نحو تحويل مبادئ الثورة إلى قضية في أذهان السوريين: دروس مستفادة من التجربة الفلسطينية

نوفمبر 9, 2022

مركز الحوار السوري

دراسات

مقدمة:

شهدت العديد من دول الربيع العربي تبدلات وتحولات سمحت للثورات المضادة بأن تتصدر المشهد العام في بعض البلدان وتنشر أفكارها ومبادئها، وأن تنقلب على غالبية التحركات الشعبية التي رفعت شعارات وأهداف سامية وقدمت تضحيات ثمينة لتحقيقها؛ فأعادت العجلة للوراء، وخلقت الكثير من التشويش حول جدوى الثورات وقدرتها على التغيير.

وفي محاولةٍ لفهم هذه التغيرات السريعة حاول العديد من المفكرين دراسة سلوك المجتمعات بعد الثورات وتفسيرها؛ فرأى البعض أنه يمكن للمجتمعات أن تتبنى أفكاراً جديدة وتتمسك بها مثل الحريات ثم تتمرد عليها لاحقاً، وهو ما كان قد فسّره غوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير” معتبراً أن لدى الجماهير الشعبية طبقتَين من الأفكار؛ طبقة راسخة مستقرة كالتي نشأت عليها دينياً أو اجتماعياً أو سياسياً، وهي ما وجدت عليها آباءها، وطبقة جديدة هشّة تطفو فوقها، وفيها الأفكار الجديدة التي يبشّر بها روّاد التغيير[1].

ويرى هؤلاء أن الثورات – وهي أحداث خاطفة- لن تغيّر وعي المجتمعات وترسخ الأفكار الجديدة، لأنها لحظات وعي مؤقت، وأن على قادة التغيير أو الفعل الثوري السعي للحفاظ على تلك الطبقة الهشّة من الأفكار الجديدة، والعمل على تعميقها وغرسها في الوعي الجماهيري لتتحول إلى أفكار راسخة عميقة، للوصول إلى جيل تكون أفكاره الراسخة مزيجاً بين الأفكار القديمة والجديدة، وبالتالي تكون قابليته للتغيير أسهل وأسرع[2].

وقد شهدت الثورة الفرنسية حالة مشابهة يمكن توصيفها بالرِّدّة الملكية؛ حين شهدت العديدَ من الموجات المتعاقبة التي حاربت أفكار الثورة، إلا أن موجات ارتدادية عادت وانفجرت مرة أخرى في سعي منها لنشر فكرة الديمقراطية في إطار الدولة الوطنية، وقد استمرت هذه الموجات والموجات الارتدادية فترة طويلة حتى استقر النظام الديمقراطي؛ بعد أن اتضح في النهاية أنّ الديمقراطية لا تنبع مباشرة من الثورة، بل من عملية إصلاح تقود إليها الثورة[3].

وبالعودة إلى واقع الثورة السورية التي طرأت عليها الكثير من النكسات، وتراجعت جغرافياً وسياسياً تتعالى بعض الأصوات التي تنعي الثورة وتعلن انتهاءها، وتطالب أصحابها بالقبول بأي حل مطروح يعيد الهدوء إلى هذه الساحة المشتعلة مهما كان الثمن، وبالالتفات إلى حياتهم الشخصية بعد أن فشلت محاولتهم الأولى في التغيير، بينما تردُّ أصوات أخرى بأن الثورة السورية لم ولن تنتهي حتى لو خسرت أو تقلصت جغرافياً، وأن التغيير الفكري والاجتماعي الذي حققته لا يمكن التفريط به؛ لأنه نتاج تضحيات هائلة قدمها الشعب السوري بكافة أطيافه، وأنه سيكون قادراً مستقبلاً على تحقيق التغيير إن تعلم من أخطائه وتوافرت الشروط المناسبة له.

وبين هاتين الروايتين تحاول هذه الورقة الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، وهي:

  • هل تشكل الحالة السورية[4] الحالية قضية يمكن استثمارها وتعزيزها في نفوس السوريين؟
  • كيف نجح الفلسطينيون في تحويل حالتهم إلى “قضية” وفي الحفاظ عليها ونقلها الى أبنائهم؟ ما هي الوسائل والأدوات المستخدمة وكيف تطورت؟ وكيف يمكن الاستفادة من تجربتهم؟
  • ما هي العوائق التي تقف في وجه تحويل الحالة السورية إلى قضية يحملها السوريون بكافة أطيافهم وانتماءاتهم؟

قامت هذه الورقة على المنهج الوصفي التحليلي، واعتمدت على مقابلات مع عدد من الخبراء السوريين والفلسطينيين من أكاديميين وباحثين وناشطين[5]، بالإضافة إلى عدد من الأوراق والدراسات والمقالات والتحليلات التي وردت في السياق نفسه.

وقد سعت الورقة في قسمها الأول لتوصيف الحالة السورية، وذلك بتوضيح الفرق بين مفهومي “المشكلة” و”القضية” ومدلولاتهما، وتسليط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين التجربة السورية والتجربة الفلسطينية كحالة تصلح للدراسة لتجربة نجحت في الحشد الداخلي والخارجي.

وقدّم القسم الثاني من الورقة استعراضاً للتجربة الفلسطينية، وذلك بتسليط الضوء على ملامح تشكّل العمل المجتمعي أو ما يُعرف باسم العمل الشعبي التعبوي[6] تاريخياً، والذي ركّز على فكرة إبقاء القضية الفلسطينية حيّة في عقول وقلوب أبنائها، وعلى الأدوات والمنهجيات التي استخدمت في ميدان العمل الشعبي الفلسطيني، بالإضافة إلى التحديات التي واجهته، والدروس المستفادة التي يمكن استخلاصها من هذه التجربة.

وحاول القسم الثالث الإجابة عن سؤال: “هل تحولت الحالة السورية إلى قضية في نفوس أبنائها؟” وتحديد بعض العوائق التي أثرت في هذه العملية، ثم تقديم مجموعة من التوصيات التي يمكن للسوريين الاستفادة منها في الحفاظ على مكاسب الثورة، وفي تعميق التغيرات الفكرية والاجتماعية التي حدثت خلال هذه السنوات، والتي تمكّنهم من تحويل مبادئ الثورة إلى قضية راسخة في وجدان الشعب السوري.

أولاً: توصيف الحالة السورية بين المشكلة والقضية:

رغم مضي 9 سنوات على اندلاع “الثورة السورية ” إلا أن المشهد السوري العام يزداد تعقيداً وضبابيةً، يصعب معه توصيف التغيرات التي طرأت عليه أو الاتفاق على تسمية موحدة له؛ فثمّة مَن يرى أن الحالة السورية لا تزال  ثورة شعب يطالب بحقوقه ضد نظام مستبد حرمه منها وقيّده ودمّر المدن فوق رأسه عندما طالبَ بها، ويرى فريق آخر من السوريين الأوضاع بأنها حركة تمرّد مسلحة مدعومة من جهات خارجية ضد نظام “حكم شرعي مقاوم”، كما توجد مجموعات أخرى تعتبر أن الثورة خرجت عن مسارها وتحولت إلى شكل من أشكال الحرب الأهلية أو الطائفية، أو تحولت إلى ساحة لمشاريع عابرة للحدود أو مضمار لتصفية صراعات إقليمية، وتحولَ أفرادها إلى أدوات يخوضون حرباً بالوكالة.

إلا أن جميع السوريون متفقون على أن المشهد السوري الحالي قد تبدَّل عن المشهد في البدايات، والذي كان أكثر وضوحاً وتوافقاً بين شرائح واسعة من السوريين، ولاسيما مع التدخلات الخارجية التي غيّرت المشهد الميداني على الأرض. إلا أن السؤال الذي ما زال قائماً:

  • هل انتهت المشكلة/ الأزمة / الثورة في سوريا وعادت الأمور إلى نقطة البداية مع عودة أغلب المناطق إلى سيطرة نظام الأسد؟
  • هل تخلّى السوريون عن مطالبهم في الحرية والكرامة والعدالة؟ أم أنها لا تزال حاضرة في قلوبهم؟
  • أين تقع الحالة السورية في نفوس أبنائها الذين آمنوا بها ودفعوا من أجلها الكثير من التضحيات؟
  • كيف يمكن المحافظة على ما تم تحقيقه في السنوات الماضية من تغيير فكري ومجتمعي وتحويله إلى قضية راسخة في النفوس؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات لابد بداية من توضيح بعض المفاهيم.

مفهوم المشكلة، القضية والعلاقة بينهما:

القَضِيَّةُ (في اللغة): الحُكْم، والقَضِيَّةُ مسألةٌ يُتنازَعُ فيها وتُعرَضُ على القاضي أو القُضاة للبحثِ والفَصْل. والقَضِيَّةُ (في المنطق): قولٌ مكوَّنٌ من موضوع ومحمول يحتمل الصِّدقَ والكذبَ لذاته، ويَصِحُّ أَن يكونَ موضوعًا للبرهنة، والجمع: قضايا[7].

وأمّا اصطلاحاً: فيصعب إيجاد تعريف واضح يحدد مواصفات الفكرة أو المشكلة التي يمكن أن تتحول إلى قضية بأبعادها الشعبي والسياسي والاجتماعي، ولكن يمكن أن نلاحظ محاولات لتحديد ملامح بعض المشاكل التي تصلح أن تصبح قضايا في ذهن الشعوب؛  فعلى سبيل المثال: يعتبر د. أحمد برقاوي خلال تحديده الفرق بين المشكلة والقضية أن “القضية”: هي مشكلة تطورت في ذاتها تحمل بُعداً يرتبط بالوجود الإنساني ومعنى الوجود والمصير، فاستقرت في الذات بوصفها همّاً كلّياً، ويمكن لهذه القضية أن تأخذ بُعداً قومياً أو بُعداً أكبر من ذلك (عربياً أو إسلامياً كالقضية الفلسطينية)، بينما تعني “المشكلة” وجود سؤال يحتمل عدة إجابات، وبالتالي لو اعتبرنا ما يحدث في فلسطين مشكلة فهذا يعني إلغاء مفهوم التحرير ونشوء مفهوم الحل الذي اقتضى الاستسلام لفكرة استحالة التحرير[8].

وقد فرّق د. ثامر الخزرجي بين أربعة مصطلحات تبدو متشابهة، ورتبها بشكل متدرج ابتداءً من ” المشكلة” التي تعبر عن حدث طبيعي أو تصرُّف بشري له آثار غير مرضية، والذي قد يتطور ليشكل ” مشكلة عامة” بحيث تمتد آثاره إلى المجتمع أو المستوى العام ولا يمكن لأحد غير الحكومة حلُّه، وتتصف المشكلة العامة بأنها تغيّر أوضاعاً أو ظروفاً معينة في المجتمع، بحيث يكون هذا التغيير غير مرغوب وغير مقبول ويتعارض مع المقاييس والقيم الاجتماعية، يتفق عليه مجموعة كبيرة من المواطنين الراغبين بتصحيح الوضع ويستعدون لبذل الجهد في تحقيق ذلك[9].

وقد رأى د. الخزرجي أن المشكلة العامة يمكن أن تتطور لقضية إذا تشعبت هذه المشكلة وارتبطت مع مجموعة أخرى من المشاكل العامة، بحيث تصبح ” قضية” تشغل الرأي العام والمسؤولين الحكوميين، إلا أنها قد تتعقد إلى ” قضية عامة” تندرج ضمنها مجموعة من القضايا المترابطة التي تتألف من مجموعات ومستويات رأسية وأفقية من المشاكل العامة المتداخلة والمعقدة، التي يعتمد كل منها على الاخر ويرتبط بها.

بينما رأى أحد الخبراء الذين التقيناهم أن القضية من وجهة نظره: مشكلة كبيرة تطال شعباً من الشعوب أو جزءاً كبيراً منه، وتتصف بصفتين أساسيتين: الأولى أنها تترسخ في الوعي الجمعي لدى أنصارها والحاملين لها، وتخلق حالة انتماء وإجماع بحيث لا يمكن التأثير عليها أو تغييرها، والثانية أنه لا يوجد لها حل في الأفق القريب، أو أنها قضية لا تزال تبحث عن حل، مشيراً  إلى أنه يمكن تحويل بعض المشاكل إلى قضايا رأي عام أو قضايا مجتمعية تتبناها الأجيال، وذلك بناءً على شروط تتعلق بأصل المشكلة وجذورها وأصولها وما تفرع عنها من تغييرات وتداعيات، بالإضافة إلى المدة الزمنية التي مرت على هذه المشكلة ومدى تمكُّنها من التحوُّل إلى قضية مغروسة في العقل الجمعي[10].

ومما سبق يمكن أن نلخص أهم مواصفات المشكلة التي يمكن أن تتحول إلى قضية بأنها:

  • مشكلة تحمل بُعداً يرتبط بالوجود الإنساني.
  • لها بُعد قوميّ أو أكبر من ذلك، عربي أو إسلامي.
  • غيّرت أوضاعاً أو ظروفاً معينة في المجتمع، وتحتاج إلى تصحيح.
  • تطورت هذه المشكلة وارتبطت مع مجموعة أخرى من المشاكل العامة، حتى أصبحت ” قضية” تشغل الرأي العام.
  • ترسخت في الوعي الجمعي لدى أنصارها والحاملين لها، وخلقت حالة انتماء.
  • ليس لها حل في الأفق القريب، أو أنها مشكلة لا تزال تبحث عن حل، وهو حل وحيد ينبع من مطالب الشعب الكاملة، لا من تصورات جزئية منتقصة[11].

وبالعودة إلى الحالة السورية فالبعد الإنساني فيها يبدو حاضراً بشكل كبير؛ فقد كانت أهم مطالب الشعب في بداية الثورة السورية المطالبة بالحقوق الأساسية التي تُعد من أهم مبادئ حقوق الإنسان المتوافق عليها دولياً، كما أن تطور مراحل الثورة والحل الأمني الذي قابلها به نظام الأسد أنتج واقعاً مأساوياً ألقى بظلاله على ملايين السوريين الذين تفرقوا بين معتقلين ونازحين داخلياً ولاجئين خارجياً ومهجَّرين قسرياً ومفقودين، فلم تنحصر المعاناة الإنسانية بفئة محددة أو قومية معينة، بل طالت المعاناة شريحة واسعة من أطياف الشعب السوري على اختلاف قومياته وانتماءاته العرقية والفكرية، جمعَهم رفضُهم لممارسات النظام القمعية والإجرامية.

ومع أن الثورة السورية لمّا تصل لمطالبها بعدُ في إسقاط النظام أو تحقيق الحرية والكرامة، إلا أنها حققت الكثير من المكتسبات والتغييرات على مختلف الأصعدة؛ فقد كسرت حاجز الخوف والصمت، وفضحت نظام الأسد داخلياً وإقليمياً ودولياً،  ونشرت جرائمه في المحافل الدولية، كما أكدت وبالأدلة خطورة مشروع الهلال الشيعي الإيراني، وعرّت خطابه الممانع وأدواته، خاصة العسكرية كحزب الله والميليشيات التابعة لإيران، وأكدت ضرورة التحرك لإحداث تغيير لضمان مستقبل الأجيال القادمة وحمايتها من أن تتعرض لمصير أسلافها من الاعتقال أو التعذيب أو التهجير أو القتل والإبادة[12].

كما أن هذه التغييرات التي جاءت بها الثورة السورية لم تكن كلها ذات أبعاد سياسية؛ بل أدت إلى تغيرات مجتمعية جعلت من المجتمع السوري الجديد أكثر استقلالية وتحرراً عن المجتمع العبودي القديم، وهذا لا يقتصر على الملايين الذين غادروا سورية لاجئين أو نازحين ومشرّدين، ولكنه انعكس أيضاً على العديد من أولئك الأفراد الذين خاب أملهم بالنظام ممن دُمرت أسس حياتهم الطبيعية[13].

ومن جهة أخرى أنتجت حالة الثورة مجتمعاً نشأت فيه مؤسسات وأحزاب ونقابات وجمعيات مدنية حرّة على مختلف أشكالها حُرم منها السوريون لنصف قرن، وتمكنوا من استعادة تواصلهم المقطوع فيما بينهم، والتعرف على ذاتهم ومناقبهم ونقائصهم أيضاً، وتطوير وعي أكثر موضوعيةً وعقلانية بوجودهم الجمعي، والاعتراف باختلافاتهم واستيعابها وتمثلها والاحتفاء بها، واكتشاف إرادتهم الحرة وقدراتهم في البحث والتنظيم والمبادرة والعلاقات الدولية[14].

وعلى الرغم من الانتكاسات الميدانية التي تعرضت لها الثورة خلال الأعوام الماضية فالثورة لا تزال حاضرة في نفوس الملايين من السوريين وعقولهم، دفعوا من أجلها دماءهم وأموالهم، وتعرضوا للتشريد والقتل والاعتقال واللجوء والتهجير القسري، ولا تزال مطالبهم حاضرة يعبرون عنها كلما سنحت الفرصة في الساحات وعلى المنابر الإعلامية وبشتى الوسائل والأدوات في المناطق المحررة، بل وفي بعض مناطق النظام[15].

أما من الناحية السياسية فلا تبدو ملامح أي حل سياسي في الأفق مع دخول الثورة عامها التاسع، خاصة مع التدخل الروسي الذي حسم المعادلة العسكرية لصالح نظام الأسد، ومع الموقف الدولي الهزيل الذي عجز عن الدفع بالعملية السياسية المتوافق عليها أممياً وفق بيان جنيف 1 والقرار الأممي 2254؛ فجميع المسارات تبدو معطَّلة رغم تفاقم معاناة السوريين داخل سوريا وخارجها[16].

ومما سبق يمكن القول: إن الحالة السورية – مع اختلاف توصيفاتها بين أفرادها- تحمل مقومات تسمح لها بأن تتحول إلى “قضية” في وجدان السوريين، إلا أنها لمّا تصل إلى هذه المرحلة بعدُ، وهو ما سنوضحه بشكل مفصل في فقرات لاحقة.

وفي محاولة للاقتراب من مفهوم القضية بشكل أعمق كان لابد من تقديم حالة محسوسة يمكن القياس عليها، ومتابعة أوجه التشابه والاختلاف فيما بينها وبين الحالة السورية، من أجل معرفة الوسائل التي استخدمها أصحاب هذه القضية للوصول إلى حالة من النجاح يتوافق عليها أغلب المتابعين.

وتصلح التجربة الفلسطينية[17] أن تكون حالة يمكن التركيز عليها في الدراسة؛ وذلك لنجاحها في الحشد والترويج لقضيتها وإبقائها حية في الأذهان رغم تقادم الأزمان وتغير الظروف، بالإضافة إلى وجود العديد من التقاطعات والتشابهات بينها وبين الحالة السورية على الرغم من اختلاف شكل الصراع وأسبابه.

ويمكن تلخيص ملامح التشابه والاختلاف بين الحالة السورية والحالة الفلسطينية بما يلي:

  ملامح الاختلاف[18]
  الحالة الفلسطينية الحالة السورية
1-       نضال تحرري ضد استعمار استحلالي غريب[19] نضال تحرري شعبي ضد نظام استبدادي شمولي
2-       استعمار استيطاني خارجي رسم ملامح القضية منذ بداياتها دخلت القوات العسكرية الأجنبية لاحقاً على خط الصراع بين الشعب والنظام السوري
3-       تملك مشروعية ووضوحاً طالها الكثير من التشويش
4-       صراع على الوطن صراع داخل الوطن
5-       الخلاف على الوجود[20] الخلاف على نظام الحكم و العقد الاجتماعي[21]
6-       القضية هي التي شكلت شخصية الفلسطيني وهويته[22] الهوية كانت المنطلق للصراع[23]
7-       حققت إجماعاً على المطالب بين عموم الفلسطينيين في الداخل والخارج لم تحقق حالة من الإجماع بين عموم السوريين
8-       الهوية القانونية (الأوراق الثبوتية)  غائبة[24] الهوية القانونية حاضرة[25]
9-       حصلت على دعم الحكومات العربية المستمر لوقت طويل[26] حصلت على دعم مؤقت من الحكومات العربية
10-    البُعد الإنساني والإسلامي للقضية الفلسطينية البُعد الإنساني لتداعيات الصراع السوري
11-    قضية مستمرة منذ عقود صراع فتيّ

ومع نقاط الاختلاف الواضحة هذه بين الحالة السورية والحالة الفلسطينية إلا أن التجربتَين تتقاطعان في عدة نقاط، وهي[27]:

  • التطلّع إلى الحرية لدى كلا الشعبَين، والرغبة في العيش كبقية الشعوب وتقرير مصيرها بنفسها، والخروج من حالة الاستعباد والنظام القمعي والشمولي، وبناء الدولة التي تحفظ للإنسان حقوقه وكرامته وتحفظه من التعدّي عليه.
  • يمكن توصيف نضال الشعبين السوري والفلسطيني بأنه شكل من أشكال التمرد على القهر، رغم الفارق بين الاحتلال والنظام الشمولي ” الاحتلال الداخلي”[28]؛ فهما يشتركان بأنهما يرتكزان على قهر الإنسان.
  • التضحيات الكبيرة التي قدمها كلا الشعبين في سبيل قضيته، والتي تنبع من إيمان عميق ورغبة مخلصة في التحرر والانعتاق.
  • التشابه في الأدوات التي استخدمتها السلطة في كلا الحالتين – سواء كانت سلطة استبدادية أم استعمارية –من قتل وقصف واعتقال وتهجير.
  • حالة اللجوء والتشرد، والتي كانت الصورة الأوضح والأبرز في المشهد السوري[29].
  • دور العامل الخارجي في تثبيت شكل الصراع، والذي تجلى وفق محورين، هما:
  • دعم الأطراف المتنازعة مادياً وسياسياً بغض النظر عن صاحب الحق أو الذي وقع عليه الظلم.
  • تثبيت الوضع الراهن وفق مصالح الدول الخارجية[30].
  • حالة التِّيه السياسي الممتدة لفترة طويلة وما خلّفته من حالة انقسام حادّ اجتماعياً وسياسياً.
  • التأييد الشعبي العربي والإسلامي لحقوق ومطالب الشعبَين مع التفاوت في هذا التأييد؛ وذلك لخصوصية الحالة الفلسطينية، ولوجود مناصرين وأصدقاء وأحزاب وهيئات تدعم هذه الحقوق.

وبالتالي: يمكن للتجربة الفلسطينية أن تكون محلاً للدراسة؛ نظراً لنجاحها فيما يظهر في الحشد والتعبئة الشعبية، والحفاظ على القضية حاضرة في أذهان أصحابها لعقود من الزمن، إضافةً إلى تشابهها مع الحالة السورية من حيث عدالة المطالب حقوقياً وإنسانياً، والرغبة في رفع الظلم وعودة الحقوق لشريحة واسعة من المتضررين.

ثانياً: التجربة الفلسطينية، من المشكلة إلى القضية: دراسة حالة

بدأت ملامح النكبة الفلسطينية بالظهور مع إعلان وعد بلفور في تشرين الثاني 1917، والذي تعهدت فيه بريطانيا بإنشاء “وطن قومي لليهود في أرض فلسطين”، وبدأت بتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين مستغلة سيطرتها على الأرض كسلطة انتداب[31]، وقد قُوبلت محاولات التوطين بالرفض الشعبي الذي تطور لاحقاً وأدى إلى ظهور مجموعة من الثورات الشعبية وحركات التحرر الوطنية[32].

في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 181 بتقسيم أرض فلسطين التاريخية إلى دولة عربية بنسبة 45%، وأخرى يهودية بنسبة 54%، و1% منطقة دولية متمثلة في القدس؛ إلا أن الكيان الصهيوني أعلن في 14 أيار 1948عن قيام دولته على أرض فلسطين، وتمكّن من هزيمة الجيوش العربية، واستولى على نحو 77% من فلسطين، وشرد بالقوة ما يزيد عن 800 ألف فلسطيني، أي 86% من إجمالي سكان هذه المساحة آنذاك، ودمّر 478 قرية فلسطينية – 82% – من القرى الموجودة في المنطقة المحتلة، وارتكب 34 مجزرة[33].

ويمكن تقسيم مراحل تطور التحرك الفلسطيني الشعبي الهادف إلى تعزيز القضية في أذهان الشعب الفلسطيني إلى عدة مراحل[34]، هي:

فترة الترقب والبذار:

أدت حالة التهجير الفلسطيني بعد عام 48[35] وانتقال العديد من العائلات الفلسطينية إلى المخيمات داخل فلسطين وخارجها إلى نشوء حالة من الصدمة والانكسار واليأس؛ إذ حاول فيها الفلسطينيون ترتيب أمورهم والاستقرار بشكل مؤقت مترقبين عودتهم القريبة إلى بيوتهم، دون أن يبادروا إلى أي فعل عسكري أو سياسي أو تنظيمي، واستغرقت هذه الفترة ما بين 15 -20 عاماً أيقن الفلسطينيون عندها أنه لا حل سياسي أمامهم يعيد إليهم حقوقهم، وأن عليهم التأقلم مع الوضع الجديد وإعادة النظر في الظروف الجديدة[36].

وقد ساهمت ظروف التهجير بتجمع مجموعات كبيرة من الفلسطينيين في رقع جغرافية محددة دون أن تتسبب بتشتتهم، مما كان عاملاً دافعاً إلى زيادة التلاحم فيما بينهم؛ فقد جمعت بينهم المأساة وحالة الانكسار والحزن والأمل بالعودة، ورفض الاندماج مع المجتمعات الجديدة – العربية – التي استقبلتهم على اعتبار أن إقامتهم مؤقتة[37]، وهو ما دفعهم إلى تحويل المخيم إلى نموذج مصغر عن الوطن قاموا فيه باستحضار معالم بلادهم في أماكن إقامتهم الجديدة.

وقد ساهمت هذه الحالة الوجدانية المتصاعدة بالتأثير الكبير غير المباشر في نفوس الأطفال، التي تشربت محبة الوطن والتعلق به من خلال حديث الآباء والأجداد وذكرياتهم فيه؛ فاستطاع الأهل بشكل مقصود أو غير مقصود إشعال رابط عاطفي ربط هذا الجيل بأرضه ووطنه، وغرس في وجدانه الانتماء له والإحساس بالمسؤولية تجاهه.

وفي تلك الفترة تنبه الفلسطينيون إلى التفوق العلمي والمادي لعدوهم وللأطراف التي تدعمه، وأدركوا ضرورة تدراك هذا التفوق؛ فاتجهت الكثير العائلات الفلسطينية إلى الاهتمام بتعليم أولادها واعتباره الوسيلة الأهم لتغيير واقعهم، واسترداد أرضهم، وامتلاك الأدوات التي تمكّنهم من ذلك.

فترة الانطلاق:

ومع بداية الستينيات ظهر في المخيمات جيل من الشباب كانوا قد عاصروا النكبة في طفولتهم، وشهدوا ما حدث لآبائهم من ظلم وتهجير، وعايشوا في السنوات اللاحقة مشاعر الحزن والحنين للوطن، فبدأت هذه الشريحة من الشباب – خاصة الشباب الجامعي- بالتفكير في طرق جديدة للاحتجاج وللتعبير عن رفضها للواقع الذي فرض عليها، فبدأ النشاط الطلابي بالنمو والتوسع والانتشار.

واتسم الحراك الشبابي والطلابي في تلك الأثناء بإيمانه أنه قادر على فعل شيء ما، وليس عاجزاً رغم انسداد الأفق، بل يملك الأمل لإحداث أي تغيير، على عكس جيل الآباء الذين سيطرت عليهم مشاعر الهزيمة، وأن عليه أن يقاوم الواقع المفروض عليه بكافة الأدوات المتاحة، وأن يبتكر أدوات جيدة تساعده في استعادة حقوقه؛ ومن هنا بدأت فكرة المقاومة الشعبية والمقاومة المسلحة تتبلور في العقل الفلسطيني.

وفي الوقت نفسه ومع بداية الستينات بدأ العمل الشعبي على الأرض بالنضوج، وأفرز العمل الميداني المباشر على الأرض قيادات طلابية استلمت زمام الحراك الشعبي، والتحمت مع قضايا المجتمع، وبدأت بترتيب المشهد النضالي بشكل أكثر تنظيمياً، وقد تحول العديد من قيادات الحركات الطلابية إلى قيادات سياسية لاحقاً بعد أن اكتسبت الخبرة في الميدان.

مرحلة التدافع والانتقال إلى العمل المؤسساتي:

مع إحياء فكرة الدور الشعبي المقاوم الذي حمل لواءه الحراك الطلابي الجامعي بدأت الجهود تتجه نحو تنظيم هذا الحراك ومأسسته، وإنشاء الهيئات والجمعيات والمكاتب المتخصصة التي تتركز مهمتها في التعبئة الشعبية للقضية بين الفلسطينيين، والتي أثمرت لاحقاً إطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) عام 1987، ثم انتفاضة الأقصى عام 2000[38].

وظهرت مكاتب العمل الشعبي ضمن أغلب المؤسسات الفلسطينية على اختلاف اختصاصاتها، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الفنية أو النقابية والدينية أو حتى الرياضية، والتي اعتبرت أن مهمة الحفاظ على القضية الفلسطينية حيّة في الذهن الفلسطيني هو واجبها، وأن عليها أن تسعى لذلك ضمن مجال عملها.

وقد قام على هذه المكاتب كوادر متخصصة مفرغة تعيش من أجل القضية، ساهموا في وضع خطط التعبئة الشعبية، وعملوا على تهيئة وإعداد الكوادر العاملة في هذا المجال، واستطاعت هذه العقول التي تشربت بالإيمان بقضيتها توظيف العديد من الأدوات واستخدام الكثير من الأفكار الإبداعية التي لم تغرس القضية الفلسطينية في وعي الفلسطيني فحسب، وإنما في وعي الشعوب العربية التي استضافت هذه المخيمات على أراضيها.

2-1 منهجية العمل الشعبي:

اعتمد العمل الشعبي الذي أدارته المنظمات الفلسطينية على منهجية واضحة استخدمت مجموعة من الاستراتيجيات العامة، رسمت فيها خطاً واضحاً لمسيرة العمل التي تطورت زمنياً مع اكتساب الخبرة والتعلم من الأخطاء، ومنها:

  • إحياء مفهوم المقاومة بكافة أشكاله كحق شرعي للفلسطينيين: استطاع الفلسطينيون إحياء مفهوم شرعية المقاومة كحق لرد الظلم في نفوس جميع الفلسطينيين وعقولهم في الداخل والخارج بكافة أشكال هذه المقاومة، سواء كانت بالحجر أو بالسلاح أو بمسيرات العودة أو بالمقاطعة أو بالانتفاضات، وأصبحت هذه الفكرة المادة الأساسية التي يرضعها الفلسطيني منذ نعومة أظفاره ويفتخر بها، ويتفاخر بالانتساب إليها والدفاع عنها، وهو ما انعكس على عموم المجتمع بتقدير وتعظيم للمقاومين؛ فحينما يسقط في البلدة شهيد تخرج البلدة عن بكرة أبيها في جنازته ومؤازرة أهله، وتحتفل البلدة بأكملها بخروج المعتقل احتفالات أشبه بالأعراس تمتد لعدة أيام.
  • إحياء مفهوم حق العودة:

استطاع العمل الشعبي الفلسطيني غرس مفهوم العودة في نفوس الفلسطينيين رغم أن معظمهم وُلدوا وتربوا خارج فلسطين بعيداً عن أرضها؛ فقد حرص القائمون على العمل الشعبي على الوصول إلى حالة متقدمة من الوعي جعلت من حق العودة حقاً تاريخياً للفلسطينيين ناتجاً عن وجودهم في فلسطين منذ الأزل، وهو أرسخ في جذوره وأقدم من جذور البريطانيين في بريطانيا، وأقدم من وجود الأمريكان في أمريكا، كما أنه حق شرعي وقانوني ثابت، غير قابل للتصرف، ولا ينقضي بمرور الزمن، ولا يخضع للمفاوضة أو التنازل، ولا يسقط أو يعدل أو يتغيّر مفهومه في أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع، حتى لو وقعت على ذلك جهات تمثل الفلسطينيين أو تدّعي أنها تمثلهم[39].

وقد نتج عن ذلك حالة ارتباط واضح بين الفلسطيني وأرضه، لم يشوّشه حصوله على جنسية دولة جديدة، بل على العكس دفع ذلك العديد من العائلات الفلسطينية إلى العودة إلى فلسطين بعد حصولها على جنسيات أخرى والاستقرار فيها للدلالة على تمسكها بهذا الحق وارتباطها به.

  • التركيز على الثوابت وعلى الأمور الجامعة: ركز العمل الشعبي على ما يجمع الفلسطينيين، وتجنب الدخول في التجاذبات والانقسامات السياسية؛ فركز على قضايا القدس والمسجد الأقصى وحق العودة واللاجئين والانتهاكات التي يقوم بها العدو، وكل ذلك من الأمور التي لا يمكن أن يختلف فيها أحد.

وقد حرص الفلسطينيون على تشبيك جهود كافة الفرق العاملة -لاسيما في الشتات- في الشأن الشعبي[40]، وإقامة فعاليات دورية تجمع الجميع كالمؤتمرات، وهو أمر لم يكن سهلاً؛ نظراً للاختلافات السياسية والداخلية الموجودة، واحتاج إلى بذل الجهود الكبيرة من أجل جمع غالبية الأطراف على طاولة العمل الشعبي.

  • صناعة الرمزيات: استطاع الفلسطينيون ترميز العديد من الأشياء، وربطها بشكل مباشر مع القضية وجعلها تعبر بشكل مباشر عن الهوية الفلسطينية، كالمفتاح وخريطة فلسطين والمسجد الأقصى وقبة الصخرة والكوفية والثوب الفلسطيني و”حنظلة”[41]، كما ركزوا بشكل كبير على ترميز الشهداء وقادة المقاومة.
  • ترسيخ الهوية والاعتزاز بها: كانت الهوية الفلسطينية حاضرة بشكل كبير في العمل الشعبي وفي المنظمات التي تقوده، بل كان يتم تجاهل المنظمات والمؤسسات المدنية التي لا تُظهر هويتها بشكل واضح ومقاطعتها، وقد استطاعت المنظمات الفلسطينية إحياء الهوية من خلال برامجها التي ركزت على إعادة إحياء العديد من المناسبات والمحطات الهامة في مسيرة النضال بشكل دوري، واستذكار التضحيات واستنهاض الهمم.

كما استثمرت منظمات العمل الشعبي التراث الشعبي وربطته بالقضية، سواء على نطاق الطعام أو الفن أو اللباس؛ فأقامت العديد من المشاريع التي ركزت على الاهتمام باللهجات المحكية الفرعية، وإحياء العادات الفلسطينية وأنماط الرقص الشعبي والأطعمة الشعبية التقليدية ومشاريع التطريز، والتي أعادت إحياء أنماط التطريز التي تشتهر بها كل مدينة والثوب التقليدي الفلسطيني.

وتمكنت بعض هذه المؤسسات لاحقاً من تحويل بعض مفردات التراث إلى مشاريع تجارية وماركات ترتبط بالقضية وتعززها.

  • تعزيز الرابطة العاطفية: ركز العمل الشعبي على إعادة الربط العاطفي بالوطن والقضية، وذلك من خلال التركيز على ثلاثة أنماط من المشاعر الرئيسية، وهي: (حب الوطن، وبثّ الأمل بالقدرة على التغيير، والتركيز على إحياء روح التحدي ورفض الاستسلام) من خلال استخدام الفنون والتركيز على الجانب المشرق البطولي الذي خلقته المعاناة، وقد تم استثمار البُعد الديني للقضية وتوظيفه بشكل كبير، فتمت الاستفادة من المواسم الدينية داخلياً وخارجياً، وركزت المؤسسة الدينية الفلسطينية على خطب الجمعة من أجل شحن الروح الوطنية؛ فاحتوت خُطَب الجمعة على جرعة سياسية عالية قاربت في بعض الأحيان أن تكون بيانات سياسية وطنية.

كما أقيمت العديد من المشاريع التي استهدفت مختلف الأعمار، والتي كانت تهدف إلى تعزيز الرابط العاطفي حتى عند الأطفال، مثل مشروع “حصالة الأقصى”[42].

  • صناعة الكوادر في ميادين التجربة: مع بدايات تشكل الحراك الطلابي الفلسطيني أفرزت الأحداث الميدانية على الأرض كوادر مجتمعية تقدمت لتساعد في تنظيم الحدث بمبادرة ذاتية، ومع تطور هذا الحراك ونضوج العمل الشعبي برزت بعض الشخصيات والأسماء نتيجة الالتحام بالحدث. وقد ساهمت الحالة المؤسساتية في تعزيز هذه القيادات المجتمعية ودعمها وتدريبها وتزويدها ببعض الخبرات المكتسبة، كما أفسح العمل الميداني لهم المجال لتحقيق الخبرة الحقيقية، لتدخل هذه الكوادر مجدداً في دائرة قيادة العمل الشعبي التعبوي أو العمل السياسي.

واتسمت كوادر العمل الشعبي التعبوي بأنهم من أصحاب الهمّ الحقيقي والانتماء الواضح للقضية، اندفعوا للعمل انطلاقاً من إحساسهم الذاتي بالمسؤولية، ثم تفرغوا لإدارة هذا العمل؛ فلم تكن كوادر مستأجرة، ولم تتعامل مع عملها وكأنه وظيفة تجني من خلالها راتباً، بل بذلت كامل جهدها ووقتها لهذا العمل، وتفننت في ابتكار أدوات جديدة مكّنتها من تسويق قضيتها على أفضل وجه.

  • التركيز على كافة فئات المجتمعركز العمل الشعبي دوره على تعبئة كافة شرائح المجتمع، خاصة الفئات التي تستطيع التأثير كالنساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والرياضيين والفنانين والمبدعين، وقد تخصصت العديد من المراكز بشرائح محددة ووجهت مشاريعها لها وخاصة النساء، إذ كان هناك الكثير من الاهتمام بتعزيز دور المرأة وانتمائها للقضية، وتشير الكثير من الوثائق المحفوظة إلى أن النساء شاركن بشكل واضح في حمل القضية والدفاع عنها وغرسها في نفوس أبنائهن[43].

كما انفتح العمل الشعبي في دول الشتات على الشعوب الأخرى، خاصة غير العربية من الغربيين، وعمل على التعريف بقضيته وتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة، وإطلاع الجمهور على واقع الحال، والتوعية بإجرام العدو، والحشد النفسي والشعبي للقضية، ولاسيما في أوقات الأزمات.

  • ضبط الرواية حول القضيةاستطاع الفلسطينيون صياغة قضيتهم بمصطلحات واضحة راسخة في الذهن، لا تحتمل التأويل، والحفاظ عليها من أي تعديل أو تغيير، وقد استطاعت المؤسسات الإعلامية بعد تطور أدائها إنتاج سلسلة من الأدلة الإعلامية للصحفيين والمؤسسات الإعلامية لضبط الرواية الإعلامية في الإعلام التقليدي والإعلام البديل، واعتماد مجموعة محددات للخطاب الإعلامي المتعلق بالقضية الفلسطينية، يمكن أن يساعد الإعلاميين والصحفيين والمؤسسات الإعلامية العاملة والمهتمة بالشأن الفلسطيني في تغطية جوانب القضية الفلسطينية بشكل أفضل[44].
  • مواكبة الحدث الميداني: استطاع الفلسطينيون صناعة حالة استنفار ذاتية خلال الأحداث الساخنة، وذلك من خلال توظيف الطاقات والجهود لدعم الداخل الفلسطيني وتعزيز ثباته، كلٌّ في مجاله، فعلى سبيل المثال ومع أي عدوان إسرائيلي على الداخل تبارت جميع الأطراف الفلسطينية في دعم الداخل المتضرر وإدانة العدوان، كما كثفت مكاتب العمل الشعبي من نشاطاتها التعبوية من أجل التعريف بالتطورات الحاصلة بالمظاهرات والاعتصامات والمؤتمرات الصحفية، وقامت المؤسسات الفنية بإنتاج الأعمال الإنشادية الوطنية التي تخلّد الحدث، وترفع الروح المعنوية، وتساعد على التعبئة الجماهيرية[45].
  • صناعة الحدث الفلسطيني عالمياً: لم ينتظر الفلسطينيون التحرك العربي أو الإسلامي أو العالمي لدعم قضيتهم، بل ساهموا بأنفسهم في تهيئة الظروف المواتية لدعمها وتحريكها؛ فعلى سبيل المثال كانت بعض مكاتب العمل الشعبي الفلسطيني في سوريا والمعنية بالعمل الدعوي، توزع نشرات دورية أسبوعية عن الوضع الفلسطيني وخاصة خلال الأحداث العسكرية كالحرب على غزة، وتضم هذه النشرات آخر التحديثات الميدانية الأسبوعية، بالإضافة إلى بعض من قصص البطولة والفداء التي جرت في هذه الفترة[46].

كما وسع الفلسطينيون دائرة الحراك من أجل القضية ليشمل الهيئات العالمية العربية والإسلامية، فالعديد من المؤتمرات الصحفية أو الأحداث العالمية لنصرة القضية الفلسطينية والتي جرت في السنوات الماضية، كانت بترتيب وتنظيم وتحضير من قبل ناشطين فلسطينيين من وراء الكواليس، وإنما ساعدوا الآخرين على إظهار مواقفهم ودعمهم، وشجعوا فيها العديد من الهيئات العالمية على إعلان دعمها ومناصرتها والتفاعل مع القضية الفلسطينية دون أن يظهروا في الصورة.

ولم يكن الهدف من هذه الأنشطة ترميز الأجسام الفلسطينية بل كان الهدف هو ترميز القضية وتسليط الضوء عليها وإظهار التعاطف والتأييد العالمي لها، وفق استراتيجية واضحة تتركز حول ضرورة إظهار تحرك الأمة دعماً للقضية الفلسطينية[47].

  • التأثير في الديبلوماسية الشعبيةلم يتقصد العمل الشعبي التأثير على الشعوب في بلاد الشتات بل حاول استهداف العديد من المؤثرين والمفكرين وصناع القرار وقادة المجتمعات المدنية وأنصار حقوق الإنسان، واستطاع الفلسطينيون تكوين شبكة علاقات عامة واسعة سمحت لهم بتوسيع دائرة نشاطهم وزيادة عدد المتعاطفين معهم من الجنسيات الأخرى[48].

2-2-أدوات العمل الشعبي:

استطاعت الكوادر الفلسطينية التي استلمت العمل الشعبي انطلاقاً من إيمانها العميق بقضيتها التنويع في الأدوات، وابتكار وسائل جديدة تتناسب ومتغيرات العصر، وقدمت أشكالا متجددة من النضال الشعبي السلمي؛ فاعتمد على العديد من الأدوات وركز عليها خلال مسيرته[49]، ومن أهمها:

2-2-1- التوثيق:

يمكن عدّ التوثيق المكتوب -وهو النمط السائد في ذلك الوقت – الأداة الأبرز التي حفظت الهوية الفلسطينية وحمتها من التشويه والنسيان، وأبقت شعلة القضية متقدة في النفوس، وقد قامت عليه مجموعة من المؤسسات التخصصية ومراكز الأبحاث الفلسطينية، وشمل التوثيق العديد من المجالات، أهمها:

  • توثيق الحدث: ويشمل توثيق أهم المحطات التاريخية والسياسية والمعارك والاتفاقيات والقرارات والقوانين والتشريعات وأنماط الحراك الشعبي الداخلي والخارجي والانتفاضات والانتهاكات، مع جمع شهادات حية عن بعض الأحداث الماضية[50].
  • التوثيق العام: والذي ركز على حفظ وتجميع المعلومات العامة التي تتعلق بفلسطين تاريخياً وجغرافياً، وأعداد السكان وطوائفهم وأعراقهم ومذاهبهم، وما يتعلق بالزراعة والتجارة والمياه والرياضة، بالإضافة إلى تجميع الوثائق التاريخية وأرشفتها[51].
  • توثيق التراث: كان لتوثيق التراث الأثر الكبير في إحياء الانتماء والربط العاطفي، سواء كان هذا التراث مادياً كأنماط العمارة والمواقع الأثرية التراثية الثقافية والطبيعية، وكل ما يتعلق بمدينة القدس وأحيائها التاريخية ومساجدها وأسواقها والتكايا، أو كان تراثاً غير مادي[52] كالفلكلور والأزياء الشعبية والأطعمة والأمثال الشعبية والأغاني والمواويل والزجل، والصناعات التقليدية واللهجات والتطورات التي طرأت عليها.
  • توثيق انتهاكات العدو: كتتبع تاريخ الاستيطان ونشوء المستوطنات والحواجز وجدار الفصل، وعمليات الاعتقال التعسفية، وأوضاع المعتقلين والشهداء، ومتابعة الوضع الداخلي الإسرائيلي وتغيراته.
  • توثيق بعض الفجوات التاريخية التي غابت عن التدوين بشكل تفصيلي، كاستحضار بعض التفاصيل الغائبة عبر شهادات الأحياء، أو توثيق أسماء شهداء أو معتقلين أو شخصيات نضالية لم يتطرق إليها الإعلام بهدف تخليد ذكراهم والتوعية بقصصهم.
  • توثيق أوضاع الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، ومتابعة أحوالهم وحقوقهم، والانتهاكات التي تتم بحقهم من قبل بعض الأطراف.
  • مشروع التوثيق الشفوي: يُعد هذا المشروع من أهم مشاريع التوثيق على المستوى الشعبي، وقد ركز مشروع التوثيق الشفوي بشكله العام على تسجيل شهادات جيل النكبة المتقدم في العمر، ثم انتقل لتسجيل شهادات الأجيال المتعاقبة حتى الجيل الرابع، وصولاً إلى شهادات الأطفال في المخيمات[53].

2-2-2- الكتابة والتدوين الأدبي[54]:

كان الأدب الأداة الأكثر تأثيراً والأكثر انتشاراً من سنوات النكبة وحتى تسعينيات القرن المنصرم، فقد ساهمت الكتابات الأدبية بأشكالها المتنوعة من شعر ونثر وقصة ورواية ومذكرات شخصية[55] في توثيق الحالة النفسية والوجدانية للفلسطيني خلال الأحداث وما بعدها، وتعميق الارتباط العاطفي بالوطن، من خلال تجسيد مشاعر الحزن والفقد واليأس والأمل والنضال والثورة، خاصة وأن الإنتاج الأدبي بكافة أشكاله ارتبط بالقضية والهوية الفلسطينية، وأعاد صياغتها في العقل والوجدان الفلسطيني والعربي، بل والعالمي.

وقد نقلت نصوص الأدب الفلسطيني جانبي المأساة والبطولة، ورسخت بقوة مشاعر حب الوطن والتضحية والفداء من أجله، وعكست صورة الأحداث بحرارة وحيوية مظهرة البُعد الإنساني الغائب للنكبة الفلسطينية وما لحقها، وحالة الاغتراب المادي والمعنوي الذي لحق بالروح الفلسطينية في الشتات، وأصلت لمفهوم المقاومة بكونها الوسيلة الأهم مواجهة المحتل واستعادة الحقوق.

2-2-3- المناهج المدرسية:

ساهم التعليم بشكل كبير في دعم وترسيخ القضية الفلسطينية، لاسيما وأن المناهج الفلسطينية تمحورت حول تعزيز القضية الفلسطينية ومركزيتها وعدالتها، وكشف زيف الاحتلال وروايته، وقد تم استثمار الجانب التعليمي في مختلف مراحله حتى الجامعية، حيث فرضت الجامعات الفلسطينية على طلابها من مختلف الاختصاصات حضور مساق حول القضية والنجاح به كشرط من شروط التخرج[56].

ومن الجدير بالذكر أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة في المناهج التعليمية العربية حتى فترة قريبة، وذلك انطلاقاً من تبني الدول العربية لها من منطلق قومي / إسلامي، وقد ضمت الكتب العديد من النصوص الأدبية والشعرية والقصص التي تتحدث عن قصص البطولة والتضحيات الفلسطينية، والتي كتبت بأقلام فلسطينية أدبية استطاعت نقل الوجع والمعاناة وتخليدها أدبياً، وهو ما ساهم في تعميق وغرس هذه القضية في أذهان الشعوب العربية.

2-2-4- الفن الشعبي:

استغل الفلسطينيون على المستوى الداخلي الإعلام الشعبي بشكل واسع وفعال لغرس القضية الفلسطينية؛ فمنذ الأيام الأولى للنكبة انتشرت بعض الأشعار والزجل الشعبي التي كان يحاول فيها الفلسطيني التعبير عن حزنه واشتياقه للوطن، وتطور الأمر مع تطور أشكال الحراك، وبرزت الحاجة للتعبير عن معاني المقاومة والصمود.

وبدأت الفرق الفلسطينية الغنائية بالتشكل وبدأت بإحياء الأغاني الترائية القديمة، وإنشاد بعض القصائد التي ألفها الشعراء الفلسطينيون القدامى والتي خلدت أحداثاً تاريخية[57]، ثم تطور دورها وصولاً إلى قيامها بإنتاج أعمال غنائية كاملة من التأليف للتلحين للإنشاد وثقت فيها بعض الأحداث وسير الشهداء، وجسدت حياة الإنسان الفلسطيني وتطلعاته وآماله، وقد أصبحت هذه الأغاني والأناشيد حاضرة في الاحتفالات والأعراس والمناسبات الثورية، وانتشر هذا الإنتاج الفني الثوري مع إصدار تلك الفرق لأشرطة الكاسيت في الوسط العربي إلى جانب الوسط الفلسطيني، وأثرت فيهما بشكل كبير[58].

وقد ساهمت الحالة المؤسساتية في دعم الكثير من الموهوبين من شعراء ومطربين وملحّنين، وتوجيه مواهبهم لخدمة القضية[59]، سواء في الداخل أو في الخارج، حيث ساهمت بعض المؤسسات بإنشاء فرق فلسطينية لإحياء الأفراح، تم تدريبها وتزويدها بالمعازف المطلوبة، فاستطاعت هذه الفرق أن تكسب قُوتها وأن تحيي الأفراح في الوقت نفسه.

وقد تطورت الأغنية الفلسطينية وباتت تواكب نمط الغناء الشائع بشكل استطاعت معه اجتذاب الأجيال الجديدة؛ إلا أنها حافظت في مضمونها على جوهر القضية وقدسية الكفاح ضد المحتل، واستطاعت إحياء بعض الأغاني التراثية القديمة بقالب معاصر.

2-2-5- الإعلام الفلسطيني:

داخلياً استثمر الفلسطينيون الأدوات الإعلامية المتاحة في ذلك الوقت في نقل صوتهم والتعبير عن قضيتهم؛ فقد استطاعت الصحافة التي كانت ناشطة في وقت سابق[60] التعافي بعد عقد على النكبة، وبدأت الصحف “الفصائلية” بالصدور داخل في فلسطين وخارجها، وقد تم إحصاء أكثر من 230 صحيفة صدرت من ستينات القرن العشرين وحتى منتصف التسعينات باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، على شكل صحف ودوريات من داخل فلسطين وخارجها كان الحدث الفلسطيني محورها الأساسي، خاطبت معظم الشرائح حتى الأطفال الذين خصصت لهم مجلات خاصة[61].

كما نشطت العديد من الإذاعات المحلية التي كانت تبث من داخل وخارج فلسطين[62]، كما تم إطلاق أول قناة تلفزيونية محلية “تلفزيون فلسطين” في نفس العام، ثم تطورت المنظومة الإعلامية وأنتجت قرابة 10 قنوات فضائية تبث من داخل فلسطين، وعدد من القنوات الفضائية غير الحكومية، إضافةً إلى نحو 12 تلفزيون محلي، وأكثر من 55 إذاعة تبث في كل فلسطين، و20 وكالة أنباء محلية، و150 صحيفة ومجلة مطبوعة.

كما أنشئت قرابة 5 قنوات فضائية أخرى تبث من خارج فلسطين، منها فضائية القدس التي تأسست عام 2008 وتوقفت عام 2019، وقناة فلسطين اليوم، وقناة فلسطيني، والكوفية وغيرها.

وعلى مستوى الإعلام الموجه للخارج أبرز التفوق الإعلامي الصهيوني تحديات كبيرة أمام الفلسطينيين، خاصة مع قيامه بترويج روايته في العالم، وتشويه القضية الفلسطينية من خلال المعلومات المضللة[63]، عبر العديد من الأفلام السينمائية التي حاولت التركيز على الوجه الإنساني لـ” إسرائيل”، في حين كان الإنتاج السينمائي الفلسطيني متواضعاً جداً، واقتصر على الجمهور العربي لضعف الإمكانيات وضعف التمويل، إلا أنه وعلى الرغم من ضعف الإمكانيات تمكن الفلسطينيون في الخارج من إصدار قرابة  10 صحف مطبوعة في الفترة من منتصف ستينات القرن العشرين وحتى منتصف التسعينات باللغتين الإنكليزية والفرنسية، والعديد من الصحف الإلكترونية الناطقة بالعديد من اللغات[64].

كما أن ضعف الإنتاج الفني الفلسطيني على صعيد الأفلام والمسلسلات لم يشغل الفلسطينيين عن الدخول في هذا المجال؛ فقامت العديد من الشخصيات الفلسطينية بدراسة الإعلام والتخصص في بعض جوانبه، وتمكنت من العمل في المحطات الإعلامية العربية وحتى الأجنبية، وتميز العديد منهم خلال عملهم فيها، وقد استطاعوا عبر إيمانهم المطلق بقضيتهم التأثير في تلك الوسائل، ودفع العديد من الشبكات العربية لدعم مشاريع وصفحات إعلامية فلسطينية[65].

2-2-6- الإعلام الجديد:

خلفت ساحات الإعلام الجديد بكافة أشكاله المرئية والمكتوبة والمسموعة ساحة جديدة للنضال من أجل القضية الفلسطينية، وأخذ الفلسطينيون على عاتقهم مهمة نشر الرواية الفلسطينية بألسنتهم وعيونهم إلى العالم كله دون حواجز، وفقاً للإمكانية المتاحة بين أيادي الجميع، خاصة الشباب، فتفعّلت صفحات يشرف عليها نشطاء فلسطينيون بلغات عديدة تشرح للعالم ما الذي يحدث في فلسطين بالتحديد، بعيداً عن الرواية الإسرائيلية، مما كان له الأثر الكبير في تشكيل وعي جديد وردة فعل لدى مستخدمي هذا الفضاء المفتوح.

وبدأ هذا النشاط الرقمي الجديد يقلق السلطات الإسرائيلية التي بدأت حملات اعتقال لبعض الناشطين الفلسطينيين على خلفية منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وفيسبوك خصوصاً، حيث حاولت لاحقاً محاصرة النشاط الفلسطيني على فيسبوك بطرق عديدة، وهو ما دفع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني مجدداً لمواجهة هذه الضغوطات بتأسيس مجموعة من ائتلاف الحقوق الرقمية الفلسطينية لحماية المحتوى الفلسطيني المنشور عبر الفضاء الإلكتروني، والحفاظ على حقوق رقمية أخرى في مجالات متعددة[66].

ومن جهة أخرى أتاحت الطفرة الرقمية وما رافقها من تجهيزات وبرامج الفرصة للعديد من المهتمين -خاصة من فئة الشباب- الدخول إلى مجال الإعلام غير الرسمي، والاستفادة من هذه الأدوات في دعم القضية وخدمتها؛ فقد ساعد انتشار برامج صناعة الفيديو والصور الشباب على امتلاك الأدوات الازمة للتعبير عن قضيتهم بشتى الوسائل[67]، فنشط الإنتاج الفني المرئي بشكل كبير، وبدأت تحتضنه العديد من المؤسسات الفلسطينية وتشجّع عليه، وتقيم له المسابقات وتوزّع الجوائز[68].

كما عمل فلسطينيو الشتات أيضاً على استخدام ثورة الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي بطريقة إبداعية، سواء من خلال إعادة إحياء بعض الصور القديمة وتلوينها[69]، أو من خلال الضغط على بعض وسائل التواصل احتجاجاً على حذفها للمحتوى الفلسطيني[70]، أو إطلاق مبادرات تساعد فلسطينيي الشتات على التعرف على بلداتهم الأصلية ومنازلهم حالياً كمبادرة “كنا ولا زلنا”[71].

2-2-7- تفعيل دور الشتات في غرس القضية ونقلها للعالم:

اختلفت الأدوات التي استخدمت لترسيخ القضية في نفوس الشعب الفلسطيني باختلاف بيئات الشتات الفلسطيني[72]، واختلاف أماكن توزعه وفق الآتي:

  • أدوات الشتات الفلسطيني في دول الجوار الفلسطيني (المخيمات الفلسطينية في دول الطوق)[73]: حافظَ الشتات الفلسطيني في المخيمات التي أقيمت في دول عربية كسوريا ولبنان والأردن على هويته حاضرة بشكل واضح، وحوّل هذه المخيمات إلى نموذج مصغر للبيئة الفلسطينية مانعاً الذوبان في المجتمعات الجديدة، فسمَّوا الشوارع والمدارس والدكاكين بأسماء أماكن أو شهداء فلسطينيين، وسمى الكثير منهم أولاده بأسماء مناطق أو نباتات فلسطينية، وحرصوا على إظهار الهوية الفلسطينية، حتى في المقابر التي كانت تحمل شواهدها[74] اسم القرية الفلسطينية التي ينتمي إليها المتوفى، وقد امتلأت جدران أزقة المخيمات بصور الشخصيات الفلسطينية المؤثرة، إضافة لصور المسجد الأقصى وبعض معالم القدس والعديد من العبارات الثورية التي تؤكد الانتماء للقضية والارتباط بالوطن.

كما ظهرت ضمن المخيمات “الدواوين الفلسطينية”، وهي أشبه بتجمعات مدنية القصد منها تعزيز الروابط العائلية أو المناطقية، وتقديم الدعم والمساعدة المطلوبة لأفرادها، وقد نشطت بعض الدواوين[75] وبدأت تقوم بفعاليات اجتماعية مستفيدة من أبناء العائلة الموهوبين، وهو ما جعل التجربة بيئة مناسبة لبروز بعض القيادات المجتمعية بشكل تلقائي، وبقيت هذه الدواوين فاعلة وناشطة في تفعيل المجتمع الأهلي في تلك الفترة، ولا يزال بعضها حاضراً حتى الآن.

وقد ضمت المخيمات الفلسطينية مكاتب لمعظم التيارات الفلسطينية العسكرية والسياسية، قام عليها متخصصون بالعمل الشعبي تولوا مهام التنظيم والتثقيف والتعبئة الشعبية، وإحياء المناسبات الوطنية الفلسطينية، ومواكبة الأحداث الساخنة في الداخل الفلسطيني وخاصة الانتفاضتين، إلا أن هذا الحراك الشعبي كان محصوراً ضمن المخيم وممنوعاً من التوسع خارجه.

  • أدوات الشتات الفلسطيني في بقية الدول العربية: لم يستطع الشتات الفلسطيني في الدول العربية إقامة مؤسساته أو ممارسة أنشطته[76]، نظراً للقيود التي فرضتها تلك الدول على هذا النشاط، فقد كان العمل الشعبي متاحاً ومحدداً بمجتمعات المخيمات فقط، وقد اقتصر دور الشتات الفلسطيني في الدول العربية وخاصة في دول الخليج على جمع التبرعات، ودعم بعض المشاريع في الداخل مع حرصهم على تعميق ارتباطهم وارتباط أبنائهم بالقضية [77].
  • الشتات الفلسطيني في الدول غير العربية: استطاع الشتات الفلسطيني الذي انتشر في الدول غير العربية الاستفادة بشكل كبير من الظروف التي وفرتها تلك الدول وخاصة العلمية والأكاديمية، وعمل على تطوير خبراته ومعارفه، كما تأثر بتجربة العمل المدني المتقدمة في تلك الدول ومن هامش الحريات المتوفر.

وقد واجه هذا الشتات تحديان كبيران؛ تجلى الأول بالتخوف من ذوبان الهوية في المجتمعات المضيفة خاصة مع الاختلافات الثقافية والفكرية واللغوية فيها، والتحدي الثاني هو دور اللوبيات الصهيونية وما قامت به من قلب للحقائق وتشويهها عن القضية الفلسطينية، فاضطر الفلسطينيون لمواجهة هذا التضليل الإعلامي بالأدوات والوسائل نفسها من أجل التعريف بقضيتهم وتصحيح المفاهيم.

وقد أقام الفلسطينيون  في تلك الدول مجموعة كبيرة من المنظمات والمؤسسات الفلسطينية[78]، تخصص كل منها في جانب معين، فقامت هذه المؤسسات بالعديد من الأنشطة كالمؤتمرات والمظاهرات والوقفات الاحتجاجية ردًّا على الجرائم الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ونقلت المطالب السياسيّة الفلسطينية، خاصةً المتعلِّقة بحقّ العودة، وعملت بشكل  مستمر على إحياء الذكرى السنويّة لبعض الأحداث المفصلية كيوم النكبة ويوم الأرض، بالإضافة إلى تنظيم البرامج التثقيفيّة، وممارسة العمل الاجتماعي الموجه للجمهور الفلسطيني وغير الفلسطيني، والتعريف بالتراث الفلسطينيّ بأشكاله المتنوعة.

واستطاع العديد من الأكاديميّين الفلسطينيّين الوصول إلى مكانة مرموقة في مجالاتهم، فلم يكتفوا بكتابة الدراسات والأبحاث الفلسطينيّة فحسب، ولكنَّهم أصبحوا أيضاً متحدثين باسم القضية الفلسطينية، يشاركون بقوّة في صياغة حدودها وتوسيع نطاقها، مع العديد من المثقَّفين والفنّانين الفلسطينيّين الذين لعبوا الدور نفسَه في أوساطهم[79].

كما وخاض العديد من فلسطينيي الشتات غمار العمل الإعلامي والحقوقي، وأسسوا شبكة علاقات مع المنظمات والنشطاء الحقوقيين الأجانب، واستطاعوا الترويج لقضيتهم والتعريف بوجهة النظر المغايرة للرواية الإسرائيلية، مستفيدين من تطوُّر وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت التي استطاعت تجميع المجتمَعات الفلسطينيّة المبعثَرة، وتعميق طرق التواصل فيما بينها، وإسماع صوتهم في المجتمعات المضيفة.

2-2-8- تفعيل دور الداخل في الحفاظ على القضية متقدة:

كان للفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم وتشبثوا بها أثرٌ كبير في الحفاظ على القضية الفلسطينية حية في نفوس أبنائها، رغم أن الحياة في الداخل لم تكن سهلة أبداً، بل اكتنفتها الكثير من الصعوبات والتعقيدات، إلا أن إصرار فلسطينيي الداخل على الصمود والمواجهة كان الشعلة التي ألهبت حماس بقية الفلسطينيين في الشتات؛ فصورُ مواجهة الفلسطينيين العزَّل لآلات التجريف ورفضهم التنازل عن أراضيهم ظلت تتصدر الشاشات لسنوات طويلة.

كما أن مقاومة فلسطينيي الداخل للانتهاكات الإسرائيلية واحتجاجهم على مقتل عدد من الشباب عام 1987 أدت إلى اندلاع ما عرف بالانتفاضة الأولى أو انتفاضة الحجارة[80]، ثم وقوفهم في وجه اجتياح شارون عام 2000 لباحات المسجد الأقصى، والذي كان السبب وراء اندلاع الانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى”[81] التي استمرت قرابة 4 أعوام، والتي تفاعلت معها معظم الشعوب العربية والإسلامية بالدعم والتأييد.

وقد استمرت أساليب الاحتجاج الشعبي داخل فلسطين وتنوعت أشكالها، وظهرت العديد من التحديات الشعبية مثل المداومة على الصلاة في الحرم الإبراهيمي، أو المقاطعة الاقتصادية و”مقلوبة في الأقصى”[82]، بالإضافة إلى تنظيم مسيرات العودة[83]، والعمل على نشر الرعب وزعزعة الاستقرار في المجتمع الصهيوني من خلال إطلاق بعض البالونات الحرارية إلى الطرف الإسرائيلي بهدف إشعال الحرائق أو نشر الذعر[84]، أو تعليق الأفاعي[85]، أو استخدم انعكاس أشعة الشمس الحارقة عبر المرايا وتوجيهها إلى جنود الاحتلال، وتسليطها على جبهة جندي إسرائيلي حاول قمع حراكهم الاحتجاجي السلمي ضد الجدار والاستيطان.

2-3- تحديات العمل الشعبي:

لم يكن العمل الشعبي سهلاً ولا ميسراً، بل تعرّض خلال مسيرته للعديد من الصعوبات والمشاكل والتحديات، ومن أبرزها[86]:

  • تحدّي الاستمرار: ويُقصد بها ضمان استمرار العمل من أجل القضية بكافة أشكالها ومجالاتها، وعدم التوقف وإكمال البناء التراكمي، وتأمين التمويل اللازم.
  • تحدّي الاستيعاب: أي أن يستوعب العمل الشعبي كافة الشرائح على اختلاف توجهاتها السياسية وخلفياتها الثقافية، وأن يركّز على المبادئ الجامعة التي يتوافق عليها الجميع، والابتعاد عن عوامل الخلاف والمحاصصات والتحزبات.
  • تحدّي الإبداع والتكيُّف: ويُقصد به التفكير بأدوات ووسائل نضالية جديدة جاذبة تتناسب مع التطورات الاجتماعية والبيئات الجديدة، يمكن من خلالها جذب الفئات الشابة، وتلائم أدوات العصر الحديث.
  • تحدّي التعامل مع الانتكاسات السياسية: والحفاظ على روح الحماس، والإصرار على المتابعة، والتمسك بثوابت القضية رغم كل الظروف التي تضغط باتجاه تقديم تنازلات على حساب القضية.
  • تحدّيات إضافية، منها: التنافس مع برامج العدو في الساحات المختلفة، والأنظمة والقوانين الحاكمة في البلد الذي يكون فيه النشاط، وضعف الاستجابة في بعض الأحيان نتيجة تردّي أوضاع الناس عموماً وانشغالهم بسبل العيش.

وقد كان الإيمان بالقضية والوعي بمفرداتها عند قيادات العمل الشعبي الدافع الأبرز الذي ساعدهم على تجاوز الكثير من العقبات والتفرغ لخدمة القضية، وهو أمر لم يكن سهلاً؛ بل تطلب الكثير من العمل والتعب والمواظبة على دفع العجلة ومنعها من التوقف، وساعدت النجاحات المرحلية التي حققتها قيادات العمل الشعبي ومؤسساته لاحقاً بتذليل هذه الصعوبات، ولاسيما في مجال الحصول على الدعم، وأثمرت تشجيع المتبرعين على دعم وإنشاء مؤسسات جديدة في تلك المجالات[87].

2-4- دروس مستفادة من التجربة الفلسطينية:

لم تكن مسيرة العمل الشعبي الفلسطيني سهلة، ولم تحقق تلك النتائج إلا بعد عمل دؤوب امتد لعقود من الزمن وصبر طويل، وعند دراسة التجربة الفلسطينية بكافة نواحيها الإيجابية والسلبية والعثرات والعوائق التي تعرضت لها خلال دفاعها عن قضيتها يمكن أن نستنتج بعض الدروس المستفادة، ومنها:

الدروس المستفادة على نطاق إدارة العمل وضبط البوصلة:

كان لوجود المرجعية دور أساسي في حفظ القضية وضبط بوصلة حركتها؛ فقد استطاع الفلسطينيون إنتاج ثلاث مرجعيات أساسية كان لوجودها الأثر الكبير في تحريك القضية الفلسطينية وضبط بوصلتها، وهي:

  • المرجعية المبدئية: والتي استطاعت صياغة مصطلحات موحدة كوّنت شكلاً موحداً للقضية في الذهن الفلسطيني، وهي: ” الدولة، والعاصمة، وتقرير المصير، وحق العودة”.
  • المرجعية السياسية[88]: والتي ارتكزت على المرجعية المبدئية الأساسية كمنطلق لعملها السياسي.
  • المرجعية الشعبية: والتي قادت الحركة الاحتجاجية الشعبية وطورتها، وتحولت لاحقاً إلى مسار داعم للمرجعية السياسية يعمل على تزويدها بأوراق قوة.

الدروس المستفادة على المستوى السياسي:

  • نجح الفلسطينيون إلى حد ما في بناء حركة وطنية متعددة القوى تحمل القضية، لها مؤسسة سياسية تمثلها خارجياً وهي منظمة التحرير الفلسطينية، ولها ذراع عسكري يحمل فكرة المقاومة وينقلها من جيل إلى جيل، وقد استطاعت هذه المنظمة رغم الأخطاء والإخفاقات تحقيق العديد من الإنجازات، وتحويل القضية الفلسطينية إلى المستوى العالمي، وحفظتها من النسيان والاندثار.
  • استطاع الفلسطينيون تقديم رواية موحدة عن قضيتهم حول العالم، يصعب التشكيك بعدالتها أو التشويش على أحقية النضال من أجلها، وارتكزت على مشروعية نضالهم التحرري لاستعادة أراضيهم وحقوقهم المغتصبة، وركزت على الانتهاكات الإنسانية التي يتعرضون لها، وهو ما حوّل القضية إلى البُعد الدولي واستقطب العديد من المتضامنين، سواء من ناشطي حقوق الإنسان أو حتى الحركات النضالية والمنظمات الحقوقية.
  • أثبتت التجربة الفلسطينية أنه لا يمكن التعويل على العمل العسكري أو السياسي فقط من أجل نصرة القضية[89]، كما لا يمكن التعويل على العمل الثوري وحده؛ بل لابد من استخدام كافة الأدوات المتاحة وفق استراتيجيات واضحة يدعم أحدها الآخر، ويستثمر في مكتسباتها ويبني عليها[90].

الدروس المستفادة على المستوى الشعبي والمجتمعي:

  • أدرك الفلسطينيون أنه لا الإمكانيات الذاتية ولا الوضع الدولي يسمح بوصول الفلسطينيين لهدفهم وتحرير أرضهم، وأن الاستسلام للواقع يعني خسارتهم لكل حقوقهم وإلى الأبد، ولذا عليهم الحفاظ على حركة النضال وإحياء سُنّة التدافع مع العدو الصهيوني، خاصة أن المعركة معه ليست معركة سينتصر فيها طرف على طرف، وإنما هي معركة تسجيل نقاط وتحقيق مكاسب؛ لأن كلا الطرفين غير قادر على حسم المعركة حالياً.

وبالتالي فإن استمرار عجلة النضال وحركة التدافع والمشاغلة وتراكم إنجازاتها الجزئية والمرحلية، سواء أكانت على النطاق السياسي أو القانوني أو الشعبي أو حتى العسكري، سيسمح للفلسطينيين باقتناص أي فرصة تاريخية مستقبلية إن كان الوعي الشعبي حاضراً عند حدوث تلك الفرصة[91].

  • ركز الفلسطينيون على خلق حالة وعي مجتمعي حقيقية تجاه القضية وأحقيتها، من خلال استخدام أدوات متعددة وضمن مجالات مختلفة، وتطوير تلك الأدوات لتتناسب مع الشرائح المتنوعة والظروف المتغيرة، بهدف خلق حالة من البناء المجتمعي والسياسي تقوم على أسس العلم والمعرفة[92].
  • تشير التجربة الفلسطينية إلى ضرورة الانتباه إلى عدم حدوث فجوات وانقطاع خلال مسيرة العمل الشعبي القائمة على الحشد والتعبئة أو صناعة الكوادر، وذلك من خلال الدخول في معارك جانبية قد تضعف القضية[93]؛ إذ لابد من قراءة الأحداث السياسية بشكل عميق وتجنب تكثيف النضال في اتجاه واحد فقط.
  • ضرورة دعم الحراك الشعبي داخل الوطن؛ لأنه الوقود الذي يضمن استمرارية القضية وإعادة تجديدها وضمان حيويتها، كما لابد من تحقيق الترابط بين حراك الداخل وحراك الشتات ليكمل كل منهم ما بدأه الآخر.
  • الحذر من عملية تكبيل الوعي؛ وذلك من خلال ممارسات ممنهجة يمكن أن يقوم بها العدو، يجعل فيها التجاوب مع أي عمل نضالي يدعم القضية يتعارض مع المصالح الشخصية لأصحاب القضية. فعلى سبيل المثال: أدرك الاحتلال الصهيوني آثار التحركات الشعبية الفلسطينية الداخلية، خاصة بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، فأطلق مشروعاً تحت مسمى “مشروع السلام الاقتصادي”[94]، والذي حاول فيه مقايضة الحقوق السياسية بالحقوق الاقتصادية؛ فأطلق مجموعة مشاريع في الضفة الغربية، وفتح المجال لتمويل قروض مالية للشباب الفلسطيني بشروط بسيطة، في محاولة لاستغلال حاجتهم المالية وتكبيلهم بقيود اقتصادية تجعلهم رهائن، وتتطلب منهم الحرص على أعمالهم من أجل سداد تلك القروض[95]، فلم يعد هؤلاء الشباب قادرين على التجاوب مع القضايا النضالية أو المشاركة في الحراك الشعبي رغم إدراكه أهميته وأولويته، وهو ما انعكس مؤخراً بردود فعل أدنى مما هو متوقع في الضفة الغربية تجاه قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
  • استطاع الفلسطينيون العمل على تعزيز العلاقة بين مختلف المنظمات والجمعيات العاملة في المجال الشعبي في دول الشتات على مختلف انتماءاتها السياسية، والتشبيك بين أنشطتها، وذلك بالتركيز على القضايا الجامعة التي تتعلق بالانتماء للوطن والقضية، والابتعاد عن كل ما يشتت الصف وعن القضايا الخلافية، مع المحافظة على خصوصية كل جمعية ومنظمة ضمن هذه الشبكة[96].
  • أظهرت التجربة أن الأجيال الصغيرة التي شهدت الحدث أو المعاناة دون أن تشارك به أو تصنعه كانت القوة الدافعة التي ضمنت الاستمرارية لأي قضية، لاسيما إنْ تراكمَ الوعي بتلك القضية في وجدانها[97].
  • ساهمت عمليات النزوح الجماعي في إحياء القضية وحماية الهوية الفلسطينية من الذوبان في المجتمعات المضيفة، بينما واجه الفلسطينيون الذين انتقلوا إلى أوروبا أو أمريكا فرادى صعوبات كبيرة في المحافظة على هويتهم، وذابت الكثير من العائلات في مجتمعاتها الجديدة نتيجة غياب البيئة والمجتمعات المحلية الصغيرة في بلاد اللجوء.
  • أثمرت عمليات التعبئة الشعبية ربط الكثير من أبناء الشتات بوطنهم، وقد قام العديد منهم بعد حصوله على جنسيات أخرى أو تخرجه من الجامعات بالعودة إلى أرضه – رغم صعوبة الظروف فيها – والعمل على نقل خبراته ومعارفه تأكيداً لحقه في هذا الوطن ورغبةً في المساهمة في تطويره.
  • تأثرت الأجيال التي تربت في الشتات الغربي أو التي قدمت إليه لاحقاً بالبيئة الجديدة وما تحمله من قيم وعادات وأفكار، وكانت الأجيال اللاحقة التي ارتبطت بقضيتها أكثر قدرة على تفعيل الجوانب الإنسانية والحقوقية، وأكثر قدرة على التشبيك مع محيطها الجديد والتعريف بقضيتها.
  • لا يمكن التعويل على تفاعل كافة أطياف الشعب مع القضية بنفس النسبة، فهو أمر متعذر التحقيق، ولابد من الاستسلام لفكرة وجود شريحة ستلتفت لشؤونها الخاصة ولن تكون قادرة على الانخراط بأي عمل بشكل مباشر، إلا أنه لابد من الحفاظ على ارتباط هذه الفئة بوطنها، بل ودعمها في دول اللجوء لتنجح وتتقدم؛ فوجود أنصار للقضية ضمن المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية والفنية أمر ضروري لها، لأن هذه الشريحة مستقبلاً هي التي ستؤدي بعض الواجبات والمهام التي تتعلق بالصالح العام، كدعم التعليم أو تمويل بعض المشاريع المدنية لإعادة بناء وتطوير الوطن الذي غادرته.
  • من الخطأ ربط العمل الخيري بالعمل الشعبي التعبوي في مناسبة واحدة؛ لأنه سيشوّه العمل الشعبي ويحوّله إلى شكل من أشكال التجارة، كما أنه سيجعل المتلقي يأتي طمعاً في المكسب المادي، وهو ما سيؤثر سلباً على انتمائه لقضيته[98].

ثالثاً: هل شكلت الثورة السورية قضية في نفوس أبنائها؟

وبالعودة إلى مفهوم القضية الذي ناقشناه في القسم الأول من الدراسة نجد أن الواقع السوري الحالي وتداعيات الثورة وما خلّفته من مشاكل اجتماعية وسياسية متشعبة ومعقدة؛ تصلح أن تتحول من مشكلة محلية إلى قضية وطنية جامعة إن استطاعت أن تنغرس بعمق في وعي الشعب السوري وتترسخ فيه وترتبط بشخصيته بشكل كبير، وهو ما لم يحدث بعدُ بحسب ما أشار إليه الخبراء.

فقد شكلت شعارات الثورة السورية – في سنتها الأولى – إطاراً جامعاً لفئة كبيرة من الشعب السوري خرجت إلى الساحات معلنة عن مطالبها، وتمكنت بإمكانيات بسيطة من أن تنتشر على مساحة واسعة من الأراضي السورية، بينما وعلى الضفة المقابلة أعلن قسم من السوريين تأييده المطلق للنظام، فيما التزمت شرائح أخرى الصمت لأسباب متنوعة.

وبالعودة إلى أسماء أيام الجُمَع التي استخدمها السوريون في العام الأول[99] نجد هذه الأسماء إحدى الأدوات المهمة التي قاموا من خلالها بإيصال رسائل لعموم الثوار أولاً، ولبقية أطياف السوريين ولوسائل الإعلام والجهات الخارجية ثانياً؛ فقد حملت هذه الأسماء في عمومها في العام الأول رسائل أخلاقية جامعة[100].

كما تبنّى السوريون منذ اللحظات الأولى لانطلاق الثورة شعارات واضحة حملت العديد من الرسائل، والتي تلخصت في عدة كلمات، ومنها: “الشعب السوري ما بينذل”، ثم “الله سوريا حرية وبس”، “الموت ولا المذلة”. ومع الامتداد الأفقي للحراك بدأت الشعارات تكرس شكلاً أوضح من التعاضد الاجتماعي واللحمة الوطنية، جسدها شعار “واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد”[101].

ولم يكتفِ السوريون بالشعارات؛ بل قدموا الكرنفالات والاحتفاليات والمسائيات الثورية التي كانت تتسم بانتظام مدروس لحركة الجسد هو تسونامي الأجساد، كما حولوا تشييع الشهداء إلى طقوس احتفال وتقدير رفعوا فيها الشعارات بشكل يشير إلى أن لغة بعض شعارات الثورة تسعى إلى تجاوز الثورة للوصول إلى ما هو دائم ومستمر في الناس، أي تجاوز الجوهر السياسي للشعار السياسي إلى جوهر إنساني، الأمر الذي يكشف أن الثورة السورية هي ثورة إنسانية بالدرجة الأولى، قبل أن تكون ثورة سياسية واجتماعية[102].

وبالعودة إلى هذه الشعارات والمطالب نجد أن معظم مطالب الثورة السورية تركزت حول مجموعة محاور، وهي: “الحرية والكرامة والعدالة “، فعندما طالب السوريون بالحرية كان ذلك تصريحاً منهم برفض كل الممارسات والسياسات والقوانين التي تمسّ حرياتهم، سواء كانت الحرية السياسية أو الفكرية أو الدينية أو غيرها، وعندما تحدثوا عن العدالة كانوا يقصدون إيقاف الاعتقالات التعسفية أو التعذيب وضبط تلك الممارسات بأوامر قضائية واضحة تستند على بنود معلومة من القانون، وإيقاف كل أشكال التمييز على أساس العرق أو الطائفة أو الولاء السياسي، وجعل جميع أفراد المجتمع متساوين أمام القانون، وقد شكلت هذه المطالب والشعارات جملة من المطالب العادلة التي لم يستطع أحد إنكارها أو الاعتراض عليها حتى بين الفئات التي لم تنخرط في الثورة؛ نظراً لأنها مبادئ إنسانية جامعة، بل نالت قبولاً ودعماً من العديد من الدول والشعوب، وحققت بذلك مشروعية داخلية وخارجية.

وقد حاول السوريون إعادة صياغة هذه الشعارات والمطالب وتحويلها إلى مبادئ واضحة للثورة تجلت بأوضح صورة في المبادئ الخمسة التي صدرت برعاية المجلس الإسلامي السوري، والتي توافق عليها جمهور واسع من مختلف الأطياف الثورية، ونصت على[103]:

  1. إسقاط بشار الأسد وكافة أركان نظامه، وتقديمهم للمحاكمة العادلة.
  2.  تفكيك أجهزة القمع الاستخباراتية والعسكرية، وبناء أجهزة أمنية وعسكرية على أسس وطنية نزيهة، مع المحافظة على مؤسسات الدولة الأخرى.
  3. خروج كافة القوى الأجنبية والطائفية والإرهابية من سـوريا، ممثلة بالحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، وميليشيا أبي الفضل العباس، وتنظيم الدولة.
  4.  الحفاظ على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا واستقلالها وسيادتها وهويـة شعبها.
  5. رفض المحاصصة السياسية والطائفية.

وبالنظر في هذه المبادئ[104] نجد أنها ركزت على عملية تغيير سياسي، تقوم على إقرار مبادئ العدالة ومحاسبة المجرمين، وإعادة حرية المواطن وكرامته بإزالة كافة الأجهزة الأمنية التي كانت تمتهن حريته وكرامته، والحفاظ على بنية الدولة، وتحقيق العدالة بين جميع المكونات السورية بغض النظر عن انتماءاتها الفرعية.

إلا أن اختلاف الظروف السياسية والعسكرية ودخول جماعات الغلو المتطرفة (كجبهة النصرة، وتنظيم داعش) بمشاريعها العابرة للحدود على خط الصراع، وهيمنة المشهد العسكري شوّش صورة الثورة وشعاراتها ومبادئها لحد كبير، ومكّن نظام الأسد من الترويج لرواياته حول قيامه بمكافحة الجماعات الإرهابية المتطرفة، الأمر الذي انعكس على الصورة الخارجية للثورة في العالمين العربي والإسلامي، كما ساهمت التغطية الإعلامية الأجنبية التي ركزت على تلك الجماعات المتطرفة ومشاريعها في تصوير طرفي النزاع وكأنهم متكافئان من ناحية التجاوزات والمسؤولية عن الكارثة، وإغفال الأغلبية المعتدلة التي طالبت بحقوقها المشروعة .

وعلى الرغم من أن العديد من العوامل الخارجية ساهمت في تغيير المشهد السوري ودعم طرف على حساب طرف آخر إلا أن أصل المشكلة السورية لم يُحل، ولم تتمكن المعطيات الجديدة وما فرضته التغيرات العسكرية على الأرض التي مكّنت نظام الأسد من توسيع سلطته على رقعة أوسع من إقناع السوريين بأن الأمور عادت لسابق عهدها، أو إجبار المعارضين التخلي عن مطالبهم الأساسية والاستسلام للواقع المفروض.

وبالتالي لا تزال المطالب الأساسية التي قامت بالثورة والتي رفعها السوريون منذ الأيام الأولى للثورة موجودة، ولم يتحقق منها شيء يذكر على أرض الواقع السورية، ولا تزال أسباب الصراع السوري قائمة، بل تفاقمت بشكل أوضح، وما زالت هذه المشكلة العامة حاضرة وقابلة للاشتعال إن أتيحت لها الظروف المواتية، وهذا يعني أن الحالة السورية – على اختلاف توصيفاتها- يمكن تحويلها إلى قضية وطنية في نفوس أبنائها؛ وذلك بتذليل العوائق التي تقف في وجه هذا التحول، ثم تكثيف الجهود لخلق حالة إجماع عند جميع مكونات الشعب السوري-  بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية – حول مطالب هذه القضية، وهو أمر لم يحصل حتى الآن.

3-1 معوّقات تحوُّل مبادئ الثورة وشعاراتها إلى قضية وطنية:

استطاعت شعارات الثورة ومطالبها أن تستقطب شرائح واسعة من السوريين مع تباين خلفياتهم، فانضموا إلى صفوفها، إلا أنه ومع مرور الوقت لم يستطع الثوار السوريون استقطاب شرائح جديدة، سواء من المؤيدين لنظام الأسد أو الرماديين[105]؛ وذلك لأنهم لم يكونوا قادرين على الترويج لهذه المبادئ والحفاظ على شرعيتها وإبقائها واضحة في الأذهان، وذلك لمجموعة من العوائق، أهمها:

3-1-1- غياب السردية الموحدة في توصيف الوضع السوري ومطالبه:

أدت التغيرات التي حدثت في المشهد السوري ودخول أطراف مؤثرة إقليمياً إلى تشتت صورة الثورة السورية وتشويهها، والتسبب في انقسام أفرادها، بل وصراعهم حول ما يريدون وحول ماهية تصوراتهم لمستقبل البلاد وشكل الدولة[106].

وانقسم السوريون بين  مَن يرى الثورة لا تزال نضال شعب طالب بحقوقه ضد  نظام مستبد حرمه منها وقيّده ودمّر المدن فوق رأسه، ومَن يرى أن الثورة انحرفت عن مطالبها من المشروع الوطني إلى مشاريع جزئية لها أجندات خارجية، بينما اعتبرت مجموعات أخرى أن الثورة تحولت لشكل من أشكال الحرب الأهلية أو الطائفية الهدف منها الانتقام والتركيع، ومَن يراها تحولت إلى ساحة لتصفية صراعات إقليمية، وتحول أفرادها لأدوات يخوضون حرباً بالوكالة، وانعكس هذا الاختلاف والتشتت في توصيف ما يريده السوريون على صورة القضية السورية في ذهن المتابع السوري وغير السوري، وأضعف التعاطف معها[107].

3-1-2- حُمَّى التصنيفات:

استطاعت الثورة السورية في شهورها الأولى أن تجمع شرائح واسعة من السوريين من مختلف الطوائف والأعراق والمذاهب على مواقف متقاربة[108]، تجاوزت كل الانقسامات الفرعية التي دأب نظام الأسد على تعزيزها، فكانت المظاهرات تلتهب تباعاً لنصرة مدينة أو محافظة تتعرض لقصف أو مجزرة أو انتهاكات.

إلا أن هذا الهوية الوطنية بدأت تضعف مع ظهور ميل واضح نحو التصنيف، بدأ بتصنيفات من نوع (ثوّار، مؤيدين، رماديين، شبّيحة)، ثم انتقل إلى حاضنة الثورة ليفتتها ما بين (إسلاميين، علمانيين)، (ثوّار، فصائل، سياسيين)، (أهل الداخل، معارضة الخارج)، (جيش حر، فصائل إسلامية، إخوة المنهج)، …. إلخ.

وقد كانت هذه التصنيفات عاملاً أساسياً من عوامل الانقسام خاصة على الصعيد السياسي؛ إذ أفشل قابلية مخاطبة السوريين بخطاب واحد، ودفع الكثيرين إلى التسرع بكيل الاتهامات بالارتهان والعمالة والتخوين، والانسياق للإشاعات، وتهديم المشاريع والشخصيات السياسية التي طلب منها أن تكون مثالية عديمة الخطأ رغم أنها تفتقر للتجربة وتخوض واقعاً شديد التداخل والتعقيد[109].

3-1-3- الفشل في تطبيق النموذج العملي:

على الرغم من التوافق والتلاحم حول مبادئ الثورة الجامعة إلا أن المعارضة السورية السياسية والعسكرية فشلت في تنزيل المبادئ التي قامت عليها الثورة وبذلت من أجلها التضحيات إلى أرض الواقع، وفي إدخالها حيز التطبيق خاصة عندما تهيأت الظروف المناسبة وتحررت أجزاء واسعة من سيطرة نظام الأسد، وترجع أسباب الفشل في تقديم النموذج العملي للبديل الذي يريده السوريون إلى الأسباب الآتية[110]:

1-أسباب اجتماعية:

  • انحسار الجيل الأول الذي قامت على عاتقه الثورة والمؤمن بأهدافها نتيجة سياسات الاعتقال والملاحقة والقتل والاستهداف، ودخول شرائح جديدة إلى خط الثورة العام لم تملك الإيمان المطلق بمبادئ الثورة، وإنما اعتبرتها فرصة لتحقيق بعض المكاسب.
  •  انعدام الخبرة والافتقار إلى التجربة العملية في ميدان العمل المجتمعي نتيجة التغييب المتعمد للقيادات المجتمعية والسياسية السورية والتضييق على أي حراك ناشئ مؤثر، بالإضافة إلى عدم وجود قنوات عمل سابقة تجمع جهود السوريين[111].
  • ضعف الشعور بالهوية الوطنية الجامعة، واللجوء إلى انتماءات فرعية أصغر للحصول على الحماية أو للحفاظ على المكاسب، وهو ما يعتبر نتاجاً لسياسات نظام الأسد القائمة على التهميش وإذكاء الخلافات القومية والطائفية والمناطقية.
  • التغييرات التي طرأت على الشخصية السورية خلال نصف قرن من حكم آل الأسد، والتي خربت منظومة القيم الناظمة لها، وحولت طيفاً واسعاً من الشعب السوري إلى حالة من الأنانية والانتهازية واستغلال الفرص، وغيبت عنده مفهوم الكرم والتضحية وتغليب الصالح العام.
  • الانفصال بين القيادات -بكافة أشكالها السياسية والمدنية والثورية – والحاضنة الاجتماعية، وغياب الشخصيات الكارزمية التي تملك الروح المحفزة للجماهير[112]، وغياب حضور القضية عند الكثير من النخب الاجتماعية[113] والدينية[114] في دول اللجوء، فلم تستطع تلك القيادات أن تخلق صلة مباشرة مع هذه الحاضنة، أو أن تلتحم مع الشعب وتعيش معاناته.
  • حالة اليأس والإحباط التي طالت المشهد السوري، وما رافقها من حرب نفسية ممنهجة شنّها نظام الأسد وداعموه، وحالة الضرر التي طالت الحاضنة الثورية التي تعرضت للقتل والاستهداف والقصف والتهجير والاعتقال، والتي زعزعت استقرار الكثير من العائلات وشغلتهم في السعي لتأمين احتياجاتهم الأساسية.

2- أسباب عسكرية:

  • تنامي حالة الفصائلية، والتي حملت مشاريعها الخاصة، وارتهنت للجهات الداعمة في محاولة للهيمنة على المشروع الثوري، فرفع بعضها شعارات أخرى كإقامة الخلافة الإسلامية أو محاربة الديمقراطية، بالإضافة إلى سيطرة الجماعات المتطرفة التي حاولت طمس الأصوات الثورية وملاحقتها أو اغتيالها.
  • الانتهاكات التي قامت بها بعض الفصائل وبعض الشخصيات المحسوبة على الثورة، خاصة في مجال الحريات، ومحاولة فرض سلطتها بالإكراه، متناسيةً مسؤوليته الأساسية في الدفاع عن الأرض.
  • ظهور تنظيمات الغلو وخطاب منظّريها وما تسببت به من تشويش في فكر المجتمع، من خلال الترويج لمناهجها التكفيرية وسياساتها القائمة على اغتيال الشخصيات المؤثرة، وإنهاء الفصائل التي كانت تشكل رقماً صعباً.

3- أسباب سياسية:

  • ضعف الخبرة في مجال العمل السياسي، وقصور الرؤية عن إدراك احتياجات المرحلة[115]، والافتقار إلى آليات العمل المؤسسي، وغياب الوعي بقواعد حركة التاريخ وتغيير المجتمعات، والتعامل مع الأحداث بسطحية وتسرُّع[116].
  • ظهور المحاصصات بين النخب والتكتلات السياسية والحزبية نتيجة لحالة وهم الانتصار السريع، وهو ما تسبب أيضاً بنمو واضح للأدلجة والتحزبات القائمة على أساس فكري على حساب الانتماءات الوطنية.
  • تشتت القوى السورية وعدم قدرتها على بناء الحد الأدنى من التوافقات الداخلية، أو الانتظام في عمل جماعي منضبط، أو ظهور تيار رئيسي أو نواة صلبة ممثلة للثورة، بالإضافة إلى غياب الثقة فيما بينها، والدخول في معارك وصراعات جانبية، إلى جانب ارتهان بعض منها لبعض الجهات الدولية ذات المصالح المتناقضة.
  • اللجوء إلى سياسة المزاودات والمناكفات السياسية عند عدد من العاملين في المجال السياسي، ودخولهم في معارك جانبية وتصفية حسابات سياسية، وهو ما أشغلهم عن قضيتهم الأم؛ فكثيراً ما كانت تُوضع العراقيل وتُرفض بعض المبادرات دون وجود أسباب جوهرية تستدعي الرفض، وإنما هو نوع من المزاودة والرغبة في الظهور، والرفض أن يكون بعضهم جزءاً في مشروع الآخر[117].

4- أسباب إدارية:

  • التخبُّط في تطبيق مفهوم الحريات والديمقراطية؛ لغياب فهم هذه الثقافة وغياب التجربة السابقة، وغياب فكرة احترام السلطات أو الخضوع للفكر المؤسساتي، والعمل على احتكار الإدارة والتركيز على الفردية[118].
  • طغيان الخطاب الطائفي على بعض أشكال الحراك الثوري والمسلح، وهو ما استغله النظام لتحويل الأنظار عن صورة الشعب الذي يطالب بحقوقه إلى صورة حرب أهلية وصراع طائفي مذهبي.
  • لم تحسن العديد من الجهات السورية السياسية والعسكرية الاستفادة من الدعم المقدم للسوريين -سواء المادي أو السياسي- في بداية الثورة من أجل تعزيز قضيتها، بل تحولت لحالة من الارتهان لأجندات الداعمين، وهو ما عزّز عوامل الفرقة الداخلية والخلاف، وأدى لاحقاً لحدوث خلافات داخلية في الأجسام السياسية، أو حدوث اقتتال داخلي أضعف بنية المناطق المحررة وهزّ ثقة الحاضنة الشعبية بالكيانات الموجودة.
  • تكرار العديد من السلوكيات الخاطئة في إدارة المناطق المحررة كالرشوة والمحسوبيات، وتجاوز القوانين، واللجوء للقوة، وغياب المحاسبة والشفافية، وغياب مفهوم حفظ كرامة المواطن أو مبدأ تكافؤ الفرص؛ الأمر الذي قدّم نموذجاً مقارباً لصورة نظام الأسد، وليس نموذجاً بديلاً عنه.
  • الفشل في مأسسة العمل الثوري التعبوي رغم النجاح في مأسسة العمل الإغاثي؛ فلم تستطع المنظمات السورية على كثرة عددها وسعة انتشارها أن تُولي موضوع التعبئة الشعبية الأهمية، أو أن تفرز له جهات متخصصة متفرغة تشرف عليه[119].

5- أسباب إعلامية:

  • تغليب صورة اللجوء والحالة الإنسانية على أهداف الثورة الحقيقية؛ بحيث اختُزل المشهد السوري بصور البيوت المدمرة والأشلاء والجثث ومعاناة الأطفال والنساء والمهجرين في المخيمات أو خلال رحلات اللجوء، في وقت كان المفترض أن يركز المشهد العام للثورة على المفاهيم والقيم والبرامج السياسية التي يناضل من أجلها الشعب السوري، والتركيز على مطالب التغيير.
  • الفشل في تكوين مؤسسات إعلامية مستقلة موجهة لغير السوريين، تقوم بالتسويق والتوضيح ونقل حقيقة ما يجري في سوريا للعالم الإسلامي والعربي والدول الأجنبية، وترك مسؤولية نقل الأخبار والحقائق لمؤسسات إعلامية لها أجندات مختلفة، وهو ما شوّش النظرة على حقيقة ما يحدث في سوريا، وروّج لفكرة أنها حرب على الإرهاب أو حالة تمرّد على السلطة الشرعية.

وقد أثرت الأسباب السابقة في صورة الثورة حتى في عقول أبنائها، وتسببت بحالة من الخلط ووسم الثورة بالفشل أو العجز، دون إدراك أن تطبيق مبادئ وشعارات الثورة وتحويلها إلى ثقافة عامة يحتاج إلى تكتيك مرحلي واستراتيجي، ولا يمكن النجاح به من المحاولة الأولى، وهذه سمة موجودة في العديد من الثورات المشابهة.

رابعاً: توصيات لتحويل مبادئ وشعارات الثورة السورية إلى قضية:

مما سبق يبدو واضحاً أن لكل تجربة من تجارب الشعوب ظروفها وخصوصيتها، إلا أنه من الضرورة بمكان دراسة تلك التجارب واستخلاص العبر منها، والاستفادة من أدواتها وتطويرها، واستخلاص الدروس ومنع تكرار الأخطاء، لاسيما وأن العديد من هذه التجارب تكللت جهودها بالنجاح رغم تعرضها لإخفاقات وانتكاسات مرحلية.

وبناء على هذا وعلى ما قدمه الخبراء السوريون والفلسطينيون يمكن تلخيص أهم التوصيات التي تمكّن السوريين من تعميق التغييرات الفكرية والاجتماعية التي شكّلتها الثورة السورية في الوعي الجمعي الشعبي بما يلي:

على المستوى الداخلي:

  • التوافق على التوصيفات والمصطلحات والتعريفات وضبطها[120]، والاتفاق على سردية واحدة ترسم ملامح القضية السورية ومطالب شعبها، وذلك من خلال إطلاق ندوات ونقاشات دورية تشمل السوريين من مختلف الشرائح تقوم عليها مجموعة من المؤسسات، بهدف الوصول إلى خطوط عامة حول توصيف الواقع والمصطلحات التي تدل عليه، والالتزام بتلك التي تشكّل محل إجماع وتوافق داخلي، والتركيز عليها في كافة الخطابات الداخلية والسياسية[121].
  • صياغة رواية للحدث السوري تتوافق مع المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، واستخدامها لمخاطبة المجتمع الدولي بشكل يدفعه للتحرك عبر مؤسساته الاختصاصية[122].
  • إطلاق حوار سوري – سوري يهدف إلى مناقشة المرحلة السابقة[123] والاعتراف بأخطائها، واستخلاص الدروس والعبر، بالإضافة إلى مناقشة المواضيع محل الخلاف والعمل على إعادة بناء الثقة، والتخفيف من حالة التشرذم والتفرق وصراع المشاريع.
  • التخلّص من ثنائية الداخل والخارج وتعزيز التواصل والتشبيك بين حراك الداخل السوري وحراك السوريين في الشتات، من خلال لقاءات دورية -فيزيائية أو افتراضية- تهدف إلى إطلاع كل طرف على ما يقوم به الآخر ودوره في تعزيز الموقف السياسي والثوري واستثماره.
  • الحفاظ على الكتلة الحية التي لا تزال متمسكة بالثورة ومؤمنة بها في الداخل السوري، ومدّها بكل ما يلزم للبقاء والصمود نفسياً وجسدياً، والعمل على تحسين ظروف معيشية بما يضمن لها الكرامة، والعمل على تأطير قياداتها المجتمعية في مؤسسات متخصصة، وتزويدها بكل الأدوات والخبرات التي تتيح لها أداء واجبها على أكمل وجه.
  • العمل على إنجاح النموذج العملي في مناطق سيطرة المعارضة، والدفع باتجاه إيقاف التجاوزات المتعلقة بالحريات وكرامة المواطنين، والعمل على تعزيز سلطة القضاء وحمايته من الرشوة والفساد، وتدارك الأخطاء التي أدت إلى تشويه النموذج البديل الذي انتظره وينتظره السوريون.
  • توجيه المؤسسات التعليمية والجامعات في الداخل إلى إصدار منهاج رسمي يتحدث عن القضية السورية من كافة جوانبها الإنسانية والاجتماعية والسياسية والحقوقية، واعتماده كأحد المقررات الأساسية المطلوبة للنجاح أو التخرج.

على المستوى السياسي:

  • إجراء مراجعات ذاتية للفترة السابقة على كافة الأصعدة، والعمل على تدارك الأخطاء وأخذ الدروس والعبر، وعدم التعويل على موقف دولة بعينها أو تلقّي الدعم الوحيد منها، والتوقف عن جلد الذات وشيطنة الآخرين وتوجيه التهم الجاهزة، وافتعال المعارك الداخلية، وتوجيه كل طاقة الغضب والألم باتجاه العدو.
  • العمل على استبعاد الشخصيات السياسية والعسكرية التي كان لها دور في إفشال الثورة وخسارتها، والعمل على مشاريع إعداد قيادات عسكرية ومجتمعية وسياسية قادرة على إدارة المرحلة القادمة، تمتلك الخبرة العلمية والعملية والوعي المطلوب في تخصصات ذات صلة، للتعاطي مع الواقع ووضع استراتيجيات للنهوض به وتحقيق جزء من تطلعات الشعب السوري، وتستطيع أن تلتحم بالحاضنة الشعبية وتتواصل معها بشكل دوري.
  • إنتاج تقارير دورية لتقييم الوضع العام للثورة شعبياً وسياسياً بناءً على معطيات الواقع، ودراسة كافة السيناريوهات المتوقعة، وإعداد أهداف مرحلية تتوافق مع كل منها وفق الإمكانيات المتاحة.

تعزيز دور الشتات السوري:

  • الاستفادة من حالة اللجوء التي نقلت أعداداً كبيرة من السوريين إلى مختلف دول العالم، وهي نقطة قوة إضافة يمكن لها أن تسرع عملية إنضاج الوعي المجتمعي؛ نظراً لاختلاطهم ببيئات منفتحة، ولقدرتهم على الاندماج السريع في مجتمعات اللجوء[124]، وما توفره لهم هذه البيئة الجديدة من فرصة للتعلم من التجارب الموجودة واكتساب الخبرات الضرورية، والاستعداد والتأهيل لخوص معركة التحرر طويلة الأمد، مع الانتباه إلى أن هذا الانتشار قد يسبب في الوقت  نفسه تفاوتاً في  نظرتهم وفهمهم للأمور، خاصة بين المقيمين في بلاد ديمقراطية والمقيمين في بلاد تعيش تحت أنظمة استبدادية.
  • دعم وتهيئة الكوادر في الشتات التي تؤمن بالقضية وتعيشها، وتدريبها وإعدادها وتزويدها بالأدوات والتدريبات الأكاديمية التي تساعدها في التأثير الإعلامي أو الشعبي في مجتمعات اللجوء والمجتمعات المضيفة.
  • الاستفادة من الخبرات غير السورية المتاحة في بلاد اللجوء، سواء على نطاق تدريب الكوادر أو على نطاق تعزيز الوعي والاستعداد أو على نطاق فهم الواقع السياسي والدولي بشكل متكامل، خاصة في المجالات الجديدة والمؤثرة.
  • التنويع في الأدوات التي تتناسب مع الشرائح المختلفة[125]، ودراسة التحولات الفكرية والنفسية التي طرأت على الجيل الذي شهد الثورة في الداخل والخارج، ومحاولة فهمها واستيعابها، واعتماد لغة خطاب ومشاريع تتناسب مع هذه التغيرات.
  • التنسيق مع قيادات ثورات الربيع العربي، والعمل على استثمار أي حراك شعبي في دول الجوار ودعمه ومساندته، والتشبيك والتنسيق مع مؤسساته، وتبادل الخبرات والتعلم من التجارب، ودعم أنشطته والمشاركة فيها[126].
  • الحشد الداخلي والخارجي تجاه الأحداث المهمة، خاصة مع سقوط شهداء أو خروج معتقلين، والاحتفاء بهم وإظهار الدعم والتعاطف معهم.

توصيات لمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني:

  • ضرورة الانتقال بالعمل الشعبي التعبوي من الشكل الفردي إلى الشكل المؤسساتي، وإعداد مشاريع عمل مبنية على استراتيجية واضحة وعلى تخطيط دقيق تهتم بكافة الشرائح الاجتماعية، وإعادة صياغة خطاب شعبي يقوم على بثّ روح التفاؤل والأمل والتحدي والتحفيز للعمل.
  • الانتباه إلى ضرورة استمرارية العمل الشعبي التعبوي وحمايته من الانقطاع أو حدوث فجوات، والحرص على عملية تراكم الجهود لإحداث الوعي، وتشجيع روح المبادرة الفردية ودعم مشاريعها، والتأكيد على قدسية فكرة المقاومة الشعبية وأهميتها في الحفاظ على القضية حية في أذهان الشعوب.
  • توجيه المؤسسة الدينية السورية إلى ضرورة تناول القضية السورية في الخطاب الديني بشكل أعمق وأكثر مباشرة، وإقامة خطب الجمعة -خاصة في دول الشتات- ودروس دورية مصورة تتناول القضية بمختلف أبعادها السياسية والثورية والإنسانية، وتعلق على الحدث الحالي وتستثمره، وتعزز ثوابت الثورة في النفوس.
  • دعم الحراك الجامعي الطلابي وتوسيعه داخل وخارج سوريا، وتأهيل كوادره بالخبرات والمهارات اللازمة، وفتح مجالات العمل الشعبي المباشر له على الأرض لإكسابه الخبرة العملية.
  • تشجيع الموهوبين والشعراء والكتّاب والقصّاصين والمعتقلين على التعبير عن مشاعرهم وعن الحدث، ودعم إنتاجهم وطباعته، وخاصة الإنتاج الشعري والأدبي وأدب السجون، وإقامة المسابقات والفعاليات الخاصة بذلك.
  • خلق الرمزيات المادية التي تدل على الانتماء للوطن والقضية، والعمل على ترميز المؤسسات والكيانات وقيم الثورة.
  • التشبيك وبناء العلاقات مع المنظمات والمؤسسات الصديقة، خاصة العاملة في مجال حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية، والاستثمار في الديبلوماسية الإنسانية.
  • الاهتمام بالتراث السوري بكافة أشكاله المادية وغير المادية، وتحويل بعض أنماط التراث إلى مشاريع تجارية تعزز الهوية عند السوريين في الشتات.
  • إقامة ورشات عمل وورشات حوارية سورية فلسطينية، تضم قيادات العمل المدني من الطرفين للتباحث حول تحديات العمل الشعبي، والاستفادة من التجارب الميدانية والخبرات المتراكمة.

على المستوى الإعلامي:

  • إعادة هيكلة وضبط المؤسسات الإعلامية الثورية، وتأهيل الكوادر بشكل اختصاصي، ولاسيما فيما يتعلق بوسائل التأثير على الجمهور وتشكيل الرأي العام، والانتباه إلى الفروق بين الخطاب الداخلي التعبوي والخطاب الموجه للخارج.
  • إعادة صياغة الخطاب الإعلامي بشكل يركز على مبادئ الثورة وأهدافها ومطالبها، ويسعى لتعميق مفاهيم حب الوطن، وبثّ الأمل بالقدرة على التغيير، والتركيز على إحياء روح التحدي ورفض الاستسلام، والابتعاد عن خطاب الألم والمعاناة والمأساة؛ لأنه يعزّز اليأس والحزن الذي يعيق عن المتابعة، والانتباه إلى عدم الدخول في الاختلافات السياسية، والعمل على الترويج للمصطلحات التوافقية التي لا يمكن أن يرفضها أحد.
  • إقامة مشاريع تعليمية موجهة لأطفال الشتات تركز على تعليم اللغة العربية وتعريفهم بوطنهم وتاريخه وحضارته، والعمل على تحقيق الربط العاطفي وتعميق الانتماء له.
  • إقامة مؤسسات فنية مختصة في العمل الفني التعبوي الموجه لكافة الشرائح، واستقطاب الفنانين والموهوبين والمبدعين ودعمهم وتمويل مشاريعهم، وإنشاء منصات تعرض إبداعهم وتنشره.
  • توثيق تاريخ الثورة بكافة تفاصيله، والتركيز على قصص الشهداء وسير حياتهم قبل استشهادهم والمعارك التي خاضوها وشهادات أصدقائهم، بالإضافة إلى توثيق القصص المحفزة كقصص البذل والعطاء التي تنبع من مبادئ الثورة.
  • تسليط الضوء على العديد من الأكاديميين والمختصين وعلى دراساتهم وأبحاثهم، وتقديمهم كمتحدثين باسم القضية السورية.
  • العمل على إنتاج أفلام وثائقية ودرامية تصور الحالة السورية من منظور إنساني، وتسعى إلى توثيق الحدث ونقله من خلال شخصيات فنية.
  • إطلاق مشروع للتوثيق الشفهي، الذي يعمل على جمع الروايات المختلفة عن حدث معين بلسان مَن شهدوه أو عاصروه أو سمعوا عنه.
  • إنشاء مركز للتوثيق الوطني مهمته جمع المواد المرئية الإعلامية والعسكرية والفيديوهات التي صوّرها النشطاء، والتي وثقت لسنوات الثورة الأولى أو لأحداث مهمة أو لسيرة حياة بعض الشخصيات الثورية والعسكرية التي كان لها أثر واضح في دعم الثورة واستمرارها، مع مراعاة خصوصية بعض المعلومات وضمان سلامة مصادرها.

 

المصادر والمراجع:

[1] لماذا ترتدّ الشعوب؟ وائل عادل، موقع الجزيرة نت، تاريخ النشر 29/8/2016، https://bit.ly/2X8neIV
[2] المصدر السابق.
[3] كتاب ” في الثورة والقابلية للثورة”، د عزمي بشارة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012، الصفحة 73.
[4] استخدمنا في هذه الورقة مصطلح الحالة السورية: للتعبير عن عموم المشهد السوري العام بأبعاده السياسية والثورية والاجتماعية، دون الدخول في إشكالية التوصيفات المتنازع عليها بين ثورة وانتفاضة وحرب أهلية وأزمة وغيرها.
[5] قام فريق البحث بإجراء 8 مقابلات مع عدد من الخبراء السوريين؛ بينهم أربعة أكاديميين وأربعة نشطاء سياسيين وثوريين متابعين للوضع السوري، بالإضافة إلى 12 مقابلة مع خبراء فلسطينيين؛ بينهم 6 أكاديميين فلسطينيين يقيمون في الخارج قضى معظمهم وقتاً طويلاً في سوريا، وباحثان ومفكرون وأربعة من قيادات العمل الشعبي والمجتمعي.
[6] يُعرف العمل المجتمعي المتعلق بتعزيز القضية الفلسطينية بين جموع الفلسطينيين باسم العمل الشعبي، وقد أُسست له العديد من المكاتب تحت نفس الاسم.
[7] المعجم الوسيط، https://bit.ly/3jf6YyP
[8] الفلسطيني من القضية إلى المشكلة، أرشيف نشرة فلسطين اليوم: تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، https://bit.ly/2M3mUF5
[9]  لا يُشترط بالمشكلات العامة أن تحظى بإجماع وتأييد لجميع أفراد المجتمع وإقرار بوجودها؛ فهذا يتعلق بعوامل كثيرة ترتبط بالشخصية والخلفية العلمية والثقافية والسياسية والاجتماعية والقيم والعقائد التي يتبنونها.
المصدر: كتاب النظم السياسية الحديثة والسياسات العامة، دراسة معاصرة في استراتيجية إدارة السلطة، د. ثامر الخزرجي، 2004، ص 163-164
[10] ضرب هذا الخبير مثالاً عن الحالة الفلسطينية: فمع وجود ملايين من اللاجئين الفلسطينيين حول العالم، ومثلهم داخل فلسطين: هل تستطيع أي مجموعة فيما لو قررت التخلي عن حقوقها أو إنهاء القضية الفلسطينية التأثير على الجموع وإقناعهم بالتخلي عن قضيتهم؟ هل تملك الإجابة عن السؤال الأزلي الذي حُفر في عقولهم: فلسطين للفلسطيني أم للإسرائيلي؟ الجواب عن ذلك أن مثل هذه الدعوات ستكون قاصرة عن تحقيق أي تغيير؛ لأن القضية الفلسطينية تعمقت وتجذرت، وأصبحت جزءاً من الوعي الجمعي لدى عامة الشعب. المصدر: من لقاء أجراه فريق البحث في نيسان 2020 مع أحد الأكاديميين والخبراء الفلسطينيين يقيم في بريطانيا.
[11] تُعد هذه الجزئية لبّ الخلاف في التصورات بين المفكرين حول مفهوم القضية والمشكلة؛ إذ يرى د. برقاوي أن تعدد الحلول سيحول القضية إلى مشكلة، ويضرب على ذلك مثالاً بالحالة الفلسطينية: فعندما كان الحل المطروح حق العودة وحدود 67 غير قابلة للنقاش كانت قضية فلسطينية، ثم تحولت إلى مشكلة عندما أصبح هذا الحل قابلاً للمساومة وطرحت معه عدة حلول أخرى.
وقد رأى أحد الخبراء السوريين الذين التقيناهم أنه ووفقاً لتعريف د برقاوي وبالقياس على الحالة السورية فإن القضية يجب أن يكون حلها متجذراً داخلها، وليس له خيارات متعددة، وهو ما يعني أن الحالة أو المشكلة السورية حتى تتحول إلى قضية يجب أن تعزز الإيمان برفض الاستبداد والانطلاق نحو جوّ تعددي حرّ يحترم الإنسان، بحيث يصبح جوهراً غير قابل للنقاش ومحل إجماع، وبهذه الرؤية يمكن التحول لمفهوم القضية السورية.
[12] هل أخطأنا بالثورة؟ هيئة الشام الإسلامية، تاريخ النشر 22/12/2017، https://bit.ly/2WDVoE4
[13] الضياع السوري، العربي 21، تاريخ النشر 26/8/2019، https://bit.ly/2EcLtPF
[14] وعلى الرغم من كل هذه التغيرات التي حدثت في بنية المجتمع السوري إلا أنه لا يزال يفتقر للروح الجامعة والمحرّكة التي تخلق الأمل، وتبعث الثقة، وتوحد الإرادة، وتشعل العزيمة، وتقضي على روح الإحباط واليأس الذي يبعث النفور والتنفير المتبادل داخل صفوف قوى الثورة والمعارضة القديمة، والتي هي الأساس لتحقيق التعاون والتضامن، والعمل من أجل مشروع وطني مشترك، المصدر السابق.
[15] احتجاجات في مدينة السويداء.. وشعارات الثورة الأولى تصدح فيها، شبكة شام، تاريخ النشر 7/6/2020، https://bit.ly/3jq5i5T
[16] للتوسع بشكل أكبر يمكنكم الاطلاع على التقارير الآتية:
  • التقرير التحليلي “تطورات الحل السياسي في سوريا: من هيئة الحكم الانتقالية إلى اللجنة الدستورية”، مركز الحوار السوري، تاريخ النشر 17/4/2020، https://bit.ly/3l4n1AG
  • التقرير التحليلي “تقاطع المصالح الدولية تجاه مفردات الحل السياسي في سوريا”، مركز الحوار السوري، تاريخ النشر 14/6/2020، https://bit.ly/3aIlNGq
  • الورقة التحليلية “مآلات اللجنة الدستورية: هل يكون كمون الفشل دافعاً للمبادرة السياسية؟” مركز الحوار السوري، تاريخ النشر 9/9/2020، https://bit.ly/32tRukv
[17] على الرغم من التحولات التي طرأت على القضية الفلسطينية – داخلياً وخارجياً- نظراً لطول المدة التي مرت بها، إلا أننا حاولنا في هذه الورقة التركيز على مفهوم القضية عند الفلسطينيين والآليات التي استخدموها للحشد والتعبئة، ولم نتطرق إلى الظروف والتغيرات السياسية التي مرت بها هذه القضية إلا بما يتطلبه موضوع الدراسة الأساسي.
[18] تم إدراج ملامح الاختلاف بناء على آراء الخبراء الذين التقيناهم.
[19] كان من الواضح في الحالة الفلسطينية بعد مقابلة العديد من الخبراء والأكاديميين الفلسطينيين ضبط المصطلحات وتوحيدها.
[20] جوهر الصراع الفلسطيني قائم على الاعتراف بأن فلسطين من النهر إلى البحر أرض فلسطينية، وأن لأهلها حقوقاً لا يمكن التغاضي عنها تحت سلطة القهر.
[21] اعتبر أكاديمي فلسطيني مقيم في الخارج ومتابع للحدث السوري أنه يمكن توصيف الصراع السوري بـأنه صراع داخلي حول طبيعة نظام الحكم والعقد الاجتماعي الذي يجمع الحاكم والمحكوم، أساسه الحرية والديمقراطية والقضاء على الاستبداد الذي تقوم به السلطة الحاكمة، وبالتالي لا يوجد في سوريا من يتحدث عن تقسيم أو إقامة دويلة أو استبعاد كامل لفرقة أو طائفة أو قومية أو عرق؛ وإنما يتركز الحديث حول كيفية ضمان حقوق الجميع على قدر من المساواة.
[22] رأى أحد الخبراء الفلسطينيين أن الهوية القطرية تشكلت عند الدول العربية بعد الاستقلال، وذلك كبديل عن الهوية العربية أو الإقليمية الجامعة، في حين أن الهوية الفلسطينية القانونية والاجتماعية والفكرية تشكلت مع ظروف النكبة وتأثرت بها بشكل كبير، ولذلك انطلق الفلسطيني في النضال لقضيته انطلاقاً من نكبته والتي صاغت أفكاره وأحلامه وأمنياته وتاريخه أيضا ، بينما السوري حين شعر بهويته الوطنية وحقه بأن يرفع صوته كمواطن كامل الصلاحية منادياً بالحرية والكرامة والعدالة انطلق مدافعاً عنها ومتحدياً نظاماً يُعرف بالقمع والدموية.
[23] أشار أحد الأكاديميين الفلسطينيين إلى أن السوريين لو لم يشعروا بهويتهم الوطنية وارتباطهم بالأرض التي يعيشون عليها، وأنهم يستحقون حياة أفضل تكون حقوقهم وكرامتهم مضمونة ومحفوظة لـَمَا ثاروا على النظام الاستبدادي المعروف بوحشيته ودفعوا في ذلك الأثمان الباهظة.
[24] لئن كانت الهوية السياسية للفلسطينيين حاضرة فالهوية القانونية غائبة، فلم يتملكوا أي أوراق رسمية تعتبر ثبوتيات معترف بها دولياً؛ لأن فلسطين ليست دولة معترف بها في الأمم المتحدة، وهو ما تسبب لهم بالكثير من المشاكل في السفر والتنقلات والحصول على الفيزا نتيجة غياب الاعتراف القانوني، وهو ما كان محرضاً لهم على التمسك بهويتهم وقضيتهم، وأثّر في عملية تجنيسهم لاحقاً، خاصة في الدول العربية.
كما خلق غياب الهوية القانونية عند الفلسطينيين الكثير من التخوفات من حصولهم على جنسية أخرى وتأثير ذلك على حقوقهم، بينما لا يؤثر حصول السوريين على جنسية جديدة في وضعهم القانوني الأصلي، ولا يمكن أن يستخدم في إلغاء هويتهم السياسية والقانونية السورية.
[25] استغل نظام الأسد احتياج السوريين لاستصدار أوراق ثبوتية معترف بها لابتزاز السوريين؛ فعلى الرغم من كل الجرائم التي قام بها نظام الأسد بقيت قنصلياته وسفاراته تعمل في معظم بلاد العالم بحجة تقديم الخدمات والأوراق للسوريين في تلك البلاد، وقد سمح ذلك للنظام بنهب أفراد شعبه من خلال رفع أجور استصدار تلك الأدوار، فأصبح استخراج جواز السفر السوري يعتبر الجواز الأغلى كلفة في العالم مع أنه لا يتيح لصاحبه الدخول إلا إلى عدد محدود جداً من دول العالم.
[26] اعتبر بعض الخبراء الذين التقيناهم أن العديد من الدول تاجرت بالقضية الفلسطينية واستغلتها لتحقيق منافع خاصة بها، إلا أنها في الوقت نفسه منحت الفلسطينيين الدعم المادي، أو أنها أفسحت لهم المجال لممارسة أنشطتهم وفق شروط محددة، وقد بدأت موجة التعاطف والدعم العربي الحكومي بالخفوت مؤخراً، مع تعالي بعض الأصوات التي تدعو إلى التطبيع مع إسرائيل.
[27] تم إيجاز هذه النقاط من آراء الخبراء الذين التقيناهم.
[28] يصف بعض المفكرين السوريين نظام الأسد وما يمارسه تجاه شعبه بالاحتلال الداخلي. يُنظر: “2020.. عام التحرّر الصعب من الاستعمار الداخلي”، العربي الجديد، تاريخ النشر 20/12/2019، https://bit.ly/2PQGWVb
[29] يرى أحد الخبراء الفلسطينيين أن من بين الصراعات الكثيرة التي اندلعت في العالم كانت الصراعات التي شهدت عمليات إبادة أو تهجير تشير إلى بُعد أعمق للصراع من قبل السلطة المسيطرة، والتي تهدف إلى إحداث تطهير عرقي أو ديني أو طائفي أو سياسي أو تغيير ديمغرافي.
[30]  اعتبر أحد الباحثين الفلسطينيين أن التدخل الروسي والإيراني في الصراع على الأرض لم يكن العامل الوحيد لتثبيت الواقع، وإنما ساهم المجتمع الدولي بدور كبير في تثبيت الوضع الحالي؛ وذلك بسبب سياسته القائمة على غضّ النظر عن الكثير من الانتهاكات والتخلي عن مسؤولياته، وهو يشبه إلى حد كبير الدور الذي لعبته بريطانيا في ترسيخ وجود الكيان الصهيوني، وكذلك ما قامت به الأمم المتحدة من الاعتراف بدولة إسرائيل.
[31] بلغ عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين حتى نهاية فترة الانتداب البريطاني 625 ألفاً، أي ما يقارب ثلث السكان في البلاد.
هجرة اليهودية منذ بداية الاستعمار الاستيطاني اليهودي في أواخر الحكم العثماني، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، https://bit.ly/31gVbcw
[32] ثورات الشعب الفلسطيني في القدس خلال الاحتلال البريطاني، موقع مدينة القدس، تاريخ النشر 11/10/2017، https://bit.ly/2Yi1JWo
[33] “نكبة” فلسطين.. القصة الكاملة (إطار)، وكالة الأناضول، تاريخ النشر 13/5/2018، https://bit.ly/2YmtAVE
[34]  تهدف هذه الفقرة إلى استعراض الظروف المتعاقبة التي نشأ فيها العمل الشعبي وتطورت آلياته، في محاولةٍ لفهم سياق هذا التطور الذي يشبه في العديد من جوانبه الحالة السورية، ثم التركيز على ظهور حالة المقاومة الشعبية غير المسلحة والأساليب التعبوية التي استخدمتها؛ لذا لم يتم التطرق إلى نشوء الحراك المسلح أو التنظيمات السياسية والعسكرية لأنه خارج موضوع الدراسة.
[35] للاطلاع على عمليات التهجير الفلسطيني الداخلي والخارجي يمكن مراجعة عدد من المصادر، منها:
  • نكبة فلسطين والوضع الديمغرافي، مركز وفا، https://bit.ly/3bGjqoh
  • الوضع الديمغرافي خلال الانتداب البريطاني، مركز وفا، https://bit.ly/32UAcMg
[36] عول الشعب الفلسطيني في بداية محنته على تحرك عربي وتحرك دولي يقف معه لاستعادة حقوقه المغتصبة، وكان يعتقد أن تدخل مجلس الأمن وفرضه هدنة على الطرفين ومتابعته المكثفة للوضع قد يسفر عن شيء؛ إلا أن تدخل مجلس الأمن لم يكن ذا جدوى، ودخلت مشكلة الفلسطينيين في متاهة القرارات السياسية التي كانت تطبق على طرف واحد. للاطلاع على القرارات الأممية المتعلقة بالفلسطينيين يمكن العودة إلى:
قرارت مجلس الأمن الدولي، مركز وفا، https://bit.ly/3i0ZVcl
[37] توزع الفلسطينيون في العديد من المخيمات في الدول العربية؛ 13 مخيماً في الأردن منها مخيم الزرقاء والحسين والوحدات، و14 مخيماً في سوريا منها مخيم اليرموك والعائدين وخان الشيخ، و13 مخيماً في لبنان منها مخيم عين الحلوة وبرج البراجنة. المصدر:
 المخيمات الفلسطينية، مركز وفا،  https://bit.ly/3h3qv3d
[38] يعتقد أحد الخبراء الفلسطينيين أن العمل الشعبي الفلسطيني في هذه الفترة وإن استطاع تحقيق إنجازات شعبية إلا أنه لم يكن محكوماً باستراتيجية قائمة على أسس علمية، وإنما غلبت عليه العشوائية وانعدام الرؤية وقلة المعرفة، خاصة وأن كوادره العاملة لم تكن مهيأة ومدربة بشكل منهجي، وبالتالي لم يكن هناك أي تصور حول كيفية استثمار نتيجة هذا الحراك الشعبي، مما دفع ببعض القيادات السياسية لمحاولة استثماره بطرق أدت إلى إهدار كل ما حققه.
[39] دليل حق العودة، إصدار: مؤتمر حق العودة، https://bit.ly/2Bj5zq5
[40] أشار أحد الخبراء الفلسطينيين إلى العمل لتحضير المؤتمر العام الشعبي للمنظمات العاملة في تركيا، والذي كان الهدف منه تجميع أغلب العاملين في المجال الشعبي كأفراد ومنظمات، ولم يكن التنسيق فيما بينها سهلاً، واحتاج لبذل جهود كبيرة من قبل شخصيات جامعه صاحبة قضية تملك نفساً طويلاُ، وتسعى إلى توحيد وتنسيق الجهود في بوتقة واحدة للتركيز على الأمور الجامعة بغض النظر عن الاختلاف.
[41] الشخصية الكاريكاتيرية التي ابتدعها الفنان ناجي العلي، والتي أصبحت توقيعه على رسوماته.
[42]  قامت فكرة هذا المشروع على توزيع مئات الآلاف من الحصالات على الأطفال الفلسطينيين والعرب، التي رُسم عليها بعض معالم المسجد الأقصى، ولم يكن الهدف منها جمع التبرعات بقدر ما كان الهدف إنشاء حالة انتماء ومحبة عند الطفل؛ حيث يتوجب على أي طفل يريد المشاركة أن يتبرع بجزء من مصروفه، ثم يأتي إلى مقرات الحملة ليقدم الحصالة بنفسه، ويحصل معها على شهادة تقدير من أحد الرموز الوطنية ويتم تصويره والاحتفاء به.
[43] شاركت المرأة في معظم المجالات، خاصة في مجال العمل المدني، كما برزت العديد من الشخصيات النسائية في مجال السياسة والأدب والفن والإعلام، وقد حصدت بعضهن عدداً من الجوائز العالمية.
يُنظر: نساء فلسطينيات شاركن في صنع التاريخ، موقع منظمة التحرير الفلسطينية، https://bit.ly/3eX8KSC
[44] قدم مركز رؤية للتنمية السياسية ومنتدى فلسطين للإعلام والاتصال (تواصل) دليلاً للتغطية الإعلامية من 5 أجزاء، وهي: السياسات، والقدس، والاستيطان، والتطبيع، والأسرى. قدّم كل دليل منها تصوراً متكاملاً حول كيفية تغطية أي موضوع من تلك المواضيع والمصطلحات التي يجب أن تستخدم في تلك التغطية، والمصطلحات التي يجب تجنبها، وكيفية التعاطي مع إعلام العدو، وقد ترجم هذا الدليل إلى 7 لغات كالإنكليزية والفرنسية والفارسية والصينية والأوردية والروسية والعبرية، بالإضافة إلى العربية.
سلسلة أدلة عمل الصحفيين والمؤسسات الإعلامية حول فلسطين، https://bit.ly/2A95DYG
[45] يشير أحد الخبراء الفلسطينيين الذين التقيناهم إلى أنه خلال العدوان على غزة “العصف المأكول” عام 2014، الذي استمر لمدة 50 يوماً صدرت خلال هذه المدة 6 أعمال إنشادية ضخمة، مهمتها رفع الروح المعنوية والتعبئة الشعبية لدعم المعركة وتثبيت المقاتلين والفلسطينيين في الداخل، وتخليد البطولات، ثم أنتج عن المعركة فيلم وثائقي قصير “الكمين القاتل “، وصدرت بعض الروايات التي تتحدث عن المعركة، كما تم إحياء ذكرى المعركة سنوياً، واستحضار تضحيات الشهداء فيها، وإلقاء الكلمات التي تحث على الثبات والاستمرار في النضال.
[46] أشار أحد الخبراء والذي عمل كمسؤول للعمل الدعوي في سوريا أنه إبان حرب غزة قام مكتب العمل الدعوي بالتواصل مع معظم الأئمة والخطباء في مساجد سوريا، وتقديم مقترح أسبوعي لخطبة الجمعة كاملة تتضمن العنوان والمحاور والأدلة، وتسليمها باليد إلى العلماء والدعاة الموجودين في المنطقة أو المحافظة كل يوم أربعاء وفق قاعدة بيانات معدة مسبقاً، ثم تابع مسؤولو العمل الشعبي ذلك بالتواصل هاتفياً مع أولئك الدعاة، وحثّهم أن تكون خطب الجمعة عن الوضع الفلسطيني، وقد كانت تلك الجهود تقابل بتجاوب يُقدر بـ 60-70%.
[47] تم استحداث مكاتب تخصصية موازية لمكاتب العمل الشعبي تحت اسم “مكتب استنهاض الأمة”، والذي كانت مهمته التواصل مع المنظمات والمؤسسات في كافة أنحاء العالم، والعمل على حثها وتشجيعها على العمل من أجل القضية الفلسطينية، حيث تقوم هذه المكاتب بالتحضير لبرامج وأنشطة وفعاليات وخطط ودعم وتمويل، وتقدم إلى الجهات والهيئات غير الفلسطينية لتقوم بتنفيذها وإظهار دعمها ومساندتها.
[48] على سبيل المثال: أطلقت إحدى المنظمات الفلسطينية عام 2016 حملة فكريّة هي الأولى من نوعها في فلسطين، تحت عنوان مبادرة “100 مفكّر عالميّ في فلسطين”، حاولت فيها جذب أهمّ المفكّرين العالميّين للحديث عن القضيّة الفلسطينيّة وإعادة إحيائها على الصعيد العالمي، في محاولة لتعزيز التأثير الناعم على صنّاع القرار، وتشكيل لوبي شعبيّ حول العالم.  المصدر: “100 مفكّر عالميّ في فلسطين”… حملة لإعادة إحياء القضيّة الفلسطينيّة لدى شعوب العالم، موقع المونيتور،  https://bit.ly/2Xzo2Xy
[49] على الرغم من وجود أدوات لا تندرج تحت عنوان “العمل الشعبي” مثل مناهج التعليم، والإعلام الرسمي إلا أننا وضعناهم جميعاً في هذه الفقرة على اعتبار أن هذه الأنشطة هي أنشطة مشتركة بين القطاع العام والقطاع الخاص.
[50] شهادات الذاكرة، مركز المعلومات الوطني الفلسطيني – وفا، http://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=8791
[51] كانت العديد من الشخصيات الفلسطينية في بداية العمل الشعبي تبحث عن أي صورة لفلسطين ولو كانت قديمة، وكانت ترسل الوفود للحصول على نسخ من صور موجودة في الأرشيف البريطاني، كما كانت ترسل بعض الوفود والمصورين إلى داخل فلسطين من أجل تصوير بعض المناطق والأحياء والقرى المهدمة، ومتابعة أوضاعها وما جرى عليها من تغييرات.
[52] الفلكلور والتراث الشعبي الفلسطيني، مركز المعلومات الوطني الفلسطيني – وفا، https://bit.ly/36ILEvO
[53] بدأت به الكاتبة روزماري صايغ في عام 1983 خلال قيامها بالتوثيق المنهجي للاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، وقد تطورت الفكرة واعتمدت جامعة بيرزيت واحدًا من أوائل البرامج على صعيد العالم العربي لتدريس التاريخ الشفوي، ثم أسست  الجامعة الإسلامية في غزة عام 1998مركز التاريخ الشفوي بهدف جمع الروايات الشفوية من زمن النكبة والنكسة، وقد لقيت مشاريع التوثيق الشفهي الكثير من الاهتمام والدعم، فعلى سبيل المثال: قدَّمت المؤسسة الوطنية للعلوم الإنسانية في نيسان/أبريل 2016 منحةً مقدارها 260,000 دولار أمريكي لأرشيف التاريخ الشفوي الفلسطيني في الجامعة الأميركية في بيروت، وذلك من أجل رقمنة وترميز 1000 ساعة من المقابلات التي أجريت مع لاجئين منحدرين من 135 قرية فلسطينية فروا منها إبان النكبة.
التاريخ الشفوي الفلسطيني كأداة لمقاومة النزوح والتهجير، شبكة السياسات الفلسطينية، تاريخ النشر 15/9/2016، https://bit.ly/2C0YMBl
[54] مقدمة “الأدب الفلسطيني” في العصر الحديث، سلمى الخضراء الجيوسي، مركز المعلومات الفلسطيني وفا، https://bit.ly/3eULWmp
[55] برزت عدة أنماط للأدب الفلسطيني يمكن تقسيمها إلى: أدب الداخل، وأدب المنفى الذي ذاعت شهرته وعُرف العديد من رجالاته، وتصدروا كأهم أدباء وشعراء عصرهم، كبدر شاكر السياب وفدوى طوقان، وأبو سلمى، وإميل حبيبي، وتوفيق زيّاد، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وغسان كنفاني، وهارون هاشم رشيد، ويحيى برزخ، وبرهان الدين العبوشي، وحسن البحيري، ومحمد أحمد صديق، ومحمد صيام، وعبد الخالق العف، وجهاد الرجبي، ونردين أبو نبعة.
[56] على سبيل المثال: يُدرس كتاب “دراسات فلسطينية” ضمن مقرر لمساق الدراسات الفلسطينية، وهو مساق جامعي إجباري لكافة طلبة جامعة النجاح الوطنية، ويتناول الكتاب مجمل التطورات والأبعاد السياسية للقضية الفلسطينية بشمولية وموضوعية منذ التاريخ القديم المتصل بالوجود الأول للعنصر البشري على أرض فلسطين، وانتهاء بآخر التطورات السياسية الراهنة.
ويتناول الكتاب أربعة مباحث، هي: فلسطين عبر العصور، والقوى الاستعمارية ودورها في دعم الصهيونية وإنشاء دولة إسرائيل، وفلسطين أثناء الحرب العالمية الأولى، وأخيراً القضية الفلسطينية بين الانتداب البريطاني والنكبة. الوحدة الثانية: القضية الفلسطينية ما بين 1948- 1973، وتتناول ثلاثة مباحث هي: حرب عام 1948 من حيث الخلفية والوقائع والنتائج، ومنظمة التحرير الفلسطينية من حيث النشأة والبنية والدور، وأخيراً حروب متواصلة: 1956، 1967، ومعارك الجنوب اللبناني والتحرير. الوحدة الثالثة: القضية الفلسطينية ما بين 1973-1991، وتتناول أربعة مباحث هي: حرب تشرين أول 1973 من حيث الخلفية والوقائع والنتائج، والحرب الأهلية اللبنانية وأثرها على الحرب والسلام، وحرب لبنان 1982 وتداعياتها على القضية الفلسطينية، وأخيراً الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987 من حيث العوامل والميزات والنتائج. الوحدة الرابعة: القضية الفلسطينية مابين 1991- 2010، وتتناول المباحث التالية: حرب الخليج الثانية وأبعادها على القضية الفلسطينية، واتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير وإسرائيل (1993) والاتفاقيات المرحلية اللاحقة، وقمة “كامب ديفيد” الثانية وانتفاضة الأقصى (2000)، وأخيراً المشهد السياسي الفلسطيني منذ الاجتياح الإسرائيلي للمدن والقرى الفلسطينية عام 2002 وحتى الإنتخابات التشريعية الثانية، ومن ثم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية وحتى الآن.
المصدر: جامعة النجاح الوطنية، https://bit.ly/30jWllU
[57] من أبرز الأغاني الشعبية التي خلدت بعض الأحداث القديمة أغنية “دبرها يا مستر دل” والتي كتبها الشاعر نوح إبراهيم، مؤرخاً للثورة الفلسطينية 1935- 1938، وقد انتشرت في كل أرجاء فلسطين تخاطب المستر دل، وهو الضابط الإنجليزي المنتدب من بريطانيا إلى فلسطين لإخماد الثورة الفلسطينية الكبرى.
وكذلك القصيدة التي أنشدتها فرقة العاشقين “من سجن عكا” والتي أنشدت فيها مقاطع من قصيدة “الثلاثاء الحمراء”، التي كتبها الشاعر الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان في وصف إعدام ملهبي ثورة البراق (1929) على يد سلطات الانتداب البريطاني في 17 حزيران 1930: محمد جمجوم، وفؤاد حجازي، وعطا الزير.
[58] يقول أحد الخبراء السوريين الذين التقيناهم: سمعت لأول مرة الأغاني الفلسطينية من زميل لي على مقاعد الدراسة الابتدائية كان يترنم بأغاني فرقة العاشقين، وقد حفظت بعضاً من المقاطع دون أن أدري، ولا زالت محفورة في ذهني؛ لأكتشف لاحقاً أنها قصيدة قديمة لإبراهيم طوقان كانت تتحدث عن شخصيات فلسطينية أعدمت في سجن عكا أيام الانتداب البريطاني، ثم بدأت لاحقاً تتسرب بين السوريين أشرطة الأناشيد الفلسطينية رغم التدقيق الأمني، وأصبحت تتردد بين بعض الجماعات الإسلامية السورية لما كانت تحمل من معاني العزة والكرامة ومحبة الأوطان.
[59] يشير أحد الخبراء الفلسطينيين إلى أن رئيس العمل الشعبي في سوريا وهو يحمل دكتوراة في الشريعة تواصل مع المطرب الشعبي الفلسطيني  “أبو عرب”  المقيم في حمص، والذي كان يردد بعض الأهازيج والأشعار الثورية ويحيي بعض الحفلات الغنائية، وطلب منه أن يصدر لأغانيه الثورية مجموعة من النسخ بعضها مع استخدام أدوات موسيقية إيقاعية فقط كالدف والمزهر وبعضها بدون إيقاع، وذلك مقابل أن يتكفل مكتب العمل الشعبي بكلفة إنتاج هذه النسخ الإضافية، وعندما سئل عن السيب أجاب بأن هذا الفن الذي يخدم القضية لابد أن يصل لكافة الشرائح على اختلاف توجهاتها.
[60] صدرت أول صحيفة في فلسطين باسم (القدس الشريف) عام 1867 باللغتين العربية والتركية، وبعدها وخلال العهد العثماني صدر حوالي 40 صحفية تنوعت بين أسبوعية أو نصف شهرية أو شهرية، وقد استمر جزء من هذه الصحف خلال فترة الاحتلال البريطاني ووصل عدد الصحف التي صدرت في تلك الفترة أكثر من 150 صحفية تنوعت بين السياسية والأدبية والثقافية والإخبارية والدينية، وبدأ عدد منها بالصدور بشكل يومي، فيما استمر عدد آخر بالصدور بدورية أقل من يومية، وبدأت أول إذاعة فلسطينية وهي إذاعة “هنا القدس” عام 1936، وانتقلت عام 1948 إلى رام الله على إثر احتلال الجزء الغربي من القدس، وأصبحت رام الله مركز محطة الإرسال للإذاعة الفلسطينية.
من مقابلة أجراها فريق البحث مع أحد الخبراء الفلسطينيين في المجال الإعلامي بتاريخ حزيران 2020.
[61] المصدر السابق.
[62] من هذه الإذاعات إذاعة “هنا القدس” التي انتقلت عام 1948 إلى رام الله على إثر احتلال الجزء الغربي من القدس، وإذاعة “صوت فلسطين ” التي بدأت البث عام 1994من أريحا ثم رام الله، وإذاعة “صوت فلـسطين البرنامج الـثاني” التي بدأت البث الرسمي في غزة في عام 2000، وإذاعة القدس التي تأسست عام 1986 وبدأت بثها من دمشق وغطت أغلب مناطق فلسطين وبثت برامجها بعدد من اللغات.
[63] أشارت إحدى الدراسات الأمريكية إلى أن 60% من سكان الولايات المتحدة يعتقدون أن الفلسطينيين هم الذين يحتلون “إسرائيل”، وأن كل فلسطيني هو بالضرورة (إرهابي) حتى يثبت العكس.
دور الإعلام في خدمة القضية الفلسطينية، موقع بصائر، تاريخ النشر 13/9/2015، https://bit.ly/2U9h1e4
بعض الإصدارات الفلسطينية بلغات أجنبية 

 المصدر: كتاب دليل صحافة المقاومة الفلسطينية 1965-1995، تأليف عبده الأسدي، طبعة عام 1998

الاسم اللغة النوع تاريخ الإصدار الجهة
ARAB PAESTINIAN RESISTANCE إنكليزية مجلة سياسية شهرية 1968 حتى عام 1995 جيش التحرير الفلسطيني
ALSAIQA إنكليزية مجلة سياسية شهرية 1973 طلائع حرب التحرير الشعبية قوات الصاعقة
BULLITEN إنكليزية مجلة شهرية 1973-1993 الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
FATH فرنسية نشرة شهرية استمرت لعام واحد 1970 حركة فتح
FATH إنكليزية نشرة شهرية 1969-1971 حركة فتح
AL- FATEH إنكليزية مجلة 1969 حركة فتح
FORWORD إنكليزية مجلة سياسية شهرية 1979 الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة
PALESTINE DIGEST الهندية مجلة سياسية شهرية 1970
PALASTINE REVOLUTION إنكليزية نشرة شهرية 1973 منظمة التحرير الفلسطينية
PALESTINE إنكليزية مجلة شهرية 1973 منظمة التحرير الفلسطينية
[65] من هذه المشاريع ريمكس فلسطين التابع لشبكة الجزيرة، والذي يعتبر منصة تتيح للمستخدم إنشاء فيديوهات رقمية وبأدوات بسيطة https://bit.ly/2z73UCW
[66] عملت  الحكومة الإسرائيلية منذ عام 2016  -بالتعاون مع فيسبوك- على إزالة محتوى وحظر وإغلاق عشرات الصفحات الفلسطينية، مما جعل نشطاء مواقع التواصل في فلسطين يطلقون حملة مضادة دعت إلى مقاطعة فيسبوك تحت شعار #FBCensorsPalestine، ولاقت رواجًا كبيرًا من نشطاء حقوق الإنسان حول العالم، وهو ما دفع فيسبوك للتراجع عن خطوته، وانتهى الأمر بإرسال أحد مسؤولي فيسبوك للاجتماع بالنشطاء الفلسطينيين في رام الله، وتقديم وعود بإنصاف المحتوى الفلسطيني واحترام خصوصيته، إلا أن الأمر تكرر لاحقاً بعد تطوير شركة فيسبوك خوارزمياتها لتشمل كلمات ذات ارتباط وثيق بالقضية الفلسطينية، مما تسبب بحذف آلاف المنشورات وإغلاق العديد من حسابات النشطاء. المصدر: فيسبوك في فلسطين.. من فضاء حرية إلى سجن كبير، معهد الجزيرة للإعلام، تاريخ النشر 6/4/2020، https://bit.ly/3hsx2VP
[67] نشرت إحدى المنصات الرقمية للأفلام الفلسطينية 40 فيلماً وثائقياً، و15 فيلماً روائياً، و4 أفلام كرتونية، https://palestinefilms.org/
[68] من أبرز هذه المسابقات: مسابقة الإبداع الفني لأجل فلسطين، والتي شملت كل أشكال الإنتاج الفني المسموع أو المرئي من أفلام وثائقية أو درامية أو برامج أو ألعاب أو صور أو أعمال المكتوبة. المصدر: جائزة الإبداع الإعلامي من أجل فلسطين، https://bit.ly/2Bod4Mw
 [69] قام أحد الفنانين الفلسطينيين بإعادة تلوين صور تاريخية قديمة صورت التهجير الذي تعرض لها الفلسطينيون عام 1948م بالاستفادة من الصور الموجودة في أرشيف بعض الجهات، في إشارة منه إلى بث روح العودة في الجيل القادم. المصدر: صفحة الفنان بلال خالد على الفيس بوك، https://bit.ly/3dI2Jce
[70] أطلق مجموعة من الناشطين الفلسطينيين حملة رقمية هدفت إلى تخفيض التقييم لموقع فيس بوك وإنستغرام احتجاجاً على حذف المحتوى الفلسطيني وإغلاق حسابات النشطاء الفلسطينيين، وقد أثمرت الحملة عن تخفيض تقييم فيس بوك إلى التقييمات الدنيا   https://bit.ly/3dFyJxA
[71] تقوم هذه المبادرة على فكرة إعادة الارتباط بين فلسطينيي الشتات وبلداتهم الأصلية من خلال ترتيب زيارات لهم لتلك البلدات وما تحتاجه من التصريحات، أو الحصول على صور قديمة وتتبع الأماكن والمنازل القديمة وتصويرها حديثاً https://bit.ly/3eRnVMM
[72] تشير التقديرات إلى أنّ نحو 50% من الفلسطينيّين يعيشون في المهجر؛ حيث يعيش 5.59 مليون فلسطينيّ في الدول العربية (44%)، وحوالي 700 ألف (5.5%) حول العالم، بينما يعيش 4.88 مليون (38.4%) في الضفة الغربية وقطاع غزّة، و1.53 مليون (12.1%) داخلَ الخطّ الأخضر من حاملي الجنسية الإسرائيليّة، وتتألّف غالبية الجاليات الفلسطينيّة في الخارج من اللاجئين الذين غادروا البلاد إثر نكبة 1948.
المصدر: دور الشتات الفلسطيني في عملية بناء المؤسسات الفلسطينية، مبادرة الإصلاح العربي، تاريخ النشر 2/11/2018، https://bit.ly/2XA92sr
[73]  ساهمت عملية اللجوء في تعميق المعاناة الفلسطينية وتعميق الهوية في الوقت نفسه؛ فمع أن أبواب الدول العربية كانت مفتوحة للفلسطينيين ومرحِّبة بهم إلا أنها لم تسمح لهم بحل مشكلة “الثبوتيات والأوراق الرسمية القانونية”، ولم تسمح لهم بالتوطين، فظلت مشكلة فقدان هذه الأوراق حاضرة في حياة الفلسطيني وسبباً في معاناته، كما كانت ظروف الحياة في المخيمات الفلسطينية في معظم الدول العربية صعبة من الناحية الاقتصادية والمعيشية، عانى فيها الفلسطينيون من مشاكل أمنية وقانونية تأثرت بشكل كبير مع التغيرات في سياسة تلك الدول.
[74] شاهد القبر: غالبًا ما يصنع من حجر ليدل على مكان القبر بمعلومات المتوفى.
[75]  كان لبعض الدواوين ما يشبه النظام الداخلي الذي يوضح هدف تشكيلها والوسائل التي تتبعها، ويركز على أولوية العمل على تعزيز التضامن والتعاون بين أفرادها.
[76] تفاوت دور الشتات الفلسطيني في الدول العربية بحسب بمساحة العمل المدني المتاحة في تلك الدول، ثم تأثر لاحقاً بشكل كبير بموقف تلك الدول من القضية الفلسطينية والتحولات التي طرأت على سياستها تجاهها.
[77]وقد تشكلت في دول الخليج العربي، خاصةً الكوَيت والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر مجتمعاتٌ جديدة من الفلسطينيين من أبناء الطبقتَين الوسطى والعليا، نتجت عنها نخبة وليدة من رجال الأعمال والسياسة والثقافة. ورغم أنَّ عددَهم لم يكن يتجاوَز مئات الآلاف، إلا أنّ تأثيرهم امتدَّ في أوساط الفلسطينيّين خارج وداخل الأراضي المحتلَّة. وقد شكَّلت تحويلات العاملين في دول الخليج مصدرًا هامًا للدخل لذويهم في المهجر ولمنظمة التحرير الفلسطينية، كما شكَّلت دول الخليج بيئةً مواتية لتراكم رؤوس الأموال الفلسطينيّة.
وقد نشأت تكتُّلات اقتصاديَّة قويَّة على غرار “الشركة الفلسطينيّة للتنميَة والاستثمار” و “الشركة العربيّة الفلسطينيّة للاستثمار”، لتكون بمثابة وكيل عن النخب الفلسطينية في الأراضي المحتلة. احتلَّت تلك الشركات بفروعها المختلفة مكانةً بارزة في الاقتصاد الفلسطيني، بامتلاكها عددًا كبيرًا من الأسهم في معظم المؤسسات الكبيرة ومتوسطة الحجم، وتمتُّعها بامتياز الوكالة الحصرية للعلامات التجارية الدولية.
المصدر: دور الشتات الفلسطيني في عملية بناء المؤسسات الفلسطينية، مبادرة الإصلاح العربي، تاريخ النشر 2/11/2018، https://bit.ly/2XA92sr
[78] على سبيل المثال: نشطت في بريطانيا عدد من المنظمات الفلسطينية، مثل رابطة الجالية الفلسطينية في المملكة المتحدة ومركز العودة الفلسطيني وأصدقاء الأقصى، والاتحاد العام لطلبة فلسطين – فرع المملكة المتحدة، ومجلس التفاهم العربي البريطاني، وأصدقاء فلسطين في نقابة العمال.
وفي أمريكا نشطت عدد من المنظمات مثل الاتحاد العام لطلبة فلسطين، واتحاد المرأة، واللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز في ماساتشوستس، والمنتدى العربي الأميركي، والمسلمون الأميركية من أجل فلسطين، والتحالف من أجل حقوق الفلسطينيين- بوسطن، والعدالة للفلسطينيين، والمركز الفلسطيني، وتحالف حق لعودة، والمعهد العربي الأميركي، ومسيحية مؤسسة الأرض المقدسة المسكونية “HCEF”، وشبكة المهنيين العرب الأميركيين “NAAP “، ونادي رام الله- واشنطن، وعدالة حملة نيويورك لمقاطعة إسرائيل، وشبكة الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة. يمكن الاطلاع على نشاط الجاليات في الشتات، المصدر: الجاليات الفلسطينية في الشتات، مركز وفا، https://bit.ly/31YoK2X
[79] دور الشتات الفلسطيني في عملية بناء المؤسسات الفلسطينية، مبادرة الإصلاح العربي، تاريخ النشر 2/11/2018، https://bit.ly/2XA92sr
[80] كانت انتفاضة الحجارة شكلاً من أشكال الاحتجاج العفوي الشعبي الفلسطيني، اشترك فيها جميع الفلسطينيين بمن فيهم عرب 48؛ احتجاجاً على الوضع العام المزري في المخيمات وعلى انتشار البطالة وإهانة الشعور القومي والقمع اليومي الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. ويُقدّر عدد الفلسطينيين الذين  استشهدوا أثناء أحداث الانتفاضة الأولى على يد الجيش الإسرائيلي بـ 1300 فلسطيني، كما قتل 160 إسرائيليّا على يد الفلسطينيين، حيث كانت ثوابت المنتفضين تتلخص في: إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم، وتفكيك المستوطنات، وعودة اللاجئين دون قيد أو شرط، وتقوية الاقتصاد الفلسطيني تمهيداً للانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي، كما طالبَ المنتفضون بإخلاء سبيل الأسرى الفلسطينيين والعرب من السجون الإسرائيلية، ووقف المحاكمات العسكرية الصورية والاعتقالات الإدارية السياسية والإبعاد والترحيل الفردي والجماعي، ولمّ شمل العائلات الفلسطينية من الداخل والخارج، ووقف فرض الضرائب الباهظة، بالإضافة إلى وقف حل هيئات الحكم المحلي المنتخبة من مجالس بلدية وقروية ولجان المخيمات، وإتاحة المجال أمام تنظيم انتخابات محلية ديموقراطية للمؤسسات في البلاد. وقد حققت الانتفاضة الأولى نتائج سياسية غير مسبوقة؛ إذ تم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني عبر الاعتراف الإسرائيلي الأميركي بسكان الضفة والقدس والقطاع على أنهم جزء من الشعب الفلسطيني وليسوا أردنيين. المصدر: الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ويكبيديا، https://bit.ly/348QraX
[81] انتهت انتفاضة الأقصى بتوقيع اتفاقية هدنة في شباط 2005، وكانت حصيلة الانتفاضة استشهاد 4412 فلسطيني وجرح 48322 آخرين، فيما بلغت خسائر الجيش الإسرائيلي 334 قتيل من العسكريين و735 من المستوطنين 735 وعطب 50 دبابة وعدد من الجيبات العسكرية والمدرعات الإسرائيلية.
وكان من أبرز نتائجها: استشهاد العديد من قيادات الصف الأول أمثال ياسر عرفات وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأبو علي مصطفى، ودمار كبير بالبنية التحتية الفلسطينية، بالإضافة إلى الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، واستخدام أول صاروخ محلي الصنع، وبناء جدار الفصل العنصري الإسرائيلي. أما نتائجها على الساحة “الإسرائيلية” فهي نشر الرعب بين المستوطنين وضرب قطاع السياحة، واغتيال العديد من الإسرائيليين بينهم شخصيات قيادية. المصدر: الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ويكبيديا، https://bit.ly/31Nt0Rx
[82] بدأت فكرة تناول طبخة المقلوبة في الأقصى ومحيطه للمرّة الأولى في شهر رمضان في عام 2015، حين أبعدت السلطات الإسرائيليّة المرابطة المقدسيّة هنادي حلواني عن المسجد الأقصى، والتي كانت تعمل مدرّسة قرآن فيه، ومنعتها من دخوله لمدّة 6 أشهر، إلى جانب عدد من النساء الأخريات، فقامت بإعداد المقلوبة وورق العنب والكوسا في منزلها وبدعوة المرابطات المبعدات وأقاربها وأطفالها لتناول إفطار رمضان سويّة على باب السلسلة (أحد أبواب المسجد الأقصى)، وجرى تناولها أمام مرأى من عناصر الشرطة الإسرائيليّة، ولاقت الفكرة رواجاً كبيراً، وأصبح تناولها رمزاً من رموز التحدي، حيث قامت قوات الاحتلال باعتقال المرابطة  بتهمة تحدّي الشرطة والتحريض على التظاهر، وهو ما سلط الضوء بشكل أكبر على الأمر، فأصبحت أكلة المقلوبة رمزاً للمقاومة وفكرة لتحفيز الناس على الاحتشاد في الأقصى.
مقلوبة الأقصى… أكلة المرابطين والمعتصمين في القدس، موقع المونيتور، 11/1/2016، https://bit.ly/375ZCIt
[83] أطلقت جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في إسرائيل منذ عام 1998 تحركاً سنوياً للاجئين الفلسطينيين الذين أُبعدوا قسراً عن قراهم منذ عام 1948، ويقوم الآلاف كل عام باختيار قرية مدمرة ضمن أراضي فلسطين التاريخية لزيارتها في يوم احتفال إسرائيل باستقلالها حسب التقويم العبري. وقد توسعت فكرة مسيرات العودة، وتم التجهيز عام 2018 لمسيرة العودة الكبرى بدعم من كافة الفصائل والقوى الفلسطينية، والتي عملت على نصب الخيام على مسافة نحو سبعمئة متر من الحدود مع أسرائيل في خمسة مخيمات أنشئت في المناطق الشرقية لمحافظات القطاع الخمس. وقد قوبلت هذه المسيرات بالعنف من قبل القوات الإسرائيلية، وأدت إلى استشهاد عدد من المتظاهرين وجرح آخرين.
مسيرات العودة.. شوق إلى الأرض وتشبث بالحق، الجزيرة نت، تاريخ النشر 30/3/2018، https://bit.ly/30cGBTm
[84]الواقيات الذكرية والطائرات الورقية والبالونات الحارقة، أسلحة غزة التي قد تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة الفلسطينيون، تايمز أوف إسرائيل، تاريخ النشر 20/6/2018، https://bit.ly/2Mx74mr
[85] قام بعض الناشطين الفلسطينيين بربط مجموعة من الأفاعي الكبيرة على الكتل الإسمنتية التي تستخدم كأبراج مراقبة يقف ضمنها جنود الاحتلال، وهو ما تسبب في حالة من الذعر بينهم.
المصدر: وسائل مبتكرة للمقاومة الفلسطينية، موقع RT بالعربية، تاريخ النشر 13/05/2015، https://bit.ly/30g1qx2
[86] المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، موقع إسلام ويب، تاريخ النشر 4/2/2017، https://bit.ly/3cF6yNG
[87] أشار أحد الخبراء الذين التقيناهم إلى أن نجاح بعض مكاتب العمل الشعبي في بعض المشاريع النوعية شجّع الداعمين على تقديم المزيد من الدعم، سواء في المجالات التي عملوا بها أو في مشاريع أخرى تقوم عليها تلك المكاتب، فعلى سبيل المثال: مع ظهور وانتشار بعض الفرق الإنشادية الفلسطينية والنجاح الذي حققته في حفظ القضية وإحياء الأغاني التراثية ازداد إقبال الداعمين على دعم المشاريع الفنية ودعم الموهوبين التي تصب في الهدف نفسه.
[88]  قسّم أحد الخبراء الفلسطينيين الذين التقيناهم المرجعية السياسية الفلسطينية إلى:
  • أصحاب نظرية الثوابت المرجعية: الذين كانوا متشددين جداً في تطبيق تلك الثوابت، واستطاعوا تكوين مجموعات ذات صوت عالٍ أبقت القضية فاعلة ومتوقدة، لكنها عجزت عن تحقيق أي تقدم أو إنجاز، وتضاءل دورها في أروقة السياسة الفعلية.
  • أصحاب نظرية الواقعية السياسية: وهي التي كانت تنظر إلى العمل السياسي من منظور الواقع الذي لا تملك تغييره، وتركز على تجاوز الأزمات وتخفيف الكارثة ولو على حساب المرجعيات والثوابت.
  • أصحاب نظرية الجمع بين المبدئية والتكتيك: أي الجمع بين الواقعية وعدم التخلي عن الثوابت في محاولة للاستدارة والمناورة من أجل الحصول على بعض المكتسبات مقابل عدم التنازل عن المكتسبات الأخرى التي يمكن تأجيل العمل عليها ريثما يتغير الوضع الراهن.
[89] ظهر في فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين تيار يدعو إلى إطلاق المفاوضات السياسية من أجل استعادة الحقوق، والوقوف في وجه وعد بلفور، إلا أن هذا الطرح أدى إلى مزيد من الخسائر حتى ظهور حركات التحرر التي قادها القسام وغيره.
[90] رأى أحد الخبراء الفلسطينيين الذين التقيناهم أن غياب وجود استراتيجية واضحة بين الجناح السياسي والجناح الثوري أهدر الكثير من مكتسبات العمل الشعبي؛ فعلى سبيل المثال وعقب الانتفاضة الأولى: أدى غياب الكوادر السياسية المتخصصة في علوم الممارسة السياسية وخاصة علوم التفاوض إلى إهدار فرصة ثمينة صنعها الحراك الشعبي الداخلي، خاصة عندما ذهبت تلك الكوادر للمفاوضات دون استعداد ودون استراتيجية، وهو ما جعل نتائج المفاوضات هزيلة ودون تطلعات الشعب الفلسطيني.
بينما رأى خبير آخر أن بعض القوى السياسية استثمرت الحراك الشعبي، ثم انقلبت عليه لاحقاً وزجت قياداته في السجن.
[91] اعتبر أحد الخبراء الفلسطينيين أن بعض بلدان الربيع العربي كتونس ومصر استطاعت إشعال الثورة وتحقيق مكاسب مرحلية؛ لأنها ارتكزت على حراك مسبق استمر لفترات طويلة وإن لم يكن مثمراً، فعلى سبيل المثال: شهدت مصر العديد من المظاهرات في فترة حكم مبارك، وكان للأحزاب المعارضة نشاط استطاع أن يحرك الوعي الشعبي وينضجه، وخاصة عندما تزايدت تجاوزات السلطة الحاكمة، وبالتالي كانت الجموع الشعبية جاهزة لاقتناص اللحظة التاريخية في 25 من كانون الثاني 2011، وكانت مهيأة لفكرة الانقلاب على النظام الحاكم.
[92] أشار أحد الخبراء الفلسطينيين إلى أن هناك مناهج أجنبية خاصة تؤطر لأساليب الكفاح الثوري السلمي وفق ما يقارب 200 نمط، وهو يُدرس في بعض الجامعات الأمريكية، وتم تدريب بعض النشطاء عليه في الدول التي تدعم فيها الولايات المتحدة الثورات الداخلية كأمريكا اللاتينية والاتحاد السوفيتي، حيث تقوم هذه المناهج بتدريب الكوادر على كيفية قيادة هذا الحراك وفق استراتيجيات خاصة تعرف لماذ تتحرك ومتى تتوقف.
[93] أشار أحد الخبراء الفلسطينيين إلى أن انخراط الكوادر الفلسطينية في أحداث لبنان 1982عقب إعلان بعض الدول العربية النفير العام -ومنها منظمة التحرير- لصد الاجتياح الإسرائيلي على لبنان؛ أدى إلى توجه أغلب الشباب الجامعي إلى ميدان القتال دون استعداد، وترك مقاعد الدراسة، ولم يتمكن معظمهم من العودة واستكمال مسيرتهم الجامعية، وهو ما خلق فجوة في العمل الشعبي والكوادر القائمة عليه.
[94] يُقصد به تقديم مساعدات مالية أجنبية وهبات ومنح للسلطة السياسية أو للأفراد، بهدف توفير أدوات ضغط مالية واقتصادية فعالة وتوظيفها لتحقيق أهداف سياسية. للاطلاع على تفاصيل أكبر حول فكرة “السلام الاقتصادي” يُنظر:
  • في تأصيل مفهوم السلام الاقتصادي“، موقع سما الإخباري، تاريخ النشر 12/9/2018، https://bit.ly/3dlZ0kn
  • ” السلام الاقتصادي رؤية شاملة للمبادرات الأميركية “، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر 26/2/2019، https://bit.ly/2MhiuLa
[95] اعتبر أحد الخبراء الفلسطينيين الأكاديميين أن مشروع السلام الاقتصادي أضعفَ أي حراك شعبي مستقبلي في منطقة الضفة الغربية؛ فقد كانت هذه القيود الميسرة التي قدمها الاحتلال عاملاً جاذباً دفع  الكثير من الناس إلى الاقتراض من أجل احتياجات كمالية، وليس من أجل احتياجات أساسية، وقد انعكس ذلك لاحقاً؛ إذ لُوحظ تراجع تجاوب الفئة الشعبية في الضفة الغربية مع الحدث الفلسطيني لعدة أسباب، أحدها اضطرارهم للعمل من أجل تسديد تلك القروض في مواعيدها، فيما لا يزال قطاع غزة بعيداً عن هذا التأثير حيث إن استلام حماس للسلطة فيها عطّل تقدم هذا المشروع، وبقي تجاوب الشارع الشعبي في غزة أكثر حضوراً وتفاعلاً.
[96] رغم وجود الكثير من الخلافات بين الأطراف الفلسطينية إلا أنهم حاولوا إبعاد العمل الشعبي عن الاستقطاب السياسي وعن مواضع الخلاف؛ فقد حاولوا في المؤتمرات الجامعة وعمليات التشبيك التركيز على المواضيع التي لا اختلاف عليها ( كالقدس والمسجد الأقصى وحق العودة  والمعتقلين …)، وهو ما كان له أثر في مشاركة مختلف الأطراف الفلسطينية على الساحة، كما ركزت أنشطة العمل الشعبي أيضاً على غرس مواضيع حب الوطن والاعتزاز بالتراث والتركيز على الرمزيات، دون أن تدخل المواقف السياسية للجهات التي تتبع لها، فاستقطبت هذه الأنشطة جميع الفلسطينيين على اختلاف توجهاتهم السياسية.
[97] استطاع أطفال النكبة الذين شهدوا الحدث دون أن يشاركوا به تنظيم وتحريك عجلة الحراك الشعبي لاحقاً؛ لـِمَا استقر في أذهانهم من صور التهجير ومعاناة الآباء، وشارك الأطفال الذين شاهدوا الانتفاضة الأولى الحراك الشعبي لاحقاً في انتفاضة الأقصى وقادوه؛ نظراً لـِمَا غُرس في وجدانهم من صور البطولة والفداء التي عايشوها صغاراً، وبالتالي كان شهود الأطفال الحدث وتأثرهم بالجو العام غرس القضية في وجدانهم، ودفعهم للتحرك بقوة في سن الشباب.
[98] أشار أحد الخبراء الذين التقيناهم إلى أنه عندما كانت بعض الجهات الشعبية توزع بعض المساعدات خلال فعاليات العمل الشعبي أضعف ذلك ثمرة تلك الفعاليات ووصولها للهدف المرجو، وإن كانت استقطبت أعداداً أكبر؛ إلا أن هذه الأعداد لم تعد تحضر أياً من الفعاليات الأخرى ما لم تحصل على مساعدة مادية أو عينية.
[99] بدأ السوريون اختيار أسماء للجمع على غرار الحالة المصرية، لتكون رسالة سياسية تحمل موقفاً حول الأحداث الجارية أو ترفع أحد المطالب، وقد بدأت صفحة الثورة السورية بتسمية أيام الجمع بشكل منفرد، ثم طورت الآلية لاحقاً ليتم التصويت على اسم الجمع من قبل المتابعين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
[100] من أسماء الجمع التي حملت خطاباً أخلاقياً عاماً: جمعة الكرامة 18- 3 – 2011، وجمعة العزة 25-3-2011، وجمعة الشهداء 1-4-2011، وجمعة الصمود 8-4-2011، وجمعة الإصرار 15-4-2011، والجمعة العظيمة 22-4-2011 ، وجمعة الغضب 29-4-2011، وجمعة التحدي 6-5-2011، وجمعة حرائر سوريا 13-5-2011، وجمعة آزادي (الحرية) 20-5-2011، وجمعة أطفال الحرية 3-6-2011، وجمعة الشيخ صالح العلي 17-6-2011 ، وجمعة سقوط الشرعية 24-6-2011، وجمعة “ارحل” 1-7-2011، وجمعة أسرى الحرية 15-7-2011، وجمعة “صمتكم يقتلنا” 29-7-2011، وجمعة “الله معنا” 5-8-2011، وجمعة “لن نركع إلا لله” 12-8-2011، وجمعة بشائرالنصر 19-8-2011، وجمعة الصبر والثبات 26-8-2011، وجمعة “الموت ولا المذلة” 2-9-2011، وجمعة ماضون حتى إسقاط النظام 16-9-2011، وجمعة النصر لشامنا ويمننا 30-9-2011، وجمعة أحرار الجيش 14-10-2011.
المصدر: دراسة عن أسماء جمع الثورة السورية، موقع كبريت، 12/1/2011، https://bit.ly/393YKoA
[101] ومن أبرز الشعارات التي ركزت على هذا الموضوع: “بالروح بالدم نفديك يا درعا”، “يا حمص حنا معاك للموت”، ثم انطلقت شعارات ترد على الشحن الطائفي الذي قام به النظام، مثل: “نحنا بدنا الحرية.. إسلام ومسيحية.. ودروز وعلوية”، “لا إخوان ولا سلفية.. نحنا بدنا الحرية”، و” لا سلفية ولا إخوان.. ثورتنا ثورة شجعان”، و” لا سلفية ولا إرهاب.. ثورتنا ثورة شباب”. المصدر: شعارات مرحلة التأسيس في الثورة السورية، موقع أورينت، تاريخ النشر 15/3/2015، https://bit.ly/39h2kfg
[102] يُقصد بتسونامي الأجساد: اصطفاف أجساد المتظاهرين بشكل خطوط وصفوف أو دوائر في ساحة أو شارع، ثم مع ترداد الشعارات يجلسون دفعة واحدة، وحين تشتد الحماسة في مقطع معين من الشعارات أو الأغاني تنهض الأجساد دفعة واحدة، يليها الارتفاع ثم الانخفاض في حركات تشبه الأمواج المتتالية بتسارع متناغم، مشكلة تسونامي أجساد بشرية. المصدر السابق.
[103] إعلان وثيقة المبادئ الخمسة للثورة السورية، المجلس الإسلامي السوري، تاريخ النشر 18/12/2015، https://sy-sic.com/?p=2221
[104]  لم تكن هذ المبادئ وليدة اللحظة التي صدرت عندها، وإنما كانت هذه المبادئ موجودة منذ المشروع السياسي للمجلس الوطني السوري عام2011، مروراً بوثائق القاهرة 2012 ووثائق الائتلاف 2012، إلا أن وثيقة المبادئ الخمسة ركزت على خطوط الثورة الحمراء، بشكل سلّط الضوء عليها وجمعها في وثيقة واحدة.
[105] مصطلح شائع بين السوريين يدل على الفئات التي رفضت إعلان موقف صريح مما يحدث، أو رفضت الاصطفاف إلى طرف على حساب طرف آخر.
[106] لابد من الإشارة إلى أنه من الطبيعي أن تختلف الآراء والتصورات، لاسيما بين أفراد وجماعات عاشوا عقوداً من التصحر السياسي، إلا أن تلك الاختلافات السياسية الجزئية جاءت في وقت غير مناسب، بددت الجهود ومنعت الاجتماع على تحقيق الغايات الكبرى التي يتفقون عليها.
[107] توافق أغلب الخبراء الذين التقيناهم على غياب السردية الموحدة حول توصيف الحدث واختلاف الروايات والتسميات بين السوريين.
[108] رفضت جميع شرائح الثورة طريقة النظام القمعية التي تعامل فيها النظام مع الحراك في العديد من المناطق كاقتحام بلدة البيضا في بانياس، أو مقتل الطفل حمزة الخطيب، أو فضّ اعتصام الساعة في حمص، أو الهجوم الوحشي على مدينة حماة لإيقاف المظاهرات المليونية، أو حملات الاقتحام على مدن وبلدات الغوطة، أو المجزرة التي حدثت في داريا وغيرها من المناطق.
[109] أصدر المجلس الوطني الذي كان الكيان السياسي الأول الذي يضم ممثلين عن معظم الجهات السياسية الفاعلية وثائق يؤكد فيها على مبادئه التي توافق عليها الجميع، والتي تضمنت الالتزام بإقامة دولة ديمقراطية تعدّدية مدنية مبنيّة على المواطَنة المتساوية واحترام الحقوق، وفصل السلطات، وسيادة القانون، وضمان حقوق الأقلّيات؛
 حقوق الإنسان كما هي مُعرَّفة بموجب القانون الدولي، إضافةً إلى الحرّيات الأساسية المتمثِّلة في حرية المعتقد والتجمّع والرأي، وهلمّ جراً. من دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس، وضمان الحقوق القومية للشعبين الكردي والآشوري في إطار وحدة الأرض السورية والشعب السوري، والحقوق الكاملة للمرأة، واستعادة السيادة السورية على مرتفعات الجولان التي تحتلّها إسرائيل وفقاً للقوانين والقرارات الدولية. إلا أن الانشقاقات والخلافات بدات تظهر فيه بشكل واضح أدت في النهاية إلى استبداله بالائتلاف الوطني الذي عانى مجددا من نفس المشكل. المصدر: المجلس الوطني السوري، مركز كارينغي https://bit.ly/3lW7jI7
[110] سنستعرض هنا الأسباب التي وردت على لسان الخبراء الذين التقيناهم، وهي أسباب نسبية تختلف فيما بينها من حيث درجة تأثيرها.
[111] اعتبر أحد الخبراء أن ظهور التنسيقيات في سنوات الثورة الأولى كان المحاولة الأولى السوريين للتعرف على بعضهم وتنسيق جهودهم والانخراط في العمل الثوري والمجتمعي والسياسي، وقد طال التجربة العديدُ من النجاحات كما طالها العديد من الإخفاقات؛ نظراً لأنها كانت تعمل دون أي خبرة سابقة وتأهيل.
[112]أشار أحد الخبراء الفلسطينيين الذي أقام لفترة طويلة في سوريا إلى أن ياسر عرفات رغم أنه لم يكن الأفضل بين القيادات الفلسطينية إلا أنه استطاع خلق كاريزما ثورية شعبية، فكان يفاجئ المقاتلين في الخنادق ويتناول معهم الطعام، ويزور الجرحى في المعارك ويقبّل أقدامهم ويقول: إن ذلك شرف له ولكل الفلسطينيين، وكان يحرص على الخروج بمظهر ثابت يظهر انتماءه  للقضية وهويته، وخاصة البدلة السفاري التي تبدو أنها قريبة من لباس الثوار، حتى إنه رفض تغيير ملابسه عند تسلم جائزة نوبل وفقاً لبروتوكولات الاحتفال، وطالب إدارة الحفل إعفاءه والوفد المرافق له من الالتزام بذلك لما لملابسه من رمزية تتعلق بالقضية التي يحملها.
[113] أشار أحد الخبراء الذين التقيناهم إلى أنه حضر مناسبة شخصية تخص أحد قياديي منظمات المجتمع المدني غلب عليها المبالغة بالبذخ والترف، وقد توافقت في وقت حدوث مجاعة مضايا التي شهدت تغطية إعلامية كثيفة واهتماماً دولياً.
[114] أشار أحد الخبراء الذين التقيناهم إلى أنه وفي الوقت الذي كانت فيه معارك مدينة حلب على أشدها كانت إحدى المؤسسات الدينية السورية تقيم حفلات تخريج حفاظ للقرآن بحضور العديد من الشخصيات الدينية، فلم يتطرق أحد خلال الحفل الذي شهد العديد من الكلمات للحديث عما يحدث في حلب، ولم يقم باستغلال المناسبة لتعميق القضية في الوعي الشعبي.
[115]ضرب أحد الخبراء السوريين الذين التقيناهم مثلاً بأنه عندما تم إنشاء المجلس الوطني اختير د. برهان غليون لإدارته لمدة 3 أشهر، وعندما تم التمديد له لمدة أخرى حدثت الكثير من المشاكل، وهو ما يشير إلى قصور في إدراك كيف تقاد الثورات وعدم كفاية المدة المتاحة للعمل في مسألة بالغة التعقيد، وبالتالي كان إقرار هذه المدة البسيطة لإدارة المجلس والاعتراض أيضاً على التمديد له خطأً آخر.
[116] أشار أحد الأكاديميين السوريين أنه في سنوات الثورة الأولى سيطر على العديد من النخب السياسية والعسكرية وهم الانتصار السريع؛ إذ توقعوا سقوط الأسد في فترة زمنية محدودة، وانشغلوا عن الإعداد لإسقاطه بالإعداد لمرحلة ما بعد الأسد، مستندين في ذلك إلى قناعات شخصية بأن المجتمع الدولي لن يسكت عن أي جرائم أو انتهاكات قد يقدم عليها هذا النظام، خاصة مع ثورة الاتصالات وسرعة نقل الخبر؛ وهو ما أثبت الواقع عكسه.
[117] اعتبر أحد الخبراء السوريين الذين التقيناهم أن مشاركة الفصائل السورية في العمل السياسي خضعت لسياسة المزاودة والمناكفة بشكل أوضح من غيرها؛ فعلى الرغم من عدم وجود اعتراضات جوهرية على الكثير من البيانات والمواقف السياسية أحجمت تلك الفصائل عن إعلان تأييدها للذراع السياسي بحجج واهية، فرفض العديد منها إعلان تأييده للبيان التأسيسي لتشكيل الائتلاف على سبيل المثال أو لبيان الرياض1 رغم مشاركتهم في الاجتماع، وترجع  تلك المواقف المتعنتة إلى رغبة واضحة في القيادة وتصدُّر المشهد، وعدم الرغبة في تقديم أي تنازل للآخرين ولو كان في سبيل المصلحة العامة.
[118] لابد من الإشارة إلى أن الحاضنة الشعبية للمعارضة السورية، سواء في الداخل أو في بلاد اللجوء، شهدت حالة من النضوج التدريجي في الوعي لم يكتمل حتى الآن، فبدا واضحاً في المظاهرات الشعبية التي جاءت رداً على انتهاكات بعض الفصائل أو الجماعات المتطرفة، أو حتى المنظمات والهيئات والمجالس المحلية، والإيمان الشعبي بأهمية العمل السياسي ودور المجتمع المدني وفكر العمل التطوعي في تطوير المجتمعات.
[119] أشار أحد الخبراء الذين التقيناهم إلى أنه على الرغم من وجود العديد من منظمات المجتمع المدني في تركيا التي تعلن انتماءها للثورة لم تشارك هذه المؤسسات ولا موظفوها في الحملات ولا الوقفات الاحتجاجية التي كانت تقام، وخاصة عند حدوث تصعيد.
[120] تمتلك بعض مصطلحات الثورة هوامش واسعة تسمح لكل شخص أن يفسرها على هواه، لذلك لابد من إعادة ضبط المصطلحات وتعريفها بشكل واضح ومفهوم وغير قابل للتأويل.
[121] صدرت توصية مهمة ضمن مخرجات الندوة التشاورية السادسة التي أقامها مركز الحوار السوري في الفترة الممتدة بين 23-24 جمادى الآخر 1437هـ الموافق لـ 1-2 إبريل/نيسان 2016م، تحت عنوان: “النزاع الداخلي بين القوى الثورية (المخاطر- الأسباب- العلاج)، تضمنت ضرورة صياغة رواية محقة ومقنعة للثورة السورية، والعمل على حشد التأييد لها من شرائح المؤثرين. للتوسع حول مخرجات الندوة يمكن زيارة الرابط https://sydialogue.org/ar/28
[122] اعتبر أحد الخبراء أن بعض السوريين أخطؤوا بمطالبة العالم بتغيير النظام السوري؛ كون هذا الطلب يتعارض مع مبدأ عدم تغيير الأنظمة بالقوة من الخارج، وهو ما كان عقدة سمحت للنظام الدولي بالتهرب من التزاماته.
[123] وقد شارفت على أن تكون عقداً ممتداً من الزمن.
[124]  اعتبر أحد الخبراء الفلسطينيين الذين التقيناهم أن اللاجئين السوريين كانوا الأسرع من بين فئات اللاجئين الأخرى من ناحية الاندماج والتعلم والتأقلم مع التغيرات في المجتمعات الجديدة، مع احتفاظهم بهويتهم السورية بشكل مقبول.
[125] لابد للعمل الشعبي أن يستوعب كافة الشرائح، ويقيم مشاريع وأنشطة مخصصة لكل منها، وخاصة الفئات المؤثرة كالمرأة، والطفل، وذوي الاحتياجات الخاصة، والرياضيين، والعمال، والمثقفين، وطلاب الجامعات.
[126] اعتبر عدد من الخبراء الذين التقيناهم أن مصير شعوب المنطقة مترابط، وأن حراك شعب في بلد ما يؤثر بشكل تلقائي على البقية، فقد ألهبت ثورة تونس ومصر بقية دول الربيع العربي كسوريا وليبيا واليمن، كما شجعت احتجاجات الجزائر والسودان مؤخراً الشعوب في كل من لبنان والعراق.

المزيد
من المقالات