تمكنت فصائل ريفي حلب الشرقي والشمالي -وجزء من ريف حلب الغربي القريب منه- من دخول مدينة حلب ضمن معركة الفرقان في يوليو \ تموز عام 2012، انطلاقاً من ريف حلب الشرقي إلى منطقة أرض الحمرا في المدينة، في الوقت الذي لم تتمكن فيه الفصائل العسكرية في ريف حلب الغربي من دخول المدينة من المحور الثاني غربها، بعد اصطدامهم بصف التحصينات العسكرية التي أنشأتها قوات النظام في ضواحي الراشدين والصحفيين ومنطقة البحوث العلمية وخان العسل، والتي قُتل على أسوار مدرسة الشرطة فيها الملازم أول “أحمد الفج” في 20 يوليو \ تموز عام 2012، ليبدو واضحاً أن التحصينات غربي حلب ستكون رهان قوات النظام الأكبر للحفاظ على وجودهم فيها، والتحدي الأكبر لفصائل الشهباء.
جاء دخول الفصائل العسكرية إلى مدينة حلب مطلع شهر رمضان عام 2012 استجابة لمقاتلي مدينة حلب، الذين كانوا قد انتشروا في حي صلاح الدين بسلاحهم إثر مواجهة مع قوة أمنية فيه، في ما يشبه إعلاناً عن تحرير الحي، ليتمكنوا جميعاً من السيطرة على أحياء المدينة الشرقية بشكل كامل مع عدد من أحيائها الطرفية شمالها وجنوبها، ولتتجه أنظارهم إلى فتح طريق آخر يربط الأحياء المحررة من المدينة بريفها، فبدؤوا أواخر عام 2012 معركة السيطرة على حي الشيخ سعيد في أقصى جنوب القسم الشرقي منها، موسعين الرقعة المحررة داخل المدينة، وجبهة المواجهة مع قوات النظام باتجاه ريفي حلب الغربي والجنوبي.
غرفة عمليات خان العسل
في الفترة من أواسط عام 2012 وحتى أواخره، كانت كتائب ريف حلب الغربي قد انتظمت في عدد من التشكيلات العسكرية، التي انتقلت من التعريف عن نفسها باسم كتائب إلى ألوية قاد معظمها ضباط منشقون عن جيش النظام، أسسوا غرفة العمليات التي ستعرف لاحقاً باسم “غرفة عمليات خان العسل”.
وفي الوقت الذي كانت فيه الكتائب العسكرية في مدينة حلب تخوض معركة تحرير الشيخ سعيد، أعلنت فصائل ريف حلب الغربي بِدء المعركة التي أطلقوا عليها “المغيرات صبحاً” تيمناً بالآية الكريمة من سورة العاديات، بهدف أوّلي هو السيطرة على آخر معاقل نظام الأسد في ريف حلب الغربي في كفرناها وخان العسل، وبهدف كلّيّ أعلنته غرفة العمليات لاحقاً، وهو “تحرير بوابات حلب الغربية” وفتح طريق إمداد آخر إلى القسم المحرر من مدينة حلب، تحضيراً للسيطرة عليها بشكل كامل.
تمكن الثوار في المرحلة الأولى من السيطرة على عدد من الكتل العسكرية باتجاه خان العسل، ليبدؤوا بعدها في يناير \ كانون الثاني عام 2013 المرحلة الثانية من المعركة، والتي تمكنوا فيها من السيطرة على عدد من النقاط المهمة كان أبرزها مدرسة الشرطة بدايات مارس \ آذار عام 2013، مُهدِين تحريرها إلى القائد الشهيد “أحمد الفج” ومطلقين اسمه عليها تخليداً لذكراه.
بعد السيطرة على مدرسة الشرطة بدأت قوات النظام بتكثيف وجودها وعمليات تحصينها لكل الكتل في محيط “خان العسل”، التي كانت تشكل إحدى القلاع التي اعتمد عليها النظام لحماية طريق إمداده إلى القسم الغربي من مدينة حلب، والذي كان ينطلق من ريف حلب الجنوبي إلى مطار حلب الدولي شرقي المدينة، ومنه عبر طريق حلب \ دمشق الدولي الذي يلتف جنوب المدينة ليدخلها من الغرب عند حي الحمدانية.
بدأ الثوار المرحلة الثالثة من المعركة في مايو \ أيار عام 2013، والتي أطلقوا عليها اسم “الغزوة الثالثة” تأثراً على ما يبدو بالمد السلفيّ الذي طغى على المشهد الثوري أواسط عام 2013 قبل أن يصل ذروته أواخر العام، وذلك باتجاه عدد من الكتل التي كانت قوات النظام قد حولتها إلى مبان عسكرية، وشملت هذه الكتل (معمل أندومي – مصلحة المياه – آلانيا)، حيث تمكنت الفصائل من السيطرة عليها بعد أن أظهروا قدرات كبيرة في التخطيط والانضباط العسكري، مقتربين بذلك من بلدة خان العسل الاستراتيجية التي تعد بوابة مدينة حلب من طرفها الغربي.
بعد انتهاء المرحلة الثالثة التي تم فيها السيطرة على منطقة غنية بالمنشآت الصناعية، ظهرت بعض الكتائب المنتسبة للثوار والتي كانت تستغل سطوتها في أعمال السرقة وابتزاز أصحاب المنشآت، لتبدأ الفصائل المرحلة الرابعة من المعركة مختلفة عما سبقها، حيث أطلقوا عليها اسم “تطهير البيت الداخلي”، موجهينها ضد الكتائب المسيئة التي ارتكبت التجاوزات معتقلين عدداً من أفرادها -أبرزها (كتائب الخال) بقيادة “محمد جسرية”- وتسليمهم مع المسروقات إلى المحكمة الشرعية في دارة عزة، وهي العملية التي أعادت إلى أهالي المنطقة ثقتهم بالجيش الحر، والتي سيظهر أثرها جلياً لاحقاً مطلع العام 2014، عندما سيكون على الأهالي الاختيار بين الجيش الحر وتنظيم داعش.