويّة لبعض الأحداث المفصلية كيوم النكبة ويوم الأرض، بالإضافة إلى تنظيم البرامج التثقيفيّة، وممارسة العمل الاجتماعي الموجه للجمهور الفلسطيني وغير الفلسطيني، والتعريف بالتراث الفلسطينيّ بأشكاله المتنوعة.
واستطاع العديد من الأكاديميّين الفلسطينيّين الوصول إلى مكانة مرموقة في مجالاتهم، فلم يكتفوا بكتابة الدراسات والأبحاث الفلسطينيّة فحسب، ولكنَّهم أصبحوا أيضاً متحدثين باسم القضية الفلسطينية، يشاركون بقوّة في صياغة حدودها وتوسيع نطاقها، مع العديد من المثقَّفين والفنّانين الفلسطينيّين الذين لعبوا الدور نفسَه في أوساطهم[79].
كما وخاض العديد من فلسطينيي الشتات غمار العمل الإعلامي والحقوقي، وأسسوا شبكة علاقات مع المنظمات والنشطاء الحقوقيين الأجانب، واستطاعوا الترويج لقضيتهم والتعريف بوجهة النظر المغايرة للرواية الإسرائيلية، مستفيدين من تطوُّر وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت التي استطاعت تجميع المجتمَعات الفلسطينيّة المبعثَرة، وتعميق طرق التواصل فيما بينها، وإسماع صوتهم في المجتمعات المضيفة.
2-2-8- تفعيل دور الداخل في الحفاظ على القضية متقدة:
كان للفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم وتشبثوا بها أثرٌ كبير في الحفاظ على القضية الفلسطينية حية في نفوس أبنائها، رغم أن الحياة في الداخل لم تكن سهلة أبداً، بل اكتنفتها الكثير من الصعوبات والتعقيدات، إلا أن إصرار فلسطينيي الداخل على الصمود والمواجهة كان الشعلة التي ألهبت حماس بقية الفلسطينيين في الشتات؛ فصورُ مواجهة الفلسطينيين العزَّل لآلات التجريف ورفضهم التنازل عن أراضيهم ظلت تتصدر الشاشات لسنوات طويلة.
كما أن مقاومة فلسطينيي الداخل للانتهاكات الإسرائيلية واحتجاجهم على مقتل عدد من الشباب عام 1987 أدت إلى اندلاع ما عرف بالانتفاضة الأولى أو انتفاضة الحجارة[80]، ثم وقوفهم في وجه اجتياح شارون عام 2000 لباحات المسجد الأقصى، والذي كان السبب وراء اندلاع الانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى”[81] التي استمرت قرابة 4 أعوام، والتي تفاعلت معها معظم الشعوب العربية والإسلامية بالدعم والتأييد.
وقد استمرت أساليب الاحتجاج الشعبي داخل فلسطين وتنوعت أشكالها، وظهرت العديد من التحديات الشعبية مثل المداومة على الصلاة في الحرم الإبراهيمي، أو المقاطعة الاقتصادية و”مقلوبة في الأقصى”[82]، بالإضافة إلى تنظيم مسيرات العودة[83]، والعمل على نشر الرعب وزعزعة الاستقرار في المجتمع الصهيوني من خلال إطلاق بعض البالونات الحرارية إلى الطرف الإسرائيلي بهدف إشعال الحرائق أو نشر الذعر[84]، أو تعليق الأفاعي[85]، أو استخدم انعكاس أشعة الشمس الحارقة عبر المرايا وتوجيهها إلى جنود الاحتلال، وتسليطها على جبهة جندي إسرائيلي حاول قمع حراكهم الاحتجاجي السلمي ضد الجدار والاستيطان.
2-3- تحديات العمل الشعبي:
لم يكن العمل الشعبي سهلاً ولا ميسراً، بل تعرّض خلال مسيرته للعديد من الصعوبات والمشاكل والتحديات، ومن أبرزها[86]:
- تحدّي الاستمرار: ويُقصد بها ضمان استمرار العمل من أجل القضية بكافة أشكالها ومجالاتها، وعدم التوقف وإكمال البناء التراكمي، وتأمين التمويل اللازم.
- تحدّي الاستيعاب: أي أن يستوعب العمل الشعبي كافة الشرائح على اختلاف توجهاتها السياسية وخلفياتها الثقافية، وأن يركّز على المبادئ الجامعة التي يتوافق عليها الجميع، والابتعاد عن عوامل الخلاف والمحاصصات والتحزبات.
- تحدّي الإبداع والتكيُّف: ويُقصد به التفكير بأدوات ووسائل نضالية جديدة جاذبة تتناسب مع التطورات الاجتماعية والبيئات الجديدة، يمكن من خلالها جذب الفئات الشابة، وتلائم أدوات العصر الحديث.
- تحدّي التعامل مع الانتكاسات السياسية: والحفاظ على روح الحماس، والإصرار على المتابعة، والتمسك بثوابت القضية رغم كل الظروف التي تضغط باتجاه تقديم تنازلات على حساب القضية.
- تحدّيات إضافية، منها: التنافس مع برامج العدو في الساحات المختلفة، والأنظمة والقوانين الحاكمة في البلد الذي يكون فيه النشاط، وضعف الاستجابة في بعض الأحيان نتيجة تردّي أوضاع الناس عموماً وانشغالهم بسبل العيش.
وقد كان الإيمان بالقضية والوعي بمفرداتها عند قيادات العمل الشعبي الدافع الأبرز الذي ساعدهم على تجاوز الكثير من العقبات والتفرغ لخدمة القضية، وهو أمر لم يكن سهلاً؛ بل تطلب الكثير من العمل والتعب والمواظبة على دفع العجلة ومنعها من التوقف، وساعدت النجاحات المرحلية التي حققتها قيادات العمل الشعبي ومؤسساته لاحقاً بتذليل هذه الصعوبات، ولاسيما في مجال الحصول على الدعم، وأثمرت تشجيع المتبرعين على دعم وإنشاء مؤسسات جديدة في تلك المجالات[87].
2-4- دروس مستفادة من التجربة الفلسطينية:
لم تكن مسيرة العمل الشعبي الفلسطيني سهلة، ولم تحقق تلك النتائج إلا بعد عمل دؤوب امتد لعقود من الزمن وصبر طويل، وعند دراسة التجربة الفلسطينية بكافة نواحيها الإيجابية والسلبية والعثرات والعوائق التي تعرضت لها خلال دفاعها عن قضيتها يمكن أن نستنتج بعض الدروس المستفادة، ومنها:
الدروس المستفادة على نطاق إدارة العمل وضبط البوصلة:
كان لوجود المرجعية دور أساسي في حفظ القضية وضبط بوصلة حركتها؛ فقد استطاع الفلسطينيون إنتاج ثلاث مرجعيات أساسية كان لوجودها الأثر الكبير في تحريك القضية الفلسطينية وضبط بوصلتها، وهي:
- المرجعية المبدئية: والتي استطاعت صياغة مصطلحات موحدة كوّنت شكلاً موحداً للقضية في الذهن الفلسطيني، وهي: ” الدولة، والعاصمة، وتقرير المصير، وحق العودة”.
- المرجعية السياسية[88]: والتي ارتكزت على المرجعية المبدئية الأساسية كمنطلق لعملها السياسي.
- المرجعية الشعبية: والتي قادت الحركة الاحتجاجية الشعبية وطورتها، وتحولت لاحقاً إلى مسار داعم للمرجعية السياسية يعمل على تزويدها بأوراق قوة.
الدروس المستفادة على المستوى السياسي:
- نجح الفلسطينيون إلى حد ما في بناء حركة وطنية متعددة القوى تحمل القضية، لها مؤسسة سياسية تمثلها خارجياً وهي منظمة التحرير الفلسطينية، ولها ذراع عسكري يحمل فكرة المقاومة وينقلها من جيل إلى جيل، وقد استطاعت هذه المنظمة رغم الأخطاء والإخفاقات تحقيق العديد من الإنجازات، وتحويل القضية الفلسطينية إلى المستوى العالمي، وحفظتها من النسيان والاندثار.
- استطاع الفلسطينيون تقديم رواية موحدة عن قضيتهم حول العالم، يصعب التشكيك بعدالتها أو التشويش على أحقية النضال من أجلها، وارتكزت على مشروعية نضالهم التحرري لاستعادة أراضيهم وحقوقهم المغتصبة، وركزت على الانتهاكات الإنسانية التي يتعرضون لها، وهو ما حوّل القضية إلى البُعد الدولي واستقطب العديد من المتضامنين، سواء من ناشطي حقوق الإنسان أو حتى الحركات النضالية والمنظمات الحقوقية.
- أثبتت التجربة الفلسطينية أنه لا يمكن التعويل على العمل العسكري أو السياسي فقط من أجل نصرة القضية[89]، كما لا يمكن التعويل على العمل الثوري وحده؛ بل لابد من استخدام كافة الأدوات المتاحة وفق استراتيجيات واضحة يدعم أحدها الآخر، ويستثمر في مكتسباتها ويبني عليها[90].
الدروس المستفادة على المستوى الشعبي والمجتمعي:
- أدرك الفلسطينيون أنه لا الإمكانيات الذاتية ولا الوضع الدولي يسمح بوصول الفلسطينيين لهدفهم وتحرير أرضهم، وأن الاستسلام للواقع يعني خسارتهم لكل حقوقهم وإلى الأبد، ولذا عليهم الحفاظ على حركة النضال وإحياء سُنّة التدافع مع العدو الصهيوني، خاصة أن المعركة معه ليست معركة سينتصر فيها طرف على طرف، وإنما هي معركة تسجيل نقاط وتحقيق مكاسب؛ لأن كلا الطرفين غير قادر على حسم المعركة حالياً.
وبالتالي فإن استمرار عجلة النضال وحركة التدافع والمشاغلة وتراكم إنجازاتها الجزئية والمرحلية، سواء أكانت على النطاق السياسي أو القانوني أو الشعبي أو حتى العسكري، سيسمح للفلسطينيين باقتناص أي فرصة تاريخية مستقبلية إن كان الوعي الشعبي حاضراً عند حدوث تلك الفرصة[91].
- ركز الفلسطينيون على خلق حالة وعي مجتمعي حقيقية تجاه القضية وأحقيتها، من خلال استخدام أدوات متعددة وضمن مجالات مختلفة، وتطوير تلك الأدوات لتتناسب مع الشرائح المتنوعة والظروف المتغيرة، بهدف خلق حالة من البناء المجتمعي والسياسي تقوم على أسس العلم والمعرفة[92].
- تشير التجربة الفلسطينية إلى ضرورة الانتباه إلى عدم حدوث فجوات وانقطاع خلال مسيرة العمل الشعبي القائمة على الحشد والتعبئة أو صناعة الكوادر، وذلك من خلال الدخول في معارك جانبية قد تضعف القضية[93]؛ إذ لابد من قراءة الأحداث السياسية بشكل عميق وتجنب تكثيف النضال في اتجاه واحد فقط.
- ضرورة دعم الحراك الشعبي داخل الوطن؛ لأنه الوقود الذي يضمن استمرارية القضية وإعادة تجديدها وضمان حيويتها، كما لابد من تحقيق الترابط بين حراك الداخل وحراك الشتات ليكمل كل منهم ما بدأه الآخر.
- الحذر من عملية تكبيل الوعي؛ وذلك من خلال ممارسات ممنهجة يمكن أن يقوم بها العدو، يجعل فيها التجاوب مع أي عمل نضالي يدعم القضية يتعارض مع المصالح الشخصية لأصحاب القضية. فعلى سبيل المثال: أدرك الاحتلال الصهيوني آثار التحركات الشعبية الفلسطينية الداخلية، خاصة بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، فأطلق مشروعاً تحت مسمى “مشروع السلام الاقتصادي”[94]، والذي حاول فيه مقايضة الحقوق السياسية بالحقوق الاقتصادية؛ فأطلق مجموعة مشاريع في الضفة الغربية، وفتح المجال لتمويل قروض مالية للشباب الفلسطيني بشروط بسيطة، في محاولة لاستغلال حاجتهم المالية وتكبيلهم بقيود اقتصادية تجعلهم رهائن، وتتطلب منهم الحرص على أعمالهم من أجل سداد تلك القروض[95]، فلم يعد هؤلاء الشباب قادرين على التجاوب مع القضايا النضالية أو المشاركة في الحراك الشعبي رغم إدراكه أهميته وأولويته، وهو ما انعكس مؤخراً بردود فعل أدنى مما هو متوقع في الضفة الغربية تجاه قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
- استطاع الفلسطينيون العمل على تعزيز العلاقة بين مختلف المنظمات والجمعيات العاملة في المجال الشعبي في دول الشتات على مختلف انتماءاتها السياسية، والتشبيك بين أنشطتها، وذلك بالتركيز على القضايا الجامعة التي تتعلق بالانتماء للوطن والقضية، والابتعاد عن كل ما يشتت الصف وعن القضايا الخلافية، مع المحافظة على خصوصية كل جمعية ومنظمة ضمن هذه الشبكة[96].
- أظهرت التجربة أن الأجيال الصغيرة التي شهدت الحدث أو المعاناة دون أن تشارك به أو تصنعه كانت القوة الدافعة التي ضمنت الاستمرارية لأي قضية، لاسيما إنْ تراكمَ الوعي بتلك القضية في وجدانها[97].
- ساهمت عمليات النزوح الجماعي في إحياء القضية وحماية الهوية الفلسطينية من الذوبان في المجتمعات المضيفة، بينما واجه الفلسطينيون الذين انتقلوا إلى أوروبا أو أمريكا فرادى صعوبات كبيرة في المحافظة على هويتهم، وذابت الكثير من العائلات في مجتمعاتها الجديدة نتيجة غياب البيئة والمجتمعات المحلية الصغيرة في بلاد اللجوء.
- أثمرت عمليات التعبئة الشعبية ربط الكثير من أبناء الشتات بوطنهم، وقد قام العديد منهم بعد حصوله على جنسيات أخرى أو تخرجه من الجامعات بالعودة إلى أرضه – رغم صعوبة الظروف فيها – والعمل على نقل خبراته ومعارفه تأكيداً لحقه في هذا الوطن ورغبةً في المساهمة في تطويره.
- تأثرت الأجيال التي تربت في الشتات الغربي أو التي قدمت إليه لاحقاً بالبيئة الجديدة وما تحمله من قيم وعادات وأفكار، وكانت الأجيال اللاحقة التي ارتبطت بقضيتها أكثر قدرة على تفعيل الجوانب الإنسانية والحقوقية، وأكثر قدرة على التشبيك مع محيطها الجديد والتعريف بقضيتها.
- لا يمكن التعويل على تفاعل كافة أطياف الشعب مع القضية بنفس النسبة، فهو أمر متعذر التحقيق، ولابد من الاستسلام لفكرة وجود شريحة ستلتفت لشؤونها الخاصة ولن تكون قادرة على الانخراط بأي عمل بشكل مباشر، إلا أنه لابد من الحفاظ على ارتباط هذه الفئة بوطنها، بل ودعمها في دول اللجوء لتنجح وتتقدم؛ فوجود أنصار للقضية ضمن المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والفنية أمر ضروري لها، لأن هذه الشريحة مستقبلاً هي التي ستؤدي بعض الواجبات والمهام التي تتعلق بالصالح العام، كدعم التعليم أو تمويل بعض المشاريع المدنية لإعادة بناء وتطوير الوطن الذي غادرته.
- من الخطأ ربط العمل الخيري بالعمل الشعبي التعبوي في مناسبة واحدة؛ لأنه سيشوّه العمل الشعبي ويحوّله إلى شكل من أشكال التجارة، كما أنه سيجعل المتلقي يأتي طمعاً في المكسب المادي، وهو ما سيؤثر سلباً على انتمائه لقضيته[98].
ثالثاً: هل شكلت الثورة السورية قضية في نفوس أبنائها؟
وبالعودة إلى مفهوم القضية الذي ناقشناه في القسم الأول من الدراسة نجد أن الواقع السوري الحالي وتداعيات الثورة وما خلّفته من مشاكل اجتماعية وسياسية متشعبة ومعقدة؛ تصلح أن تتحول من مشكلة محلية إلى قضية وطنية جامعة إن استطاعت أن تنغرس بعمق في وعي الشعب السوري وتترسخ فيه وترتبط بشخصيته بشكل كبير، وهو ما لم يحدث بعدُ بحسب ما أشار إليه الخبراء.
فقد شكلت شعارات الثورة السورية – في سنتها الأولى – إطاراً جامعاً لفئة كبيرة من الشعب السوري خرجت إلى الساحات معلنة عن مطالبها، وتمكنت بإمكانيات بسيطة من أن تنتشر على مساحة واسعة من الأراضي السورية، بينما وعلى الضفة المقابلة أعلن قسم من السوريين تأييده المطلق للنظام، فيما التزمت شرائح أخرى الصمت لأسباب متنوعة.
وبالعودة إلى أسماء أيام الجُمَع التي استخدمها السوريون في العام الأول[99] نجد هذه الأسماء إحدى الأدوات المهمة التي قاموا من خلالها بإيصال رسائل لعموم الثوار أولاً، ولبقية أطياف السوريين ولوسائل الإعلام والجهات الخارجية ثانياً؛ فقد حملت هذه الأسماء في عمومها في العام الأول رسائل أخلاقية جامعة[100].
كما تبنّى السوريون منذ اللحظات الأولى لانطلاق الثورة شعارات واضحة حملت العديد من الرسائل، والتي تلخصت في عدة كلمات، ومنها: “الشعب السوري ما بينذل”، ثم “الله سوريا حرية وبس”، “الموت ولا المذلة”. ومع الامتداد الأفقي للحراك بدأت الشعارات تكرس شكلاً أوضح من التعاضد الاجتماعي واللحمة الوطنية، جسدها شعار “واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد”[101].
ولم يكتفِ السوريون بالشعارات؛ بل قدموا الكرنفالات والاحتفاليات والمسائيات الثورية التي كانت تتسم بانتظام مدروس لحركة الجسد هو تسونامي الأجساد، كما حولوا تشييع الشهداء إلى طقوس احتفال وتقدير رفعوا فيها الشعارات بشكل يشير إلى أن لغة بعض شعارات الثورة تسعى إلى تجاوز الثورة للوصول إلى ما هو دائم ومستمر في الناس، أي تجاوز الجوهر السياسي للشعار السياسي إلى جوهر إنساني، الأمر الذي يكشف أن الثورة السورية هي ثورة إنسانية بالدرجة الأولى، قبل أن تكون ثورة سياسية واجتماعية[102].
وبالعودة إلى هذه الشعارات والمطالب نجد أن معظم مطالب الثورة السورية تركزت حول مجموعة محاور، وهي: “الحرية والكرامة والعدالة “، فعندما طالب السوريون بالحرية كان ذلك تصريحاً منهم برفض كل الممارسات والسياسات والقوانين التي تمسّ حرياتهم، سواء كانت الحرية السياسية أو الفكرية أو الدينية أو غيرها، وعندما تحدثوا عن العدالة كانوا يقصدون إيقاف الاعتقالات التعسفية أو التعذيب وضبط تلك الممارسات بأوامر قضائية واضحة تستند على بنود معلومة من القانون، وإيقاف كل أشكال التمييز على أساس العرق أو الطائفة أو الولاء السياسي، وجعل جميع أفراد المجتمع متساوين أمام القانون، وقد شكلت هذه المطالب والشعارات جملة من المطالب العادلة التي لم يستطع أحد إنكارها أو الاعتراض عليها حتى بين الفئات التي لم تنخرط في الثورة؛ نظراً لأنها مبادئ إنسانية جامعة، بل نالت قبولاً ودعماً من العديد من الدول والشعوب، وحققت بذلك مشروعية داخلية وخارجية.
وقد حاول السوريون إعادة صياغة هذه الشعارات والمطالب وتحويلها إلى مبادئ واضحة للثورة تجلت بأوضح صورة في المبادئ الخمسة التي صدرت برعاية المجلس الإسلامي السوري، والتي توافق عليها جمهور واسع من مختلف الأطياف الثورية، ونصت على[103]:
- إسقاط بشار الأسد وكافة أركان نظامه، وتقديمهم للمحاكمة العادلة.
- تفكيك أجهزة القمع الاستخباراتية والعسكرية، وبناء أجهزة أمنية وعسكرية على أسس وطنية نزيهة، مع المحافظة على مؤسسات الدولة الأخرى.
- خروج كافة القوى الأجنبية والطائفية والإرهابية من سـوريا، ممثلة بالحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، وميليشيا أبي الفضل العباس، وتنظيم الدولة.
- الحفاظ على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا واستقلالها وسيادتها وهويـة شعبها.
- رفض المحاصصة السياسية والطائفية.
وبالنظر في هذه المبادئ[104] نجد أنها ركزت على عملية تغيير سياسي، تقوم على إقرار مبادئ العدالة ومحاسبة المجرمين، وإعادة حرية المواطن وكرامته بإزالة كافة الأجهزة الأمنية التي كانت تمتهن حريته وكرامته، والحفاظ على بنية الدولة، وتحقيق العدالة بين جميع المكونات السورية بغض النظر عن انتماءاتها الفرعية.
إلا أن اختلاف الظروف السياسية والعسكرية ودخول جماعات الغلو المتطرفة (كجبهة النصرة، وتنظيم داعش) بمشاريعها العابرة للحدود على خط الصراع، وهيمنة المشهد العسكري شوّش صورة الثورة وشعاراتها ومبادئها لحد كبير، ومكّن نظام الأسد من الترويج لرواياته حول قيامه بمكافحة الجماعات الإرهابية المتطرفة، الأمر الذي انعكس على الصورة الخارجية للثورة في العالمين العربي والإسلامي، كما ساهمت التغطية الإعلامية الأجنبية التي ركزت على تلك الجماعات المتطرفة ومشاريعها في تصوير طرفي النزاع وكأنهم متكافئان من ناحية التجاوزات والمسؤولية عن الكارثة، وإغفال الأغلبية المعتدلة التي طالبت بحقوقها المشروعة .
وعلى الرغم من أن العديد من العوامل الخارجية ساهمت في تغيير المشهد السوري ودعم طرف على حساب طرف آخر إلا أن أصل المشكلة السورية لم يُحل، ولم تتمكن المعطيات الجديدة وما فرضته التغيرات العسكرية على الأرض التي مكّنت نظام الأسد من توسيع سلطته على رقعة أوسع من إقناع السوريين بأن الأمور عادت لسابق عهدها، أو إجبار المعارضين التخلي عن مطالبهم الأساسية والاستسلام للواقع المفروض.
وبالتالي لا تزال المطالب الأساسية التي قامت بالثورة والتي رفعها السوريون منذ الأيام الأولى للثورة موجودة، ولم يتحقق منها شيء يذكر على أرض الواقع السورية، ولا تزال أسباب الصراع السوري قائمة، بل تفاقمت بشكل أوضح، وما زالت هذه المشكلة العامة حاضرة وقابلة للاشتعال إن أتيحت لها الظروف المواتية، وهذا يعني أن الحالة السورية – على اختلاف توصيفاتها- يمكن تحويلها إلى قضية وطنية في نفوس أبنائها؛ وذلك بتذليل العوائق التي تقف في وجه هذا التحول، ثم تكثيف الجهود لخلق حالة إجماع عند جميع مكونات الشعب السوري- بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية – حول مطالب هذه القضية، وهو أمر لم يحصل حتى الآن.
3-1 معوّقات تحوُّل مبادئ الثورة وشعاراتها إلى قضية وطنية:
استطاعت شعارات الثورة ومطالبها أن تستقطب شرائح واسعة من السوريين مع تباين خلفياتهم، فانضموا إلى صفوفها، إلا أنه ومع مرور الوقت لم يستطع الثوار السوريون استقطاب شرائح جديدة، سواء من المؤيدين لنظام الأسد أو الرماديين[105]؛ وذلك لأنهم لم يكونوا قادرين على الترويج لهذه المبادئ والحفاظ على شرعيتها وإبقائها واضحة في الأذهان، وذلك لمجموعة من العوائق، أهمها:
3-1-1- غياب السردية الموحدة في توصيف الوضع السوري ومطالبه:
أدت التغيرات التي حدثت في المشهد السوري ودخول أطراف مؤثرة إقليمياً إلى تشتت صورة الثورة السورية وتشويهها، والتسبب في انقسام أفرادها، بل وصراعهم حول ما يريدون وحول ماهية تصوراتهم لمستقبل البلاد وشكل الدولة[106].
وانقسم السوريون بين مَن يرى الثورة لا تزال نضال شعب طالب بحقوقه ضد نظام مستبد حرمه منها وقيّده ودمّر المدن فوق رأسه، ومَن يرى أن الثورة انحرفت عن مطالبها من المشروع الوطني إلى مشاريع جزئية لها أجندات خارجية، بينما اعتبرت مجموعات أخرى أن الثورة تحولت لشكل من أشكال الحرب الأهلية أو الطائفية الهدف منها الانتقام والتركيع، ومَن يراها تحولت إلى ساحة لتصفية صراعات إقليمية، وتحول أفرادها لأدوات يخوضون حرباً بالوكالة، وانعكس هذا الاختلاف والتشتت في توصيف ما يريده السوريون على صورة القضية السورية في ذهن المتابع السوري وغير السوري، وأضعف التعاطف معها[107].
3-1-2- حُمَّى التصنيفات:
استطاعت الثورة السورية في شهورها الأولى أن تجمع شرائح واسعة من السوريين من مختلف الطوائف والأعراق والمذاهب على مواقف متقاربة[108]، تجاوزت كل الانقسامات الفرعية التي دأب نظام الأسد على تعزيزها، فكانت المظاهرات تلتهب تباعاً لنصرة مدينة أو محافظة تتعرض لقصف أو مجزرة أو انتهاكات.
إلا أن هذا الهوية الوطنية بدأت تضعف مع ظهور ميل واضح نحو التصنيف، بدأ بتصنيفات من نوع (ثوّار، مؤيدين، رماديين، شبّيحة)، ثم انتقل إلى حاضنة الثورة ليفتتها ما بين (إسلاميين، علمانيين)، (ثوّار، فصائل، سياسيين)، (أهل الداخل، معارضة الخارج)، (جيش حر، فصائل إسلامية، إخوة المنهج)، …. إلخ.
وقد كانت هذه التصنيفات عاملاً أساسياً من عوامل الانقسام خاصة على الصعيد السياسي؛ إذ أفشل قابلية مخاطبة السوريين بخطاب واحد، ودفع الكثيرين إلى التسرع بكيل الاتهامات بالارتهان والعمالة والتخوين، والانسياق للإشاعات، وتهديم المشاريع والشخصيات السياسية التي طلب منها أن تكون مثالية عديمة الخطأ رغم أنها تفتقر للتجربة وتخوض واقعاً شديد التداخل والتعقيد[109].
3-1-3- الفشل في تطبيق النموذج العملي:
على الرغم من التوافق والتلاحم حول مبادئ الثورة الجامعة إلا أن المعارضة السورية السياسية والعسكرية فشلت في تنزيل المبادئ التي قامت عليها الثورة وبذلت من أجلها التضحيات إلى أرض الواقع، وفي إدخالها حيز التطبيق خاصة عندما تهيأت الظروف المناسبة وتحررت أجزاء واسعة من سيطرة نظام الأسد، وترجع أسباب الفشل في تقديم النموذج العملي للبديل الذي يريده السوريون إلى الأسباب الآتية[110]:
1-أسباب اجتماعية:
- انحسار الجيل الأول الذي قامت على عاتقه الثورة والمؤمن بأهدافها نتيجة سياسات الاعتقال والملاحقة والقتل والاستهداف، ودخول شرائح جديدة إلى خط الثورة العام لم تملك الإيمان المطلق بمبادئ الثورة، وإنما اعتبرتها فرصة لتحقيق بعض المكاسب.
- انعدام الخبرة والافتقار إلى التجربة العملية في ميدان العمل المجتمعي نتيجة التغييب المتعمد للقيادات المجتمعية والسياسية السورية والتضييق على أي حراك ناشئ مؤثر، بالإضافة إلى عدم وجود قنوات عمل سابقة تجمع جهود السوريين[111].
- ضعف الشعور بالهوية الوطنية الجامعة، واللجوء إلى انتماءات فرعية أصغر للحصول على الحماية أو للحفاظ على المكاسب، وهو ما يعتبر نتاجاً لسياسات نظام الأسد القائمة على التهميش وإذكاء الخلافات القومية والطائفية والمناطقية.
- التغييرات التي طرأت على الشخصية السورية خلال نصف قرن من حكم آل الأسد، والتي خربت منظومة القيم الناظمة لها، وحولت طيفاً واسعاً من الشعب السوري إلى حالة من الأنانية والانتهازية واستغلال الفرص، وغيبت عنده مفهوم الكرم والتضحية وتغليب الصالح العام.
- الانفصال بين القيادات -بكافة أشكالها السياسية والمدنية والثورية – والحاضنة الاجتماعية، وغياب الشخصيات الكارزمية التي تملك الروح المحفزة للجماهير[112]، وغياب حضور القضية عند الكثير من النخب الاجتماعية[113] والدينية[114] في دول اللجوء، فلم تستطع تلك القيادات أن تخلق صلة مباشرة مع هذه الحاضنة، أو أن تلتحم مع الشعب وتعيش معاناته.
- حالة اليأس والإحباط التي طالت المشهد السوري، وما رافقها من حرب نفسية ممنهجة شنّها نظام الأسد وداعموه، وحالة الضرر التي طالت الحاضنة الثورية التي تعرضت للقتل والاستهداف والقصف والتهجير والاعتقال، والتي زعزعت استقرار الكثير من العائلات وشغلتهم في السعي لتأمين احتياجاتهم الأساسية.
2- أسباب عسكرية:
- تنامي حالة الفصائلية، والتي حملت مشاريعها الخاصة، وارتهنت للجهات الداعمة في محاولة للهيمنة على المشروع الثوري، فرفع بعضها شعارات أخرى كإقامة الخلافة الإسلامية أو محاربة الديمقراطية، بالإضافة إلى سيطرة الجماعات المتطرفة التي حاولت طمس الأصوات الثورية وملاحقتها أو اغتيالها.
- الانتهاكات التي قامت بها بعض الفصائل وبعض الشخصيات المحسوبة على الثورة، خاصة في مجال الحريات، ومحاولة فرض سلطتها بالإكراه، متناسيةً مسؤوليته الأساسية في الدفاع عن الأرض.
- ظهور تنظيمات الغلو وخطاب منظّريها وما تسببت به من تشويش في فكر المجتمع، من خلال الترويج لمناهجها التكفيرية وسياساتها القائمة على اغتيال الشخصيات المؤثرة، وإنهاء الفصائل التي كانت تشكل رقماً صعباً.
3- أسباب سياسية:
- ضعف الخبرة في مجال العمل السياسي، وقصور الرؤية عن إدراك احتياجات المرحلة[115]، والافتقار إلى آليات العمل المؤسسي، وغياب الوعي بقواعد حركة التاريخ وتغيير المجتمعات، والتعامل مع الأحداث بسطحية وتسرُّع[116].
- ظهور المحاصصات بين النخب والتكتلات السياسية والحزبية نتيجة لحالة وهم الانتصار السريع، وهو ما تسبب أيضاً بنمو واضح للأدلجة والتحزبات القائمة على أساس فكري على حساب الانتماءات الوطنية.
- تشتت القوى السورية وعدم قدرتها على بناء الحد الأدنى من التوافقات الداخلية، أو الانتظام في عمل جماعي منضبط، أو ظهور تيار رئيسي أو نواة صلبة ممثلة للثورة، بالإضافة إلى غياب الثقة فيما بينها، والدخول في معارك وصراعات جانبية، إلى جانب ارتهان بعض منها لبعض الجهات الدولية ذات المصالح المتناقضة.
- اللجوء إلى سياسة المزاودات والمناكفات السياسية عند عدد من العاملين في المجال السياسي، ودخولهم في معارك جانبية وتصفية حسابات سياسية، وهو ما أشغلهم عن قضيتهم الأم؛ فكثيراً ما كانت تُوضع العراقيل وتُرفض بعض المبادرات دون وجود أسباب جوهرية تستدعي الرفض، وإنما هو نوع من المزاودة والرغبة في الظهور، والرفض أن يكون بعضهم جزءاً في مشروع الآخر[117].
4- أسباب إدارية:
- التخبُّط في تطبيق مفهوم الحريات والديمقراطية؛ لغياب فهم هذه الثقافة وغياب التجربة السابقة، وغياب فكرة احترام السلطات أو الخضوع للفكر المؤسساتي، والعمل على احتكار الإدارة والتركيز على الفردية[118].
- طغيان الخطاب الطائفي على بعض أشكال الحراك الثوري والمسلح، وهو ما استغله النظام لتحويل الأنظار عن صورة الشعب الذي يطالب بحقوقه إلى صورة حرب أهلية وصراع طائفي مذهبي.
- لم تحسن العديد من الجهات السورية السياسية والعسكرية الاستفادة من الدعم المقدم للسوريين -سواء المادي أو السياسي- في بداية الثورة من أجل تعزيز قضيتها، بل تحولت لحالة من الارتهان لأجندات الداعمين، وهو ما عزّز عوامل الفرقة الداخلية والخلاف، وأدى لاحقاً لحدوث خلافات داخلية في الأجسام السياسية، أو حدوث اقتتال داخلي أضعف بنية المناطق المحررة وهزّ ثقة الحاضنة الشعبية بالكيانات الموجودة.
- تكرار العديد من السلوكيات الخاطئة في إدارة المناطق المحررة كالرشوة والمحسوبيات، وتجاوز القوانين، واللجوء للقوة، وغياب المحاسبة والشفافية، وغياب مفهوم حفظ كرامة المواطن أو مبدأ تكافؤ الفرص؛ الأمر الذي قدّم نموذجاً مقارباً لصورة نظام الأسد، وليس نموذجاً بديلاً عنه.
- الفشل في مأسسة العمل الثوري التعبوي رغم النجاح في مأسسة العمل الإغاثي؛ فلم تستطع المنظمات السورية على كثرة عددها وسعة انتشارها أن تُولي موضوع التعبئة الشعبية الأهمية، أو أن تفرز له جهات متخصصة متفرغة تشرف عليه[119].
5- أسباب إعلامية:
- تغليب صورة اللجوء والحالة الإنسانية على أهداف الثورة الحقيقية؛ بحيث اختُزل المشهد السوري بصور البيوت المدمرة والأشلاء والجثث ومعاناة الأطفال والنساء والمهجرين في المخيمات أو خلال رحلات اللجوء، في وقت كان المفترض أن يركز المشهد العام للثورة على المفاهيم والقيم والبرامج السياسية التي يناضل من أجلها الشعب السوري، والتركيز على مطالب التغيير.
- الفشل في تكوين مؤسسات إعلامية مستقلة موجهة لغير السوريين، تقوم بالتسويق والتوضيح ونقل حقيقة ما يجري في سوريا للعالم الإسلامي والعربي والدول الأجنبية، وترك مسؤولية نقل الأخبار والحقائق لمؤسسات إعلامية لها أجندات مختلفة، وهو ما شوّش النظرة على حقيقة ما يحدث في سوريا، وروّج لفكرة أنها حرب على الإرهاب أو حالة تمرّد على السلطة الشرعية.
وقد أثرت الأسباب السابقة في صورة الثورة حتى في عقول أبنائها، وتسببت بحالة من الخلط ووسم الثورة بالفشل أو العجز، دون إدراك أن تطبيق مبادئ وشعارات الثورة وتحويلها إلى ثقافة عامة يحتاج إلى تكتيك مرحلي واستراتيجي، ولا يمكن النجاح به من المحاولة الأولى، وهذه سمة موجودة في العديد من الثورات المشابهة.
رابعاً: توصيات لتحويل مبادئ وشعارات الثورة السورية إلى قضية:
مما سبق يبدو واضحاً أن لكل تجربة من تجارب الشعوب ظروفها وخصوصيتها، إلا أنه من الضرورة بمكان دراسة تلك التجارب واستخلاص العبر منها، والاستفادة من أدواتها وتطويرها، واستخلاص الدروس ومنع تكرار الأخطاء، لاسيما وأن العديد من هذه التجارب تكللت جهودها بالنجاح رغم تعرضها لإخفاقات وانتكاسات مرحلية.
وبناء على هذا وعلى ما قدمه الخبراء السوريون والفلسطينيون يمكن تلخيص أهم التوصيات التي تمكّن السوريين من تعميق التغييرات الفكرية والاجتماعية التي شكّلتها الثورة السورية في الوعي الجمعي الشعبي بما يلي:
على المستوى الداخلي:
- التوافق على التوصيفات والمصطلحات والتعريفات وضبطها[120]، والاتفاق على سردية واحدة ترسم ملامح القضية السورية ومطالب شعبها، وذلك من خلال إطلاق ندوات ونقاشات دورية تشمل السوريين من مختلف الشرائح تقوم عليها مجموعة من المؤسسات، بهدف الوصول إلى خطوط عامة حول توصيف الواقع والمصطلحات التي تدل عليه، والالتزام بتلك التي تشكّل محل إجماع وتوافق داخلي، والتركيز عليها في كافة الخطابات الداخلية والسياسية[121].
- صياغة رواية للحدث السوري تتوافق مع المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، واستخدامها لمخاطبة المجتمع الدولي بشكل يدفعه للتحرك عبر مؤسساته الاختصاصية[122].
- إطلاق حوار سوري – سوري يهدف إلى مناقشة المرحلة السابقة[123] والاعتراف بأخطائها، واستخلاص الدروس والعبر، بالإضافة إلى مناقشة المواضيع محل الخلاف والعمل على إعادة بناء الثقة، والتخفيف من حالة التشرذم والتفرق وصراع المشاريع.
- التخلّص من ثنائية الداخل والخارج وتعزيز التواصل والتشبيك بين حراك الداخل السوري وحراك السوريين في الشتات، من خلال لقاءات دورية -فيزيائية أو افتراضية- تهدف إلى إطلاع كل طرف على ما يقوم به الآخر ودوره في تعزيز الموقف السياسي والثوري واستثماره.
- الحفاظ على الكتلة الحية التي لا تزال متمسكة بالثورة ومؤمنة بها في الداخل السوري، ومدّها بكل ما يلزم للبقاء والصمود نفسياً وجسدياً، والعمل على تحسين ظروف معيشية بما يضمن لها الكرامة، والعمل على تأطير قياداتها المجتمعية في مؤسسات متخصصة، وتزويدها بكل الأدوات والخبرات التي تتيح لها أداء واجبها على أكمل وجه.
- العمل على إنجاح النموذج العملي في مناطق سيطرة المعارضة، والدفع باتجاه إيقاف التجاوزات المتعلقة بالحريات وكرامة المواطنين، والعمل على تعزيز سلطة القضاء وحمايته من الرشوة والفساد، وتدارك الأخطاء التي أدت إلى تشويه النموذج البديل الذي انتظره وينتظره السوريون.
- توجيه المؤسسات التعليمية والجامعات في الداخل إلى إصدار منهاج رسمي يتحدث عن القضية السورية من كافة جوانبها الإنسانية والاجتماعية والسياسية والحقوقية، واعتماده كأحد المقررات الأساسية المطلوبة للنجاح أو التخرج.
على المستوى السياسي:
- إجراء مراجعات ذاتية للفترة السابقة على كافة الأصعدة، والعمل على تدارك الأخطاء وأخذ الدروس والعبر، وعدم التعويل على موقف دولة بعينها أو تلقّي الدعم الوحيد منها، والتوقف عن جلد الذات وشيطنة الآخرين وتوجيه التهم الجاهزة، وافتعال المعارك الداخلية، وتوجيه كل طاقة الغضب والألم باتجاه العدو.
- العمل على استبعاد الشخصيات السياسية والعسكرية التي كان لها دور في إفشال الثورة وخسارتها، والعمل على مشاريع إعداد قيادات عسكرية ومجتمعية وسياسية قادرة على إدارة المرحلة القادمة، تمتلك الخبرة العلمية والعملية والوعي المطلوب في تخصصات ذات صلة، للتعاطي مع الواقع ووضع استراتيجيات للنهوض به وتحقيق جزء من تطلعات الشعب السوري، وتستطيع أن تلتحم بالحاضنة الشعبية وتتواصل معها بشكل دوري.
- إنتاج تقارير دورية لتقييم الوضع العام للثورة شعبياً وسياسياً بناءً على معطيات الواقع، ودراسة كافة السيناريوهات المتوقعة، وإعداد أهداف مرحلية تتوافق مع كل منها وفق الإمكانيات المتاحة.
تعزيز دور الشتات السوري:
- الاستفادة من حالة اللجوء التي نقلت أعداداً كبيرة من السوريين إلى مختلف دول العالم، وهي نقطة قوة إضافة يمكن لها أن تسرع عملية إنضاج الوعي المجتمعي؛ نظراً لاختلاطهم ببيئات منفتحة، ولقدرتهم على الاندماج السريع في مجتمعات اللجوء[124]، وما توفره لهم هذه البيئة الجديدة من فرصة للتعلم من التجارب الموجودة واكتساب الخبرات الضرورية، والاستعداد والتأهيل لخوص معركة التحرر طويلة الأمد، مع الانتباه إلى أن هذا الانتشار قد يسبب في الوقت نفسه تفاوتاً في نظرتهم وفهمهم للأمور، خاصة بين المقيمين في بلاد ديمقراطية والمقيمين في بلاد تعيش تحت أنظمة استبدادية.
- دعم وتهيئة الكوادر في الشتات التي تؤمن بالقضية وتعيشها، وتدريبها وإعدادها وتزويدها بالأدوات والتدريبات الأكاديمية التي تساعدها في التأثير الإعلامي أو الشعبي في مجتمعات اللجوء والمجتمعات المضيفة.
- الاستفادة من الخبرات غير السورية المتاحة في بلاد اللجوء، سواء على نطاق تدريب الكوادر أو على نطاق تعزيز الوعي والاستعداد أو على نطاق فهم الواقع السياسي والدولي بشكل متكامل، خاصة في المجالات الجديدة والمؤثرة.
- التنويع في الأدوات التي تتناسب مع الشرائح المختلفة[125]، ودراسة التحولات الفكرية والنفسية التي طرأت على الجيل الذي شهد الثورة في الداخل والخارج، ومحاولة فهمها واستيعابها، واعتماد لغة خطاب ومشاريع تتناسب مع هذه التغيرات.
- التنسيق مع قيادات ثورات الربيع العربي، والعمل على استثمار أي حراك شعبي في دول الجوار ودعمه ومساندته، والتشبيك والتنسيق مع مؤسساته، وتبادل الخبرات والتعلم من التجارب، ودعم أنشطته والمشاركة فيها[126].
- الحشد الداخلي والخارجي تجاه الأحداث المهمة، خاصة مع سقوط شهداء أو خروج معتقلين، والاحتفاء بهم وإظهار الدعم والتعاطف معهم.
توصيات لمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني:
- ضرورة الانتقال بالعمل الشعبي التعبوي من الشكل الفردي إلى الشكل المؤسساتي، وإعداد مشاريع عمل مبنية على استراتيجية واضحة وعلى تخطيط دقيق تهتم بكافة الشرائح الاجتماعية، وإعادة صياغة خطاب شعبي يقوم على بثّ روح التفاؤل والأمل والتحدي والتحفيز للعمل.
- الانتباه إلى ضرورة استمرارية العمل الشعبي التعبوي وحمايته من الانقطاع أو حدوث فجوات، والحرص على عملية تراكم الجهود لإحداث الوعي، وتشجيع روح المبادرة الفردية ودعم مشاريعها، والتأكيد على قدسية فكرة المقاومة الشعبية وأهميتها في الحفاظ على القضية حية في أذهان الشعوب.
- توجيه المؤسسة الدينية السورية إلى ضرورة تناول القضية السورية في الخطاب الديني بشكل أعمق وأكثر مباشرة، وإقامة خطب الجمعة -خاصة في دول الشتات- ودروس دورية مصورة تتناول القضية بمختلف أبعادها السياسية والثورية والإنسانية، وتعلق على الحدث الحالي وتستثمره، وتعزز ثوابت الثورة في النفوس.
- دعم الحراك الجامعي الطلابي وتوسيعه داخل وخارج سوريا، وتأهيل كوادره بالخبرات والمهارات اللازمة، وفتح مجالات العمل الشعبي المباشر له على الأرض لإكسابه الخبرة العملية.
- تشجيع الموهوبين والشعراء والكتّاب والقصّاصين والمعتقلين على التعبير عن مشاعرهم وعن الحدث، ودعم إنتاجهم وطباعته، وخاصة الإنتاج الشعري والأدبي وأدب السجون، وإقامة المسابقات والفعاليات الخاصة بذلك.
- خلق الرمزيات المادية التي تدل على الانتماء للوطن والقضية، والعمل على ترميز المؤسسات والكيانات وقيم الثورة.
- التشبيك وبناء العلاقات مع المنظمات والمؤسسات الصديقة، خاصة العاملة في مجال حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية، والاستثمار في الديبلوماسية الإنسانية.
- الاهتمام بالتراث السوري بكافة أشكاله المادية وغير المادية، وتحويل بعض أنماط التراث إلى مشاريع تجارية تعزز الهوية عند السوريين في الشتات.
- إقامة ورشات عمل وورشات حوارية سورية فلسطينية، تضم قيادات العمل المدني من الطرفين للتباحث حول تحديات العمل الشعبي، والاستفادة من التجارب الميدانية والخبرات المتراكمة.
على المستوى الإعلامي:
- إعادة هيكلة وضبط المؤسسات الإعلامية الثورية، وتأهيل الكوادر بشكل اختصاصي، ولاسيما فيما يتعلق بوسائل التأثير على الجمهور وتشكيل الرأي العام، والانتباه إلى الفروق بين الخطاب الداخلي التعبوي والخطاب الموجه للخارج.
- إعادة صياغة الخطاب الإعلامي بشكل يركز على مبادئ الثورة وأهدافها ومطالبها، ويسعى لتعميق مفاهيم حب الوطن، وبثّ الأمل بالقدرة على التغيير، والتركيز على إحياء روح التحدي ورفض الاستسلام، والابتعاد عن خطاب الألم والمعاناة والمأساة؛ لأنه يعزّز اليأس والحزن الذي يعيق عن المتابعة، والانتباه إلى عدم الدخول في الاختلافات السياسية، والعمل على الترويج للمصطلحات التوافقية التي لا يمكن أن يرفضها أحد.
- إقامة مشاريع تعليمية موجهة لأطفال الشتات تركز على تعليم اللغة العربية وتعريفهم بوطنهم وتاريخه وحضارته، والعمل على تحقيق الربط العاطفي وتعميق الانتماء له.
- إقامة مؤسسات فنية مختصة في العمل الفني التعبوي الموجه لكافة الشرائح، واستقطاب الفنانين والموهوبين والمبدعين ودعمهم وتمويل مشاريعهم، وإنشاء منصات تعرض إبداعهم وتنشره.
- توثيق تاريخ الثورة بكافة تفاصيله، والتركيز على قصص الشهداء وسير حياتهم قبل استشهادهم والمعارك التي خاضوها وشهادات أصدقائهم، بالإضافة إلى توثيق القصص المحفزة كقصص البذل والعطاء التي تنبع من مبادئ الثورة.
- تسليط الضوء على العديد من الأكاديميين والمختصين وعلى دراساتهم وأبحاثهم، وتقديمهم كمتحدثين باسم القضية السورية.
- العمل على إنتاج أفلام وثائقية ودرامية تصور الحالة السورية من منظور إنساني، وتسعى إلى توثيق الحدث ونقله من خلال شخصيات فنية.
- إطلاق مشروع للتوثيق الشفهي، الذي يعمل على جمع الروايات المختلفة عن حدث معين بلسان مَن شهدوه أو عاصروه أو سمعوا عنه.
- إنشاء مركز للتوثيق الوطني مهمته جمع المواد المرئية الإعلامية والعسكرية والفيديوهات التي صوّرها النشطاء، والتي وثقت لسنوات الثورة الأولى أو لأحداث مهمة أو لسيرة حياة بعض الشخصيات الثورية والعسكرية التي كان لها أثر واضح في دعم الثورة واستمرارها، مع مراعاة خصوصية بعض المعلومات وضمان سلامة مصادرها.
المصادر والمراجع:
- التقرير التحليلي “تطورات الحل السياسي في سوريا: من هيئة الحكم الانتقالية إلى اللجنة الدستورية”، مركز الحوار السوري، تاريخ النشر 17/4/2020، https://bit.ly/3l4n1AG
- التقرير التحليلي “تقاطع المصالح الدولية تجاه مفردات الحل السياسي في سوريا”، مركز الحوار السوري، تاريخ النشر 14/6/2020، https://bit.ly/3aIlNGq
- الورقة التحليلية “مآلات اللجنة الدستورية: هل يكون كمون الفشل دافعاً للمبادرة السياسية؟” مركز الحوار السوري، تاريخ النشر 9/9/2020، https://bit.ly/32tRukv
- نكبة فلسطين والوضع الديمغرافي، مركز وفا، https://bit.ly/3bGjqoh
- الوضع الديمغرافي خلال الانتداب البريطاني، مركز وفا، https://bit.ly/32UAcMg
بعض الإصدارات الفلسطينية بلغات أجنبية
المصدر: كتاب دليل صحافة المقاومة الفلسطينية 1965-1995، تأليف عبده الأسدي، طبعة عام 1998 |
||||
الاسم | اللغة | النوع | تاريخ الإصدار | الجهة |
ARAB PAESTINIAN RESISTANCE | إنكليزية | مجلة سياسية شهرية | 1968 حتى عام 1995 | جيش التحرير الفلسطيني |
ALSAIQA | إنكليزية | مجلة سياسية شهرية | 1973 | طلائع حرب التحرير الشعبية قوات الصاعقة |
BULLITEN | إنكليزية | مجلة شهرية | 1973-1993 | الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين |
FATH | فرنسية | نشرة شهرية | استمرت لعام واحد 1970 | حركة فتح |
FATH | إنكليزية | نشرة شهرية | 1969-1971 | حركة فتح |
AL- FATEH | إنكليزية | مجلة | 1969 | حركة فتح |
FORWORD | إنكليزية | مجلة سياسية شهرية | 1979 | الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة |
PALESTINE DIGEST | الهندية | مجلة سياسية شهرية | 1970 | |
PALASTINE REVOLUTION | إنكليزية | نشرة شهرية | 1973 | منظمة التحرير الفلسطينية |
PALESTINE | إنكليزية | مجلة شهرية | 1973 | منظمة التحرير الفلسطينية |
- أصحاب نظرية الثوابت المرجعية: الذين كانوا متشددين جداً في تطبيق تلك الثوابت، واستطاعوا تكوين مجموعات ذات صوت عالٍ أبقت القضية فاعلة ومتوقدة، لكنها عجزت عن تحقيق أي تقدم أو إنجاز، وتضاءل دورها في أروقة السياسة الفعلية.
- أصحاب نظرية الواقعية السياسية: وهي التي كانت تنظر إلى العمل السياسي من منظور الواقع الذي لا تملك تغييره، وتركز على تجاوز الأزمات وتخفيف الكارثة ولو على حساب المرجعيات والثوابت.
- أصحاب نظرية الجمع بين المبدئية والتكتيك: أي الجمع بين الواقعية وعدم التخلي عن الثوابت في محاولة للاستدارة والمناورة من أجل الحصول على بعض المكتسبات مقابل عدم التنازل عن المكتسبات الأخرى التي يمكن تأجيل العمل عليها ريثما يتغير الوضع الراهن.
- “في تأصيل مفهوم السلام الاقتصادي“، موقع سما الإخباري، تاريخ النشر 12/9/2018، https://bit.ly/3dlZ0kn
- ” السلام الاقتصادي رؤية شاملة للمبادرات الأميركية “، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر 26/2/2019، https://bit.ly/2MhiuLa