لبى السوريون نداء الانتفاضة وثاروا على الطاغية وصنعوا معجزةً وطنيةً لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد، فجر استقلال جديد لم يكتمل حتى الآن، وعشرٌ سنوات مرت على الانطلاقة الأولى والصرخة الأعلى والهتاف الأقدم الخالد “الله سوريا حرية وبس”، تلك البدايات العظيمة أفرزت رجالات عظماء كانوا في طليعة الحراك، ساروا على نهج أجدادهم الذين قارعوا الاستعمار مثل يوسف العظمة وحسن الخراط.
خلال السنوات الأولى للثورة السورية ظهرت شخصيات ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بأحداث البدايات، كنا نجدهم على الأكتاف يهتفون ويتظاهرون وتارة تجدهم في المشافي الميدانية وآخرون وراء الكاميرات التي تريد إيصال صوت المنتفضين وتوثيق إجرام رجال بشار الأسد وحزبه، ولم يكتف رجال الثورة بذلك فكانوا بين فوهات البنادق يعلنون انشقاقهم عن الجيش الذي وجه سلاحه إلى صدور الشعب الأعزل.
لا نبالغ إن قلنا إن الثورة السورية صنعت آلاف الرموز والأيقونات، بذلوا وقدموا وجادوا بالغالي والنفيس، ونحن اليوم كثوار نواجه حربًا خارج ميادين السلاح والدبابات والرصاص، حربًا من التشويه والإلغاء لرموز الثورة وأشخاصها، فعمل النظام على صنع ماكينة إعلامية لضرب الأشخاص الذين لمع نجمهم وأصبح لهم حاضنة شعبية كبيرة، ومن أجل ذلك كان على الثوار حفظ تاريخهم وصون رموزهم.
في هذا التقرير نحاول الرجوع بالذاكرة إلى البدايات، وتسليط الضوء على بعض الأيقونات الثورية التي عاشت معنا لحظاتنا الأولى، لكنها غابت عنا اليوم، منهم من اختفى عن المشهد نهائيًا ومنهم من قضى شهيدًا منافحًا عن قضيته، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن استحضارنا لهذه الأسماء لا يعني أنها كل الوجوه الثورية المنسية، لكننا نشير إلى البعض لنحفز الذاكرة على تذكر الكل.
اقرأوا وتذكروا من كانوا حولكم، من رفعمتوهم على الأكتاف وهتفوا ورددتم من ورائهم الشعارات، تذكروا من قُتل دفاعًا عن الثورة وأهلها.
عبد الرزاق طلاس
في الـ7 من يونيو/حزيران 2011 ظهر الملازم أول عبد الرزاق طلاس في تسجيل بثته قناة الجزيرة يعلن خلاله انشقاقه عن صفوف الجيش السوري نتيجة الممارسات غير الإنسانية والأخلاقية وانحرافه عن مبادئه وقسمه، ليكون طلاس أول منشق برتبة ضابط يعلن انضمامه لصفوف الثورة السورية.
طلاس الذي كان أيقونة معارك بابا عمرو في مدينة حمص، من مواليد مدينة الرستن في ريف حمص الشمالي عام 1987، انتقل بعد إعلان انشقاقه إلى مسقط رأسه ليشكل كتيبة خالد بن الوليد مع أصدقائه المنشقين، وانتقل بعدها إلى حي بابا عمرو وتسلم قيادة كتيبة الفاروق التابعة للجيش السوري الحر.
خاض معارك عنيفة ضد قوات الأسد حتى انتهى المطاف بخروج طلاس وأصدقائه من الحي في الأول من مارس/آذار عام 2012 إثر سيطرة قوات النظام عليه، نال عبد الرزاق شعبيةً واسعةً بين صفوف السوريين عمومًا، إذ كان انشقاقه نقطة فارقة شجعت الكثير من العسكريين على المبادرة وإعلان الانشقاق والانضمام لصفوف الثورة.
غاب عبد الرزاق طلاس عن المشهد السوري منذ إعلان كتيبة الفاروق تنحيته عن منصبه بسبب فيديو سرب له اعتبر فضيحة “لاأخلاقية”.
فياض الشيخ صالح
في حادثة هي الأولى من نوعها منذ بداية الثورة السورية انشق الرقيب أول فياض الشيخ صالح بعتاده الكامل المتمثل بدبابة “t62” عن صفوف النظام السوري وأعلن انضمامه لصفوف الثوار في مدينة القصير في حمص، واصفًا موقفه أنه “وضع سلاح الشعب السوري في موضعه الصحيح”.
منذ ذلك الحين اشتهر الشيخ صالح بلقب “أبو دبابة”، حيث انضم الرقيب أول إلى كتيبة الشهيد علاء الزهوري وشارك معهم في الكثير من المعارك ضد قوات النظام السوري، مستخدمًا دبابته في قصف حواجز ونقاط تمركزهم، وانتقل بعدها إلى مدينة إدلب لينضم إلى كتيبة فاروق الشمال، ليتابع مسيرته الثورية ويشارك بالكثير من معارك تحرير سوريا التي أطلقها الجيش الحر، ولعل أبرز معاركه في الشمال السوري هي معركة تحرير معبر تل أبيض الحدودي.