المجزرة واللهيب والتهجير.. داريا تسترجع ذكريات شهر آب

نوفمبر 29, 2022

مؤيد حبيب

مقالات

يحيي أهالي داريا في شهر آب من كل عام ذكريات ثلاثة أحداث تحكي قصة تضحية وصمود المدينة، هي مجزرة داريا الكبرى ومعركة “لهيب داريا” والتهجير القسري.

تقع مدينة داريا على بعد 8 كم من العاصمة دمشق، وتشير المصادر التاريخية إلى وجود حياة فيها قبل الميلاد حيث عثر على تمثال لإله الحب عند اليونان ( إيروس).

وبلغ عدد سكان مدينة داريا قبل اندلاع الثورة السورية 300 ألف نسمة، وكانت تعتبر من أهم المدن التي تغذي العاصمة دمشق بالمحاصيل الزراعية والصناعات المختلفة وخاصة صناعة الموبيليا والمفروشات. واشتهرت مدينة داريا بكروم العنب ذو المذاق الحلو المميز على مستوى بلاد الشام.

فجر الحرية في داريا

مع انطلاق الثورة السورية تصدرت داريا مشهداً مميزاً برائحة الورود وطابع السلمية بمظاهرات منظمة وشعارات هادفة رفعها الثوار في وجه النظام المجرم الذي قابلها بدوره بالرصاص الحي والاعتقالات التعسفية التي طالت المتظاهرين السلميين.

بدأت قافلة الشهداء في داريا بتاريخ 22 – 4 -2012 حيث زفت داريا أول شهدائها (عمار محمود – وليد خولاني – معتز الشعار) في تشييع حضره أكثر من 40 ألف شخص، وكثف النظام على أثرها حملة الاعتقالات والاستهداف المباشر للمظاهرات بالرصاص والقنابل.

مجزرة داريا الكبرى

سجلت داريا تاريخاً جديداً ممزوجاً بلون الدم بمجزرة مروعة ارتكبها النظام المجرم وميليشياته الطائفة على مدار أسبوع بين الـ 20 والـ 27 من شهر آب عام 2012، وراح ضحيتها أكثر من 700 شهيد معظمهم من النساء والأطفال وعشرات المفقوديين.

كل من عاش أحداث المجزرة وشاهد حجم الإجرام وحجم الحقد من قبل الشبيحة وشاهد الشهداء في كل حارة من حارات المدينة حيث عبقت رائحة الدم وخيم الحزن والألم، كان شعوره وكأن الساعة قامت.

مجزرة داريا التي وقعت في ثاني أيام العيد، ستبقى وصمة عار على جبين الدول وخاصة العربية والإسلامية التي وقفت متفرجة ولم تحرك ساكناً.

أعدمت قوات النظام خلال المجزرة عوائل بكاملها، كما ذبحت فيها الأطفال والنساء حتى الحيوانات والشجر والقبور لم تسلم من إجرامهم.

داريا تحت الحصار

بدأ النظام حملة شرسة ثانية على المدينة في الثامن من تشرين الثاني عام 2012 استقدم خلالها الأسلحة الثقيلة والشبيحة مما دفع أهالي داريا لمغادرة المدينة تفادياً لوقوع مجزرة ثانية شبيهة بمجزرة شهر آب، أما الجيش الحر فلم يعد أمامه خيار سوى الثبات والدفاع عن المدينة رغم الإمكانيات القليلة.

ومن هنا بدأت قصة الحصار والصمود التي حولت داريا لأيقونة الثورة السورية.

بدأت المواجهات وكان الثوار يواصلون الليل بالنهار لتمكين خطوط دفاعهم ومنع تقدم قوات الأسد بعد ذلك تحول الدفاع للهجوم حيث سطّر الثوار أروع الملاحم التي كبدت النظام المجرم خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات بعمليات نوعية اعتمدت على حفر الأنفاق والالتفاف خلف خطوط العدو.

أبرز العمليات العسكرية

عملية كسر الحصار

بدأت المعركة في الشهر الأول من العام 2014  بهدف كسر الحصار تجاه حي القدم وقطع أوتوستراد درعا، ونتج عنها تحرير كتلة سكنية كبيرة من بساتين داريا الشرقية وإدخال بعض الأغذية للمدينة.

لم يكتمل كسر الحصار بسبب استخدام النظام للقنابل الكيماوية وارتقاء عدد من الشهداء.

معركة لهيب داريا

بدأت المعركة في 2 آب 2015 بهدف تخفيف العبء عن مدينة الزبداني التي كانت تتعرض لحملة شرسة من قوات الأسد المدعومة من ميليشيا حزب الله، والهدف الثاني هو ضرب مطار المزة العسكري لشل حركة الطائرات المروحية فيه.

اعتمدت العملية على الالتفاف خلف خطوط العدو عبر نفق احترافي يبلغ طوله 225 متراً وارتفاعه 70 سم فقط.

صنّفت هذه المعركة حسب التقارير الروسية كإحدى أكبر المعارك التي زعزعت صفوف النظام وكان أهم نتائجها شل حركة الطائرات المروحية لمطار المزة العسكري.

الميزات والصعوبات التي رافقت فترة الحصار بين 8 تشرين الثاني 2012 و27 آب 2016.

الميزات:

  • تنظيم الثوار العسكري والمدني وقلة المشكلات الداخلية
  • طبيعة الأرض الزراعية خففت من شدة الحصار
  • كثافة الأبنية أتاحت تحول المعركة لحرب المدن وصعوبة كسر خطوط الدفاع
  • الأنفاق الدفاعية والهجومية

الصعوبات:

  • طول أمد المعركة والحصار الخانق أدى إلى نفاد مقومات الحياة
  • عدم وجود طرق الإمداد (غذاء – دواء – ذخيرة)
  • شدة الحصار ونقص الغذاء والدواء سببت وفاة بعض الأطفال وكبار السن
  • عدم مؤازرة المدينة من باقي المدن المحررة وخاصة الريف الغربي ودرعا

تضحيات مدينة داريا

  • نسبة الدمار تجاوزت الـ 90 % وذلك لاستخدام النظام سياسة الأرض المحروقة ( بلغ عدد البراميل المتفجرة الملقاة على المدينة أكثر من 10 آلاف برميل بالإضافة لآلاف القذائف والصواريخ)
  • بلغ عدد شهداء المدينة قرابة 3500 شهيد منهم ما يقارب الألف قتلوا في السجون تحت التعذيب
  • بلغ عدد المعتقلين قرابة 2900 معتقل بينهم نساء وأطفال وذلك بسبب انتقام النظام من أهالي داريا المقيمين في أماكن سيطرته

التهجير القسري

من ذكريات شهر آب القاسية التي لا تنسى وخاصة من الثوار الذين كانوا تحت الحصار اتفاق التهجير القسري في الـ 26 آب 2016، فبعد الاستنزاف الكبير في الموارد البشرية والمادية وشراسة الحملة العسكرية وخاصة في السنة الأخيرة من الحصار والتي أدت لاستشهاد عشرات القادة العسكريين في الجيش الحر وعلى رأسهم القائد الشهيد أبو سلمو الزهر والقائد الشهيد أبو أحمد الأحمر والقائد الشهيد أبو عامر كفرسوسة الذين قاتلوا حتى نالوا الشهادة على جبهات العز.

ومن الأسباب التي أدت لاتفاق التهجير استنفاد المخزون العسكري والإغاثي وتقلص مساحة الأراضي الزراعية بسبب القصف.

كل هذه الذكريات بحلوها ومرها حفرت في قلوب أهالي داريا، ولسان حالهم يقول: “عندما رحلنا تأكدوا أننا بذلنا ما بوسعنا لنبقى …”

المصـــدر

المزيد
من المقالات