في الوقت الذي كان فيه السوريون منهم من يقاتل ومنهم من يعتقد بالتضحية لأجل الكرامة والحرية ومنهم من يقف مذعورا ومنهم من يصمت مستلباً لوجوده بينهم، كان في العالم المراقب فئة تعمل على تأجيج هذه الأوضاع، فئة عارفة بعلوم نفس الشعوب ودارسة بلا هوادة لتطورات الحرب والسلم، تتواصل مع “نخبة” من الثوار فقط، هؤلاء الذين اكتشفوا بعد هذا كم كانوا مخدوعين. هذه الفئة العارفة تعتني بحضارتها خاصتها، وربما كان لها هناك مدونون في العالم غرباً وشرقاً يعملون في مصلحتها.
يمكن تسمية هذه الفئة متطرفين. الموضوع هنا لا يتعلق بمفهوم المؤامرة وإشكاليات الخروج منها، إنما بظروف حرب سورية تشارك فيها العالم، إذ لم يبق إيديولوجية إلا واقتربت من تلك الأرض ويبدو أن السوريين وصلوا لمرحلة سلبية في مبادراتهم مع الآخر أو أن هذا الآخر لم يعد موجوداُ في حسبانهم، لم يعد مقنعاً.
يوجد “مثقفون” من الشرق كان يعتد بثقافتهم ويؤمل باطلاعهم وتعدد لغاتهم، بتمكنهم من هؤلاء المتطرفين، ولكنهم ظلوا في مجالهم، منحازين للغرب غير قادرين على حضارتهم. كان أكثرهم من اليسار ولم يعد لديهم قاعدة يعتد بها.
حدث وأن قام هؤلاء بتسمية النظام بالنخبة الحاكمة التي فعلت فعل العنصري المتطرف لكنها لم تصل إلى ندية حقيقية مع متطرفي العالم الغربي. ولم يتسن للسوري أن يتفاهم معهم أو يجد حوارا ليتدبر حريته. يؤمنون بأحقيتهم في التطهير في كافة أرجاء العالم فيما أي إنسان في هذا الكون يؤمن بحقه في الوجود ولأسرته وذويه، أن يمارس عمله وينال رزقه من غير أن يفكر بإرضاء طرف من تلك الأطراف أو بأن يقضي حياته في مطالبات في سبيل تفاصيل حياتية.
جماعة الثورة من ضاعت أراضيهم وتشردوا ولم يبق لديهم إلا حجارة يقاتلون بها استغنوا عن الآخر وإن أصر ذلك المقابل على إيقافهم واتهامهم بالإرهاب، فيما أنهم ماضون لإعمار ما تخرب.
لم نقرأ عن ثقافة تناولت هذه الظروف الشديدة بحيادية بمعنى المقاضاة التي يحتاجها السوريون كي يعي ما يتوارد إليه وما يصدره ويمهد الطريق في حياته.
ببساطة له أن يعلن أن هؤلاء المتطرفين لا نريدهم في حياتنا، لا الذي نظر إلى بلادنا وسكاننا كموضوع لدراساته ومصالحه ولا ذاك النظام الهمجي الذي اعتقل السكان وعذب وهجر، يشار هنا إلى النظام السوري بفئة مملوءة بالشر والخوف من أقليتهم.
أكثر من سبعة أعوام في ذلك الحال المتسائل والمتردد المصر على تبرئة وجوده لكن في الوقت نفسه مضطر على حرب غير عادلة مرات مع أشباح أطراف لا تعلن عن نفسها صراحة إنهم مرات يتصارعون فيما بينهم ويخلقون عدوا ليس في حسبان ولا مجال اهتمام المرء، حتى لغة التخاطب انحازت للإبهام وأخرجت الكلمات من معانيها ووظائفها المعهودة مما خلق عقدا بالتواصل بين السوريين وتحول الوضع إلى صعوبات يتوجب عليه فكها فيما آخرون ينعمون في مصالحهم.
بالطبع يفهم أن هناك من لديه وسيلة تحكم بالبشر، ولكن الوعي الذي اكتسبه المواطن في تلك الظروف يمكنه من تقصير هذه الأذرع.
وتجدر الإشارة إلى جيران لسوريا ككتاب ومثقفين وسياسيين ولكن بالكاد استطاعوا أن يشعروا ببعض ظروف السوريين رغم الجامع الواحد، لغة ودينا وتاريخا وربما قد عبروا بتجربته سابقا وتعلموا من حروبهم ولكن لم يبادروا إلى فضح هذا العدو المشترك لكل المنطقة. في الوقت الذي يطالب فيه السوري بالصبر ويطالب بالغضب والثورة مرات في الوقت نفسه. وهناك من يطالب بالسكون والقادم الذي يقرؤه هذا السوري يائس وبائس في آن.
لم تتطور القضية السورية كما تطورت القضية الفلسطينية بخريطتها وأبطالها وقضيتها العالمية، بأن يجري الانطلاق من واقع أرض مغتصبة، فالتواصل عبر الإنترنت يخلط مرات بين الوقائع ويجعل كل لحظة خلاصة جديدة للحرب والسلم ويبدو أن حزن الهزائم العربية السابقة لم يتوفر للسوري كي يجمع شتاته عليه، على العكس صار في السياسة اليومية المقيتة والتي لا تتعدى مفهوم قتال أشباح، سلوكه.. كأن يجد من يصف غضبه بالسعادة في انعكاس كريه.
هذا النظام الحاكم الذي نادى السوريون بإسقاطه تشبث بفئة من الشعب نظيفة ليبقيها تحت رايته. لكنه في الوقت نفسه حاول أن يشركها في ميوله.
بالعودة لبداية الحرب السورية حيث قامت قوات من مناطق باقتحام مناطق ثانية بقناعة تامة بمستوياتهم الوطنية وبأن دم البشر ليس واحدا. وليس سهلا الآن وبعد تلك الأعوام أن نراجع ما حدث ونفصله ونضعه أمامنا على الطاولة كي نتدارس الحقوق ونخرج بفائدة.
فالثأر كان غرض المهاجم الذي اعتقد بحقه بالانتقام وقد كان بين الشعب من استبسل في هذا المفهوم.
ثأر ابن الطائفة العلوية من مضطهد قديم.. كان يتردد مثلا أن آل البرازي قتلوا فلاحين علويين ودفنوهم في حيطان بيوتهم.
وحركة التمرد الحموي منذ عقود تردد فيها مفهوم إرجاع العلوي من دمشق إلى قراه في الجبال.
فالنظام لم يكن أكثر رقياً من هذه الثقافة الشعبية فقد استخدم أيديولوجية معاكسة فكان مرآة للتمرد الشعبي، ألف فئات مليئة بالإجرام تهجم على مناطق وتقتل وتهدم وتسلب، والشعار العالمي المرفوع محاربة الارهاب الاسلامي.
تلك الغيوم لم تنقشع من الاذهان طوال عشرات السنين.
وتجدر الإشارة أنه لم ينج السوري الذي هاجر من مخلفات عقائد النظام في الخارج فقد وجد أن لديه امتدادا متوحشا وداعما فهذا المواطن متهم بالإرهاب مسبقا لأنه عاش ظلما مضاعفا و لم يتوسل نفسه ويستجمعها ولن يكون له ذلك إلا بتهديد العالم بأسره وتهديم هرمه.
والقضية ليست صمودا وتصدياً ولكنها قضية وجود.