ريف حلب الجنوبي أشرقت فيه التضحيات.. تحرير كتيبة المنطار

نوفمبر 29, 2022

العقيد عبد الجبار العكيدي

مقالات

ريف حلب الجنوبي، أكبر أرياف حلب، وأقلها سكاناً، وسعة من موارد الحياة، وحظاً، إذ ظل التهميش ركنا ركينا في حكاية هذا المنطقة، تهميش في ظل نظام الأسد أفقره، وتهميش خلال الثورة افترس فيه النسيان فصول الثورة فيه، نسيان كان بمثابة غُصة في وجدان من انحاز إلى الثورة من أهله، ونال منه ومن سمعة أهله فقر تسليط الضوء عليه حتى أنه وُسم وسماً مرفوضاً ظالماً غير دقيق، وهو الانحياز إلى النظام.

تهميش ريف حلب الجنوبي، وحراك شبابه الذين تجاوزوا واقعهم وظروفهم، والمظاهرات التي خرجت في كثير من مناطقه وخصوصا في زيتان، أم الكراميل، تل الضمان، بنان الحص، برج الرمان، جزرايا، ولم تلقَ الاهتمام والتغطية الإعلامية، دفع كثيرا من شبابه إلى الانخراط في الحراك الثوري في مناطق أخرى من حلب، وخصوصا في ريفي حلب الشمالي والغربي، في هجرة لها خصوصيتها إن صح التوصيف، ونقاشها لعله يكون في مقام آخر، ونكتفي ههنا بتسليط الضوء على فصل من فصول الكفاح المسلح في الريف الجنوبي.

هجرة الثوار

مع بداية عام ٢٠١٢، وبدء تشكل الفصائل المسلحة، كانت ثمة عوامل تجعل من الريف الجنوبي ساحة ليس هينا فيها ولادة تشكيلات مسلحة متماسكة قادرة على التحرك، وهو ما دفع أبناء الريف الجنوبي إلى الانضمام إلى الفصائل المُشكلّة في ريفي حلب الغربي والشمالي (لواء التوحيد، حركة الزنكي، لواء الفتح)، وريف إدلب القريب الذي حاولت فصائله الهيمنة على هذا الريف (أحرار الشام، صقور الشام)، إذ كانت فاعلية التشكيلات هناك أكبر، كما ونوعا.

تحكي الميادين عن بطولات ثوار ريف حلب الجنوبي في معارك تحرير باب الهوى، الأتارب، إعزاز، حلب، الزربة، وكان أغلب القادة العسكريين لفصائل حلب هم ضباط من الريف الجنوبي منشقون عن عصابات الأسد، أذكر بعضهم، العقيد عبد الرزاق محمد (أبو بلال)، المقدم محمد الحمادين (أبو رياض)، النقيب الشهيد أحمد الأحمد، الملازم أول الشهيد نصر الدين الحمادين، النقيب الشهيد منذر المحمد، الملازم أول الشهيد أحمد الحمادي، العقيد الشهيد أحمد جويد، وآخرين.

الأهمية الاستراتيجية

يمتد ريف حلب الجنوبي على مساحة واسعة، من الراموسة والشيخ سعيد بمدينة حلب شمالا إلى السفيرة وخناصر شرقا وإلى حدود أثريا في الجنوب الشرقي، وبين جبال الحص إلى الزربة والحاضر والعيس على الطريق الدولي إم 5، ليشكل عقدة وصل حيوية بين محافظات حلب وإدلب والرقة وحماة، وفيه أيضا توجد أهم منشأتين عسكريتين، معامل الدفاع ومركز البحوث العلمية، بالقرب من مدينة السفيرة.

أهمية ريف حلب الجنوبي الاستراتيجية كانت في عين حسابات نظام الأسد، ومنذ البداية حرص على إحكام سيطرته عليه عبر نشر سبع كتائب دفاع جوي فيه، وُضعت على قمم جبال حاكمة، تكشف وترصد كامل المنطقة، وأبرز هذه الدفاعات موجودة في: كتيبة المنطار، كتيبة العدنانية، كتيبة العشتاوي، كتيبة عزان، الكتيبة العاشرة فوق قمة جبل النبي إدريس، كتيبة خناصر، كتيبة الواحة.

ومع تصاعد عمليات الجيش الحر ضد حواجز النظام على الطريق الدولي حلب دمشق ومن ثم قطع هذا الطريق بشكل كامل بعد السيطرة الكاملة عليه من مورك حتى مدخل حلب وتحويل الطريق إلى طريق أثريا، خناصر- السفيرة، حلب، لم تعد كتائب النظام كافية لحماية ذلك الطريق الحيوي، فبادر على الفور بتعزيز وجوده عبر إحداث نقاط عسكرية جديدة وحواجز على امتداد هذا الطريق في مناطق استراتيجية مهمة هي: البوز، جبل العنازة، سيريتيل في برج الرمان، برج الزعرور، مفرق دريهم، نقطة الحمام، نقطة زنيان.

الخاصرة الرخوة

استشعر الثوار من أبناء ريف حلب الجنوبي أن الوقت قد حان لتحرير مناطقهم وطرد النظام منها، رغم أنهم لم يحظوا بأي دعم، فقد استحوذت الفصائل الكبرى في الريفين الشمالي والغربي على كامل الدعم.

وللتاريخ أقول: الجميع قصّر بدعم الريف الجنوبي وعلى كافة الصعد، العسكري والإغاثي والإعلامي، وأعترف أني لم أتمكن من تقديم الدعم الكافي الذي يستحقه أبناء هذا الريف الأبطال، عندما كنت قائداً لمجلس حلب العسكري، لأسباب عديدة أهمها شح الإمكانيات، وانشغالي بمعارك مدينة حلب ومعارك تحرير الثكنات العسكرية (الفوج 46، كلية المشاة، اللواء 135، وغيرها).

 لكن ثوار ريف حلب الجنوبي الميامين وبإمكانيات ضعيفة تقويها إرادة الصناديد أطلقوا أول عمل عسكري فعلي، وكان ذلك في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام ٢٠١٢، والهدف كان تحرير كتيبة المنطار، وهي كتيبة تتموضع في قمة جبل الحص، جنوب قرية المنطار، غرب بنان الحص، شمال عين الغرف، وتحوي \6\ صواريخ مضادات أرض جو و\6\ رشاشات 23 مم، وكثيراً من الأسلحة الخفيفة، محاطة بساتر ترابي ارتفاع مترين ومن خلفه خندق بعمق متر.

أول الغيث

 بعد أيام من الرصد والاستطلاع، مستفيدين من انتشار الناس في الأراضي الزراعية المجاورة لها، إذ كان وقت الفلاحة وبذار القمح والشعير، وبمشاركة مجموعات أحرار الشام من بلدات طعوم وبنش وتفتناز، بدأت العملية بقيادة الشهيد أحمد عبد الله حاج حسين (أبو عبد الله طعوم).

رأس الحربة في الاقتحام تكفلت به سرية الحمزة من أبناء منطقة الحص، بقيادة موسى محمد (أبو محمد الحص)، وأذكر أهم الأشخاص الذين كان لهم دور كبير في المعركة، الشهيد حسين أحمد حاج حسين (الأزرق)، محمد بكور سحاري (أبو المقداد)، الشهيد خلف الشيخ حسين، عبد العزيز العبيد، محمود حاج لطوف (أبو مثنى)، جمعة الجمعة (أبو إسماعيل).

فجر ذلك اليوم، تسلل الثوار بقيادة الشهيد محمد حاج لطوف (أبو جعفر) إلى داخل الكتيبة للسيطرة على المضادات 23، التي وضعها النظام فوق سطح الأبنية لتتمكن من الرمي من فوق الساتر، لكن المطر الغزير أعاق تقدم الثوار، فتراجعوا، بعد اشتباك محدود.

بعد يومين عاود الثوار الكرة مستفيدين من معلومات مهمة حصلوا عليها من ثمانية عناصر انشقوا عن الكتيبة في يوم المعركة الأول، ووضعوا خطة جديدة محكمة تعتمد التمويه وخداع العدو الذي تأكد من نية الثوار مهاجمة الكتيبة، فجلب تعزيزات من مطار النيرب العسكري بواسطة الحوامات، وأخلى بعض الضباط المهمين.

معركة متقنة

بدأت مجموعات الإسناد هجوماً وهمياً من اتجاه الجنوب والجنوب الشرقي والاشتباك مع المدافعين الذين ركزوا نيرانهم باتجاه هذا الهجوم، فيما كانت مجموعة الاقتحام تتسلل زحفاً، من جهة الشرق والشمال الشرقي حيث الباب الرئيسي للكتيبة، واستمرت المعركة لساعات قليلة استطاعت مجموعة الاقتحام الوصول إلى مبنى القيادة والسيطرة على الرشاش 23 المتمركز فوقه، وتوجيه نيرانه باتجاه الرشاشات الأخرى التي سرعان ما انهارت طواقمها متسابقين بالقفز من فوق الأسطحة، قُتل منهم ١١ شخصاً، بينهم ضابطان، وهرب الآخرون من الجهة الغربية التي تركها الثوار لهذا الغرض. وانتهت المعركة دون أي خسائر بشرية بين صفوف الثوار، سوى بعض الإصابات الخفيفة لقائد المعركة، ورامي رشاش ٢٣ محمود حاج لطوف (أبو المثنى طعوم).

كرامة وكبرياء

رامي الرشاش أبو المثنى طعوم كان قد أسقط طائرة لام ٣٩ والتي كانت تؤازر حامية الكتيبة، حينها حاول زعيم الشبيحة في المنطقة رئيس بلدية خناصر حسن خاشير شراء ذمم بعض الأشخاص لإنقاذ الطيار وأغراهم بمبلغ مالي كبير لقاء ذلك، إلا أن أصحاب الضمائر الحية والنفوس الحرة أبت إلا أن تسلم الطيار للثوار والذي نُقل إلى مستشفى سراقب.

والشاب الذي سلم الطيار إلى الثوار، هو أحمد جمعة المحمد البها، كان طالبا في كلية الحقوق في سنته الثالثة، منشقاً عن جيش النظام، ولاحقا وبعد هذا الموقف الأصيل، أبى إلا أن يضحي بروحه، واستشهد في سبيل الحرية وكرامته وكرامة أهله ووطنه.

رمال ساخنة

تلك المعركة كانت فاتحة المعارك في الريف الجنوبي، إذ لم يتأخر قائد الكتيبة الخضراء عبد الستار الياسين، وهو ابن ريف حلب الجنوبي، وقام مع رفاقه بالانقضاض على كتيبة جبل عزان، لتكون هذه المعركة موضوع مقال قادم، وربما يُفرد للريف الجنوبي مقالات، وخصوصا أنه تحول لاحقا إلى ساحة لمعارك كان لها الأثر البالغ بل الحاسم في العمل العسكري، لا في ريف حلب الجنوبي وحسب، بل في حلب والشمال ككل.

المصـــدر

المزيد
من المقالات