لطالما كانت العلاقة المتبادلة بين الحرب والدعاية والسينما مثيرة للاهتمام منذ بداية الحرب العالمية الأولى، فمع اندلاعها عام 1914 لم تكن الأفلام قد وجدت طريقها إلى جمهورها الضخم، ومع ذلك عمل الألمان عليها كوسيلة للتأثير والدعاية والترويج لموقفهم، وكذلك الأمر بالنسبة للمعسكرين السوفييتي والدول الأوروبية الأخرى.
استحوذت صناعة الأفلام ما بين الحربين العالميتين على اهتمام واسع في أمريكا وأوروبا، وبدأ الاتحاد السوفييتي بصناعة بروباغاندا (دعاية) خاصة بفكره الشيوعي، في الوقت الذي كان الحلف الأمريكي المضاد يستعرض قوة جيشه وجنوده.
واليوم وبعد نحو ثمانية عقود من نهاية الحرب العالمية الثانية، ما زالت السينما تستخدم لذات الغرض من صناعة البروباغاندا ودس المعلومات وتقديم الحقائق من وجهة نظر صناعها، وفي الحرب السورية ثمة نموذجان من السينما بين ضفتين متحاربتين، إن صح التعبير، منذ تسع سنوات.
لجأ النظام السوري بماكينته الإعلامية ورديفتها الثقافية للعمل على إثبات روايته التي بقي ثابتًا عليها منذ قيام الثورة السورية في 2011، وعلى الضفة المقابلة اقتصر صناع السينما المعارضون على إنتاج الوثائقيات، مع بعض المحاولات الخجولة لصناعة مستوى آخر من السينما، كالأفلام الروائية.
الأفلام الوثائقية أو الروائية اليوم توثق الأحداث، ولكن هذا لا يعني أنها ستبقى خالدة، كما لا يعني موتها كلها بالتقادم ومرور الأيام، فمنها ما يحفر بالذاكرة ومنها ما يموت رويدًا رويدًا، تبعًا لما ترويه وتحكيه ولما فيها من حبكة درامية أو قرب من الواقع.
في الضفة المعارضة.. توثيقي ووثائقي لا روائي
برزت إنتاجات مخرجين محسوبين على المعارضة السورية، وكان لها وصول واسع على الصعيد العالمي، وترشحت أفلام وثائقية وتوثيقية وتسجيلية لكبريات الجوائز العالمية، من مهرجان “ساندنس” إلى “الأوسكار” و”غولدن غلوب” وغيرها من الجوائز الفنية المرموقة، لكن الأفلام الروائية غابت عن كاميرات المخرجين الذين تبنوا فكر الثورة السورية، بعكس مؤسسات النظام السوري.
توثيقية.. وثائقية.. روائية.. ثلاثة مستويات للأفلام
قسّم المخرج السوري ثائر موسى السينما في أزمنة الحروب الأهلية والمشاكل في الدول غير المستقرة إلى ثلاثة مستويات:
السينما التوثيقية
تكاد تقترب في شكلها من الريبورتاج، وهي أفلام تتحدث وتنقل الحقائق كما هي، وتميل إلى المباشرة في نقل المعلومة، واستثارة التعاطف الذي يحب المخرج أن يلفت النظر إليه، وهذا المستوى إعلامي إخباري لنقل الوقائع والحقائق.
السينما الوثائقية
تنتقل بالفيلم من اللحظة التوثيقية الإخبارية إلى مستوى فني آخر تطرح فيه الحالة، ولكن ببعد فني ورؤية خاصة بوجهة نظر المخرج، وفي هذه الحالة انتقلت السينما من التوثيق إلى الرؤية الإبداعية.
السينما الروائية
تنشأ من سيناريو روائي ولا تتحدث بالضرورة عن قصص واقعية، رغم أن السيناريو قد يكون مبنيًا على أحداث واقعية، أو يكون معتمدًا على قصص متخيلة من الألف إلى الياء ولكن قد تأتي على خلفية الحدث.
ومن أبرز الأفلام الوثائقية: “آخر الرجال في حلب” للمخرج السوري فراس فياض، و”عن الآباء والأبناء” للمخرج طلال ديركي، “لسا عم تسجل” لسعيد البطل، و”طعم الإسمنت” للمخرج زياد كلثوم.
وقسّم المخرج السوري ثائر موسى، في حديث إلى عنب بلدي، السينما في أزمنة الحروب الأهلية والمشاكل في الدول غير المستقرة إلى ثلاثة مستويات، وهي أقسام مرحلية بحسب تعبيره: القسم الأول هو السينما التوثيقية التي تكاد تقترب في شكلها من الريبورتاج، وهي أفلام تتحدث وتنقل الحقائق كما هي، وتميل إلى المباشرة في نقل المعلومة، واستثارة التعاطف الذي يحب المخرج أن يلفت النظر إليه، وهذا المستوى الأول وهو مستوى إعلامي إخباري لنقل الوقائع والحقائق.
أما المستوى الثاني، وفق المخرج السوري، فهو السينما الوثائقية كالتي توجه لها مخرجون سوريون، والتي تنتقل بالفيلم من اللحظة التوثيقية الإخبارية، إلى مستوى فني آخر تطرح فيه الحالة، كحالة الثورة السورية، ولكن ببعد فني ورؤية خاصة بوجهة نظر المخرج، وفي هذه الحالة انتقلت السينما من التوثيق إلى الرؤية الإبداعية.
وفي المستوى الثالث تأتي السينما الروائية التي تنشأ من سيناريو روائي وليس بالضرورة أن تتحدث عن قصص واقعية، رغم أن السيناريو قد يكون مبنيًا على أحداث واقعية، أو على قصص متخيلة من الألف إلى الياء، ولكن قد تأتي على خلفية الحدث (الثورة السورية مثالًا).
اتجهت كاميرات المخرجين من المعارضين إلى المستوى الثاني لعوامل شرحها موسى، بداية من الوقت الذي يتطلبه الفعل الفني (الفيلم الروائي) لخلقه ووضعه على الورق بصيغة السيناريو، وهذا ما لا يتطلبه المستوى الثاني الذي يكون الذهاب إلى مكان الحدث والتصوير هو المطلوب فيه، فالسينما الوثائقية تقترب وتدخل قلب الحدث بينما تبتعد الروائية عن مكان الحدث لكسب الهدوء، وهذا ما وصفه موسى بالتراجع الفني (خطوة إلى الوراء والكتابة)، إذ تصنع الأفلام الوثائقية في خضم الحدث بينما تصنع الروائية بالابتعاد قليلًا عنه.
وأشار موسى إلى أن الأرضية السورية في صناعة السينما غائبة، كالمناطق التي دمرها النظام، على الرغم من عدم ضرورة صناعة الأفلام في تلك المناطق، لكن هذا لا يلغي الحاجة إلى الموقع الأساس للحدث وهي الأرض السورية، والمعارضة فاقدة لهذا الأساس.
وأضاف أن هذا العامل ساعد النظام السوري في صناعته أكثر، كون تلك الأمكنة مهمة وصادقة، فهذه المواقع حقيقية والمخرج هنا ليس بحاجة إلى إدخال عناصر سينماغرافية.
وتعتبر التكلفة من الأمور التي جعلت المخرجين المعارضين يتجهون نحو الأفلام الوثائقية كون الروائية مكلفة أكثر بكثير منها، وفق موسى، مشيرًا إلى أن لدى النظام السوري عوامل الإنتاج كافة (الجهة المانحة، الطرف المنتج) التي لم تتوفر لدى المخرجين السينمائيين المعارضين.
أجندات تُحرّك؟
وعلى الرغم من ضيق مساحة الإنتاج الفنية في السينما بالصف المعارض، يقع عليها اللوم بعدم قدرتها على تجميع نفسها ضمن مؤسسة إعلامية أو ثقافية واحدة، حسبما يرى الممثل والفنان السوري نوار بلبل، في حديث إلى عنب بلدي، ووفق بلبل اتبعت المعارضة الداعم بحسب توجهه، فغضت الطرف عن أحداث وأظهرت أخرى حسب وجهات النظر المتنوعة، وبالتالي كانت الأصوات متفاوتة وكل شخص يعمل بحسب طاقته.
ولكن بلبل يرى في ذلك جانبًا إيجابيًا، إذ إن تنوع التوجهات هو شكل من أشكال الديمقراطية. وفي هذا الإطار يقارن بلبل بين فيلم المخرج السوري طلال ديركي “عن الآباء والأبناء” والفيلم الأمريكي الذي يحكي قصة الصحفية الأمريكية ماري كولفين التي قتلت في حمص “A Private War”.
ويرى بلبل أن الفرق بين الفيلمين هو زاوية التناول والتعميم الإيجابي أو السلبي، ففيلم كولفين الذي أنتجته شركة “يونفرسيل ستوديو” تناول ما يجري في سوريا، وتحدثت عن واقع ما يحدث فيها من ثورة شعبية، عكس الجانب الضيق الذي تحدث عنه المخرج السوري طلال ديركي في فيلمه.
ويعود بلبل إلى الفيلم الأمريكي الذي عرض مشهدًا لبابا عمرو في اللقطة الأخيرة من العمل والتي تحوي دمارًا شاملًا صور من خلاله سوريا تلك البلد التي دُمرت لأنها طالبت بالحرية، “بينما عمم ديركي نظرية الإرهاب والقاعدة والتكفيريين على محافظة إدلب و بالتالي على كل المناطق السورية المعارضة “.
أفلام خالدة وأخرى تسقط بالتقادم
على المدى القريب تبرز السينما التوثيقية بتثبيت الحقائق لتكون مرجعًا لأفلام سينمائية مقبلة تدوم لأجيال، ولكن قسمًا منها سيسقط مع الزمن لأنه مرتبط بمرحلة ما، وفق ما قال المخرج السوري ثائر موسى.
ويأمل موسى الاستمرار للمستوى الثاني من الأفلام (الوثائقية) لتشكل مرجعًا توثيقيًا، مشيرًا إلى أنه يجب أرشفتها، فالنظام السوري سيسقط عاجلًا أم آجلًا، ومن هنا تأتي أهمية الأرشفة السينمائية لحفظ وتأريخ المرحلة الحالية بشكل سينمائي، بينما المستوى الثالث (الروائي) هو أكثر ديمومة من النوعين السابقين، بحسب موسى.
ويرى موسى أن الأفلام عن الثورة السورية ستبقى تصنع على مدار الـ 50 عامًا المقبلة، لأن “الكارثة التي حلت والإرهاب الذي ارتكبه النظام السوري سيكون مادة غنية، للأسف، بسبب كثرة الجرائم، وبذات الوقت هي مادة إنسانية عالية الشحنة الدرامية”، معتبرًا أن هذا الحدث أو الكارثة سيكون مصدر إلهام للمخرجين على مر الزمن.
ويؤمن موسى بأهمية الأفلام التي تصنع اليوم على اختلاف أنواعها.
ويتفق الممثل والفنان السوري نوار بلبل مع موسى بأن كل شيء يصور للثورة السورية من كل أنواع الفنون في الحالتين إما يبقى ويخلد أو يموت بالتقادم، وبحسب تعبيره، “يبقى الثمين ويسقط الغث”.
ويرى بلبل أنه لا يمكن اليوم لوم السينما والفنون بشكل عام، باعتبار الحدث في البلاد أكبر بكثير من السينما وأكبر بكثير من اختصاره أو توظيفه بفيلم أو بمسلسل أو رواية، مشيرًا إلى أن هذا سيوثق لاحقًا بالتدريج رويدًا رويدًا.
أفلام روائية قيد التحضير
الثورة السورية ستكون بحرًا من الأفكار والمواضيع والسيناريوهات لأفلام سينمائية ستنشأ مستقبلًا، بحسب موسى، معبرًا عن تفاؤله بما سينتج مع الأيام.
وأشار موسى إلى أن هناك أفكارًا لدى مخرجين سوريين بالانتقال خطوة إلى الأفلام الروائية، مضيفًا أنه اطلع على البعض من تلك النصوص مع أصدقائه السينمائيين.
وعبّر موسى عن أمله بإنتاج فيلم روائي أو أكثر عن الحالة السورية خلال العامين المقبلين، وأشار إلى أنه حاليًا يعمل على سيناريو فيلم روائي ليست له علاقة مباشرة بالحدث السياسي والإعلامي بل هو إنساني بحت على خلفية الأحداث السورية، وسيكون العمل انطلاقًا من الناس الذين هجرهم النظام.
هل كانت السينما السورية مؤثرة في رواية ما يجري في سوريا؟
أظهرت نتائج استطلاع للرأي نشرته عنب بلدي عبر صفحتها في “فيس بوك“، أن أغلبية المشاركين لا يعتقدون أن السينما السورية أثرت في رواية ما يجري من أحداث في سوريا.
وشارك نحو 400 مستخدم في الإجابة عن السؤال الذي طرحته عنب بلدي: هل كانت السينما السورية مؤثرة في رواية ما يجري في سوريا؟
وبنسبة 82% أجاب المشاركون بالنفي، وقال سعد الدين خياطة، تعليقًا على الاستطلاع، “لا يعكس الإعلام السوري سوى وجهة نظر السلطة التي تظهر للخارج الذي يهمها”.
في حين عكست نسبة 18% الاعتقاد القائل بأن السينما السورية كانت مؤثرة في رواية ما يجري.
النظام السوري استثمر السينما
لأن السينما دائمًا أداة مهمة لدى الأنظمة لأدلجة المجتمع والتسويق لوجهات النظر، سعى النظام السوري لإحكام سيطرته عليها منذ وقت مبكر، وحصرها بالمؤسسة العامة للسينما، واستخدمها لاحقًا كسلاح لتأكيد روايته حول “محاربة الإرهاب”.
تبرز هذه الخطوة من خلال عدة أفلام تم إنتاجها في السنوات السابقة، منها “مطر حمص” لجود سعيد، و”فانية وتتبدد” لنجدت أنزور وغيرها.
ولم يتوقف النظام عند إنتاج الأفلام التي تخدم “ديكتاتوريته” فقط، بل ضيق على السينمائيين السوريين، سواءً ما قبل سنوات الثورة أو ما بعدها.
دارت عجلة الإنتاج السينمائي في سوريا عبر إنتاج أفلام تهاجم المعارضة والمتظاهرين، وتهاجم الدول الإقليمية التي يحمل النظام خصومة ضدها، وعلى رأس هذه الأفلام يأتي فيلم “ملك الرمال”، من إخراج نجدت إسماعيل انزور، والذي يناقش من خلاله تاريخ مؤسس المملكة العربية السعودية، عبد العزيز آل سعود، منذ وجوده في دولة الكويت حتى عودته إلى نجد والحجاز، وتأسيس الدولة السعودية، على مدار 50 عامًا من حياته.
وفي حديثه لعنب بلدي قال المخرج السينمائي دلير يوسف، إن سوريا لم تملك صناعة سينما قبل الثورة، وبالتالي لم يستثمرها النظام لخدمته، سابقًا، بعكس ما حصل بعد الثورة، حين حولها لماكينة دعائية تخدم وجهة نظره.
ووصل عدد الأفلام التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما بين 2011-2018، إلى ما يقارب الـ 30 فيلمًا طويلًا، عدا عن الأفلام القصيرة، بحسب الموقع الرسمي للمؤسسة العامة للسينما على الإنترنت.
وأضاف دلير أن النظام سعى من خلال هذه الأفلام، لإثبات وجهة نظره، مستخدمًا المخرجين الذين حاولوا تبييض صورته، حتى لو عرضت في مهرجانات سيئة السمعة، أو في صالتين في الداخل السوري، لتصبح بالتالي جزءًا من الماكينة الدعائية له، مثل تقارير التلفزيون السوري، ووسائل الإعلام الأخرى، في بلد لا يملك صناعة سينما أساسًا، مؤكدًا عدم وجود سينما “حيادية” بنهاية المطاف.
واعتبر المخرج دلير أن أساس السينما وجمالها يكمن في نضالها، لذا من الصعب أن تطلق على الأفلام التي أنتجها النظام في السنوات القليلة الماضية اسم سينما، بل هي أقرب لأفلام دعائية لا أكثر، لأن السينما رسالة وقيمة مضافة لأي مجتمع، وعندما تفقد السينما هذه القيمة يتحول الفيلم إلى مجرد تقرير سيئ على محطة فضائية سيئة، بحسب تعبيره.
الإنتاج السينمائي للنظام السوري بدأ يعتمد على أسماء جديدة، بعدما كانت في الماضي محصورة بأسماء بعينها هيمنت على إخراج هذه الأفلام، لعل أبرزها عبد اللطيف عبد الحميد، ويزن أنزور، ومحمد عبد العزيز، ونضال دوجي.
لم تكن هذه الأفلام موجهة إلى السوريين، أو مصنوعة لتغيير الرأي العام الداخلي فيما يخص ما يجري على الساحة السورية، بقدر ما كانت موجهة إلى العالم الغربي أولًا، وإلى العالم العربي ثانيًا، وكلاهما تعاطف للغاية مع الثورة السورية في بداياتها، لذا كان لزامًا على النظام أن يستثمر آلته السينمائية لصناعة رأي عام مخالف.
كما يستخدم النظام السينما، لتصوير نفسه للغرب تحديدًا، أنه حامي الأقليات في سوريا، ويصدر صورة عن انفتاحه واهتمامه بالفنون، ودعمها من خلال المؤسسة السينمائية الحكومية، وهي التي يسوق لها على أنها أكثر حرية وانفتاحًا، من الأعمال الدرامية السورية.
المخرجون المعارضون بصف “الإرهابيين”
سعى النظام السوري إلى محاربة السينمائيين السوريين، مستغلًا ضعف الإنتاج السينمائي السوري في السبعينيات، وانخفاضه تدريجيًا، وصولًا إلى عام 2011، ومحاولًا صناعة سينما على مقاسه فقط، وهو ما أدى إلى صعوبة إنجاز المخرجين السوريين لأفلامهم، خاصةً مع تدهور صناعة السينما.
أصر بعض المخرجين على صناعتهم الخاصة، وهو ما أدى إلى محاربتهم من قبل النظام السوري بشكل علني، وعلى رأسهم المخرج الراحل عمر أميرلاي، مع منع معظم أفلامه من العرض، ومنعه من السفر في عام 2006، واستدعائه للتحقيق، كما طالب النظام السوري عبر سفارته في تونس، بمنع عرض فيلمه “طوفان في بلاد البعث”، في مهرجان قرطاج السينمائي في ذات العام، وهو ما دعا العديد من السينمائيين العرب لإصدار بيان يؤكدون فيه على سحب أفلامهم من المهرجان في حال منع الفيلم، وهذا ما خلق ضجيجًا حول العمل.
المخرج السوري دلير يوسف قال إن النظام كان يضيق على السينمائيين السوريين، من خلال حصر الإنتاج بالمؤسسة العامة للسينما، وغياب دور سينما على سوية عالية، عدا عن اعتقال السينمائيين، أو خروجهم من سوريا، حالهم حال بقية أفراد المجتمع، فكما ضيق النظام السوري الحياة على الناس، ضيقها على السينمائيين أيضًا.
كما اعتقل النظام السوري المخرج السوري محمد ملص في عام 2014، قبل الإفراج عنه لاحقًا، بالإضافة إلى محاربة المخرجين السوريين وأفلامهم عن طريق الرقابة، ثم عن طريق منع أفلامهم من العرض، في حال استطاعوا إنتاج هذه الأفلام.
لم يقتصر قمع النظام السوري للسينمائيين على الرقابة أو الاعتقال، فأدى قصف لقوات النظام على حمص إلى مقتل المخرج باسل شحادة، والمخرج تامر العوام في حلب.
أفلام دول في الخط السوري
حالها كحال أطراف النزاع السورية دخلت الدول الداعمة للأطراف المحلية على خط الإنتاج، إذ حاولت كل من روسيا وتركيا التعبير والدفاع عن وجهات نظرهما من خلال السينما.
وتمثلت أبرز الجهود الروسية في مجال السينما في سوريا، بإعلان مبعوثها الخاص للتعاون الثقافي، ميخائيل شفيدكوي، نهاية عام 2017، عن نية بلاده إنجاز أعمال فنية تروي قصة الحرب السورية.
وأعلن مدير المؤسسة العامة للسينما في سوريا، مراد شاهين، خلال الفترة ذاتها، عن مشروع لافتتاح أسبوع ثقافي روسي- سوري، لعرض الأفلام الروسية والاستفادة من تجارب مخرجيها، والعمل على تفعيل مهرجان دمشق السينمائي، المتوقف منذ عام 2013.
وكانت الممثلة السورية، سلاف فواخرجي، وقعت، قبل عامين، عقد إنتاج أول فيلم روائي سوري روسي مشترك بين شركة “شغف” التي تملكها، وشركة “برولاين ميديا” الروسية، ينوي عرض قصة “تدمر” بعد دخول قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” إليها، ومن المقرر أن يعرض نهاية هذا العام.
ونالت السينما الإيرانية الحليفة حصتها من خلال عقد اتفاقية مع المؤسسة العامة للسينما السورية بداية العام الحالي.
وقدمت إيران، العام الماضي، فيلمًا “أبكى قاسم سليماني” (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري) حسب رواية الشركة المنتجة له، بعنوان “بتوقيت الشام” والذي يروي بطولة طيارين إيرانيين في مواجهة مقاتلي التنظيم.
وفي الضفة المقابلة انخفض مستوى التنسيق بين العاملين في المجال السينمائي وتركيا التي تعتبر من أبرز الداعمين للمعارضة السورية، عما هو عليه الحال بين الجانب الروسي والنظام السوري.
وأنتجت السينما التركية عددًا من الأفلام والأعمال الدرامية أظهرت الحرب في سوريا من وجهة نظرها، بداية من درعا في فيلم “لأجل أخي.. درعا”، وليس انتهاء بفيلم “التضحية بالروح” الذي عرض الحرب مع تنظيم “الدولة الإسلامية” والأحزاب الكردية، التي تعتبرها تركيا “إرهابية”، في ريف حلب الشمالي.
نظرة تاريخية على السينما السورية.. محطات بارزة
عرض أول فيلم سوري، في عام 1928، وحمل اسم “المتهم البريء”، من إخراج أيوب بدري، وإنتاج “حرمون فيلم”، ليلحقه فيلم “تحت سماء دمشق”، في عام 1932، وسبقتهما بعض العروض السينمائية منذ عام 1908 في حلب، لتنتشر لاحقًا في المدن السورية الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك تسجيل للأحداث الوطنية السورية، والتي كانت مشكلتها الأولى الرقابة الفرنسية، التي كانت تحذف الكثير من المشاهد، إضافةً إلى محاربة بعض الأفلام التي صنعت لدعم الثورة الفلسطينية ضد البريطانيين، من خلال فيلم “نداء الواجب”، وصولًا إلى الحرب العالمية الثانية، والتي منعت وصول مواد التصوير.
استمر الإنتاج بعد نهاية الحرب، فكان فيلم “نور وظلام” من إخراج نزيه الشهبندر، كما تم إنتاج الأفلام الوثائقية عن المدن السورية، دمشق واللاذقية مثالًا، وشهد عام 1950، إنتاج أول فيلم سوري ناطق، حمل اسم “عابر سبيل”.
وبعد الشهرة التي نالها كل من الممثلين دريد لحام ونهاد قلعي في المسلسلات التلفزيونية، دخلا المضمار السينمائي عبر عدة أفلام استمرت من الستينيات حتى الثمانينيات من القرن الماضي، إضافةً إلى عدد من الأفلام التجارية، والأفلام العربية المشتركة.
وبقدر ما كانت شركات الإنتاج السينمائية الخاصة، تهدف لتحقيق الربح السريع، من خلال تقديم أفلام لا تلامس هموم المواطن السوري، ومشاكله الاجتماعية، كان هناك جيل جديد من المخرجين السينمائيين السوريين، ممن درسوا خارج سوريا وعادوا، أمثال محمد ملص وهيثم حقي ونبيل المالح وأسامة محمد وعمر أميرلاي وغيرهم من المخرجين الذين صنعوا أفلامًا حققت نجاحًا كبيرًا في المهرجانات العربية والعالمية.
كما شهدت السينما السورية إسهام مخرجين عرب، من خلال المخرج توفيق صالح، الذي يعد من أبرز المخرجين المصريين ممن لم يحظوا بشهرة واسعة، عبر إنتاج فيلم “المخدوعون”، المقتبس عن رواية “رجال تحت الشمس”، للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، وفيلم “اليازرلي”، للمخرج قيس الزبيدي، والمقتبس من قصة “على الأكياس” للروائي السوري، حنا مينا.
ويعد فيلم “أحلام المدينة” للمخرج محمد ملص، أحد أبرز هذه الأفلام، والذي احتل مكانًا له في قائمة أفضل 100 فيلم عربي، إلى جانب 10 أفلام سورية أخرى، منها “نجوم النهار” لأسامة محمد، وفيلما “طوفان في بلاد البعث” و”الحياة اليومية في قرية سورية” لعمر أميرلاي وغيرها من الأفلام، ضمن القائمة الصادرة عن مهرجان دبي السينمائي لعام 2013.
في حين شهدت الأعوام الأخيرة، بعض الإنتاجات الخاصة، كفيلم “سيلينا” من إخراج حاتم علي وبطولة ميريام فارس، في عام 2009، وإنتاج نادر الأتاسي، وهو فيلم غنائي، مقتبس من مسرحية “هالة والملك” للأخوين الرحباني، وفيلم “الليل الطويل” وهو أيضًا من إخراج حاتم علي، 2009، وفيلم “نصف ملغ نيكوتين” 2007 و”دمشق مع حبي” عام 2010 من إخراج محمد عبد العزيز، وصولًا إلى الإنتاجات السينمائية للمؤسسة العامة للسينما منذ عام 2011 حتى اليوم.