سجون الأسد.. هاجس المظلومين في سوريا

نوفمبر 29, 2022

تمام أبو الخير

مقالات

منذ بداية الثورة السورية كان السلاح الأقوى بيد آلة الأسد الإجرامية هو الاعتقال، ولم يكن الاعتقال والإخفاء إلا هاجسًا مخيفًا ووحشًا مميتًا بالنسبة للشعب السوري الذي طالما كان خوفه الأكبر من أن يصل إليه النظام ويضعه في غياهب لا يعلم مكانها إلا الله.

كان دائمًا ما يحذرنا أحدهم، وله خبرة في أنظمة القمع، من أن نُعتقل فكان يقول: “ارجعوا لأهاليكم قتلى أو جرحى أحسن ما يصل خبركم أنو النظام اعتقلكم”، طبعًا يقول ذلك خوفًا ورهبة، لما قاساه في معتقله الذي قضى فيه 20 سنة.

على الرغم من الحذر الدائم من الاعتقال، فإن جيش الأسد وشبيحته استطاعوا ملء السجون ومقرات أفرع المخابرات بعشرات الآلاف من المعتقلين والمحتجزين، وعلى رأسهم نشطاء الثورة الأوائل الذين كان لهم فضل تفجير نداء الكرامة.

اليوم، وعلى أعتاب الذكرى الـ6 للمجزرة المأساوية التي حصلت في مدينة داريا بريف دمشق الغربي، وفي الذكرى الثانية لإخلائها من سكانها الذين هجروا قسريًا، تحدث مجزرة من نوعٍ آخر، حيث تتوافد تباعًا على عوائل داريا أخبار مصائر أبنائهم المعتقلين الذين أصبحوا شهداءً.

هذه الإجراءات في هذا التوقيت بالذات تأتي في سياق أوسع، ففي إطار التحرك الدولي والإقليمي لإنهاء الحرب في سوريا عبر التوصل لصفقة لم تتضح ملامحها حتى اللحظة، يمكن النظر إلى قرار نظام الأسد بنشر قوائم المعتقلين ومصيرهم خطوة باتجاه إغلاق ملف المعتقلين والمفقودين في سجون النظام.

تصل الأسماء أولًا إلى دوائر النفوس التي تصدر شهادات وفاة رسمية، وفي حال توجه أهل المعتقل للسؤال عن مصير ابنهم، تُسلم وثيقة الوفاة مع توضيح مسببات وفاة واهية ومتنوعة، إذ يكتب مثلًا أن المعتقل توفي إثر جلطة أو سكتة قلبية! يذكر أنه لا توجد إحصائية دقيقة إلى الآن بالعدد النهائي للشهداء في الزنازين.

تتنظر الكثير من الأمهات عودة أبنائهن على أحر من الجمر ولا تنطفئ شعلة الأمل لديهن، ولكن إجرام الأسد دائمًا ما يكون أسرع، فهو لا يقتل المعتقل الذي ارتاح من أهوال العذاب التي شاهدها ويتذوقها يوميًا وفي كل ساعة وكل دقيقة، بل يجرع حسرته لأهله ومحبيه وزوجته وأولاده.

يعيش الأبناء الذين يريدون أن يعرفوا آباءهم على أوصاف أمهم لأبيهم الذي غادرهم دون أن يعرفوا ملامح وجهه حتى، فعلى أمل الانتظار وعلى نار الشوق الكاوية يكبر الأبناء ببعد قسري عن الآباء، ولا يتمكنون من استيعاب معنى المعتقل أو معنى الأب الذي حرمه منه الأسد.

ذلك الأمل الذي طالما نعيش عليه بأن جميع أصدقائنا في المعتقل سيبصرون النور يومًا ما، هو أمل كاذب في ظل نظام لا يعرف معنى للأمل، كل الذي يعرفه هو حياة السجن والسواد والظلام الذي يريد للشعب أن يظل غارقًا فيه.

فوق كل العذابات التي يذوقها أهالي المعتقلين، إلا أن النظام القمعي يزيد من قهرهم بعدم تسليم جثة المعتقل، وبذلك يحرم أهله من مراسيم الوداع الطبيعية، فلن يكون له قبر تزوره الزوجة والأولاد ليكون متنفسًا لهم ومستودع ذكريات جميلة، يريد الأسد أن يقضي على كل ما يذكرنا بهؤلاء الأطهار الذين قضوا من أجل معيشة حرة لشعب أبي حر.

ومن المفارقة أننا وأهالي المعتقلين صرنا نفرح بألم إذا جاء خبر أحدهم شهيدًا في معتقله، لأنه ارتاح من صنوف العذاب وآهات القهر والألم من تفنن بطرق التعذيب والحرق والضرب والقسوة التي كان يعايشها.

دوامة الأسئلة

من المؤكد أننا لا نعيش ولو جزءًا صغيرًا مما يعانيه المعتقل، ولكن دائمًا ما نعيش بحالة جلد للذات واستحقار لأنفسنا تحت وطأة سؤال: ماذا بوسعنا أن نقدم؟ ونعيش طوال الوقت في ظلمة الأفكار والعذاب والدموع المخفية، ولا يكون باليد حيلة إلا دعاء بالقلب وذكرى لا تخبو مسيرتها ولا تنطفئ جذوتها، ورواية سردية المعتقل الثائر الحر وإيصال رسالته التي مات من أجلها.

يريد الأسد في ذكرى المجازر والتهجير ألا يدع لداريا ولسوريا عامة إلا ذكرى الدماء والموت، لأنها صرخت بصوتها العالي أن “لا نريدك بيننا”، أرادت حرية فقط لا أكثر من ذلك ولا أقل، أراد المعتقلون الذين قضوا في تعذيبهم وطنًا وحقوقًا، كانوا ينادون بكرامة منتهكة وبقانون يحميه الدستور.

في هذه الأوقات لا يجد الإنسان ما يتكلم به أو يواسي نفسه إلا أن يظل يحدث نفسه بالثأر الذي لا ينطفئ من المجرمين في أي زمان وأي مكان، ثأر لا يجب أن يخبو، كرمى للثورة والمعتقلين الذي بذلوا أنفسهم من أجل الحقوق والثورات.

سلام الله على المعتقلين في سجون الطغاة على امتداد هذا العالم، ورحماتك ربي على ثائر قضى في معتقله أو في مهجره، ورحماتك على قلب أم يتلوى من ألم الأمل الكاذب والفراق، وصبرك يا ربنا على قلب زوجة تنتظر وما زالت، ورحمات الله تترى على الأبناء والآباء.

يا دامي العينين والكفين!

إن الليل زائل

لا غرفة التوقيف باقية

ولا زرد السلاسل!

نيرون مات، ولم تمت روما..

بعينيها تقاتل!

وحبوب سنبلة تجف

ستملأ الوادي سنابل..!

 

المصـــدر

المزيد
من المقالات