تشكُّل الإعلام المحلي في حلب بعد التحرير

نوفمبر 29, 2022

ورد فراتي

مقالات

أواسط عام 2012 كان الثوار قد أنهوا معركة تحرير معظم ريف حلب الشمالي، وذلك بإعلانهم عن تحرير “إعزاز” على الحدود السورية التركية في 19 تموز، بعد معركة شرسة استبسل فيها ثوار الشمال، وأظهروا شجاعة كبيرة في مواجهة أرتال دبابات جيش الأسد حتى أُطلِق على البلدة اسم “مقبرة الدبابات”.

تمّ الإعلان عن تأسيس لواء التوحيد في 18 تموز بالتزامن مع تحرير إعزاز، والذي اندمجَتْ فيه أغلب تشكيلات ريفَي حلب الشماليّ والشرقيّ، مع عدد من مجموعات ريف حلب الغربيّ ومدينة حلب، بقيادةٍ عامةٍ لـ “عبد العزيز سلامة” وقيادةٍ عسكرية لحجي مارع، ليَدخُل بعدها اللواء بيومين في الجمعة 20 تموز من عام 2012 إلى مدينة حلب مع أوّل أيام شهر رمضان، ابتداءً من منطقة “أرض الحمرا” في أحيائها الشرقية، في الوقت نفسه الذي حمَل فيه بعض ثوار حي “صلاح الدين” السلاح مُعلِنين تحرير حيِّهم، لتتحرَّك جموع الثوار في الأحياء الشرقية من حلب بشكل قوس انطلقوا من طرفَيه والتقوا في منتصفه تقريباً عند مخفر “حي الصالحين”، فخرج ثلثا المدينة تقريباً عن سيطرة نظام الأسد بشكل حرف U، فيما حافظ النظام على سيطرته على “حلب المفيدة” بين الأحياء المحررة!

وفي الفترة منذ شهر آب عام 2012 وحتى بدايات عام 2013، كان قسما المدينة مفصولَيْن بقُدرَة كلّ من الطرَفين على التقدّم أو الصمود، ولم ينشَأ خطّ رباط عسكري حقيقيّ بين المنطقتين باستثناء “شارع 15” الذي يفصل حي “صلاح الدين” عن “أستراد الحمدانية”، والذي كان واضحاً فيه إصرار قوات الأسد على منع الثوار من تجاوزه، وكذلك كان الحال بالنسبة لحيَّي الإذاعة والميدان، والمسجد الأموي في حلب القديمة، أما بقيّة حدود المنطقَتَين فشكَّلَتها معالم المدينة مثل الشوارع العريضة أو الحدائق..، وهو ما سمح للعديد من الثوار القاطنين في الأحياء المُحتَلّة -الخاضعة لسيطرة النظام- في تلك الشهور القليلة أنْ يعيشوا حياتهم حرفيّاً بين مدينتين، مدينةٌ تضم الأحياء الخاضعة لسيطرة متوترة لنظام الأسد، ومدينة أخرى تحيط بالأولى أعلنها الثوار مُحَرَّرَة في الأحياء الشعبية لمدينة حلب.

image86.jpeg

إلى المناطق المحررة

آنذاك كنتُ أدير المكتب الإعلامي لتنسيقية جامعة الثورة، وذلك مِن منزلنا في حيّ “المارتيني” الحلبي، والذي تواجدَتْ فيه عدد من الكاميرات التي جمعناها على شكل تبرّعات من جهات مختلفة، كانت أكثرها تطوّراً تلك التي جاءتنا هديةً من تنسيقية بلدة “طيبة الإمام” في ريف حماة عن طريق أحد أعضاء المكتب “أبو عروة”، إضافة إلى امتلاكنا لكثير من شرائح 3G لرفع المقاطع على الانترنت، فضلاً عن شبكة علاقات واسعة مع كثير من الجهات الإعلامية والقنوات التلفزيونية المهتمّة بتغطية الثورة السورية.

وقُبَيْل دخول الثوار إلى مدينة حلب بدأنا في تنسيقية الجامعة جُهداً لتأسيس “مجلس ثوري موحد لمدينة حلب” من اتحاد تنسيقيات المدينة، وبالترافق مع ذلك الجهد كُنّا في المكتب الإعلامي نسعى لتوحيد إعلام المدينة التي نشطَتْ في أغلب تنسيقيات أحيائها مكاتب إعلامية.

ترافَقَ تحرير مدينة حلب مع بَدء قوات نظام الأسد قصفَ الأحياء المحررة بالمدافع والطائرات، وصار لِزاماً علينا في مكتب جامعة الثورة الإعلامي أنْ نُغطّي النقص في الإعلام المحلّي لتوثيق الأيام الأولى للتحرير، لذلك سخَّرنا إمكانيّاتنا المتواضعة لتغطية تلك المرحلة المفصليّة في تاريخ سوريا.

فكنتُ أخرج صباحاً -أنا أو أبو عروة- من حي المارتيني قرب ساحة الجامعة في “الأحياء المحتلّة” إلى أقرب نقطة عبور إلى “المناطق المُحرَّرة”، والتي كانت غالباً -بالنسبة إليّ- الحديقةُ الصغيرة بين حيَّي سيف الدولة وصلاح الدين، فأبدأ جولتي من الأحياء الغربية في المنطقة المحررة (صلاح الدين والمشهد والزبدية..)، ثم عبر الشارع بين جسر الحج ودوار الصالحين مروراً بأحياء الفردوس والمرجة باتجاه الشعار، ومن هناك إلى أحياء طريق الباب والصاخور حيث تنتهي جولتي عند حديقة “باب الله” التي تفصل المنطقة المُحرَّرة حديثاً عن مناطق النظام.

ثم من هناك عودةً عبر الطريق نفسه إلى جسر الحج الذي اعتدت الانعطاف منه يميناً إلى حيّ بستان القصر، باتجاه نقطة عبور أخرى قرب جامع حذيفة بن اليمان إلى حيّ المشارقة الذي لم يكن آنذاك خاضعاً لسيطرة أيٍّ من الأطراف، ومنه عبر الفيض إلى حيّ المرديان فالمارتيني ومنزلنا الذي كنتُ أصله في الساعة الواحدة ليلاً تقريباً، حيث نقوم برفع المقاطع التي تمّ تصويرها خلال هذه الجولة، والتي كان أكثرها توثيقاً للقصف على الأحياء المُحَرّرة ونزوح أهلها، إضافةً إلى بعض المواجهات بين الثوار وجيش الأسد في الجبهات الساخنة.

مقاطع تم تصويرها من قبل مكتب جامعة الثورة في أيام التحرير الأولى (24 – 29) تموز عام 2012. تضم المقاطع توثيقاً لقصف الطيران الحربي – نزوح العائلات – فرحة عناصر الجيش الحر – آثار القصف

في الأيام الأولى كانت معظم المقاطع التي تخرج من مدينة حلب يتمّ تصويرها من قبل المكتب الإعلامي للواء التوحيد، أو عن طريق فريق من الشباب شكلوا على عجلٍ مكتباً في حي سيف الدولة قرب حيّ صلاح الدين المُحرَّر؛ أو عن طريقنا.

وهو ما دفعَنا لبدء عدد من الاجتماعات بُغيَة تنسيق العمل الإعلامي في المدينة، فكان الاجتماع الأول مع عدد من إعلاميِّي حيَّي بستان القصر والكلاسة، والذي رتّب له أحد طلاب كلية العلوم في جامعة حلب من أبناء الحي والمعروف باسمه الحركي “مشروع شهيد طارق”، وقد تمّ فيه الاتفاق على جاهزيّة إعلاميِّي الحي للدخول في مشروع إعلامي مُوحَّد، ثم حضَرْنا اجتماعاً آخر لإعلاميين من المدينة والريف في مدرسةٍ استعملها لواء التوحيد مقرّاً لعملياته في أرض الحمرا، والذي دعانا إليه أحد أبناء المدينة من المكتب الإعلامي للّواء والمعروف باسمه الحركي “صالح الكفو”، كما حضر الاجتماع “حجي مارع” -تقبلهما الله- والذي أسهَب بالحديث عن أهمية دور الإعلام في تلك المرحلة، إلا أنّ الاجتماع انتهى قبل الاتفاق على أيّ شيء، وذلك بعد أنْ صدحَت “القبضات” بتحرير مخفر الصالحين الذي كان يفصل الكتلتين المُحرَّرتين حديثاً عن بعضهما، لينطلق الجميع إلى المخفر المحرر.

لكنّ أهم الاجتماعات كان مع “براء ميس” -اسمٌ حركيّ- وهو من أبناء مدينة حلب الذين بدؤوا قبل فترة جهداً لتأسيس مكتب إعلامي مُوحَّد للمدينة، وقد تمكّن مع رفاقه من توحيد عددٍ من إعلاميي التنسيقيات ضمن بُنية واحدة وذلك قبل دخول الثوار إلى المدينة، فضلاً عن دورهم في الأيام الأولى للتحرير عن طريق مكتبهم في حيّ سيف الدولة، والذي ساهم بشكل كبير في تغطية جيّدة لتلك الفترة.

التقيتُ براء للمرة الأولى في حيّ المرديان ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من المدينة، ورغم كون الاجتماع قصيراً إلا أنّ جدّيّته في مسعاه وقطعه شوطاً كبيراً في توحيدِ إعلام المدينة، دعاني للاتفاق معه على دمجِ جهودنا لتأسيس شبكة إعلامية مُوحَّدة.

بعدها بشهر تقريباً، ونتيجةً لكثيرٍ من جهود توحيد الملف الإعلامي في المنطقة المحررة، حدث اجتماع لأغلب إعلاميّي المدينة في المناطق المحررة لم أتمكّن من حضوره، وانقسم من حضروا الاجتماع بين كتلتين: الأولى أسفرَت عن تشكيل “مكتب حلب الإعلامي AMC”، أما الثانية -والتي كُنّا جزءاً منها- فقد أسفرَت عن تشكيل “شبكة حلب نيوز الإعلامية”، وهي الشبكة التي ضمّ كادر إدارتها آنذاك خمسة أشخاص كنتُ وأبو عروة ضمنهم، بينما الثلاثة الآخرون هم “براء ميس” و”أبو البشر” وشخص ثالث هو مَن أدار مكتب سيف الدولة في الأيام الأولى للتحرير، والذي سيُقتَل لاحقاً في منطقة “الباغوز” أقصى شرق سوريا بدايات عام 2019، كأحد أواخر الصامدين ضمن صفوف تنظيم داعش، وواحد من أهمّ أركان آلته الإعلامية، إذ يُنسَب إليه تأسيس “وكالة أعماق” الشّهيرة، وهو المعروف باسمه الحركيّ “ريان مشعل”.

المصـــدر

المزيد
من المقالات