صنّفت الأمم المتحدة الأزمة السورية كأسوأ كارثة من صنع الإنسان، منذ الحرب العالمية الثانية ([1])،وقد شملت آثارها المأساوية كلّ صعد الحياة في سورية، وتسببت في قدر هائل من القتل والتشويه والنزوح والدمار، وأودت بحياة أعداد كبيرة من السوريين، فضلًا عمّن سببت لهم إعاقات دائمة أو شردتهم أو شتتهم أو دمّرت ممتلكاتهم أو أفقرتهم وأقعدتهم في براثن الفاقة والعوز.
في 5 كانون الثاني/ يناير 2020، ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” أن الحرب في سورية تسببت، منذ اندلاعها عام 2011، في اختفاء ومقتل 585 ألف شخص، إضافة إلى إصابة مليوني شخص بجروح مختلفة وإعاقات دائمة، كما تسببت في نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان، داخل البلاد وخارجها، حيث شردت نحو 12 مليون مواطن، منهم مئات آلاف الأطفال ومئات آلاف السيدات، بين مناطق اللجوء والنزوح، وفضلًا عن الخسائر البشرية، أحدث النزاع منذ اندلاعه دمارًا هائلًا في البنى التحتية، قدرت الأمم المتحدة تكلفته بنحو 400 مليار دولار([2]).
ووفقًا لثماني منظمات حقوقية دولية وسورية، منها العفو الدولية و(هيومن رايتس ووتش) والمرصد السوري لحقوق الإنسان، هناك عشرات آلاف المخفيين قسرًا والمحتجزين تعسفًا لا يزال مصيرهم مجهولًا، ويقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان وجود نحو 200 ألف مفقود في سورية، نصفهم تقريبًا في سجون النظام، وقد حمّلت هذه المنظمات الثماني الحكومة السورية وجماعات مسلحة معارضة للدولة وتنظيم (داعش)، مسؤولية “إخفاء الآلاف بشكل قسري”([3]).
هذه بعض عيّنات معاناة السوريين المأساوية الراهنة، وتسلّط هذه الدراسة بعض الضوء على الخسائر البشرية في صفوف السوريين، والأخطار المختلفة المحدقة بحيواتهم.
1- العمليات الحربية وقصف المناطق المدنية
تتعدّد في سورية جبهات الصراع العنيفة، حيث تصارعت الفصائل المعارضة مع القوات الحكومية، وتصارعت الجماعات المسلحة -في كثير من الأحيان- مع بعضها البعض صراعًا لا يقلّ ضراوة عن صراعها مع القوات النظامية، ولا سيما الفصائل الإسلامية المتطرفة، وقد تسببت كل هذه المعارك في خسائر بشرية ومادية فادحة في كل أحوالها، بسبب الاشتباكات في المناطق المدنية أو تعرّض هذه المناطق المأهولة للقصف من قبل أطراف النزاع.
وفقًا لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، في 15 آذار/ مارس 2018، تمّ توثيق مقتل أكثر من 370 ألف شخص([4]) منذ اندلاع النزاع، وقد ارتفع العدد مع مطلع عام 2020 إلى 380 ألفًا و636 شخصًا، بينهم أكثر من 115 ألف مدني، منهم نحو 22 ألف طفل، وأكثر من 13 ألف امرأة، وفي وقت لاحق -كما ذكرت شبكة العربي الجديد- أفادت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في تقرير لها، أنها وثقت مقتل 29375 طفلًا على أيدي أطراف النزاع الرئيسة في سورية حتى 20 تشرين الثاني/ نوفمبر، من بينهم 22864 قُتلوا على يد قوات النظام، و2005 على يد القوات الروسية، و958 على يد تنظيم (داعش)، و66 على يد “هيئة تحرير الشام”، كما قتلت (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد) 225 طفلًا، وقُتل بيد قوات “الجيش الوطني” 992 طفلًا، وقُتل 925 طفلًا في هجمات لقوات التحالف الدولي، و1340 طفلًا قُتلوا على يد جهات أخرى([5]).
2- التعذيب والإعدام
وفقًا لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، يُقدّر عدد مَن توفـّوا من جراء التعذيب في المعتقلات الحكومية أو المفقودين والمخطوفين لدى مختلف الجهات، منذ بداية الصراع في سورية، بنحو 88 ألف شخص([6]).
وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” قد أعلنت في الثاني من كانون الثاني/ يناير 2019 مقتل 976 شخصًا، بسبب التعذيب، في سورية في عام 2018، وقد سجّلت محافظة ريف دمشق الإحصائية الأعلى من حيث حصيلة الضحايا بسبب التعذيب، حيث بلغت 271 شخصًا ([7]).
ولا يقتصر التعذيب على جهة واحدة محددة، فقد وثقت الشبكة -مثلًا- مقتل عشرة أشخاص، بسبب التعذيب على يد قوات “الإدارة الذاتية” وخمسة آخرين على يد جهات أخرى، في عام 2018([8]). واتهمت منظمة العفو الدولية في شباط/ فبراير 2017 النظامَ السوري بإعدام نحو 13 ألف شخص، بين 2011 و2015 في سجن صيدنايا قرب دمشق، وقالت إن تلك الإعدامات تضاف إلى 17.700 قتيل في السجون أحصتهم المنظمة من قبل([9]). واتّهمت المنظمات الثماني التي سبق ذكرها الفصائلَ المقاتلة في سورية، ومنها “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وغرب محافظة إدلب، بارتكاب “عمليات الخطف والتعذيب والإعدام بإجراءات موجزة”([10]).
3- الاختطاف
لم يعد الاختطاف في سورية اليوم ظاهرة يمكن إدراجها في عداد الجرائم الفردية النادرة، بل أصبح ظاهرة منتشرة شديدة الخطورة تزيد من معاناة السوريين في كل أنحاء سورية، وكثيرون منا لديهم معارف تعرضوا أو تعرض ذووهم لهذا الخطر، وقد أعلنت إحصاءات قضائية في تموز/ يوليو 2017 أن عدد حالات الخطف المسجلة في البلاد خلال سنوات الأزمة تجاوز 8 آلاف حالة ([11]).
وترتبط أسباب هذه الظاهرة المقترنة بالأزمة الكارثية التي تمرّ بها البلاد، بحالتي التدهور الاقتصادي والفلتان الأمني اللذين سببتهما هذه الأزمة، أو بالصراعات العنفية التي تجري في هذه الأزمة، والغاية من الاختطاف غالبًا هي الحصول على فدية مالية أو المساومة على المخطوفين لإطلاق سراح معتقلين أو مخطوفين آخرين، وفي أحيان عديدة يتم قتل المخطوفين.. إما للضغط على ذويهم لدفع الفدية، عندما يكون هناك أكثر من مختطف من منطقة أو عائلة واحدة، أو بغرض الاتجار بأعضائهم الحيوية، وقد يتم القتل أحيانًا لأسباب انتقامية شخصية، أو سياسية حيث يتم أحيانًا قتل المخطوفين، عندما تفشل عملية المساومة.
وعلى الرغم من كثرة حالات الخطف، وندرة الحالات التي تتدخل فيها الأجهزة الرسمية التي باتت تتصرف في معظم الأحيان التي يتعرض لها الناس للخطف كأن الأمر لا يعنيها؛ ما زالت الجهات المسؤولة تتابع أسلوبها التقليدي التضليلي، الذي يتم فيه تقزيم أو تجاهل المخاطر، فوفقًا لما قاله رئيس فرع الأمن الجنائي بدمشق وليد عبد للي، في تصريح لصحيفة “الوطن” في وقت سابق: “جرائم الاختطاف محدودة، وترصدت لها الكوادر العاملة في وحداتنا الشرطية، وكانت النتائج في هذا المجال ممتازة”، فيما اعتبرت وزارة الداخلية أن ما يتم تداوله من حالات خطف مجرّد شائعات([12]).
4- الإرهاب
إضافة إلى العمليات الحربية وما تُلحقه من قتل ودمار بالمدنيين والمناطق المدنية، يسقط كثير من المدنيين ضحايا للأعمال الإرهابية التي تحدث في الأماكن العامة، كالتفجيرات بالعبوات الناسفة أو بالسيارات المفخخة أو بالعمليات الانتحارية، أو الهجمات على المناطق المدنية، والتي تدبرها وتنفذها غالبًا الجماعات التكفيرية التي يتصدرها اليوم (داعش).
لا توجد حتى اليوم إحصاءات توثق عدد ضحايا العمليات الإرهابية في سورية، ولكن هذه الأعمال التي تزايدت وتيرتها كثيرًا أو ظهرت كليًا خلال الأزمة التي أفرزت العديد من هذه التنظيمات، تسببت في مقتل كثير من السوريين، أو في إصابتهم بإعاقات دائمة، وقد تسبب هجوم (داعش) على قرى محافظة السويداء، مثلًا، في 25 تموز/ يوليو 2018، في مقتل أكثر من 215 شخصًا وجرح أكثر من 180 آخرين([13]).
5- تجارة الأعضاء
تجارة الأعضاء البشرية هي أيضًا إحدى الظواهر الخطرة التي اتسعت خلال الأزمة السورية، وأصبح لها عصاباتها ومافياتها التي تستغلّ الوضع المعيشي والأمني المتدهورين في سورية، ولم تعد هذه الظاهرة (التي أصبحت تمارس علانية تقريبًا) تقتصر على من يحتاج إلى كلية، أو قرنية، بل تعدّتها إلى إعلان بعضهم رغبتهم في بيع جزء من كبده، أو عرض شبان بيع خصيته، بحسب ما أورده اختصاصي أمراض البولية والتناسلية الطبيب عمار عبد الفتاح، وكالعادة ألقى إعلام النظام المسؤولية على الخارج المتآمر، إذ قالت صحيفة (البعث)، في تحقيق لها عن خطورة هذه التجارة، إن أعضاء المرضى غير مرغوبة لتلك المافيات التي ترتبط بدول هدفها التآمر على (سورية) بكل الوسائل([14]).
لا تتوقف تجارة الأعضاء البشرية في سورية على عمليات البيع، فكثيرًا ما يتم ذلك بطرق قسرية، عبر عمليات الاختطاف التي تجد فرصها المناسبة في ظروف النزاع والنزوح والفلتان الأمني، التي كثيرًا ما يكون ضحاياها من الأطفال، وقد وثقت هيئة الطب الشرعي في مدينة حلب 18 ألف حالة سرقة أعضاء بشرية في شمال سورية، خلال 6 سنوات بين عامي 2011 و2016([15]). وفي كثير من الأحيان، تكون هذه الحالات مقترنة بالموت، إما بسبب القتل المتعمد للضحايا، أو بسبب سوء الظروف الطبية التي تتم فيها عمليات انتزاع الأعضاء، وفي العديد من الحالات، كانت الضحايا فتيات تعرضن للاغتصاب قبل القتل.
6- الجرائم الجنائية
الجرائم الجنائية هي أيضًا إحدى الظواهر الخطرة التي كثر انتشارها في سورية، والقتل المتعمد أو غير المتعمد هو أحد أنواع هذه الجرائم التي باتت تشكل عاملًا من العوامل التي تهدد حياة السوريين اليوم، وأسبابه تتعدد، من السرقة إلى السطو وتجارة الأعضاء وجرائم الجنس وخلافات المجرمين بين بعضهم والشجار والثأر وسواها.
وقد صُنّفت سورية كأكثر دولة خطرة بين الدول العربية، وجاءت في المرتبة الـ 16 عالميًا بين 118 دولة، من حيث معدّل الجريمة في العالم، وفقًا لإحصائية “مؤشر الجرائم في العالم” لعام 2019 التي نشرها موقع (NUMBEO) المتخصص بالإحصائيات حول العالم وجمع البيانات عن مستويات المعيشة عالميًا ([16])، وكانت سورية في المركز العاشر عالميًا، من حيث ارتكاب الجريمة، في إحصائية الموقع نصف السنوية للعام 2020([17]).
ومع ذلك، يضرب المسؤولون السوريون بهذه المعطيات عرض الحائط، ويدّعون أن سورية تأتي في آخر التصنيفات الدولية، من حيث نسب الانتحار ونسب جرائم القتل، مكذبين بذلك كل الإحصائيات، كما جاء على لسان زاهر حجو، مدير”الهيئة العامة للطب الشرعي”، الذي قال في تصريحات لوسائل إعلامية موالية إن سورية تأتي في المرتبة الأخيرة عالميًا، في عدد حالات الانتحار والجريمة([18]).
6- جرائم الشرف
جرائم الشرف هي أحد أشكال الجريمة التي ما تزال معروفة ومبررة عمومًا في الموروث الاجتماعي التاريخي العميق الجذور في سورية، وهي ليست من إنتاج الأزمة الراهنة، إلا أن معدلاتها ارتفعت بوضوح في الأزمة، ويرتبط هذا بمفاعيل الأزمة نفسها، من انهيار اقتصادي وفلتان أمني وانتشار عشوائي للسلاح ونزوح وما شابه، وخلال الأزمة ارتفعت معدلات جرائم الشرف في سورية إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل الأزمة، وفقًا لما كشفه القاضي أحمد البكري، رئيس غرفة الجنايات في محكمة النقض، لصحيفة “الوطن” السورية في 4 تموز/ يوليو 2016([19]).
ومن الجدير ذكره أن بلدان العالم تحتفل، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، بـ “اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف”، حيث يتم في هذا اليوم تكريس الجهود لمناهضة العنف ضد مرتكبي جرائم الشرف، وبخاصة في الدول العربية، ويرجع تاريخ الاحتفال بهذا اليوم إلى 29 تشرين الأول من عام 2009، على إثر صدور حكم من إحدى محاكم الجنايات السورية ببراءة قاتل لشقيقته ادّعى قتلها باسم “الشرف”، ما دفع “مرصد نساء سورية” والمدافعات السوريات عن حقوق المرأة إلى التنديد بهذه الواقعة وتنظيم وإطلاق حملة عالمية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تمكنّ خلالها من جمع أعداد كبيرة من المؤيدين للحملة والرافضين لقرار المحكمة، وصار اليوم الذي وقعت فيه هذه الجريمة يومًا عالميًا للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف([20]).
7- الانتحار
تسببت الأزمة الكارثية التي يمرّ بها السوريون أيضًا في ازدياد حالات الانتحار، التي صارت اليوم ظاهرة ملموسة بين شرائح المجتمع السوري المختلفة، بسبب المآسي التي سببتها الأزمة وتدهور الأحوال المعيشية، وعجز كثيرين عن احتمال وطأة مشقات الحياة، التي لا يجدون مخرجًا أو خلاصًا منها، إلا بوضع حد لحياتهم بأنفسهم.
وبهذا الصدد، كشف رئيس الطبابة الشرعية في سورية الدكتور زاهر حجو، في الآونة الأخيرة، عن ارتفاع نسبة حالات الانتحار في سورية، بحسب إحصائية حديثة أجريت في بداية أيلول/ سبتمبر الفائت، وقال حجو في حديث إلى إذاعة “المدينة” المحلية، في اليوم العالمي للانتحار في 10 أيلول/ سبتمبر 2020، إن هناك 116 حالة مسجلة منذ بداية عام 2020، 18 منها لأشخاص دون الـ 18، وبيّن أن حالات الانتحار تضمنت 86 من الذكور و30 من الإناث، وأنها توزعت بين الشنق، وهو الأكثر اتباعًا، يليه الطلق الناري، ورمي النفس من الأماكن العالية، والتسمم، وقد شملت الإحصائية جميع المحافظات السورية، باستثناء إدلب والرقة ودير الزور([21]).
8- الغرق أو الموت برّا خلال الهجرة
الغرق بدوره أصبح أحد أسباب الموت الشائعة بين السوريين، خلال الأزمة التي ترزح فيها بلادهم، وأصبح خطرًا يحصد أرواح كثيرين منهم في أثناء فرارهم على مراكب الموت، من ويلات بلادهم وما فيها من فقر أو تشرد أو اضطهاد. ومنذ بداية الأزمة، غرق مئات المهاجرين السوريين في البحر المتوسط، في طريقهم إلى حلم الخلاص الأوروبي على متن قوارب مكتظة متهالكة تفتقر إلى أبسط معايير الأمن والسلامة.
ووفقا لما ذكرته وكالة (الأناضول) الإخبارية في 4 نيسان/ أبريل 2019، يقوم “مركز تحليل بيانات المهاجرين العالمي”، في برلين، ضمن إطار مشروع “المهاجرون الضائعون”، بجمع إحصائيات حول اللاجئين منذ عام 2014، وفي لقاء مع الأناضول، قالت المسؤولة في المشروع مارتا سانشيز ديونيس، إن تحديد هويات الضحايا أمر واجب لتسجيل أرقام دقيقة حول أعداد الغرقى، وأضافت: “قد يغرق اللاجئون، وتبقى جثامينهم في البحر، وفي حالات أخرى لدى استخراج الجثامين، قد لا يتمكن الموظفون المعنيون من تسجيل معلومات الجثث، ويشكل هذا الأمر عائقًا أمامنا بخصوص تسجيل أرقام دقيقة حول جنسيات الغرقى”، وبشأن أعداد الغرقى السوريين بالبحر المتوسط، خلال السنوات الخمس الأخيرة، أوضحت ديونيس: “لقد تمكنّا من تحديد جنسية 497 غريقًا سوريًا…” وأضافت: “وتمّ كذلك تسجيل وفاة 298 سوريًا، في مناطق أخرى منها تركيا والعراق ولبنان، ووفاة 33 شخصًا خلال محاولة العبور إلى أوروبا برًا”، وأشارت إلى غرق 67 طفلًا سورية، في الفترة نفسها، وأكّدت في ختام حديثها أن هذه الأرقام ليست دقيقة، وأنها أقل بكثير من الأرقام الحقيقية([22]).
9- حوادث السير
حوادث السير أيضًا ارتفعت في سورية أثناء الأزمة، وهذا يعود بشكل رئيس إلى تردّي الحالة الفنية لقسم كبير من المركبات، بسبب عدم قدرة أصحابها على صيانتها، أو بسبب استبدال القطع المتالفة فيها بقطع رخيصة قليلة الجودة لا تفي بالغرض، أو بسبب تفشي الغش في هذه القطع نفسها، كما الحال في سواها من المواد، أو بسبب سوء حالة الطرق وعدم إجراء الصيانات اللازمة لها من قبل الدوائر الرسمية المعنية، أو بسبب الازدحام والاكتظاظ في العديد من المناطق، بسبب النزوح، أو بسبب تنامي الفساد وحصول كثير من الأشخاص غير الأكفاء على رخص قيادة، أو قيامهم بالقيادة بدون رخص.
ووفقا “للمركز السوري للطقس والمناخ”، فقد ازدادت خلال الأشهر الماضية حوادث السير المميتة التي تنتج عن “الدهس” و”الاصطدام” في العاصمة دمشق، وتزايدت مع خروج كثير من الأنفاق وجسور المشاة عن الخدمة، وفي كثير من تلك الحوادث القاتلة، لم يكلف المتسببون بها أنفسهم حتى مسؤولية إسعاف المصاب، وخاصة مع خروج أغلب كاميرات الرادارات عن الخدمة.
ويذكر المركز أن عدد الحوادث التي حصلت عام 2018 كان 3281، منها 2001 حوادث مادية، و1212 حوادث جسدية، و68 حادث وفاة، أما من بداية العام 2019 ولغاية 25 حزيران/ يونيو منه، فقد بلغ مجموع حوادث السير 1511، منها 878 حوادث مادية، 596 حوادث جسدية، 37 حوادث وفاة، وذلك بحسب الأرقام والإحصائيات التي قدمتها “إدارة المرور بدمشق”([23]).
9- الجلطات القلبية والدماغية
الجلطات القلبية هي الأخرى ارتفعت بوضوح، في فترة الأزمة، وهذا بالطبع متربط بالمفاعيل الكارثية لهذه الأزمة التي تفسد معيشة وصحة السوريين على مختلف الصعد.
وبحسب الدكتور حسان باشا، اختصاصي أمراض القلب، فإن الجلطة القلبية التي تصيب الشباب بعمر الثلاثين والأربعين تعود لأسباب كثيرة، كالتدخين وارتفاع كوليسترول الدم وارتفاع الضغط الشرياني وداء السكر وغياب النشاط البدني والسمنة والتعرّض للضغوط النفسية، ويؤكد الطبيب باشا أن الجلطات ارتفعت في الآونة الأخيرة نتيجة الضغوط التي زادت بسبب الأوضاع الراهنة للبلاد وخسارة عدد كبير من السوريين ممتلكاتهم وأموالهم، إضافة إلى ظروف النزوح الصعبة، إذ أدى ذلك إلى نشوء عوامل تزيد احتمال الإصابة بالجلطات الدماغية والقلبية([24]).
وفي دراسة نشرتها الجارديان في وقت سابق، واعتمدت فيها على بيانات لمنظمة الصحة العالمية؛ احتلت سورية المرتبة الثانية في قائمة أكثر عشر دول في العالم ارتفاعًا، في معدلات وفيات الشباب، ووفقًا للجارديان، فإن 579 من بين كل 100 ألف شاب تراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا يموتون بأسباب مختلفة، كالعنف والأمراض([25]).
ووفقًا لموقع “الحل” السوري، نقلًا عن رئيس هيئة الطب الشرعي في سورية حسين نوفل، في 3 حزيران/ يونيو 2016، فقد ارتفعت نسبة الوفيات بسبب الجلطات الدماغية أو القلبية إلى نحو 70% من مجمل الوفيات في سورية، بعد أن كانت لا تتجاوز قبل الحرب 40%، وكانت النسبة الأكبر من نصيب الذكور، وقد أكد نوفل أن “الجلطات بشكل عام ارتفعت كثيرًا، نتيجة الضغوط التي ازدادت من المشاكل الحزينة بسبب الأوضاع الراهنة للبلاد وخسارة عدد لا بأس به من المواطنين لعقاراتهم وأموالهم، وهو ما أدى إلى نشوء عوامل الجلطات القلبية والدماغية”، وأضاف أن “ليس كل الجلطات تؤدي إلى الوفاة، وهناك كثير من المصابين أصيبوا بشلل نصفي، أو فقدوا شيئًا من حاسة السمع أو البصر، كما في الجلطات الدماغية التي تعد من أخطر أنواع الجلطات”([26]).
وذكرت جريدة “الشرق الأوسط”، نقلًا عن المدير العام للهيئة العامة لمشفى الباسل لأمراض وجراحة القلب في دمشق، الطبيب دياب الفاعوري، أنه تم في العام 2017 إجراء أكثر من 1700 عملية جراحة قلب مفتوح، و8 آلاف قسطرة قلبية، بعد أن كانت في بدء الأزمة 4700 عملية قسطرة، وذكرت الصحيفة أن عدد المصابين بالأمراض القلبية في سورية، بلغ نحو مليون مصاب، معظمهم راوحت أعمارهم ما بين 28 إلى 60 عامًا، مؤكدة أن عدد المصابين بالأمراض القلبية الذين تجاوزت أعمارهم 28 سنة بلغ نحو 250 ألف مصاب، وأشارت إلى أن عدد المصابات من النساء وصل إلى 150 ألفًا، معظمهن تجاوزن سن اليأس([27]).
10 – فيروس كورونا
بالرغم من أن وباء كوفيد 19 الذي يسببه فيروس كورونا المستجد ليس من منتجات الأزمة السورية، فإن انتشاره في سورية ليس بعيدًا قطعًا عن تداعياتها ولا عن الأسباب الأساسية التي أدت إلى اندلاعها، وفي طليعتها الفساد المستشري الذي زادت حدته وحجمه فيها ازديادًا كبيرًا. وعلى الرغم من أن الوباء يتفشى في البلاد التي تعاني انهيارًا كارثيًا في بناها التحتية ومنها القطاع الصحي، يتمّ التعامل معه اليوم باستهتار كبير، على المستويين الرسمي والشعبي، وتكاد إجراءات الأمان تكون نادرة، حتى على مستوى المدارس المهددة بالتحول إلى بؤر لانتشار الوباء، وما يزال المسؤولون يصرون بعناد عجيب مشبوه على متابعة الدوام فيها، بالرغم من شدة اكتظاظها، وبلوغ عدد الطلاب فيها قرابة الخمسين طالبًا في القاعة الواحدة أحيانًا، في وقت تكاد تنعدم فيه إجراءات الأمان في معظم المدارس، ويحذر العديد من الأطباء من أن الوباء في سورية دخل في العديد من المناطق مرحلة الانفجار، ويتحدثون عن اكتظاظ المستشفيات بالمصابين، في وقت لا تكفي فيه القدرات الصحية للمشافي للعناية بهم!
فقد حذّرت مثلًا مصادر طبيّة في محافظة السويداء من دخول قرى وبلدات في المحافظة مرحلة الانفجار الوبائي، نتيجة ارتفاع عدد الإصابات اليومية بفيروس كورونا المستجد، وقال الطبيب عمر العيسمي الاختصاصيّ في قسم العزل بمشفى صلخد جنوبي السويداء: “إنّ المدينة والقرى المجاورة لها قد تدخل في مرحلة الانفجار الوبائي، على إثر ارتفاع عدد الإصابات اليومية بالفيروس في السويداء”، وذكر العيسمي -عبر فيديو تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي- أن عدد وفيات فيروس كورونا في تصاعد، وطالب الجهات الرسمية وجميع فئات المجتمع بالتعاون لإيقاف انتشار الفيروس، وأكد ضرورة إيقاف المدارس مدة أسبوعين، إذ إنها تعدّ الخطر الأكبر في نقل العدوى وانتشار المرض([28]). لكن القرار الرسمي ما يزال يصم آذانه عن سماع هذه الأصوات، وهذا ليس غريبًا على سلطةٍ تقمع وتكمّ هذه الأصوات، إن هي عارضت أو خالفت إرادتها المغرضة، كما فعلت مع عميد كلية الطب د. نبوغ العوا الذي أقيل بسبب خلافه بالرأي مع وزير التربية حول افتتاح المدارس!
ووفقًا لبيانات (غوغل)، بناءً على المعطيات الرسمية، بلغ عدد المصابين في سورية حتى 28 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت 7635 إصابة، شفي منها 3389، وتوفي 404. لكن بعض الأطباء يقولون إن هذه الأرقام أقل بكثير من الأرقام الحقيقية، التي يُخفى قسم كبير منها بسبب التعتيم الإعلامي المتعمد، ويعود القسم الآخر بشكل رئيس إلى محدودية القدرة على إجراء الاختبارات الطبية اللازمة للتأكد من الإصابة.
خلاصة:
ما تقدّم من أرقام لا يستنفد كل أبواب الموت التي فتحت على مصراعيها، خلال الأزمة المدمرة في سورية، وما تزال مفتوحة لتبتلع المزيد من حيوات السوريين، ولا يوثق كلَّ أعداد من فقدوا حياتهم فيها، والأرقام الحقيقية التي ربما تكون أكثر من ذلك بكثير لا يعلمها أحد حتى اليوم! وكل تلك الأرقام ما تزال قابلة للزيادة، فلا المعارك انتهت، ولا انتهى معها الموت والدمار المباشران، وما يزال الخطف والتعذيب مستمرين على قدم وساق، وما زالت المعيشة تتدهور وتتسارع وتيرة تدهورها وتزداد معها آثار هذه التدهور، وما تزال الهجرة حلمًا لأكثرية السوريين، ولكنها بدلًا من أن تصل بكثيرين منهم إلى أرض الأحلام الموعودة تزهقُ أرواحهم على قوارع طرقها. وما يزال الحلّ بعيدًا، وبعيدًا بالقدر ذاته عن قدرة السوريين على صنعه، وليس أمام السوريين سوى انتظار معجزة ما قد يطول انتظارها، لتخلصهم من الكارثة التي تتخبط بلادهم فيها، وإن شاهدها العالم، فهو يشاهدها بدون اكتراث!
[1] – جريدة الرياض سورية أسوأ كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية تدخل عامها السابع، 16 آذار 2017.
[2] – سوريا بعد 9 سنوات من الحرب 585 ألف ضحية ومليونا جريح، الشرق الأوسط- العدد 15013، بيروت – لندن، يناير 2020.
[3] – نحو 200 ألف.. ما مصير المختفين قسريا في سوريا؟ قناة الحرة، 30 آب 2019.
[4] – المرصد السوري – أكثر من 370 ألف قتيل حصيلة الحرب في سوريا- أخبار DW 15.03.2019.
[5] – الشبكة السورية توثق مقتل أكثر من 29 ألف طفل منذ 2011، العربي الجديد، 20\11\2020.
[6] – سوريا بعد 9 سنوات من الحرب 585 ألف ضحية ومليونا جريح، مرجع سابق
[7] – نحو 200 ألف.. ما مصير المختفين قسريًا في سوريا؟ مرجع سابق.
[8] – شبكة حقوقية مقتل 976 شخصًا بسبب التعذيب في سوريا العام الماضي، أخبار DW عربية، 02.01.2019.
[9] – تسع سنوات على حرب سوريا إحصائيات بالخسائر، صحيفة الزمان Azzaman، 12 آذار 2020.
[10] – نحو 200 ألف.. ما مصير المختفين قسريا في سوريا؟ مرجع سابق.
[11] – مسؤول نظامي تراجع حالات الخطف في دمشق بنسبة 80 %، موقع عكس السير، 22\تموز\2017.
[12] – إيمان حمراوي، الخطف في سوريا… سلاح جديد يهدّد السوريين بعد انهيار الاقتصاد، راديو روزنة، 02 تموز 2020.
[13] –ارتفاع عدد ضحايا هجمات داعش على محافظة السويداء إلى نحو 215 قتيلا – RT Arabic، 26\07\2018.
[14] – فؤاد عزام، انتشار تجارة الأعضاء البشرية في سوريا.. ما دور المافيات؟ تلفزيون سوريا، 23 تشرين الأول 2020.
[15] – أحمد الليثي & إسلام أحمد، 18 ألف حالة سرقة أعضاء بشرية في سوريا خلال 6 سنوات، صحيفة المدينة، 29 تشرين الثاني 2016.
[16] – بالأرقام.. تعرفوا على معدلات جرائم القتل المرتكبة بسوريا خلال 2020 ، سناك سوري، 15\10\2020.
[17] –أسبوع الجرائم الفظيعة بمناطق متفرقة في سوريا.. تعرف على الأسباب، شبكة الجزيرة، 9\7\2020.
[18] – بالأرقام.. تعرفوا على معدلات جرائم القتل المرتكبة بسوريا خلال 2020، مرجع سابق.
[19] – تصريح غير مسبوق عن جرائم الشّرف في سوريا! شبكة العربية، 5\7\2016
[20] – أمينة فؤاد، في ذكرى الاحتفال به.. جريمة سورية تصنع يومًا عالمياً لضحايا الشرف، بوابة الوفد الإلكترونية،29 تشرين الأول 2019.
[21] – الشنق هو الأكثر اتباعًا.. زيادة ملحوظة في حالات الانتحار في سورية، موقع بوابة سوريا، 10 أيلول 2020.
[22] – البحر يبتلع مئات السوريين وأحلامهم في حياة آمنة، وكالة الأناضول، 04\04\2019.
[23] – 3281 ’حادث سير‘ في دمشق العام الماضي .. المركز السوري للطقس والمناخ.
[24] – في سوريا … مليون شخص مصاب بالأمراض القلبية، أنا إنسان، 12\08\2018.
[26] – أسامة مكية، ارتفاع نسبة الوفيات بالجلطات القلبية 70% خلال سنوات الحرب في سوريا، الحل نت، 3 حزيران 2016.
[27] – «الجلطة القلبية»… معاناة جديدة للسوريين جراء «ضغوط» الحرب الشرق الأوسط، العدد 14893، 07 أيلول 2019.
[28] –كورونا.. تحذيرات من دخول السويداء مرحلة الانفجار الوبائي، تلفزيون سوريا، 16 تشرين الثاني 2020.