مدينة حلب هل ثارت أم فرضت عليها الثورة؟ (2)

نوفمبر 29, 2022

ملهم عكيدي

مقالات

تحدثت في القسم الأول من المقال عن مجموعة أسباب كان لها أثر مباشر في تأخير انتفاضة مدينة حلب في وجه النظام، وفي القسم الثاني أستعرض الأسباب التي ساعدت في تحول حلب من المدينة “الصامدة في وجه المؤامرة” بحسب توصيف إعلام النظام إلى مدينة حملت راية الثورة وتصدرت المشهد السلمي والعسكري حتى سقوطها في نهاية 2016.

انفجار الثورة في حلب

شهدت مدينة حلب في بداية عام 2012 توسعاً ملحوظاً في حجم وانتشار المظاهرات، وبلغ الحراك السلمي ذروته مع بداية شهر آذار حيث كان يتظاهر الآلاف بشكل يومي في أحياء صلاح الدين وبستان القصر والشعار والهلك وحلب الجديدة وجمعية الزهراء وغيرها من أحياء المدينة، وحاول المتظاهرون خلال هذه الفترة الوصول إلى ساحة سعد الله الجابري وسط المدينة عدة مرات، حتى أصبح هتاف “ساحة سعد الله جايينك والله” شعارًا مشتركًا لجميع المظاهرات التي تخرج في المدينة.

ومن أبرز المظاهرات التي خرجت في تلك الفترة مظاهرة خرجت من جامع آمنة في تشييع الشاب أحمد أبيض في 28 شباط، والمظاهرة التي خرجت في 24 أيار بحضور وفد من بعثة المراقبين الدوليين في حديقة جمال عبد الناصر المجاورة لساحة سعد الله الجابري، ومظاهرة خرجت في جمعة أطفال الحولة بتاريخ 1 حزيران من مساجد حي صلاح الدين جالت شوارع الأعظمية وسيف الدولة وتم تفريقها قبل الوصول إلى حي الجميلية وغيرها الكثير من المظاهرت التي كانت تستمر لساعات وتجول عدة أحياء. ولكن هذه الحالة العامة والجماعية من الانخراط في الثورة، بقيت بعيدة عن التركيز الإعلامي رغم انتشار مقاطع الفيديو والصور على شبكات التواصل ويوتيوب، والسبب الرئيسي في ذلك هو المعارك والمجازر التي كانت تحصل في مدينة حمص في تلك الفترة نفسها والتي كانت مركز اهتمام السوريين.

وبقيت مرحلة الانتفاضة السلمية في حلب حلقة مفقودة لدى كثير من أبناء المدن السورية الأخرى عند محاولتهم سرد مجريات الثورة في هذه المدينة.
وكما كانت الأسباب التي ساهمت في تأخر حلب عن ركب الثورة السورية متعددة ومتراكمة ولا يمكن حصرها، كذلك هي الأسباب التي ساهمت في انفجار الثورة في حلب وتحولها إلى مركز ثقل على المستوى السلمي والعسكري في الثورة السورية.

وحشية النظام السوري

ساهمت وحشية النظام التي بلغت ذروتها مع بداية 2012 في تغيير موقف كثير من السوريين المترددين أو حتى المؤيدين للنظام والمصدقين لروايته حول “المؤامرة الكونية التي تحاك ضد قلب العروبة ومحور الممانعة”، فالمجازر التي ارتكبتها قوات النظام وعصابات الشبيحة في كرم الزيتون وبابا عمرو وكفرعويد والتريمسة وغيرها من المناطق، جعلت مسألة إسقاط النظام مهما كان الثمن بالنسبة للسوريين -ومنهم الحلبيون- مسألة وجودية لا تحتمل التردّد أو الحسابات الثانوية.

وحتى على مستوى المدينة فإن تصاعد الحراك الثوري قابله تصاعد في مستوى العنف، فبعد الاعتماد على قوات حفظ النظام والشبيحة في قمع المتظاهرين بالعصي والسكاكين، بدأ النظام باستخدام الرصاص الحي على المتظاهرين، ومن أولى الحالات مظاهرة المرجة في “جمعة حق الدفاع عن النفس” بتاريخ 27 كانون الثاني والتي شهدت استشهاد 9 متظاهرين برصاص قوات الأمن.

انخراط الريف الحلبي بالثورة

كان لانتفاضة الريف الحلبي أثر كبير في تصاعد الحراك الثوري داخل المدينة التي ينتمي كثير من سكانها إلى عوائل هاجرت من هذه الأرياف، فالكثير من سكان صلاح الدين وبستان القصر ينتمون لعوائل هاجرت من ريف حلب الغربي وريف إدلب، بينما ينتمي الكثير من سكان مساكن هنانو والحيدرية لعوائل هاجرت من الريف الشمالي وهو الأمر الذي ينطبق على معظم أحياء المدينة، لذلك كان أي تحرك في الريف يجد صداه في أحياء المدينة.

كما أن قصف النظام لريفي حلب الشمالي والغربي الذي بدأ في نيسان 2012 والذي كان مسموعاً في كل أحياء حلب كان له أثر كبير على أبناء المدينة، فكانت كل قذيفة تخرج من مدفعية الراموسة أو مدفعية الزهراء باتجاه بلدات الريف وما يتبعها من أخبار الضحايا، تساهم في تأجيج مشاعر الغضب لدى أبناء المدينة، وتنهي فرص قبول التعايش مع النظام وممارساته.

ضعف السيطرة الأمنية

وكما كانت القبضة الأمنية هي العامل الرئيسي الذي تسبب في تأخر ثورة حلب، فإن تراجعها مع بداية العام الثاني للثورة كان السبب الرئيسي والأهم في انفجار الحراك السلمي، فالشعور بالأمان النسبي الذي عاشه المتظاهرون في الربع الثاني من 2012 مقارنة بالفترات السابقة ساعد في خروج الآلاف للتظاهر وتحولت المظاهرات في عدة أحياء إلى مهرجانات يشارك فيها حتى النساء والأطفال.
ومن الأسباب التي ساهمت في تراجع القبضة الأمنية في حلب، العمليات الأمنية التي بدأ الجيش الحر بتنفيذها ضد الشبيحة وعناصر الأمن في حلب، والتي تسببت بتراجع الكثير من الشبيحة عن موقفهم الداعم للنظام، بعد تلقيهم رسائل تهديد من الجيش الحر وبدء عمليات التصفية والاغتيالات بحق قادة الشبيحة، إضافة لاستهداف دوريات الأمن بالعبوات الناسفة.

وساهم وصول الثورة إلى ريف حلب في تراجع القبضة الأمنية في المدينة، بطريقة مباشرة بسبب انشغال الفروع الأمنية بمحاولة إعادة السيطرة على الأرياف وإرسال التعزيزات المستمرة، أو بطريقة غير مباشرة من خلال تراجع عدد كبير من مجموعات الشبيحة عن موقفها الداعم للنظام بعد انخراط البلدات التي ينتمون إليها في الثورة مثل ما حصل مع المجموعات التي كانت مسؤولة عن قمع المظاهرات في صلاح الدين (مجموعة قديش من قبتان الجبل ومجموعة جسرية من عنجارة).

ولا يمكن إغفال أثر الانشقاقات والتي بلغت ذروتها على مستوى سوريا في تلك الفترة، وكان أبرزها انشقاق (أو هروب) رئيس فرع الأمن العسكري في حلب اللواء محمد مفلح تزامنا مع دخول الجيش الحر إلى المدينة في 20 تموز 2012.

ربما يتوافق البعض أو يختلف في مجموعة الأسباب التي ساهمت في تأخير انتفاضة المدينة، أو الأسبات التي ساهمت في تأجيج الثورة في المدينة بعد عام من انطلاقها، ولكن الحقيقة التي لا تقبل الاختلاف هي أن أبناء مدينة حلب ثاروا في وجه النظام، وخرجوا في مظاهرات لا تقل حجماً وانتشاراً عن مدن إدلب وحمص وغيرها من المدن السورية، وحتى على المستوى العسكري، الذي سأتحدث عنه في مقالات قادمة، فإن أبناء المدينة خاضوا المعركة الأضخم والأطول على مستوى الثورة السورية، خاصة بعد عام 2014 عندما انسحب قسم كبير من مقاتلي ريفي حلب الشمالي والشرقي باتجاه مدنهم وقراهم لمواجهة تنظيم داعش.

ولا أدري إن كان هناك معايير أخرى لم تحققها مدينة حلب حتى تصبح بنظر البعض “مدينة ثائرة”، أو ربما فإن ثقافة المزاودة والتنظير أصبحت جزءاً من طريقة تفكير السوريين ولو كانت آلاف الكيلومترات تفصل بينهم وبين بيوت نسوا ملامحها.

المصـــدر

المزيد
من المقالات