لماذا تخلى العرب عن الثورة السورية

نوفمبر 29, 2022

رضوان زيادة

مقالات

مع بداية ثورات الربيع العربي نشأ نوع من التضامن بين الحركات الاحتجاجية التي نشأت في الثورات العربية، وانعكس هذا بشكل كبير في تضامن المنظمات الحقوقية العربية في بياناتها تجاه انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت تجري في دول ثورات الربيع العربي، وقد تجلى هذا التضامن في نوع من البيانات التي كانت تراقب الأوضاع الحقوقية العربية عن كثب وتصدر بيانات ومواقف حقوقية تعلن من خلالها تعبيرا عن احتجاج حقوقي أو تضامن معنوي لعب دوراً في بلورة ما يمكن أن نسميه جبهة حقوقية عربية، فكل الثورات العربية بدأت بشكل متشابه تقريبا بوصفها ثورات شعبية لا قيادة سياسية أو أيديولوجية لها، كما أن مواقفها المبدئية تجاه احترام قيم حقوق الإنسان بدت أنها مركزية وغير قابلة للتفاوض، وهذا الإجماع النادر على الأقل ما بين أعوام 2011 وحتى 2013 ربما كان ثمرة نجاح الحركة الحقوقية العربية في نضالها منذ الثمانينات من أجل وضع احترام حقوق الإنسان في بؤرة السياسات العربية الداخلية والإقليمية والدولية.

بيد أن هذا الموقف الموحد تبدد رويداً بفعل عوامل عدة، أولها انقلاب السيسي العسكري في مصر، وما تبعه من انقسام للنخب المصرية ومعها الحقوقية بشأن الموقف من الانقلاب سيما أن رئيس مصر في تلك الفترة محمد مرسي كان ينتمي لـ جماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة سياسية إسلامية غالبا ما كان عليها الكثير من التحفظات بشأن مواقفها الحقوقية وممارساتها خلال العقود الماضية في مصر ومن خلال نماذجها الشبيهة لها في عدد من الدول العربية مثل سوريا وليبيا وتونس وغيرها.

الموقف من حركة 30 حزيران/يونيو 2013 كان يتطلب موقفا أيضا من حركة الإخوان المسلمين، ولما كانت الحركة الحقوقية العربية ممثلة في نشطائها وخبرتها وتاريخ ناشطيها سواء أكانوا ينتمون إلى القومية العربية أو الأيديولوجيا اليسارية أو الأيديولوجيا الإسلامية كل ذلك انعكس في مواقفهم الحقوقية من انقلاب السيسي بين داعم له وبين متحفظ ومنتظر للسياسات التي يمكن أن تنتج عن هذا الانقلاب.

ثاني هذه العوامل هو عدم تخلص النشطاء الحقوقيين العرب من تأثير خلفياتهم الأيديولوجية في حكمهم على المواقف أو الأحداث السياسية أو الانتهاكات الحقوقية، ولذلك فهم حملوا مواقف أيديولوجياتهم التي أصبحت ترتبط بشكل أو بآخر بالتعبير عن موقف داخلي بحكم صعود تأثير الأحزاب السياسية بعد أحداث الربيع العربي فالمنظمة الحقوقية التي ستدعم السيسي في انقلابه العسكري تؤيد موقفا مماثلاً أو ربما بلهجة أخفت انقلابا مماثلاً في بلدها من أجل التخلص من وجود الحركة السياسية الإسلامية الشبيهة الموجود في بلدها، فعلى سبيل المثال دعمت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات المعروفة بمواقفها النقدية القوية ضد الإسلاميين طيلة العشرين عاما التي سبقت سقوط نظام بن علي دعمت أي حركة تقوم باستئصال الإسلاميين “، ففي صيف ٢٠١٦، أكدت يسرى فراوس، عضو الهيئة المديرة للجمعية، أن المنظمة لم تدافع يوما عن زوجات المساجين السياسيين الإسلاميين أو عن عائلاتهم لأنّ نساء حركة النهضة لم يتوجهن إلى الجمعية لطلب المساعدة في الدفاع عن أزواجهنّ وعنهنّ لما يتعرضن إليه من قمع من قبل نظام بن علي، وكانت الجمعية من الأطراف المتوجسة حيال وثائق هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات محذرة مما كانت ترى فيه ثنائية للخطاب الإسلامي بين المعلن والمبطن” .

لذلك ومع دخول الثورة السورية للمرحلة الثالثة وهي بالمناسبة شهدت أكثر الانتهاكات فظاعة في التاريخ السوري لدرجة استخدام البراميل المتفجرة بشكل منهجي وواسع النطاق ضد المدنيين، واستخدام السلاح الكيماوي بكثافة ضد المدنيين أيضاً لكنها شهدت صعوداً للفصائل ذوي التوجه الإسلامي كما أنها شهدت بروز تنظيمات إرهابية من مثل القاعدة وداعش الذين استغلا الفوضى المطلقة في سورية لـ تأسيس نفوذهما وإجبار السوريين على الخضوع لأيديولوجياتهم المتطرفة، وهو ما دفع بعض المنظمات الحقوقية العربي للتركيز على الشق الثاني ودعم بشار الأسد بدل أن تركز على الشق الأول في إدانة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي كان يرتكبها نظام الأسد بحق المدنيين السوريين بشكل مستمر.

لقد ذهبت المنظمات الحقوقية العربية ضحية الخلاف السياسي الأيديولوجي الذي تصاعد بعد عام 2013 بين التيارين الإسلامي والعلماني اللذين لم يستطيعا الاتفاق على الحد الأدنى من القيم الكونية العليا لحقوق الإنسان التي يجب الدفاع عنها بغض النظر عن الجاني وبغض النظر عن الضحية.

إن كل ذلك يظهر أنه ما زال أمامنا طريق طويل حتى تتبوأ قيم حقوق الإنسان مكانتها الحقيقية في مركز الخطاب السياسي العربي.

 

المصـــدر

المزيد
من المقالات