صراع التنسيقيات في جامعة حلب

نوفمبر 9, 2022

ورد فراتي

مقالات

تأسّست تنسيقية جامعة الثورة أواخر عام 2011 بهدفٍ واضحٍ هو تنظيم الحراك الطلّابي الثوريّ في جامعة حلب، في مواجهة التّصعيد الأمنيّ من قِبَلِ رئاسة الجامعة وفرع “حزب البعث” فيها الرّامي لإجهاض حراكها، وهو ما دفعها إلى اعتماد آليةٍ تمثيليّةٍ في مجموعتها الإدارية التي ضمّت ممثِّلين عن كلّ كليّة من كلّيّات الجامعة، شَكّلَ كلٌّ منهم حلقةَ وصلٍ بين إدارة التنسيقية والطلبة الثوريّين في كلّيّته.

أظهَرَتْ التنسيقية فاعليّة واضحةً في حشد وتنظيم المظاهرات الطلابية في حلب خلال الأشهر الأولى على انطلاقتها، ومع اتّساع الحراك الثوري في الجامعة التي باتت تشهد أكثر من مظاهرة يومياً في أحيان كثيرة، بدأت تظهر المكاتب التخصّصيّة التابعة للتنسيقية بحسب الحاجة إليها.

فكان أوّل المكاتب التخصصية انطلاقاً هو المكتب الميداني الذي ضم الطلاب “المشموسين” غالباً، والمعروفين بصرخة التكبير الأولى في المظاهرات الجامعية في كلّيّاتهم، حيث وقَع على عاتقهم مهمة تحديد مكان المظاهرة وتوقيتها، إضافة إلى نشرِ طلابٍ يراقبون نقاط انتشار عناصر “حفظ النظام” القريبة، فيتمّ تنبيههم في حال تحرّك أحدها، ليفُضّوا المظاهرة أو يُغَيّروا اتّجاه مسيرها.

ثم تأسست مجموعة “بصمة جامعة الثورة” مطلع شهر نيسان من عام 2012، والتي تخصصت بالأنشطة النوعية السلمية التي يمكن لها أنْ تُحدِث صدىً إعلامياً واسعاً محلياً ودولياً، فاستهلّتْ أنشطتها بتشكيل كلمة SOS بشريّةٍ في حديقة الأصدقاء قرب كلّيّة الميكانيك في الحرم الغربي للجامعة، ثم تشكيل علم ثورة بشري في الساحة الخلفية لكلية الآداب. كان المسؤولون عن تجهيز اللوحات الورقيّة الخاصة به 12 طالباً من كلّيّة العمارة، إضافةً إلى تنظيم وقفةٍ احتجاجيّةٍ بلافتات تحمل عبارة “أوقفوا القتل” في ساحة الجامعة وذلك كله في شهر نيسان، ثم تنوّعتْ أنشطة المجموعة لتشملَ إقامة معرضٍ بدُمَى مُصَنّعةٍ محلّياً عُلِّقَتْ على سور الجامعة، ترمُز للمجزرة التي قام بها شبيحةٌ طائفيّون بحقّ أطفال بلدة الحولة في حمص، إضافة إلى تنظيم مشهد مسرحي يعبر عن شهداء جامعة الثورة.

تتابَعَ ظهور المجموعات والمكاتب التخصصية التابعة للتنسيقية على مدار النصف الثاني لعام 2012، فأُنشِئتْ مجموعة “حرائر جامعة الثورة” والتي ضمّتْ طالباتِ الجامعة ضمن التنسيقيّة واللّائي شكّلنَ ما نسبته 15% من عموم أعضائها، ثم المكتب الإعلامي والإغاثي والطبي والحقوقي والتقني… إلى غيرها من المكاتب الأخرى، حيث أُسِّسَ لكلّ مكتب مجموعة خاصة على موقع “فيسبوك”، ونُظِّمَ اجتماع ميداني بين أعضائها الأساسيين لوضع خطة عمل للمكتب.

وهو ما دفعنا -في إدارة التنسيقية- إلى إعادة هيكلة نستطيع معها ضمان استمرار فاعلية التنسيقية دون تشتُّتْ بفعل تزايد عدد المجموعات، فأُعِيدَ تشكيل الإدارة ضمن جامعة الثورة لتشمل مدراء المكاتب التخصصية -بدل ممثلي الكليات- فيما يشبه مكتباً تنفيذياً، فيما أضيف شخصان إلى ثلاثة أشخاص كممثلين للطلبة الثوريين في كلياتهم -بحسب عدد طلاب الكلية- إلى هيئةٍ أقرب لبرلمان طلابي ثوري في الجامعة، وعُيّن منسّقٌ عام للتنسيقية وأمين سرّ كانت مهمتهما الربط بين الهيئة التمثيلية ومدراء المكاتب التنفيذية، كما اشتُرِط أنْ يَضُمّ كلّ مكتب تخصّصي ممثّلاً عن كلّ كلّيّة من كلّيّات الجامعة يتم ترشيحه مِن قِبَلِ منسّق الكلية ليساهم في عمل المكتب، ويضمن تشبيك العمل الثوري للتنسيقية في كل مستوى من مستوياتها، وهو ما زاد مِنْ فاعليّة حراك الجامعة الثوري.

تنسيقيات جامعة حلب

لم تكن تنسيقية جامعة الثورة التنسيقية الطلابية الوحيدة في جامعة حلب في الأشهر الأولى لعام 2012، فقد نشَطَتْ في الجامعة التي تُشَكّل صورةً مصغّرةً عن سوريا بما تضمّه من انتماءات متنوعة مناطقياً ودينياً وعرقياً ومذهبياً عِدّةُ مجموعات طلابية ثورية، كان من أشهرها (تجمع أحرار وحرائر جامعة حلب)، ولم يكن هذا التنوّع مشكلة في كلّيّات محدودةِ العدد ككلّيّة العمارة أو المعلوماتية أو طبّ الأسنان مثلاً، والتي كان طلابها الثوريون يعرفون بعضهم مما سهّل عملية تنظيم الحراك ثوري داخل كلّيّاتهم، لكِنْ وفي كلّيّات كثيرة الأعداد مثل العلوم أو الاقتصاد أو الميكانيك كان تنوّعُ التنسيقيات يُمَثّل مشكلةً حقيقيّةً، خاصة عند تضارُبِ موعد مظاهرتين يتشتّتُ الطلاب بينهما، فيَسْهُل على عناصر حفظ النظام قمعهما بسرعة واعتقال عدد من المتظاهرين فيهما.

وبصورة عامة شكّلَ الحَرَمَان الشرقي والغربي لجامعة حلب منطقةَ فاعليّةٍ تنظيميّة لتنسيقية جامعة الثورة، فيما كان الحرم الأوسط منطقةً متداخلةَ النّفوذ بين التنسيقية وتجمع أحرار وحرائر الجامعة، فكان الأخير يركّز نشاطه في كلّيّة العلوم التي شَهِدَتْ أكثر مظاهرات الجامعة زخماً.

فنشأَتْ حالةٌ مِنَ الصّراع بين التنسيقيّتَيْنِ على تمثيل الحراك الطلابي، ونَظّمَ الطرفان مظاهرات لم يقتصر دافعها على إسقاط نظام الأسد! بل جاوزتها إلى “إبراز العضلات الثورية”! مثل المظاهرات الصباحية قبل بدء الدوام في الساعة السابعة والتي استخدمها التّجمع مثالاً على قدرته على التنظيم.

مظاهرة صباحية في جامعة حلب – قسم الثورة

أدخَلَ الصّراع بين التنسيقيتين حِراكَ الجامعة الثوري بحالةٍ مؤسفة حقاً، خصوصاً عندما بدأ الطرفان يتبادلان الاتهامات بتصوير مظاهرةٍ أو نشاطٍ لأحدهما منْ قِبَلِ الآخر ونَسْبِه إلى تنسيقيّته، وتحوّلتْ الاتهامات تدريجياً إلى أحاديث عن تمويلٍ مشبوهٍ للطرف الآخر لم تقتصر على أعضاء إدارتي التنسيقيتين، بل انتقلتْ إلى صفوف الطلاب الثائرين والذين لم يكن يُهِمّهمْ كثيراً اسم التنسيقية بقدر الحراك نفسه، وكاد هذا الصراع أنْ يُنهي حراك الجامعة الثوري لولا مبادرةُ بعض الطلبة المشتَرَكِين بين التنسيقيتين، والذين نجحوا بعقد اجتماع موسّع لإدارتيهما في شهر نيسان من عام 2012.

عُقِد الاجتماع في منزلٍ يستأجره طلبةٌ من أبناء محافظة حماة -على ما أذكر- في حيّ صلاح الدين الحلبي، حيث ضَمّ نحواً من 30 شاباً توزّعُوا على محافظات سوريا كلها تقريباً، واستمرّ الاجتماع ثلاث ساعات دار فيهِنّ نقاش محموم بدأ بالعتاب والاتهامات وانتهى بالاتفاق على توحيد التنسيقيتين في جسد واحد باسم “جامعة الثورة”، واعتماد البنية التنظيمية لتنسيقية جامعة الثورة بنيةً للاندماج الجديد.

وهكذا أُضِيف ممثّلان عن كلٍّ من الكلّيّات التي نشط فيها “التجمع” من منسوبيه إلى مجموعاتِ تنسيقية جامعة الثورة، وتمّ الاتفاق على عددٍ من شباب “التجمع” كمدراء مكاتب تنفيذية في الاندماج الجديد، ووُضِعَت خطة لضمّ الطلبة من مجموعات التجمع على برنامج skype إلى مجموعات جامعة الثورة على برنامج facebook بالتدريج، حيث أُوكِلَ إلى المكتب التّقنيّ -الذي كان يضمّ طلبةً من كلية المعلوماتية- إنشاءُ نظامِ تشجِيرٍ لكلّ المنتَسِبِينَ الجُدُد لتلافي اختراق التنسيقية بعد الزيادة الكبيرة في الأعداد التي وصلت إلى 800 عضو في الهيئة العامة، أُرفِق مع كلٍّ منهم أسماء الأشخاص الذين قاموا بتزكيته، فكان يُشتَرَط لإضافة أيّ عضوٍ إلى الهيئة العامة للتنسيقية ومن بعدها إلى أيٍّ من مكاتبها التنفيذية، أنْ يكون مُزَكّىً منْ قِبَلِ عضوين -على الأقلّ- من كلّيّته، فإذا اكتُشِفَ لاحقاً أنّ أحدَ الأعضاء له تواصلات “مشبوهة” يتمّ على الفور حذفه إضافة إلى حذف كل من قام بتزكيتهم.

وهكذا أصبحتْ تنسيقية “جامعة الثورة” بعد الاندماج أكبرَ تنسيقيات مدينة حلب وأكثرها تنظيماً على الإطلاق، وهو ما أهّلها للعب دورٍ مفصليّ في حراك المدينة الثوري، لينتقل الحراك الطلابي من جامعة حلب إلى أحيائها عبر علاقات مع عدد من تنسيقيات المدينة، أو من خلال إشراف جامعة الثورة على إنشاء تنسيقيات لبعض الأحياء التي لم تكن مُنَظّمَةً حتى ذاك الحين.

المصـــدر

المزيد
من المقالات