أبرزت الثورة السورية الدور المهم للمرأة على الساحة السياسية والإعلامية، كما برز دورها واضحًا في النشاطات المدنية داخل سوريا وخارجها، لكن يبقى هناك جانب لا يراه الإعلام، جانب لا يقل أهمية، أسهمت فيه المرأة بصمودها وثباتها، في صمود وثبات الثورة بأكملها.
وضحة طالب الحريري، امرأة تشابه بقصتها آلاف السيدات السوريات، فالسيدة البالغة من العمر 75 عامًا، لم تكن خريجة جامعية، ولم تعقد ندوات تتحدث فيها عن البعد الاجتماعي أو الاقتصادي للثورة، بل اختارت أن يكون صمودها على تراب أرضها وبين جدران منزلها، هو الدور الذي تشارك فيه بالثورة.
جربت السيدة وضحة “قهر اللجوء” في مخيم الزعتري في الأردن لأسابيع قليلة، قبل أن تعود إلى درعا تحمل شعار “الموت ولا المذلة”، وفي الوقت الذي اختار فيه مئات الآلاف من رجال وشباب سوريا اللجوء إلى الخارج، كانت السيدة وضحة صامدة في درعا.
استقرت السيدة في منزلها في بلدة الصورة في ريف درعا الشرقي، وذاقت البلدة كما غيرها من قرى وبلدات ريف درعا الشرقي من ويلات القصف الصادر عن اللواء 52، والذي أودى بحياة المئات من المدنيين على مدار خمس سنوات، قبل أن تبدأ فصائل المعارضة في حزيران 2015، معركة لتحرير اللواء، لتتمكن الفصائل من السيطرة عليه في معركة لم تدم أكثر من يوم واحد.
فور انتهاء المعركة، تفاجأ المقاتلون بامرأة سبعينية، ترتدي الزي الحوراني الشهير، تسير بين الآليات العسكرية، تحمل “الراحة الدرعاوية” لتوزعها على المقاتلين فرحًا بالتحرير. يقول حسام أبو طالب، أحد عناصر المعارضة المشارك في تلك المعركة “كانت طائرات النظام مازالت تحلق في الأجواء والقصف لم يتوقف، شكلت رؤية الحاجة وضحة حينها دافعًا معنويًا كبيرًا، ذكرتنا وهي تتجول بيننا وتوزع الحلوى، أن هذه المعركة كانت من أجلها هي وأمثالها”.
استطاعت عدسات الإعلام التقاط منظر الحاجة وضحة، وهي تتجول بين الدبابات وتوزع “الراحة الحورانية” على المقاتلين، ووصفها الإعلام حينها بأنها “المرأة التي تمثل الثورة”، وقيل عنها إنها “المرأة التي شاركت المقاتلين جنبًا إلى جنب في معارك التحرير..”، تحولت الحاجة وضحة إلى ما يشبه “الأيقونة” للمرأة الدرعاوية الثائرة.
لكن هذه الأيقونة لم يكن لها إلا أن تتزين بمشهد ختامي درامي، فبعد أقل من أسبوع على تحرير اللواء 52، شن الطيران الحربي التابع لقوات الأسد غارة على بلدة الصورة، مستهدفًا منازل المدنيين، ومنهم منزل الحاجة وضحة، لتصاب بإحدى شظايا الصواريخ الفراغية، لتصبح “الشهيدة وضحة طالب الحريري”.
تشابه هذه القصة مئات غيرها، إذ تشير إحصائيات مكتب “توثيق الشهداء” في درعا إلى أن أكثر من 1009 امرأة قتلنَ منذ منتصف آذار 2011 وحتى نهاية آب 2016. وأوضحت الإحصائيات أن القصف المدفعي والصاروخي تسبب بوفاة 459 امرأة، بينما تسببت الهجمات الجوية بوفاة 292 امرأة، في حين أقدمت قوات الأسد والميليشيات المتحالفة معها على إعدام 35 امرأة، كما تشير إحصائيات محلية إلى وجود أكثر من 220 امرأة من محافظة درعا معتقلات في سجون النظام.