10 أسباب تشرح لك كيف تحولت «الثورة السورية» إلى واقع مرير

ديسمبر 21, 2022

مقالات

أكثر من 224 ألف قتيل وملايين اللاجئين والنازحين خارجيًا وداخليًا وبلاد مدمرة اقتصاديًا وسياسيًا، والأهم من ذلك اجتماعيًا، هذا ما جنته سوريا بعد مرور تسع سنوات على ثورتها التي اندلعت في مارس (آذار) 2011، وتستعد لدخول عامها العاشر، والتي انطلقت بها حناجر السوريين مطالبين بالحرية والكرامة ومنادين بإسقاط نظام الأسد، ليرد عليهم بالموت والدمار والبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي أيضًا.

وعلى الرغم مما حدث لهم ولبلادهم، من قتل وتدمير وتشريد وتهجير، حتى بعد أن استعاد النظام السوري زمام الأمور، وباتت غالبية البلاد تحت سيطرته، وصار يحكمها بالحديد والنار، وبالدعم الروسي والإيراني؛ إلا أن الكثير من السوريين ما زالوا يصرون على مواصلة ثورتهم ضد النظام السوري، ويجيب السوريون المعارضون، هل ندمتم على ما قدمتم؟ بـ«لن نندم يومًا على الكرامة»، ليبقى السؤال: من الذي أوصل السوريين وأوصل ثورتهم إلى هذا الواقع المرير؟ في هذا التقرير نستعرض 10 أسباب وراء ذلك ما حدث.

1- تشتت الفصائل العسكرية المعارضة

صدّرت الثورة السورية عشرات الفصائل المسلحة ذات توجهات وأيدولوجيات مختلفة تمامًا. فمنها من يطالب بأن يكون الحكم بالشريعة الإسلامية وآخرون بالديمقراطية، وغيرهم يطالب بعودة الخلافة الإسلامية، ومنهم من يريد السلطة والمال فقط، الأمر الذي جعل من الصعب بل المستحيل توحيدهم تحت قيادة واحدة وجيش واحد.

الصراعات الإيدلوجية داخل الفصائل المسلحة المعارضة ولدت تكتلات ذات توجه واحد؛ فمثلا الفصائل التي كانت تطالب بالحكم الديمقراطي تكتلت تحت مسمى «الجيش السوري الحر»، والفصائل الإسلامية والجهادية تكتلت تحت مسميات مختلفة مثل «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» و«جبهة فتح الشام» و«هيئة تحرير الشام» وغيرها الكثير، وكانت هذه التكتلات شكلية فقط دون ذوبان فصائلها ببعضها البعض، واحتفاظها بكيانها وتوجهها العسكري المستقل عن الآخر.

الفصائل المنضوية تحت مسمى «الجيش الحر» كانت تحصل على دعمها المالي والعسكري من غرفتي عمليات كانت الأولى في الأردن تحت مسمى «الموك» والأخرى في تركيا تحت مسمى «الموم»، وهاتان الغرفتان تحت إشراف مخابرات دولية منها: أمريكا، وبريطانيا، وتركيا، وفرنسا، والأردن، والسعودية، وبعض الدول الخليجية الأخرى، أما الفصائل الإسلامية والجهادية والقوية جدًا في الساحة السورية فقد تلقت دعمها من دول خليجية على رأسها السعودية وقطر، وعبر جهات غير رسمية من خلال مشايخ الدين.

هذا الدعم لم يكن مجانًا، فقد وُضِعت العديد من الشروط أمام الفصائل من بينها عدم فتح معارك عسكرية بدون الرجوع إلى غرفتي العمليات «الموك والموم»، إذ كان الدعم المقدم للفصائل يرسم التوجهات والسياسات العريضة التي تبدو في الظاهر أنها في صالح الثورة السورية، لكن الخفي منها كان ربط مصير هذه الفصائل واستمرارها بمدى التزامها بالشروط، والعمل على استمرار حالة التفرقة والنزاع فيما بينها، حتى يتمكنوا من التحكم بهم بكل سهولة، فتوحد الفصائل بالنسبة للجهات الداعمة خط أحمر غير مسموح تجاوزه.

وحول دور الاقتتال الداخلي في إضعاف الحراك الشعبي ودور الفصائل، أكد الناشط الإعلامي أحمد نور الرسلان» في حديثه لـ«ساسة بوست» أنه «ساهم في إرهاق الفصائل واستنزاف بعضها البعض، علاوة على إضعاف الحاضنة الشعبية، وكان هذا في صالح النظام وحلفائه بالتأكيد، إذ إن أسباب الاقتتال في المجمل هو الصراع على السلطة وحب السيطرة، نظرًا لاجتماع العديد من المكونات التي تختلف في أيديولوجياتها الفكرية والدينية، وأيضًا مشروعاتها، وكل هذا ساهم في تأجيج الصراع مع عوامل وأطراف خارجية عربية وغربية صبت الزيت على النار».

2- تناطح السياسيين

أفرزت الثورة السورية عن عدد من المجالس والهيئات والتكتلات السياسية ذات الأيديولوجيات المختلفة، فمن «المجلس الوطني السوري» الذي تم تشكيله في أواخر عام 2011 في مدينة اسطنبول إلى «الائتلاف الوطني السوري» الذي تم تشكيله في أواخر عام 2012 في العاصمة القطرية الدوحة، أما «هيئة التفاوض السورية» فقد تشكلت في أواخر 2015 في العاصمة السعودية الرياض، مرورًا بالأحزاب والشخصيات السياسية الذين في غالبهم يتبعون لجهات دولية وأجندات سياسية ليست سورية خالصة.

يقول النشطاء السوريون «نحن نملك قضية محقة، ولكن من يحملها سياسيون انتهازيون يتاجرون بها»، ويستغرب الكثير منهم عن كيفية تمكن هؤلاء الأشخاص من تمثيلهم أمام المحافل الدولية، فحسب معلومات يتناقلها العديد من الناشطين يذكرون ما يحدث في المؤتمرات التابعة للمعارضة، من جدال عقيم وسباب وشتائم بحثًا عن المناصب، في الوقت الذي يواجه فيه السوريون كل أنواع الموت.

وفي خضم الأحداث الجسام والموت الذي يلاحق السوريون، ما تزال حالة الانقسام والاصطفاف لدى غالبية الشخصيات السياسية هي السمة الأبرز، فمع انطلاق أي مؤتمر دولي يخص سوريا يتسابق هؤلاء للنيل على مقعد فيه فإن حصل عليه كان بها، وإن لم يحصل فهنا تبدأ حملة التخوين لجميع الحاضرين والمزاودة في حب الثورة والوطن، وكلامنا هذا مبني على حقائق عايشها العديد من النشطاء الذين تحدث إليهم «ساسة بوست» ونقلوها لنا.

3- الصراع التركي الخليجي في سوريا

كانت العلاقات بين تركيا ودول الخليج العربي خاصة السعودية والإمارات عند بداية الثورة السورية في ظاهرها على ما يرام، إلا أنها كانت تخفي الكثير من الخلافات وتعارض المصالح بين الجانبين، وظهر هذا التعارض بشكل أوضح مع الأزمة الخليجية وحصار قطر، وتعمق الخلاف أكثر عقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاده في مدينة إسطنبول.

تضارب المصالح بين البلدين والعداوة بينهما أضرت بشكل كبير بالمعارضة السورية، إذ أدى هذا الصراع إلى تحزب السياسيين كل مع داعميه، كما أن الرياض رفعت يدها وأوقفت الدعم المالي المقدم للجيش الحر والفصائل الإسلامية، وكذلك للهيئات والشخصيات السياسة المقربة من تركيا، وحتى أنها أوقفت الدعم للمنظمات الإنسانية الواقعة ضمن مناطق سيطرة المعارضة.

وبعد أن قطعت السعودية دعمها للمعارضة السورية وبلغت علاقتها مع تركيا إلى مستويات متدنية جدا؛ فَجَرَت في خصومتها ودعمت «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» العدو اللدود لأنقرة وللمعارضة السورية أيضًا، وتغيرت نبرة وسائل الإعلام التابعة للرياض وأبوظبي، وأصبحت عدائية تجاه الثورة السورية والفصائل العسكرية والسياسيين المقربين من تركيا، وهذا الانقسام بين الطرفين شق صفوف المعارضة السورية أكثر مما كانت عليه.

4- الأزمة الخليجية.. طعنة من الخلف

شكلت الأزمة الخليجية منعطفًا أخر من التشقق والتحزب في صفوف المعارضة السورية، وأثرت على عملها وبات الاصطفاف واضحًا لدى السياسيين والعسكريين، على الرغم من تصريحات البعض منهم أنها شأن لا يخصهم، وأنها شأن خليجي داخلي.

لكن الحقيقة كانت واضحة لدرجة كبيرة ويصعب تغطيتها بغربال، فقد كان العديد من المعارضين السوريين السياسيين يقيمون في الرياض والدوحة وأبوظبي وإسطنبول قبل الأزمة، وهذا الأمر سبب شقاق في صفوف المعارضة، إذ أعلن معاذ الخطيب المدعوم قطريًا الانسحاب من هيئة التفاوض المشكلة والمدعومة سعوديًا، كما أن المعارضين المقيمين في الدوحة وإسطنبول كانوا يهاجمون معارضين أخرين مقيمين فيما بات يعرف بدول الحصار، والعكس بالعكس، ومع استمرار الأزمة الخليجية ودخولها عامها الثالث، فقد أصبح الاصطفاف والانقسام واضحًا جدًا في صفوف المعارضة السورية.

وتجدر الإشارة أن دول الخليج كانت من أهم الداعمين للثورة السورية، خاصة السعودية وقطر، اللتين دعمتا الفصائل العسكرية المعارضة بالمال والسلاح، وهو الذي أدى بالفصائل إلى السيطرة على أكثر من نصف مساحة سوريا وتهديد نظام الأسد في أكثر من موقع، ولكن هذا الأمر تطور بين الدولتين الشقيقتين ليصبح صراع على شراء الولاءات، ما ولّد فصائل متناحرة، ومثالًا على ذلك الإقتتال الشهير في الغوطة الشرقية بريف دمشق بين «جيش الإسلام» المدعوم من السعودية، و«فيلق الرحمن» المدعوم من قطر، وهذا التنازع والشقاق بين الفصائل كان قبل الأزمة الخليجية، وارتفع بشكل أكبر بعدها.

ومع ذلك فإن موقف قطر من الثورة السورية لا يزال ثابتًا من حيث دعم الشعب السوري في مطالبه بالحرية والكرامة، على عكس دول الحصار (السعودية والإمارات والبحرين) التي طبّعت العلاقات واقتربت من نظام الأسد، إذ أعادت الإمارات إفتتاح سفارتها في دمشق، وكذلك التقى وزير الخارجية البحريني بنظيره في نظام الأسد، أما السعودية فقد كان اعتراضها الوحيد هو العلاقات التي تربط النظام السوري بإيران، وذلك حسب رواية الجنرال الراحل قاسم سليماني، التي ذكر فيها لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأحد شخصيات النظام السوري في موسكو وطالبه فيها بقطع العلاقات مع ايران حتى تعود الأمور لما كانت عليه، كما استبعد ابن سلمان في تصريحات صحافية لمجلة «التايم» رحيل بشار الأسد عن السلطة معتبرًا أن ذلك أمر واقعي.

5- الاتفاقيات الدولية.. خنجر مسموم

كان للاتفاقيات والمؤتمرات والاجتماعات الدولية الدور الأبرز في تراجع قوات المعارضة السورية السياسية والمسلحة على حد سواء، بدءًا من اجتماعات أستانة، والتي لم تخرج بأي شيء يخفف عن السوريين آلامهم، ولم تستحق حتى ثمن الحبر الذي كتب به مخرجات هذه الاتفاقيات.

ولعل إتفاقية أستانة الأولى عام 2017 كانت أحد أقوى الخدع الروسية التي أصابت الثورة السورية في مقتل، إذ وقعت كل من روسيا، وتركيا، وإيران، على إنشاء نظام «مناطق خفض التصعيد»، وسميت بموجبها تسع محافظات خاضعة لهذا النظام، وهي: العاصمة دمشق، ريف دمشق، حلب، حمص، حماة، إدلب، اللاذقية، درعا، القنيطرة، ونص الاتفاق على وقف إطلاق النار بين المعارضة والنظام، حتى يجهز الحل السياسي المنتظر والمزعوم، ومن هنا بدأ الدب الروسي بتنفيذ مخططه على الفور.

كانت إتفاقية «مناطق خفض التصعيد» بالنسبة للكرملين هي الهدية المنتظرة والثمينة جدًا، وبعد تمدد النظام السوري في مناطق سيطرة «داعش»، بدأت أنظار الدب الروسي تتجه إلى مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، وبدأت بخرق هذه الاتفاقية بقصف المدن والبلدات الآهلة بالسكان بحجة محاربة «جبهة النصرة»، واستفردت بكل منطقة على حدة، حتى لم يتبق للمعارضة سوى جزء من محافظة إدلب، وبضع قرى بأرياف حلب، وحماة، واللاذقية.

واجتمعت الأطراف المتصارعة في العاصمة الكازاخية أستانة (نور سلطان حاليًا) 14 مرة خلال ثلاثة أعوام فقط، وعلى الرغم من ذلك ما زال الموت يحوم في سماء سوريا لغاية اللحظة.

أما ما يخص اجتماعات جنيف فقد اجتمعت الأطراف تسعة مرات بين عامي 2012و2019، إذ خرج الاجتماع الأول بستة بنود أهمها البدء بعملية سياسية والإفراج عن المعتقلين ووقف إطلاق النار، إلا أن أيًا منها لم ينفذ، أما «جنيف 2» فلم يخرج بأي نتيجة، بينما الثالث في فبراير (شباط) 2016 اتفق فيه الطرفان على عمل دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات، وهكذا وصولًا إلى الاجتماع التاسع في أوائل عام 2019 الذي فشل هو الآخر، ولا داعي هنا للتذكير أيضًا أن أيًا من قرارات هذه الاجتماعات لم ينفذ إطلاقًا بسبب تعنت النظام السوري ورفضه جميع الحلول، لأن أي حل منها سيؤدي أوتوماتيكيًا إلى نهايته وسقوطه على الفور.

وعلى مدار السنوات التسع الماضية فشلت الأمم المتحدة في التوصل إلى أي حل يوقف الموت وتدفق دماء السوريين، وذلك بسبب «الفيتو» الروسي والصيني الذي دائمًا ما يمنع أي قرار صادر عن مجلس الأمن يدين النظام السوري. بينما كان الفشل الأممي واضحًا من خلال تغيير المبعوث الدولي أربع مرات، وهم على التوالي: الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان الذي وصف مهمته بالمهمة المستحيلة، والدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، ثم السويدي ستيفان دي ميستورا، وأخيرًا النرويجي جير بيدرسن الذي وصل بمهمته إلى طريق مسدود.

بيدرسن الذي تمكن بعد جهود مضنية من تشكيل ما عرف باللجنة الدستورية والتي تتكون من 150 عضوًا، منهم 50 شخصًا من المعارضة ومثلهم من النظام والثلث الأخير تم اختيارهم من قبل الأمم المتحدة، ومهمة هذه اللجنة هو تشكيل دستور جديد للبلاد، إلا أنه وكما كان متوقعًا فقد وضع النظام السوري العراقيل الكثيرة والشروط المسبقة، وأفشل عمل اللجنة التي انعقدت مرتين فقط.

يعتقد الكاتب السوري أحمد أبازيد، في حديثه لـ«ساسة بوست» أنه «لم يكن هناك مسار دولي جاد لتغيير النظام في سوريا أو لإيجاد حل سياسي حقيقي، ولكن كان على المعارضة أن تبقى ضمن المسار الدولي في جنيف وقرارات مجلس الأمن التي تتضمن أفضل سقف متاح للعملية السياسية».

ويشير أبازيد أن «روسيا ألتفت على جنيف بصنع مسار الأستانة وخلق مسارات روسية بديلة للحل وتحويل التفاوض إلى الرؤية الروسية، ولم يكن مسار الأستانة أكثر من تكتيك عسكري روسي للسيطرة على أكبر مساحة من سوريا، وتمكنت من خلاله من تحييد جيوب الثوار والاستفراد بها وتهجيرها واحدًا بعد الآخر»، ويؤكد أبازيد «أنه ما كان لمسار أستانة أن يكون بهذه الفعالية لو لم يكن هناك انسحاب دولي من التدخل لإيقافه، إن لم يكن القبول به».

6- ظهور «تنظيم الدولة» و«القاعدة».. رايات جديدة

ثورة سلمية خرجت للمطالبة بحقوها بالحرية الكرامة والديمقراطية، وأفضل طريقة لإنهائها، هو صبغها بالإرهاب، هذا ما فعله النظام السوري تمامًا، فمع أول صرخة خرجت من محافظة درعا ونادت بسقوط الأسد، أفرج النظام فورًا عن مئات المعتقلين في سجونه من المتهمين بالانتماء لـ«القاعدة» والتنظيمات الجهادية، وسهل لها الحصول على السلاح، عبر الانسحاب أمامها في العديد من المواقع بدون قتال وسلم لها مستودعات الذخيرة؛ الأمر الذي أدى إلى تقوية شوكتهم أمام الجيش السوري الحر الذي بدأ يفقد قوته بشكل كبير أمام توسع الإسلاميين؛ ما ساعد النظام بشكل كبير جدًا كي يظهر نفسه للعالم أنه يحارب الإرهاب.

وكان لعدد من الدول دور في دعم هذه الجماعات الجهادية مثل السعودية التي أفسحت المجال لرجال الدين لجمع الأموال وإرسالها إلى الفصائل الإسلامية، وحسب تقرير لوكالة «رويترز»، قالت فيه إن السعودية دعمت تشكيل فصيل جيش الإسلام الجهادي المناوئ لتنظيم «القاعدة» بالمال والسلاح، والعجيب أن أفكار هذا الفصيل أول تشكيله كانت قريبة من أفكار القاعدة، (لاحقًا وبعد أربع سنوات تغير هذا الفصيل، وتبنى أفكار الجيش الحر بعد توقف الدعم السعودي عنه)، كما أن رجال الدين شجعوا عددًا من الشباب السعوديين المتحمسين، ودعموهم بالمال، وأرسلوهم إلى القتال إلى جانب التنظيمات الأكثر تشددًا مثل «داعش» و«القاعدة»، وكذلك فعلت العديد من الدول منها الأوروبية التي غضت الطرف عن توجه عدد من مواطنيها للقتال في سوريا، ربما في سبيل التخلص منهم.

يقول الناشط والإعلامي السوري محمود طلحة لـ«ساسة بوست» أن: «قضية ظهور «داعش» و«القاعدة» مع انطلاق الثورة السورية، كان له الأثر الكبير على الواقع العسكري والسياسي، حيث كانت ما بين 60 – 70% من الجغرافية السورية خاضعة لسيطرة فصائل الثورة، كما كان الدعم المقدم للثوار من الدول كبير جدًا، وتربع هذه التنظيمات المتشددة في المشهد العام، ساعد النظام السوري كثيرًا في ترويج روايته على أنه يحارب الإرهاب».

يضيف طلحة أن «الدعم الدولي تحول من إسقاط نظام الأسد إلى محاربة التنظيمات المصنفة على قوائم الإرهاب العالمية، وحصر الدعم العسكري والسياسي لمحاربة هذه التنظيمات فقط، وهذا الأمر ساعد نظام الأسد لتجميع قواه وتنظيم صفوفه خاصة بعد التدخل الروسي العسكري المباشر، ومن ثم تمكنه من إعادة السيطرة على العديد من المناطق، حيث قدم ظهور هذه التنظيمات خدمة كبيرة للنظام لتأكيد كلامه المتكرر عن أنه يحارب الثورة التي يعتبرها إرهابية؛ ما أضعف موقف الثورة السورية السياسي والعسكري أمام المجتمع الدولي».

ومن ناحية أخرى يقول طلحة إن «هذه التنظيمات عملت على القضاء على الفصائل المعتدلة، حيث تسببت بمقتل عدد من قادات الجيش الحر وأيضًا ملاحقتهم؛ ما أدى إلى هروبهم خارج البلاد»، يضيف طلحة بما يخص تنظيم «القاعدة» الذي يحمل اسم «جبهة النصرة أو (هيئة تحرير الشام)» أنها «أنهت أكثر من 30 تنظيمًا عسكريًا من الفصائل المعتدلة والإسلامية المناوئة لها، والتي كانت تعتبر فصائل كبيرة حاربت النظام السوري، مثل «جبهة ثوار سوريا» و«حركة نور الدين الزنكي» و«جيش المجاهدين» و«حركة حزم» وغيرها، كما أنها قتلت واعتقلت وضيقت على النشطاء والإعلاميين السوريين الذين كانوا واجهة ثورية ومعتدلة أمام الإعلام العالمي».

7- التدخل الإيراني والروسي يقلب الموازين

مع اندلاع الثورة السورية السلمية في مارس (أذار) 2011، ومن ثم تحولها إلى حرب مسلحة بسبب القمع الشديد والعنيف من قبل النظام السوري، وانشقاق الآلاف من عناصر الجيش السوري وتحولهم إلى فصائل مسلحة معارضة تسيطر على المدن والقرى والأحياء. أضعف هذا الأمر النظام كثيرًا؛ ما أدى لتدخل ايران لدعم الأسد عسكريًا، فتم إرسال آلاف العناصر من المليشيات التي يغلب عليها الطابع الطائفي الشيعي، وكذلك تدخل «حزب الله» اللبناني إلى جانب النظام السوري.

لكن هذا الأمر لم يوقف تقدم المعارضة ولم يضعف قوتها أيضًا، حتى أن العاصمة دمشق كانت مهددة بالسقوط بعد عملية عسكرية شنتها المعارضة عام 2015 تمكنت فيها من السيطرة على مناطق مهمة وإستراتيجية في محيط دمشق، تلا ذلك مباشرة تدخل روسيا بشكل رسمي في الحرب السورية المشتعلة بتاريخ 30 سبتمبر (أيلول) 2015.

التدخل الروسي المباشرة غير خارطة السيطرة في سوريا بشكل كبير لصالح النظام السوري، إذ كان أكثر من ثلثي مساحة سوريا تحت سيطرة المعارضة السورية وتنظيم «داعش»، أما الأن فقد باتت أكثر 60% تحت سيطرة النظام، حيث كانت الألة العسكرية الروسية مدمرة جدًا وقوية حيث استخدمت سياسة الأرض المحروقة، الأمر الذي أجبر المعارضة على الانسحاب أمامها في كثير من الأماكن، في الوقت الذي لا تملك فيه فصائل المعارضة أي قوة قد تؤهلهم للوقوف في وجه طائرات وصواريخ الروس التي أدت لمقتل ما لا يقل عن 6 آلاف و686 مدنيًا بينهم ألف و928 طفلًا منذ تدخلها العسكري في سوريا.

8- حظر السلاح النوعي عن فصائل المعارضة

ساهمت جميع الدول الداعمة للثورة وتلك العدوة لها بمنع السلاح النوعي عن فصائل المعارضة، على الرغم من قطع العديد من الدول العربية والأوروبية وأمريكا علاقتها مع النظام السوري وأكدت دعمها لمطالب الشعب السوري، إلا أنها في الوقت ذاته منعت وصول السلاح النوعي إلى يد الفصائل المقاتلة.

أدى هذا الأمر لإبطاء عملية إسقاط النظام السوري كثيرًا، فلو سمحت الدول بوصول مضادات الطيران على سبيل المثال لفصائل المعارضة، لما وصل القتلى في الحرب السورية إلى هذا العدد، ولتم إضعاف النظام، حيث إنه جل اعتماده أصلا يتمثل بقوته الجوية فقط، وهو ما لا تملكه فصائل المعارضة على الرغم من امتلاكهم لمطارات مؤهلة لإقلاع الطائرات منها.

وتعزو الدول منع وصول السلاح النوعي إلى فصائل المعارضة والذي كان من الممكن أن يشكل فارقًا كبيرًا في الحرب السورية؛ إلى تخوفها من وصول هذا السلاح إلى أيدي تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، ولكن في الحقيقة فإن تنظيم القاعدة ظهر بقوة في السنة الثانية من بداية الثورة السورية، ولكن قرار حظر أي سلاح نوعي كان منذ اليوم الأول للثورة.

حرمان فصائل المعارضة من حقها في الدفاع عن نفسها وامتلاك القوة التي تسمح لها بمقارعة النظام وروسيا؛ جعل من المناطق الخاضعة لسيطرتها تتعرض للمجازر اليومية والموت الذي لا يتوقف، كما أن الطيران الذي كان يسرح في الأجواء ويستهدف كل شيء أنهى فكرة عمل مشروعات، أو منشآت، أو حتى مشافٍ، وهو الأمر الذي أدى لهروب المدنيين ولجوئهم إلى الدول المجاورة وأوروبا؛ ما أفقد المعارضة خزان بشري كبير كان من الممكن أن يساعدها في مواجهة النظام وروسيا.

من جهته اعتبر الإعلامي أحمد نور الرسلان، أن عدم امتلاك فصائل المعارضة للسلاح النوعي في مواجهة الترسانة العسكرية الكبيرة للنظام وبعدها روسيا وإيران، كان له الأثر الكبير في تغلب الأطراف الأخيرة، مستدركًا بالقول: «ومع ذلك استطاعت فصائل المعارضة الصمود في معارك كبيرة بأسلحة بسيطة وتقليدية والأمثلة كثيرة حتى اليوم».

ولفت نور إلى أن «امتلاك النظام وحلفائه الأجواء عبر الطائرات الحربية والمروحية والمسيرة منها، كان عاملًا رئيسًا لتفوق تلك القوى في المعركة، والتي كان لها دور كبير في عمليات التدمير، وكذلك تحقيق التقدم العسكري عبر عمليات التمهيد الناري المكثف للقوات على الأرض، والتي لم تستطيع التقدم لأي منطقة دون سلاح الجو».

وأشار نور إلى أن «هناك قرار دولي منذ بدايات الحراك الشعبي السوري، يمنع توريد أي سلاح نوعي، لاسيما مضاد الطيران للمعارضة، حتى أن الدول الغربية عملت على تجريد تلك الفصائل من المضادات التي اغتنمتها عبر معاركها مع النظام لمنع استخدامها، حيث إن امتلاك فصائل المعارضة لمضادات الطيران الجوية الفاعلة، سيغير المعادلة العسكرية بشكل سريع في سوريا من خلال تحييد سلاح الجو، وبالتالي يكون الفصل الميدان على الأرض، وهذا سيكون في صالح الفصائل على حساب النظام وحلفائه جميعًا، إن حصل».

9- ظهور «قسد» والدعم الأمريكي

كان عام 2014 أول ظهور لمجموعة مسلحة كردية في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة (شمال شرق سوريا)، عرفت باسم «قوات حماية الشعب الكردية» وانتشر مقاتليها في عدة قرى وبلدات، وكانت علاقتهم مع النظام السوري ندية، لكنها لم تتطور إلى القتال العنيف بينهما، وانتهت بانسحاب جيش النظام من مناطقهم مع السماح للمؤسسات المدنية والأمنية بالاستمرار في العمل، على عكس علاقتهم مع الجيش الحر والفصائل الكردية المؤيدة للثورة، التي اتسمت بالصراع العنيف، ومحاربتهم وطردهم من العديد من المناطق.

أما بالنسبة للدعم المقدم لهم فقد كان في بادئ الأمر من «حزب العمال الكردستاني» الذي أرسل قياداته وعناصره إلى الأراضي السورية قادمين من جبال قنديل العراقية ومن الأراضي التركية للعمل على إنشاء مناطق حكم ذاتي كردية، وهذا ما يتعارض مع أفكار الثورة السورية بشكل كامل.

كانت سيطرة داعش على مدينة عين العرب (كوباني) شمال شرقي محافظة حلب، النقطة المحورية في ازدياد رصيد الوحدات الكردية في الأوساط الدولية، حيث وقعت معارك عنيفة جدًا مطلع عام 2015، وانتهت بسيطرة الأكراد على المدينة بدعم جوي من الطائرات الأمريكية، وتطور الدعم الأمريكي لهم حين تم تشكيل جسم عسكري «مكون من العديد من الفصائل العسكرية من بينها فصائل من الجيش الحر من أبناء المناطق التي احتلتها داعش» تحت مسمى قوات سوريا الديمقراطية «قسد» وعمودها الفقري هو وحدات حماية الشعب الكردية، وكانت مهمة هذا التشكيل هو محاربة داعش فقط.

إلا أنها حاربت وسيطرت على العديد من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الجيش الحر خاصة في ريف حلب الشمالي، وتجدر الإشارة إلى أن الوحدات الكردية مصنفة على أنها مجموعة إرهابية في القوائم التركية، ولذلك تدعم أنقرة الجيش الحر في مواجهتهم.

10- إسرائيل تفضل نظام الأسد

«إسرائيل أبلغت روسيا أنها تعتبر بشار الأسد أفضل لها من سواه، بالرغم من أنها لا تؤيده»

هذا ما قاله الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، وبسبب علاقات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا وأيضًا في روسيا، فيرى محللون كثر أن سبب صمود النظام لغاية هذا الوقت هو عدم رغبة تل أبيب وتخوفها من تغيير جذري لبنية النظام السوري الذي لم يطلق رصاصة واحدة منذ صعود عائلة الأسد واستيلائها على الحكم.

تتخوف إسرائيل من سقوط النظام السوري وتفضل الأسد ليس حبًا فيه بل لأنها تعتبره أفضل السيئين، والسيئين هنا بنظرها هم الجماعات الإسلامية التي تملك تاريخ طويل في الصراع معهم مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وترغب إسرائيل باستمرار حالة الاستقرار السائدة منذ 40 عامًا على حدودها مع سوريا بفضل سياسات عائلة الأسد الحاكمة.

ولا بد هنا أن لا ننسى تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حين قال: إن «إسرائيل لا مشكلة لديها بشار الأسد، ولا تعارض استعادة سيطرته على سوريا حال إبعاد الإيرانيين من البلاد، وعلى مدى 40 عامًا لم يتم إطلاق رصاصة واحدة على مرتفعات الجولان».

هذه الرغبة الإسرائيلية بضرورة الحفاظ على النظام السوري شريطة إبعاد الخطر الإيراني من سوريا، انعكس تمامًا على السياسة الدولية المحابية لإسرائيل وتخوفها من ظهور نظام يهدد أمنها لاحقا، وباتت التصريحات الدولية تسير بإتجاه عدم رغبتها بإسقاط الأسد، ولكنها تريد تغيير سياسات النظام تجاه شعبه بالتوقف عن قتله، وأيضًا وربما الأهم لها تجاه العلاقات التي تربطها مع إيران.

يقول الكاتب السوري أحمد أبازيد لـ«ساسة بوست»: «بالطبع كانت إسرائيل عاملًا مساعدًا لسيطرة النظام خاصة على الجنوب السوري، كما أن إسرائيل لا تريد دولة ديمقراطية بقربها يتغير نظامها كل أربع سنوات، وتفضل أنظمة ديكتاتورية طويلة الأمد» واعتبر أن «القبول الإسرائيلي بالنظام السوري مقابل منع الوجود الإيراني لم يحصل، بل على العكس من ذلك، فكل المناطق التي تمدد فيها النظام بفضل روسيا تمددت فيها إيران أيضًا خاصة في الجنوب السوري».

وفي الحقيقة أن إسرائيل أكثر دولة استفادت من الحرب السورية، إذ يتم السماح لها بضرب التموضع الإيراني في سوريا متى ما تشاء ودون تدخل روسي، كما أن الجميع ما زالوا يتقاسمون كعكتهم من الأرض السورية، ولكن إسرائيل قد أخذت قطعتها وضمتها بعد اعتراف أمريكا بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل.

المصـــدر

المزيد
من المقالات