لا أكاد أصادف سورياً حتى يبادرني بالسؤال “ما في حل؟” طبعاً الحل هنا يختلف باختلاف السوريين وخلفياتهم السياسية والعرقية والطائفية والإثنية، فمعظم السوريين النازحين داخل بلدهم وفي مخيمات النزوح على الحدود السورية التركية الحل بالنسبة لهم رحيل الأسد والقدرة على العودة إلى مدنهم وقراهم بدون القصف اليومي والبراميل المتفجرة، أما بالنسبة للاجئين وعددهم يفوق السبعة ملايين لاجئ الحل يعني رحيل النظام أيضا وانتهاء سياسة الاعتقال والخوف الجماعي من القتل والتعذيب وتمكنهم من زيارة وربما العودة إلى بلدهم، أما بالنسبة للسوريين في مناطق النظام فرحيل الأسد يعني بالنسبة لهم أيضا خروج أبنائهم من المعتقلات والكشف عن مصير أولادهم المفقودين، أما بالنسبة للسوريين الشبيحة المؤيدين لنظام الأسد وهم القلة هنا لكنهم يعتمدون على موارد الدولة في الإثراء والحكم بالعسف والإكراه فإنهم ينظرون إلى الحل من زاوية نهاية المعاناة الاقتصادية التي يعيشها السوريون اليوم لجهة انهيار سعر صرف الليرة وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وتعطل الدورة الإنتاجية بشكل شبه كامل.
يؤسفني الإجابة عن كل هذه الأسئلة أنه ما من حل قريب، فتحول القضية السورية إلى أزمة دولية مع انتشار الجيوش الأجنبية على أرضها يجعل من المستحيل الحل بدون اتفاق هذه القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، وبحكم أن الفجوة بين الطرفين ما زالت عميقة وبعيدة عن رؤية الحل بطريقة متقاربة وتمسك الأسد بالحكم مهما كانت واستمرت التكلفة على السوريين يجعل الحل بعيدا تماما عن الأفق، ويجعل المعاناة مستمرة بحق السوريين التي وصلت حدودا لا طاقة لها بالنسبة للكثير من العائلات والأسر السورية من العذاب النفسي والجسدي والضائقة المالية وانعدام الأفق والمستقبل بالنسبة للكثيرين منهم.
لا تبدو هذه الإجابة سعيدة أبدا وهذا ما يجعلنا نتحلى بالقوة الضرورية من أجل المصارحة بها، لكن السؤال الذي يعقب ذلك إذن هل من أفق قريب أو متوسط الأجل على الأقل للحل؟
الإجابة للأسف أيضا لا، سوريا خرجت من أولويات السياسة الخارجية الأميركية ويدرك الرئيس بايدن تماما أن لا حلول ممكنة للملف السوري على تشعباته ولذلك يبقى الخيار الأفضل إبقاء الوضع على ما هو عليه من حيث مستوى تخفيض العنف وإبقاء شريان المساعادات الإنسانية مفتوحا وعلى الدول الأجنبية تدبر اللاجئين لديها، ولا معنى لقيادة أميركية في هذا الملف حيث لن تستطيع الولايات المتحدة تقديم شيء جديد في هذا الملف.
ولذلك يجب علينا أن لا نتوقع تغيرا في الموقف الأميركي في الأفق القريب أو على الأقل على مستوى السنوات الثلاث القادمة من حكم الرئيس بايدن، أما بالنسبة لروسيا حيث لا حساسية للرئيس بوتين تجاه الأزمة الإنسانية أو اللاجئين أو انهيار الوضع الاقتصادي، كل ما يعنيه في هذا الملف هو صدارته للمشهد الدولي عبر الملف السوري، والبرهان على خطأ الغرب في التغيير في سوريا وهو ما يعنيه الإبقاء على الأسد وحمايته دوليا في مجلس الأمن وغيره من المنابر الدولية، فإبقاء الوضع القائم على ما هو عليه هو خيار روسي أيضا وليس أميركيا فقط.
وهنا محض التعارض الكامل بين رغبات السوريين في الحل وتغيير الوضع القائم وبين سياسات الدول العظمى وخلفها الأسد في إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه، فلا الدول الكبرى تكترث ولا الشعب السوري بقواه السياسية والاجتماعية المنهكة تماما قادرة على البدء بالتغيير الضروري، إنها فترة ربما تكون طويلة من التقاط الأنفاس حتى تولد ثورة جديدة ترفض الوضع القائم البائس وتسعى لتغييره برغم ممانعة القوى الكبرى.